- زاد إيران - المحرر
- إيران, روسيا, متميز
- 65 Views
ترجمة: یارا حلمي
نشرت صحیفة “ھمشھري أونلاین” الإیرانیة الإصلاحیة، حوارا أجراه روح ﷲ مدبر، الخبیر الإیراني في الشؤون الروسیة، یوم الأربعاء 19 مارس/آذار 2025، حول الضرورات الاستراتیجیة لتعزیز العلاقات بین طھران وموسكو.
ذكرت الصحیفة أنه في ظل اعتبار توقیع الاتفاقیة الشاملة للشراكة الاستراتیجیة بین إیران وروسیا، العام الماضي، نقطة تحول في علاقات البلدین، یبدو أن الاستفادة الفعالة من الإمكانات المتاحة، خصوصا في ظل التحولات الإقلیمیة والدولیة المتسارعة، تتطلب أولا تسھیل العملیات وتھیئة الظروف المناسبة، خاصة في المجال الاقتصادي.
تعزیز العلاقات
صرح روح ﷲ مدبر، في حدیثه مع الصحیفة، قائلا: “أول نقطة في العلاقات الثنائیة ھي أن الوضوح في طرح القضایا یمكن أن یساعد في حل المشكلات، وإزالة العقبات، وتحقیق المصالح الوطنیة”.
وأضاف مدبر أن أبرز ما لفت الانتباه في العلاقات بین إیران وروسیا خلال العام الماضي كان توقیع الاتفاقیة الشاملة للشراكة الاستراتیجیة بین البلدین. وقال: “تم التوصل إلى ھذا الاتفاق بعد متابعة مستمرة من الجانب الروسي، وكما نعلم، فقد أعربت روسیا مرارا على مدى أكثر من أربعة أشھر، عن استعدادھا لتوقیع ھذا الاتفاق، وفي النھایة، تحركت طھران في ھذا الاتجاه وتم التوقیع علیه”.
وأكد قائلا: “ما یھم الآن ھو أن ھذه الاتفاقیة الاستراتیجیة یجب ألا تظل مجرد توقیع بروتوكولي، بل یجب أن تدخل حیز التنفیذ والتطبیق الفعلي بشكل جاد. یمكن القول بثقةٍ إن روسیا مستعدة بجدیة لتعمیق علاقاتھا مع إیران”.

اقتراح استراتیجي
وأكّد مدبر ضرورة تعیین جھة محددة في إیران لمتابعة تنفیذ ھذه الاتفاقیة، بھدف التغلب على العقبات البیروقراطیة والنھج المعطل، قائلا: “اقتراحي ھو أن یتولى المجلس الأعلى للأمن القومي، خاصة أمینه، ھذه المسؤولیة”.
وأشار إلى أن المجلس الأعلى للأمن القومي، باعتباره ھیئة علیا تضم جمیع المؤسسات والھیاكل والوزارات، یتمتع بصلاحیات واسعة. وأضاف: “یمكن لأمین ھذا المجلس، الذي یحتل منصبا أعلى من الوزراء، متابعة تنفیذ الاتفاق عبر الأجھزة الحكومیة والوزارات والمؤسسات المعنیة.
ومن ناحیة أخرى، بما أن رئیس المجلس ھو رئیس الجمھوریة، فإن أمین المجلس یمكنه أن یؤدي دورا فعالا في متابعة تنفیذ ھذه الاتفاقیة وجعلھا عملیة”.
وتابع قائلا: “الیوم ھناك حلقة مفقودة في العلاقات بین إیران وروسیا، وھي بطء تنفیذ المشاریع والخطط والاتفاقیات. ھذا الأمر أدى إلى انخفاض مستوى علاقاتنا التجاریة مع روسیا”.
وأضاف أن حجم التجارة بین إیران وروسیا لا یزال ضئیلا للغایة، فعلى الرغم من جمیع اللقاءات والزیارات على مختلف المستویات، فإن صادرات إیران إلى روسیا، حتى بعد إزالة العدید من العقبات التجاریة، لم تتجاوز 2 ملیار دولار. والسبب الرئیسي في ھذا الوضع ھو غیاب جھة مسؤولة محددة لمساءلة الأجھزة المعنیة عن سبب عدم تنفیذ الاتفاقیات.
