خبراء سياسيون: إيران تفرض معادلاتها رغم التصعيد الإسرائيلي لإضعاف موقفها التفاوضي

نشرت صحيفة اعتماد الإصلاحية، الأحد 15 يونيو/حزيران 2025، تقريرا ذكرت فيه تصريحات لإسماعيل كرامي‌ مقدم الناشط السياسي الإصلاحي، و غلام علي جعفر زادة،  النائب السابق والمحلل في الشؤون السياسية، في حوار أجرته معهما حول أبعاد الرد الإيراني على العدوان الإسرائيلي الأخير، وانعكاساته على مكانة إيران التفاوضية، ودلالاته العسكرية والسياسية في ظل استمرار التوتر الإقليمي والمفاوضات مع الولايات المتحدة.

الصواريخ الباليستية والفرط صوتية دليل على قدرة إيران

نقلت الصحيفة عن كرامي‌ مقدم، قوله إن إيران لطالما أظهرت أنها في مواجهة الغطرسة والنزعة الحربية تنتهج طريق المقاومة، مع استعدادها في الوقت نفسه للقبول بالاحترام المتبادل، والحوار العقلاني، والالتزام بالقانون.

وأفاد مقدم في تعليقه على الحرب التي أشعلتها إسرائيل والردّ الإيراني الحازم عليها، أنه في الواقع، لم تُصدم إيران وحدها بالعدوان الجبان الذي شنّته إسرائيل، بل صُدم العالم بأسره، إذ إنه في خضمّ المفاوضات الثنائية بين إيران والولايات المتحدة، أقدمت إسرائيل، التي تُعد بمثابة ذراع تنفيذية لأمريكا في المنطقة، على شنّ هجوم عسكري مباشر ضد إيران. 

وأضاف أنه مسار يعكس السلوك المتناقض وغير الطبيعي للمسؤولين الأمريكيين، إذ يطالبون من جهة بالمفاوضات، ومن جهة أخرى يشعلون فتيل الحرب.

ونقل عن المرشد الأعلى الإيراني قوله إن هذا الهجوم لا يمكن حتى وصفه بعملية إرهابية أو هجوم بالوكالة، بل يُعد عملا عسكريا مباشرا ضد إيران. وبعبارة أوضح، فإن الإسرائيليين، بالتنسيق مع الأمريكيين، هم من فرضوا الحرب على إيران. وهي حقيقة سيسجلها التاريخ أن إيران لم تبدأ الحرب أبدا، بل فُرضت عليها من قِبل الإسرائيليين والأمريكيين.

وتابع أنه عقب هذا العدوان، نفّذت القدرات العسكرية الإيرانية عمليات ردع وهجوم مضاد، حيث أُطلقت الصواريخ الباليستية وفائقة السرعة الإيرانية باتجاه المطارات والقواعد العسكرية الإسرائيلية. ومن الواضح أن الشعب الإيراني لا يعرف التراجع أو الرضوخ، فالتاريخ يشهد على مقاومته المستمرة للقوى المتغطرسة والخارجية.

وأردف أن إسرائيل لم تكن تتوقع ردا بهذا الحجم والاتساع من جانب إيران. وللأسف، فإن المحافل الدولية إما التزمت الصمت، أو أنها لم تكن تملك القدرة على مواجهة هذه السلوكيات غير الطبيعية. وكان الهدف من هذه الضغوط أن تُجبر إيران على التراجع في المفاوضات، رغم أن إيران كانت قد قبلت برقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأعلنت التزامها بأنشطتها وفق اتفاقية حظر الانتشار النووي (NPT).

وقال إن “المطالب المبالغ فيها من الجانب الأمريكي حالت ـ للأسف ـ دون التوصّل إلى أي نتيجة في هذه المفاوضات حتى الآن”.

وشدّد على أن “أي نظام يتولى الحكم في إيران، أيا كان، ينبغي له أن يواجه مثل هذه المطالب المفرطة وأشكال البلطجة”، مؤكدا أن التراجع أمام غطرسة القوى الكبرى سيُفضي إلى تقديم تنازلات إضافية في ملفات أخرى أيضا.

