رجل الدين الإيراني المعتقل في السعودية.. حادث مفاجئ وردود فعل متباينة

في خضم موسم الحج لعام 1446 هـ، وبينما كانت الأنظار متجهة نحو جهود التقارب الإيراني السعودي بعد سنوات من التوتر، برز تطور خطير قد يعكر صفو هذه العلاقات مجددا.

فقد أعلنت وسائل إعلام إيرانية، الاثنين 26 مايو/أيار 2025، اعتقال رجل الدين الأصولي البارز وأحد مقدمي برنامج “محفل” المشهور بإيران، غلام رضا قاسميان، من قبل السلطات السعودية في أثناء زيارته للمدينة المنورة، وسرعان ما تحولت الحادثة إلى مادة للجدل في الداخل الإيراني، بين من يعتبرها اعتداء على الكرامة الدينية والوطنية، ومن يراها نتيجة لتصرفات فردية غير منضبطة.

A person with a beard and turban

AI-generated content may be incorrect.

تفاصيل الحادثة

وفقا للتقارير الرسمية، فإن قاسميان نشر مقطعا مصورا من المدينة المنورة، تحدث فيه بلهجة حادة ضد الحكومة السعودية، حيث وصف فيها حكام السعودية بـ”غاصبي وتجار القبلة”، وانتقد ما اعتبره تجاريا في إدارتهم للحج، كما شبَّه أجواء مكة والمدينة بما يجري في أنطاليا التركية من مظاهر سياحية، معتبرا أن المدينة المنورة أصبحت تشبه أنطاليا، في تعبير رمزي عن تراجع الطابع الروحي فيها، وفق رأيه.

وقد أثار المقطع حفيظة السلطات السعودية التي سارعت إلى اعتقاله، بحسب ما نقلته مصادر إيرانية، وأوقفت مؤقتا إصدار تأشيرات الحج للحجاج الإيرانيين، وهو إجراء حساس للغاية في ظل الأهمية السياسية والدينية لهذا الموسم.

ردود الفعل الإيرانية.. تباين واضح

هذا وقد انقسمت ردود الفعل الإيرانية حيال هذا الحدث، فمن جهته، أشار عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، خلال منشور له على منصة إكس، الثلاثاء 27 مايو/أيار 2025، إلى سياسة طهران الثابتة في تأكيد وحدة المسلمين، خاصة خلال موسم الحج، وقال إن “إيران تدين بصراحةٍ أي محاولة للإضرار بوحدة المسلمين، خصوصا في الأجواء الروحية للحج”.

A screenshot of a social media post

AI-generated content may be incorrect.

وأضاف وزير الخارجية الإيراني: “نحن مصممون على ألا نسمح لأي طرف بأن يلحق الضرر بعلاقاتنا الأخوية مع جيراننا، وضمن ذلك المسار الإيجابي المتقدم للعلاقات مع المملكة العربية السعودية”.

كما قدم عراقجي تحية خاصة للسلطات السعودية على ما وصفه الإدارة الجيدة والفعالة لحج هذا العام، مشيدا بجهود الحكومة السعودية في خدمة الحجاج، مضيفا: “مع صلواتنا ودعائنا للحكومة والشعب السعودي في استضافة حجاج بيت الله الحرام، نتمنى لهم النجاح والرفعة في هذا الطريق”.

كذلك، صرح علي رضا عنايتي، السفير الإيراني في الرياض، من خلال تغريدة على حسابه عبر منصة إكس، الثلاثاء 27 مايو/أيار 2025، معلقا على تلك الحادثة: “فجاءوا إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة من كل حدب وصوب، راجين فضل الله ومغفرته، وبلاد الحرمين الشريفين تكرم ضيوف الرحمن والحجاج الايرانيين، والسلطات السعودية تبذل قصارى جهدها لخدمتهم. والحجاج يراعون قدسية الحرمين ويلتزمون بالأنظمة الحاكمة ولا أحد يقبل الكلام السيئ والمسيء”.