آفاق التحولات الدولیة
وفی ما یتعلق بالتطورات الدولیة، صرح مدبر قائلا: “أصبحت الانقسامات العالمیة أكثر وضوحا من أي وقت مضى. ففي الوقت الذي تزایدت فیه الفجوة بین الولایات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تصاعدت العداوة ضد إیران من الدول الأوروبیة، خاصةً الترویكا الأوروبیة (بریطانیا، وفرنسا، وألمانیا). كما أن الغرب قد شَكل جبھة واسعة لمواجھة إیران، وھذه واحدة من السمات الجوھریة للتحولات في النظام العالمي الجدید”.
وأكد مدبر قائلا: “في ظل ھذه الظروف المتسارعة والمشحونة بالتوتر، یجب على طھران أن تُرسخ توجھھا بثبات، وتعزز وجودھا بجدیة في التحالف مع روسیا والصین”.
وأشار إلى أن الرئیس الأمریكي دونالد ترامب یتبنى حالیا نھجا یبدو، على الأقل ظاھریا، كأنه محاولة لخفض التوتر مع روسیا. وأضاف: “من اللافت أن الروس، حتى في ظل تراجع حدة توترھم مع الولایات المتحدة تدریجیا، لا یزالون یواصلون تعزیز وتوسیع علاقاتھم مع إیران”.
وقال مدبر: “ھذا یُظھر أن موسكو لدیھا خطة جادة لتطویر علاقاتھا مع طھران. لھذا، یجب أن نستفید من ھذه الفرصة، حتى في ظل تخفیف التوتر بین روسیا وأمریكا، بما یخدم مصالحنا. لقد أكدت مرارا أن انخفاض التوتر بین ھاتین القوتین یمكن أن یكون لصالح إیران، وعلینا استغلال ذلك”.
المقولة الخاطئة لأنصار التوجه الغربي
كما أكد أن بعض العناصر الموالیة للغرب داخل البلاد تسلك مسارا خاطئا، قائلا: “إنھم یظنون أنھم قادرون على استغلال التوتر بین الولایات المتحدة والاتحاد الأوروبي، عبر روسیا، للحصول على مكاسب؛ لكن ھذا التصور خاطئ تماما بنسبة 100%”.
وأضاف: “بریطانیا وفرنسا وألمانیا، حتى لو واجھت أعمق خلافاتھا مع الولایات المتحدة، لن تستغل ھذا التباعد لمساعدة إیران أبدا. ھذا الأمر واضح وملموس تماما، حیث نرى الآن كیف أن ھذه الدول تقود حملة الاتھامات ضد إیران في الملف النووي”.
وأشار إلى أن إیران یمكنھا استغلال الفرص المتاحة وتعزیز علاقاتھا مع الصین في الوقت نفسه. وقال: “الإشارات القادمة من بكین وموسكو، وضمن ذلك الاجتماع الذي عُقد في أواخر مارس/آذار 2025 في بكین، تؤكد الرغبة الجادة لھذین البلدین في توسیع التعاون مع إیران”.
لعبة رابحة للطرفین
وفی ما یتعلق بالتعاون الأمني والدفاعي بین إیران وروسیا، قال مدبر: “في المجالين الأمني والعسكري، نظرا إلى وجود جھة مسؤولة واضحة، وھي الأركان العامة للقوات المسلحة، إضافة إلى وجود استراتیجیة ومصالح محددة، فإن التقارب مع روسیا والصین یسیر بشكل جید”.
وأكد قائلا: “في المجال السیاسي، یجب أن نوسع علاقاتنا مع روسیا بشكل ملحوظ. من الضروري أن یكون ھناك تواصل مستمر ومتزاید بین عباس عراقجي وزیر الخارجیة الإیراني، وسیرغي لافروف وزیر الخارجیة الروسي”.
وأشار مدبر إلى أن “عراقجي لم یقم حتى الآن بزیارة ثنائیة مباشرة لموسكو”. وتابع قائلا:
“یجب أن یكون وزیر خارجیتنا على تواصل وثیق مع نظیره الروسي، خاصة في ظل الظروف الحالیة، حیث تزداد التوترات الدولیة وتتسارع التحولات في النظام العالمي الجدید”.