وأوضح أنه على سبيل المثال، إذا قبلت إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة صفر في المئة، فإن الولايات المتحدة ستسعى لاحقا إلى فرض شروط تتعلق بحجم العقود، وقيمتها، ومدد تنفيذها، ومستوى جودتها، ونوعية المعدات المستخدمة، وسائر التفاصيل الأخرى.

وأورد أنه لم يكن هناك خيار سوى المقاومة في التفاوض مع الولايات المتحدة. فهذا الهجوم الجبان وغير القانوني يُعد خرقا صريحا للقوانين الدولية، إذ لا يجوز شنّ هجوم عسكري على بلد ما في خضمّ مفاوضات دبلوماسية معه.

وذكّر بأن “إيران، رغم فقدانها قادة كبارا وذوي قيمة، واستشهاد عدد من علمائها النوويين، وسقوط ضحايا أبرياء من شعبها، فإن شجاعة هذا الشعب وسعيه نحو الاستقلال والحرية قد سُجلا في أنصع صفحات التاريخ”.

وأكَّد أنه لن ينسى التاريخ أن هذا الشعب، في وقت لم يجرؤ فيه أي بلد آخر على الوقوف في وجه المتغطرسين، صمد ودافع عن حق المظلوم. ويجب أن يدرك الغربيون أن السبيل إلى الاتفاق مع إيران يمر عبر الاحترام المتبادل، والابتعاد عن سياسات الفرض والتسلط.

وأبرز أنه صحيحٌ أن إيران تتحمل أضرارا أيضا، لكن وجودها في منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الجيوسياسية يجعل أمنها مرتبطا بشكل وثيق بالأمن الإقليمي والعالمي.

وصرَّح بأنه إذا استمرّت ممارسات الغطرسة من قِبل إسرائيل وأمريكا، فإن المنطقة والعالم لن يعرفا طعم الأمن. يجب وضع حد لجرائم إسرائيل وعملياتها في قتل الأطفال، وإلا فإن شعبا عريقا كإيران سيقف بوجه هذا النظام المصطنع والقاتل.

وبيَّن أنه في هذه الحالة، فإن الطرف المقابل سيتكبّد خسائر كبيرة، وهذه الخسائر ستمتد أيضا إلى حلفاء أمريكا في المنطقة. فإيران، بشعبها الشجاع والغيور، ستواصل درب الصمود والمقاومة، وستُواصل حتما خطواتها نحو انتزاع حقوقها.

وأبلغ أنه على الولايات المتحدة أن تدرك أن التوصّل إلى اتفاق ومفاوضات ناجحة بين إيران وأمريكا لا يمكن أن يتحقق من خلال الغطرسة والبلطجة والحرب، بل عبر المنطق، والاحترام المتبادل، والسلوك العقلاني.

وأفاد بأن إسرائيل قد تتمكن من الاستمرار بهذه الطريقة لفترة محدودة، إلى أن تُدرك الشعوب الإسلامية أهمية التضامن والوحدة، وتقف جنبا إلى جنب في مواجهة هذا النظام الفاسد والمجرم وقاتل الأطفال.

الرد الحازم من إيران سيضع إسرائيل في مكانها المناسب

أوردت الصحيفة على لسان جعفر زادة، قوله بشأن الرد الحازم لإيران على المغامرات التي قام بها النظام الإسرائيلي: “أولا، ارتكب النظام الإسرائيلي خطأ فادحا، قابله ردٌّ إيراني حازم. فبعملية هجومية جبانة فجر يوم الجمعة 13 يونيو/حزيران 2025، نجح النظام في الوصول إلى مبتغاه باغتيال عدد من قادتنا العسكريين، لكن إيران ردّت بعملية أشمل وأوسع، لتُظهر أنها لا تمزح إطلاقا في قضية السيادة الوطنية”.

وأضاف أن “النقطة المهمة هنا أن شخصيات مثل القائد سلامي، واللواء باقري، وغيرهما من أعزّائنا، كانوا يتمنّون الشهادة، وكان أقصى ما يرجونه هو نيل الشهادة في سبيل الإسلام، وإيران، والشعب، على يد النظام الإسرائيلي. وبذلك، فإن استشهادهم يُعدّ نصرا لإيران أيضا”.