A screenshot of a screenshot of a screenshot of a screenshot of a screenshot of a screenshot of a screenshot of a screenshot of a screenshot of a screenshot

AI-generated content may be incorrect.

وعلى النقيض من الموقف الحكومي، شنت بعض المنابر الإعلامية الأصولية حملة للدفاع عن قاسميان، واعتبرت اعتقاله إهانة لكل علماء الشيعة، حيث قال ميثم نيلي، مدير موقع رجا نيوز والعضو سابق في المجلس المركزي لجبهة الصمود والمقرب من سعيد جليلي، الشخصية الأصولية الأشهر: “إذا لا سمح الله، سقطت قطرة دم من أنف أحد الحجاج الثوريين، فإن كل المسؤولين السياسيين الذين تصرفوا بانفعال وقدموا تنازلات للدكتاتور الأجنبي سيكونون مسؤولين”.

كذلك، فقد كتب موقع رجا نيوز نفسه أنه “بعد اعتقال قاسميان بسبب انتقاده للوضع الثقافي في بلاد الوحي، أوقفت السعودية إصدار تأشيرات للحجاج الإيرانيين، هذا السلوك المهين يحدث بينما أبدى المسؤولون الحكوميون أقصى درجات اللين، حتى أن عباس عراقجي، وبدلا من الدفاع عن مواطن إيراني، مشغول بالدعاء والثناء على مسؤولي السعودية”.

A screenshot of a computer

AI-generated content may be incorrect.

أيضا، كتب موقع مشرق نيوز تحليلا للأمر، فقال: “إن اعتقال قاسميان في مكة، بغض النظر عن نوايا السعودية، هو أيضا إنذار داخلي بشأن ضعف التنسيق بين الهيئات المعنية بإيفاد الحجاج وبين الجهات السياسية والدبلوماسية، خصوصا في وقت تتولى فيه الدبلوماسية الإيرانية ملفات شديدة التعقيد كالمفاوضات مع الولايات المتحدة والعلاقات مع دول المنطقة، فقاسميان ليس ممثلا رسميا لإيران في الحج، وليس حاملا لرسالة سياسية، لكنه وجه معروف ومحبوب بسبب ظهوره في برنامج محفل، واعتقاله لاقى صدى إعلاميا واسعا، الأزمة التي نشأت نتيجة تصرفه كان يمكن تجنبها بإدارة أفضل”.

A close up of a white background

AI-generated content may be incorrect.

من جانبه، قدَّم موقع عصر إيران تحليلا للواقعة حيث كتب: “نشعر بالحزن أن أحد مواطنينا يواجه قضية أمنية في بلد آخر، لكننا نؤكد أن هذه الحادثة لا يجب أن تتحول إلى أزمة تمس مصالح إيران. من الواضح أن ما قام به هذا الشخص لا يليق بحجاج بيت الله الحرام، ولا يعكس احتراما لقوانين الدولة المضيفة أو لحرمة الأماكن المقدسة”.

ويتابع: “نذكر بأن مكة والمدينة تخضعان للسيادة السعودية، وأي ضيف يدخل هذا البيت يجب أن يحترم قوانينه، لا أن يهين مضيفيه باتهامات علنية بالفساد. أي شخص لديه عقل وتقوى لن يروج لمزاعم بوجود “مراكز فساد” قرب الحرمين، وهي مزاعم لا سند لها ولا يراها أحد غير صاحب الفيديو”.

وتساءل الموقع عن الدوافع وراء ذلك الفيديو، فقال: “لقد تم تقديم توصيات واضحة للحجاج قبل موسم الحج، وهذا الشخص كان يعلم أن تصرفه سيجر عليه المساءلة، فما الذي دفعه لنشر هذا الفيديو؟ أكان يسعى للشهرة؟ أم أنه مأمور بمهمة معينة لإثارة الفتنة في وقت حساس تشهد فيه العلاقات بين طهران والرياض تحسنا ملحوظا؟”.