خطوات ضروریة
وأوضح مدبر، متحدثا عن الخطوات القادمة في العلاقات بین طھران وموسكو، قائلا: “الخطوة الأولى ھي تفویض الأمین العام للمجلس الأعلى للأمن القومي لمتابعة جمیع الأمور المتعلقة بروسیا. یجب على جمیع الأجھزة أن تكون مسؤولة أمام أمین المجلس بشأن التقدم في المجالات الاقتصادیة، والسیاسیة، والاجتماعیة، والسیاحیة، وغیرھا”.
وأضاف: “النقطة الثالثة ھي تغییر النظرة إلى النظام الغربي، فالنظام العالمي الجدید یتقدم بمحاور تختلف تماما عن النظام الغربي. وعندما یتزاید الانقسام بین أمریكا وأوروبا، فإن أوروبا، التي لا تستطیع ضمان أمنھا بدون الولایات المتحدة، تتجه نحو زیادة الضغط على طھران”.
وقال مدبر: “في ظل ھذه الظروف، أصبحت أوكرانیا، التي كانت نفسھا أداة لإثارة الأزمة ضد روسیا من قبل الولایات المتحدة، ورقة مساومة في صفقات القوى الكبرى بعد ھزائمھا المتكررة.
وقد استبعد الأمریكیون الأوروبیین من أي محادثات تتعلق بأوكرانیا، مما یدل على التغیر في النظرة إلى النظام العالمي الجدید”.
إرسال رسالة قوة في ظل ظروف التھدید والتصعید
أكد أن الإجراء الرابع ھو تعزیز المجال الاستخباراتي والدفاعي والأمني، حیث یجب توسیع التحالف الدفاعي-الأمني ومواصلة إجراء المناورات العسكریة المتعددة. وأضاف: “یمكن أن تؤدي ھذه الإجراءات، في إطار صیغة أمنیة جدیدة، إلى إنشاء تحالف قوي یعزز قدرات إیران على الردع”.
كما أشار إلى أن إیران قد قدّمت مقترحات في مجال الأمن السیبراني (الأمن الإلكتروني) إلى روسیا، وقد لاقت اھتماما من الجانب الروسي. وقال: “ھذه التعاونات تلعب دورا وقائیا ورادعا في مواجھة تھدیدات الغرب، وضمن ذلك استخدام المنصات الرقمیة لأغراض الدعایة، والتجسس، والتخریب، مما یسھم في تشكیل دبلوماسیة أمنیة قویة”.
وأضاف: “الغرب والعناصر الموالیة له حاولوا التقلیل من البعد الأمني للتوافق الاستراتیجي بین إیران وروسیا، مدّعین أن ھذه التعاونات تثیر قلق الترویكا الأوروبیة. الترویكا نفسھا تسعى الآن إلى تفعیل آلیة الزناد ضد إیران بذریعة الاتھامات النوویة، لذا، یجب التصدي للعناصر الموالیة للغرب التي تحاول إخراج تعاوننا مع روسیا من الأطر الدفاعیة والأمنیة”.
وأكد مدبر أنه في ظل بیئة ملیئة بالتھدیدات، “یجب أن نرسل رسالة قوة. یجب أن تدرك الترویكا الأوروبیة والولایات المتحدة أن لدینا اتفاقا أمنیا وعسكریا واستخباراتیا مع روسیا”.
ورقة إیران الرابحة
أكد مدبر أن قضیة أوكرانیا كانت تجربة كبیرة أثبتت أن الولایات المتحدة لا تتفاوض إلا مع دولة تمتلك ورقة رابحة. وقال: “ورقتنا الرابحة ھي تعزیز التحالف الأمني والدفاعي مع روسیا، مما یعزز أیضا باقي مجالات التعاون”.
وأضاف: “كذلك، یجب أن نستفید من القدرات الخاصة لروسیا في المنظمات الدولیة. خلال الأشھر القلیلة الماضیة، تولىّ الروس زمام المبادرة وفعّلوا آلیاتھم السیاسیة لمساعدة إیران، ویجب علینا استغلال ھذه الورقة”.
وختم قائلا: “مجموع ھذه الإجراءات یمكن أن یعمّق علاقاتنا، كما أن التحالف مع روسیا یستمر فقط عندما یكون ھناك في طھران أشخاص مؤثرون في الحكومة الإیرانیة یدیرون العلاقات مع موسكو بجدیة، وإلا فستظل علاقاتنا محصورة في اتفاقیات موقعة لكنھا تبقى حبیسة الرفوف دون تنفیذ، مما یبقي تجارتنا عند أقل من 2 ملیار دولار”.