العراق يرفض سداد ديونه لإيران بعملة محلية أو مشتركة

كتبت: لمياء شرف

يواجه العراق خلافاً مع إيران في طريقة سداد الدين المستحق لإيران والمتراكم نتيجة استيراد العراق واردات الغاز والكهرباء في الأعوام الماضية. ترغب إيران في أن يتم سداد ديونها باليورو أو بعملتها المحلية “الريال الإيراني” بسبب العقوبات الدولية التي تمنعها من التعامل بالدولار الأمريكي. ومع ذلك، فإن العراق يواجه تحديات كبيرة في قبول السداد بغير الدولار، بسبب المخاطر الاقتصادية والسياسية المرتبطة بهذه العملات.

يدين العراق لإيران بمستحقات متأخرة عن واردات الغاز والكهرباء خلال الأعوام الماضية تبلغ نحو 12 مليار دولار، إذ تمثل واردات الكهرباء والغاز من إيران ما يصل إلى 40% من إمدادات العراق من الطاقة.

أشار محمد شياع السوداني، رئيس وزراء العراق، في تصريحاته الأخيرة، إلى أن حجم الديون العراقية لإيران في تغير مستمر. وفي يوليو/تموز 2023، قدّر يحيى آل إسحاق، رئيس غرفة التجارة الإيرانية-العراقية، هذه الديون بنحو 10 مليارات دولار.

وأوضح أن هناك اتفاقاً بين البلدين على استخدام هذه الديون، التي يُحتفظ بها في بنك “TBI” العراقي، لشراء سلع غير محظورة مثل المواد الأساسية والأدوية.

رفض العراق

يرجع رفض العراق سداد ديونه لإيران بعملة مشتركة، لعدة أسباب مرتبطة بعوامل اقتصادية وسياسية، على رأسها العقوبات الاقتصادية الصارمة التي تخضع لها إيران من قبل الولايات المتحدة. كما أن التقلبات الاقتصادية الإيرانية وما تعاني منه العملة الإيرانية من تقلبات كبيرة وانخفاض في قيمتها بسبب التضخم المرتفع والضغوط الاقتصادية، يجعلان العراق في وضع المتردد في قبول السداد بالريال الإيراني؛ لما يتحمله من مخاطر تقلُّب قيمته.

إضافة إلى ذلك يخشى العراق من أن يواجه ضغوطاً دولية، خصوصاً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ لعدم التزامه بالعقوبات المفروضة على إيران. فسداد الديون بعملة مشتركة مع إيران قد يؤدي إلى تعقيدات قانونية أو إلى استهداف العراق بعقوبات ثانوية.

وفي تصريحات لمسؤولَين عراقيَّين لموقع “ميدل إيست آي”، قالا إن العراق فاقم أزمته المالية وأسهم في انخفاض قيمة عملته من خلال سداد ديونه لإيران بالدينار العراقي، وترتب على ذلك كفاح العملة العراقية مقابل الدولار منذ أن فرض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قيوداً جديدة على كيفية تداول البنك المركزي للبلاد بالدولارات التي يجنيها من مبيعات النفط.

وأدى ذلك إلى أزمة في السيولة، وفشلت الحكومة في دفع رواتب الملايين من الموظفين العموميين، وكذلك معاشات التقاعد والمدفوعات للمستفيدين الآخرين من برامج الرعاية الاجتماعية.

 “العراق أحد أكبر مستوردي السلع الإيرانية على مدى العقدين الماضيين، خاصةً الغاز والكهرباء والمواد الغذائية ومواد البناء، ويبلغ حجم التبادل التجاري الرسمي بين البلدين نحو 14 مليار دولار”

حسب تقرير النفط العراقي، الذي أعده مسؤولون عراقيون، فإن العراق بالفعل فعّل آلية جديدة لسداد ديونه لإيران من خلال مقايضة منتجات مكررة من مصافٍ عراقية؛ في محاولة لتسوية ديون تقدر بحوالي 11 مليار دولار تراكمت بسبب العقوبات الأمريكية والقيود المصرفية. بموجب الاتفاق، تختار إيران شركات لتحميل منتجات نفطية مكررة، مثل زيت الوقود عالي الكبريت، من العراق، وتبيعها الشركات نيابة عن إيران، على أن يتم خصم العوائد من ديون العراق لإيران، وتم اللجوء لهذه الصفقات؛ لتجنب العقوبات الأمريكية.