ويضيف: “للأسف، رأينا سابقا كيف أضرت تصرفات فردية بعلاقات استراتيجية، كما في حادثة حرق السفارة السعودية. واليوم، يظهر من جديد من يحاول جرّ البلاد إلى أزمة لا ناقة لنا فيها ولا جمل، ونؤكد أنه يجب على إيران أن تعلن تبرؤها الواضح من هذه التصرفات غير المسؤولة، بل ونرى أنه، حتى لو أفرج القضاء السعودي عن هذا الشخص، فإن محاكمته في الداخل باتت ضرورية، ليُفهم أن الإساءة لمصالح الشعب ليست بلا ثمن”.

موقف السعودية.. صمت رسمي ورسائل ضمنية

حتى اللحظة، لم تصدر السلطات السعودية أي بيان رسمي بشأن الحادث، ولم تعلن بشكل مباشر أسباب الاعتقال. ومع ذلك، فإن قرارها بوقف إصدار تأشيرات للحجاج الإيرانيين يُفهم منه وجود استياء واضح من سلوك قاسميان، فيما رأى بعض المحللين أن هذا الصمت في حد ذاته رسالة إلى طهران، فالتسامح لا يعني القبول بالإهانات، وأن موسم الحج ليس ساحة للخطابات السياسية، سواء كانت من رجال دين أو مسؤولين.

من هو قاسميان؟

غلام رضا قاسمیان هو رجل دين إيراني ولد في 26 مارس/آذار للعام 1973 في طهران، درس الهندسة المدنية بجامعة شريف الصناعية، ويُعد من الأكاديميين الذين درسوا في جامعات بارزة مثل جامعة شريف، أمير كبير، وعلم وصنعت، منذ صغره أظهر اهتماما بالقرآن الكريم ونهج البلاغة، بالإضافة إلى عمله كمنشد ديني.

غلامرضا قاسمیان کیست؟+ بیوگرافی و سوابق

في عام 2009، أسس قاسمیان الحوزة العلمية التي حملت اسم مشكاة، والتي تهدف إلى نشر العلوم الدينية والثقافية. كما يعد قريبًا من السياسي المعروف ورئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، الذي قام بتعيينه رئيسا لمكتبة ومتحف ومركز وثائق البرلمان، هذا التعيين أثار جدلاً وانتقادات كبيرة في الأوساط السياسية والثقافية، وعلى الصعيد الإعلامي، شارك قاسمیان في برنامج محفل التابع للتلفزيون الإيراني كخبير وحكم قرآني.

غلامرضا قاسمیان کیست؟ | رویداد24

هذا وتصنف مواقف قاسمیان السياسية ضمن التيار الأصولي الذي ينتقد سياسات الدولة الإيرانية، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2024، ألقى خطابا مثيرا للجدل انتقد فيه تصريحات الرئيس مسعود بزشكيان في الأمم المتحدة، معبرا عن قلقه من أن تلك المواقف قد تجر البلاد إلى خيارات سياسية صعبة، مما يدل على توتر داخلي واضح تجاه بعض السياسات الحكومية.

كذلك، يرتبط اسم قاسمیان أيضا بأحداث جدلية خطيرة، حيث اتهمه المخرج الوثائقي الأصولي جواد موغوي بأنه كان المتحدث في مجلس ديني شارك أعضاؤه في الهجوم على السفارة السعودية في طهران عام 2015، بعد إلقائه خطابا حمل عنوان الثنائية بين الثورة والدبلوماسية، كما كان من الخطباء في تجمع طلابي انتهى بالهجوم على السفارة البريطانية عام 2011، ما يجعل دوره محط شكوك وانتقادات شديدة، كما تظهر خطبه الأخرى نظرة عدائية تجاه السعودية، حيث توقع في إحدى خطبه أن إسرائيل ستنهار خلال ثلاث سنوات، تليها حرب الحجاز التي ستنهي حكم آل سعود وتعيد فتح القبلة الحقيقية للمسلمين، حسب تعبيره.

ادامه انتقادها از غلامرضا قاسمیان؛ جز هزینه برای نظام و مردم چیزی به بار  نیاورده‌اند