وتابع أن ردّ إيران كان حازما للغاية، وأثبت أن إيران مستعدة لحماية سيادتها الوطنية وأمن شعبها في وجه أيّ اعتداء خارجي.

وأشار إلى أن إسرائيل أنفقت سنوات طويلة في الاستثمار في منظومتها الدفاعية المعروفة بالقبة الحديدية، وكانت تعتبر اختراقها أمرا مستحيلا. إلا أن إيران تمكّنت من كسر هذه المنظومة، وأوصلت صواريخها إلى عمق تل أبيب وحيفا وغيرها. ويجب الحفاظ على هذه القدرات العسكرية، وتسخير جميع إمكانيات الدولة لحمايتها وتعزيزها.

وأردف أن المسألة الجديرة بالإهتمام هي وجود بعض الثغرات في المنظومتين العسكرية والأمنية الإيرانية. فعلى الرغم من كل ما أنفقته إيران على بناء هاتين المنظومتين، فإن هناك ثغرات باتت واضحة، وقد أدّت هذه الثغرات إلى استشهاد عدد من أثمن وأبرز الكفاءات العلمية والفنية والتخصصية في إيران على يد هذا النظام.

وأكَّد أنه يجب أن تكون إحدى الأولويات بعد تجاوز هذه المرحلة هي معالجة تلك الثغرات، وإعادة بناء المنظومات الأمنية والاستخباراتية. ومن هذا المنظور أيضا، فإن الأحداث الأخيرة تصبّ في مصلحة إيران، لأنها ستؤدي إلى عملية تطهير وإصلاح في القطاعات العسكرية والأمنية المختلفة.

وأشار إلى مساعي العدو لعرقلة التقدّم العلمي في إيران، وقال: “سمعت اليوم أن الخبير بالذكاء الاصطناعي والتقني مجيد تجن قد استُشهد أيضا. وهذه الشخصية لم تكن لها أي صلة بالمجال العسكري، ولا علاقة لها بالسياسة، بل كان عالما في مجال الذكاء الاصطناعي، لا يوجد له نظير ثانٍ”.

ونوَّه إلى أن هذا المسار يُظهر بوضوحٍ أن المشكلة الحقيقية للغرب والولايات المتحدة مع إيران، ليست في البرنامج النووي أو غيره من الذرائع، بل في قدرات إيران العلمية والتكنولوجية. فتلك المواضيع ليست سوى حجج لوقف النمو العلمي لإيران.

وأوضح في ما يتعلق باستمرار المفاوضات أو توقفها بين إيران والولايات المتحدة، أنه – على نحو استثنائي – كان من الأنسب أن يشارك وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في جلسة المفاوضات المقررة الاثنين 16 يونيو/حزيران 2025، ليُقدّم الحجة الأخيرة، ويُبلِغ الجانب الأمريكي بوضوحٍ أن عدم كبح إسرائيل سيترتّب عليه عواقب ستتحملها الولايات المتحدة بالكامل.

وأبرز أن المستشارين غير الأكفّاء الذين يُحيطون بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب وسائر المسؤولين الأمريكيين أوحوا إليهم بأنه لا بد من الحديث مع إيران بلغة القوّة، لكن الأمر ليس كذلك؛ فالإيرانيون يصمدون في وجه لغة القوّة، وهم مُتّفقون على ذلك.

وشدّد على ضرورة إدراك الجميع أنَّه، ورغم الانتقادات التي قد تُوجَّه في الداخل إلى أداء بعض المسؤولين أو الحكومات، فإنَّ الإيرانيين، بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم، يتوحّدون في لحظة العدوان العسكري والدفاع عن سيادة إيران، لمواجهة العدو الخارجي صفا واحدا.

وفي الختام أوضح أنه إذا كان ترامب والولايات المتحدة يرغبان في التوصّل إلى اتفاق مع إيران لتحقيق مكاسب داخلية على الساحة الأمريكية، فعليهم أن يُخاطبوا إيران، وشعبها، ونظامها، بلغة الاحترام والإنصاف.