وأشار التقرير إلى أن هذا الاتفاق يسهم في تقليل الديون العراقية وفي الوقت نفسه يساعد إيران في الحصول على بعض التدفقات المالية بعيداً عن القيود الصارمة المفروضة على تحويل الأموال، كما أن هذه الصفقة الجديدة التي اعتمدها العراق لسداد ديونه المتراكمة لإيران تمثل تحركاً سياسياً واقتصادياً معقداً. 

على الطرف الآخر، ترغب إيران في أن يتم سداد ديونها من العراق باليورو أو بعملتها المحلية لتحسين أوضاعها الاقتصادية والمحلي، إلا أن العقوبات المفروضة عليها جعلتها تقبل بالتسوية وتأسيس شركة في العراق تعمل لصالح الحكومة الإيرانية، ويتم من خلالها تسديد الدين عن طريق  شراء سلع غذائية لتسديد ديون العراق المتراكمة نتيجة لاستهلاك الغاز والكهرباء.

وفي تصريح سابق لحميد حسيني، الأمين العام لغرفة التجارة الإيرانية العراقية، أشار إلى أن إيران والعراق اتفقا على تسوية المعاملات بين البلدين بالدينار العراقي أو اليورو، مؤكداً أن هذا الخيار تم اللجوء إليه بسبب صعوبة التعامل بالدولار. وأوضح أن العراق يدفع مقابل وارداته من الغاز والكهرباء الإيرانية بعملات بديلة، بسبب العقوبات المفروضة على النظام المالي الإيراني.

الموقف الأمريكي

كشف موقع واشنطن فري بيكون الأمريكي عن سماح إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بإعفاءات للعراق لدفع مبالغ شراء الغاز من إيران، مشيراً الى أن هذا الإجراء سيُمكِّن طهران من الحصول على أكثر من 10 مليارات دولار من الاموال التي كانت مجمدة بسبب العقوبات الأمريكية.

وأشار تقرير للموقع ترجمته وكالة شفق نيوز، الى أن “آلية الإعفاء من العقوبات التي تثير معارضة حادة من الحزب الجمهوري في الكونغرس، تسمح للعراق بتحويل مدفوعات مالية إلى إيران، كما أعربت مجموعة متزايدة من أعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري عن قلقهم بشأن تخطي العقوبات”.

وتابع التقرير أن الإعفاءات الأخيرة تسمح للعراق بتحويل الدينار إلى عملة اليورو، ثم تحويل المدفوعات إلى حسابات للبنوك الإيرانية في سلطنة عمان.

ونقل التقرير عن وزارة الخارجية الأمريكية، تأكيدها أنه من غير الممكن لإيران الوصول إلى هذه الأموال إلا في حال كانت تسعى إلى تسديد أثمان السلع الإنسانية مثل الغذاء والدواء.

إلا أن منتقدي الإعفاءات يقولون إن الأموال يمكن أن تستخدم لأغراض أخرى، وإن هذه الإعفاءات تسمح لإيران بالوصول إلى الأموال لكي تستخدمها في تمويل عمليات إرهابها العالمي، حسب التقرير.

ويجب الإشارة أن زيارة مسعود بزشكيان، الرئيس الجديد لإيران الحالية للعراق، تهدف للوصول بشكل أفضل لعائداتها من صادرات الغاز والكهرباء للعراق، ووفقا للتقارير، حتى منتصف عام 2022، سدد العراق معظم ديونه لإيران، واتخذ خطوات لتسوية ديون بقيمة 800 مليون يورو مستحقة على إيران لتركمانستان.

كلمات مفتاحية: