زيارة الرئيس الإيراني لسلطنة عمان.. تعزيز الشراكة الاستراتيجية وتوسيع آفاق التعاون الثنائي

ترجمة: شروق حسن

نشرت وكالة الأنباء الإيرانية “إيرنا” تقريرا، يوم الأحد 1 يونيو/حزيران 2025، عن العلاقات المتميزة بين إيران وسلطنة عمان، مؤكدة أن زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لمسقط تمثل فصلا جديدا في التعاون الاستراتيجي بين البلدين.

كتبت الوكالة أن العلاقات بين إيران وسلطنة عمان، من المنظور السياسي، تحتل موقعا متميزا.

 وأضافت أن البلدين شهدا، خلال العقود القليلة الماضية، تعاونا نادرا على مستوى الدبلوماسية الإقليمية والدولية، وتابعت أن في27 مايو/آيار 2025، غادر الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، طهران متوجها إلى عمان، ليبدأ من “بيت الصديق” فصلا جديدا من التعاون الاستراتيجي بين البلدين.

وأوضحت “إيرنا” أن زيارة الرئيس الإيراني جاءت في إطار العلاقات التاريخية الراسخة بين سلطنة عمان وإيران، وبين الشعبين الشقيقين، وفي سياق تعزيز العلاقات الثنائية المتينة، والتأكيد على الاحترام المتبادل بين قادة وشعبي البلدين، القائم على مبادئ الأخوّة والدين وحسن الجوار.

 وأكدت أن توقيع 18 وثيقة تعاون في مجالات مختلفة يشكّل دليلا قويا على الأهمية البالغة لهذه الزيارة.

نتائج الزيارة

وأضافت وكالة “إيرنا” أن زيارة رئيس السلطة التنفيذية، وإن اقتصرت على يومين، فقد أسفرت عن نتائج مثمرة، حيث عاد إلى طهران محملا بإنجازات مهمة، يشهد عليها توقيع 18 وثيقة ومذكرة تفاهم.

وتابعت الوكالة أن هذه الوثائق تهدف إلى ترسيخ التعاون الثنائي وتوسيع العلاقات في مجالات القانون، والاقتصاد، والسياسة، والثقافة، والتعليم، والصحة، والدفاع، والإعلام، والتكنولوجيا، والطاقة، والتعدين، وقد تم التوقيع عليها بين مسؤولي البلدين، مشيرة إلى أن تنفيذ هذه الاتفاقيات وتفعيلها يمكن أن يفتح آفاقا جديدة في مسار التعاون بين الجانبين.

وذكرت أن الرئيس الإيراني تحدث عن نتائج زيارته إلى سلطنة عمان فور عودته إلى طهران، وأضافت أنه، بعد نزوله من سلم الطائرة، وفي تصريح مقتضب، أكد أن أهم نتائج الزيارة إلى عمان تمثلت في مذكرات التفاهم التي ينبغي تنفيذها.

 وتابع قائلا: “الأهم من الاتفاقيات هو الصفاء والود والتفاهم الذي ساد بين مسؤولي وقادة إيران وعمان، وخاصة أخي العزيز هيثم بن طارق، الذي أبدى احتراما كبيرا”.

وأضافت “إيرنا” أن الرئيس إيران شدد في الوقت ذاته على أن مذكرات التفاهم التي تم التوصل إليها خلال هذه الزيارة، إذا ما تمت متابعتها، فستُفضي إلى نتائج جيدة على الصعد الاقتصادية والسياسية والثقافية.

وتابعت موضحة أن أهمية الوثائق الجديدة الموقعة لتعزيز العلاقات بين البلدين لا يمكن إدراكها دون الرجوع إلى طبيعة العلاقات السياسية بين الجانبين، وأكدت أن التعاون بين طهران ومسقط يحتل موقعا متميزا من الناحية السياسية، حيث شهد البلدان خلال العقود الماضية تعاونا نادرا على مستوى الدبلوماسية الإقليمية والدولية.

زيارات الرؤساء الإيرانيين لعمان

وأشارت “إيرنا” إلى أن الرؤساء السابقين في إيران قاموا كذلك بزيارات إلى سلطنة عمان، البلد الصديق. 

ولفتت إلى أن أول زيارة رسمية لرئيس إيراني إلى عمان  جرت في  أكتوبر/تشرين الأول 2004، خلال فترة رئاسة السيد محمد خاتمي، فيما قام محمود أحمدي‌نجاد، بعد ثلاث سنوات، بزيارة مماثلة إلى مسقط في مايو /آيار 2007 بصفته ثاني رئيس للجمهورية يزور عمان.

وأفادت الوكالة بأن حسن روحاني توجه إلى سلطنة عمان مارس/آذر 2014، وتلاه بعد سنوات الراحل سيد إبراهيم رئيسي، الذي أصبح في مايو/أيار 2022 رابع رئيس للجمهورية يزور عمان، وأكدت أن كل واحدة من هذه الزيارات أدّت، بلا شك، دورا مهما في تعزيز العلاقات وتوطيد الروابط بين ايران وسلطنة عمان.

زيارة بزشكيان لعمان

وأضافت أن زيارة الرئيس الإيراني بزشكيان جاءت بعد 21 عاما من أول زيارة قام بها أعلى مسؤول تنفيذي في البلاد إلى مسقط، وتمت في خضم استضافة العاصمة العمانية لمفاوضات غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي، مشيرة إلى أن هذه الزيارة، عبر ما نتج عنها من مذكرات تفاهم، تهدف إلى رفع مستوى التعاون، لا سيما في المجال الاقتصادي.

وتابعت أنه بحسب الإحصاءات، فإن حجم التبادل التجاري الحالي بين إيران وعمان يُقدَّر بنحو 2.2 مليار دولار، ويعود الجزء الأكبر منه إلى توريد السلع الأساسية أو إعادة التصدير.

 وأوضحت أن الحجم الحقيقي للتجارة الثنائية، المبنية على الاحتياجات المباشرة للشعبين، لا يتجاوز 1.2 مليار دولار، وهو رقم لا يُعدّ متناسبا مع مستوى العلاقات السياسية بين البلدين، ولهذا، تسعى الدولتان من خلال مذكرات التفاهم الجديدة إلى التوجه نحو تنمية شاملة متعددة الأبعاد، بحيث تتوسع العلاقات الاقتصادية بالتوازي مع التعاون السياسي.

وذكرت “إيرنا” أيضا أن رئيس السلطة التنفيذية، وفي اليوم الثاني من زيارته إلى عمان، التقى بعدد من النشطاء الاقتصاديين في هذا البلد، وأشار خلال اللقاء إلى التفاهمات التي تم التوصل إليها خلال لقائه مع سلطان عمان، من أجل تعزيز وتوطيد العلاقات بين البلدين، مؤكدا أن الأرضية متوفرة لتطوير التعاون في جميع المجالات، بما في ذلك الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والأمنية، مشددا على ضرورة استغلال هذه الفرصة من قبل الجميع.

وذكرت الوكالة أن مسعود بزشكيان، في ختام زيارته إلى سلطنة عمان، نشر رسالة بلغتين، الفارسية والعربية، عبر صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، أوضح فيها أنه خلال هذه الزيارة، تم توقيع 18 مذكرة تفاهم ووثيقة تعاون بين البلدين، وذلك عقب لقائه وحواره مع أخيه سلطان هيثم بن طارق.

 وأضاف بزشكيان في رسالته: “أساس الطرفين هو التنمية جنبا إلى جنب، ونحن ملتزمون بهذا المبدأ”.

وأضافت “إيرنا” أن علي نجفي، السفير الإيراني السابق لدى سلطنة عمان، ونائب الشؤون الدولية لمعاون رئيس الجمهورية الأول، كان قد صرح في يونيو/حزيران 2023 لموقع مكتب حفظ ونشر مؤلفات المرشد الأعلى بإيران خامنئي، بشأن التعاون الاقتصادي بين طهران ومسقط، بأن العلاقات الودية بين البلدين، القائمة على القواسم المشتركة التاريخية والثقافية والدينية، فضلا عن حسن الجوار، قد شهدت نموا ملحوظا في السنوات الأخيرة.

وتابعت أن نجفي أشار في حديثه إلى أن العلاقات الاقتصادية بين إيران وعمان، وعلى الرغم من قوتها، كانت تُنتقد أحيانا بأنها لا تواكب مستوى العلاقات السياسية.

 ومع ذلك، أوضح أنه في ظل سياسة حكومة التوافق التي تولي الأولوية للتعاون مع الجيران، شهدنا خلال السنوات الأخيرة ارتفاعا كبيرا في مستوى العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث زاد حجم التبادل التجاري بين إيران وعمان إلى ثلاثة أضعاف.

دعم الشعب الفلسطيني

وأشارت وكالة الأنباء الإيرانية “إيرنا” إلى أن من الجوانب الأخرى اللافتة في العلاقات العريقة والطيبة بين طهران ومسقط، هو موقف البلدين المشترك والثابت في مواجهة الكيان الصهيوني، ودعمهما للشعب الفلسطيني المظلوم، لا سيما في غزة، ما يشكل نموذجا يُحتذى به لبقية الدول الإسلامية في المنطقة.

وأضافت أن إيران وسلطنة عمان عبّرتا بشكل حازم وصريح عن مطالبتهما بوقف إطلاق نار شامل ودائم، وإنهاء الظلم وجرائم الإبادة التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وسائر الأراضي الفلسطينية.

وتابعت أن قادة البلدين دعوا كذلك المجتمع الدولي إلى تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية لسكان قطاع غزة العزل، وأدانوا بشدة كل المخططات الرامية إلى تهجير السكان أو إيذائهم، معربين عن ارتياحهم لمستوى التنسيق والمشاورات السياسية الجارية بين الجانبين في مختلف المجالات.

وفي سياق متصل، ذكرت “إيرنا” أن علاءالدين بروجردي، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، صرّح في مقابلة مع الوكالة بأن سلطنة عمان، بالنظر إلى سياساتها الإقليمية وخطواتها الإيجابية والمهمة مع إيران، تُعد نموذجا في العلاقات الخارجية لإيران.

وأضاف بروجردي، بحسب “إيرنا”، أن علاقات سلطنة عمان بإيران تُعدّ أكثر ودية وانفتاحا بالمقارنة مع باقي دول الجنوب المطلة على الخليج العربي، مشيرا إلى وجود اتصالات رفيعة المستوى دائمة ومتزايدة بين مسؤولي البلدين، وأن زيارة الرئيس الإيراني إلى عمان وتوقيع 18 وثيقة تعاون دليل على المستوى الرفيع من التعاون القائم.

كما نقلت عن بروجردي قوله إن لسلطنة عمان دورا خاصا ومهما في الوساطة وحل الخلافات بين إيران والولايات المتحدة، معتبرا أن هذا الجهد يعكس حسن نية السلطنة تجاه ايران، وسعيها لمنع تفاقم التوترات في المنطقة.

وقالت الوكالة إنه لا يمكن الحديث عن سلطنة عمان دون التوقف عند سياست الدعم والمرافقة التي تعتمدها هذه الدولة تجاه إيران، وهي سياسة لم تتغير رغم التحولات الإقليمية. وأوضحت الوكالة أن سلطنة عمان لم تنخرط أبدا في المواقف العدائية التي تبنّاها بعض العرب في المنطقة تجاه إيران، إذ لم تتخذ يوما موقفا معاديا لإيران ضمن جامعة الدول العربية أو مجلس التعاون الخليجي.

وأضافت أن عمان امتنعت عن حضور الاجتماعات التي ساد فيها جو معادٍ لإيران، أو أنها شاركت بتحفظ واعتراض، مما أدى إلى كسر هذا الجو العدائي وتخفيف حدته.

 ولهذا، يمكن القول بثقةٍ إن سلطنة عمان لعبت طوال العقود الماضية دورا موازنا في المنطقة، وبعكس بعض الدول العربية التي انزلقت نحو محاور سياسية متضادة، حافظت عمان على نهج مستقل ومحايد مكّنها من استمرار علاقاتها الجيدة مع إيران.

وتابعت الوكالة أن سلطنة عمان لعبت دورا مهما في بداية الثورة، وتحديدا في أزمة احتجاز الدبلوماسيين الأميركيين، إذ أسهمت في التوسط لحل أول نزاع نشأ بين ايران والولايات المتحدة بعد الثورة.

وأشارت إلى أن عمان تدخلت كذلك كوسيط خلال الحرب العراق وإيران، وسعت إلى وقف الحرب التي استمرت ثماني سنوات، حيث استضاف السلطان الراحل قابوس مفاوضات سرية بين وفود إيرانية وعراقية في مسقط.

كما أضافت أن سلطنة عمان أدت دورا فاعلا في قضايا أخرى كانت إيران طرفا فيها، مثل قضية إطلاق سراح البحارة البريطانيين الذين تم احتجازهم في الخليج العربي، وقضايا تبادل الأسرى وغيرها من الملفات المشابهة، حيث ظهرت كوسيط نزيه تمكّن من تسوية هذه القضايا بشكل مقبول.

وتابعت أنه بالإشارة إلى أن سياسة سلطنة عمان تقوم على الحياد وعدم الانخراط في صراعات أو انحيازات إقليمية، إلا أن حيادها لم يكن يوما مرادفا للامبالاة، بل إنها أظهرت دوما دورا إيجابيا وبنّاء في حل النزاعات. 

ومن الأمثلة الحديثة على ذلك، الدور البنّاء الذي أدّته في استئناف وتحسين العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية في أواخر عام 2023م.

وقالت وكالة الأنباء الإيرانية “إيرنا” إن من أبرز الملفات التي تعمل سلطنة عمان على متابعتها هذه الأيام، هو لعبها دور الوسيط الدبلوماسي في المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.

 وبيّنت الوكالة أن أحد الأسباب الأساسية لاختيار عمان كوسيط في هذه المباحثات، هو الثقة التاريخية التي توليها إيران لهذا البلد.

وأضافت أن سلطنة عمان أثبتت مرارا خلال السنوات الماضية قدرتها على أداء دور بنّاء ومحايد في المعادلات الإقليمية، فقد لعبت دورا محوريا خلال المفاوضات التي أفضت إلى الاتفاق النووي المعروف بـ”برجام”، من خلال توفير أجواء سرية ومناسبة لإجراء المحادثات بين طهران وواشنطن.

وأشارت إلى أن السلطنة ساهمت من خلال استضافتها للجلسات التمهيدية في تهيئة الأرضية اللازمة لإطلاق حوار مباشر بين الطرفين، وأكدت أن عمان حرصت على الدوام على الحفاظ على سياستها الحيادية، ليس فقط تجاه إيران، بل كذلك في تعاملها مع بقية دول المنطقة، وهو ما جعلها تُعرف بأنها طرف وسيط موثوق به في الأزمات المعقدة.

وتابعت أن التجربة الناجحة لسلطنة عمان في مجال الوساطة خلال السنوات السابقة، كان لها أثر مهم في اختيارها مجددا للقيام بهذا الدور، وحتى الآن، تمكنت عمان من أداء مهمتها بفعالية في إطار المحادثات غير المباشرة الجارية بين طهران وواشنطن.

ونقلت “إيرنا” عن حسين نوش‌آبادي، السفير الإيراني الأسبق في عمان، قوله في تقييمه لدور السلطنة في هذه المحادثات غير المباشرة، إن العمانيين قبلوا بمسؤولية الوساطة واستضافة هذه المفاوضات بنيّة صادقة وبجهد كبير من أجل إنجاحها.

وأضاف نوش‌آبادي، بحسب الوكالة، أن الجهود الصادقة وحسن النية التي يُظهرها السلطان هيثم بن طارق ووزير خارجيته بدر البوسعیدی، تعكس حرصا حقيقيا على إيجاد أرضية تفاهم مشتركة تؤدي إلى اتفاق عادل، وهو ما يلمسه المراقبون من تعاطي القيادة العمانية مع هذا الملف الحساس.

وخلصت الوكالة إلى أن السوابق التاريخية بين إيران وعُمان تُظهر بوضوح أن البلدين يسعيان إلى تحقيق الاستقرار والهدوء والأمن في المنطقة، وأن تطوير العلاقات الثنائية بينهما لا يصب فقط في مصلحة طهران ومسقط، بل يُعد مكسبا للدول المجاورة وللمنطقة بأسرها.

وأضافت أن السياسة المبدئية والثابتة لإيران تقتضي الاستفادة من جميع الطاقات والإمكانات التي تمتلكها الدول الإسلامية لتعزيز التآزر والتعاون الحقيقي في معالجة قضايا المنطقة، الأمر الذي من شأنه أن يُرسّخ ويُقوّي الشراكات الإقليمية والدولية.

وأكدت أن العلاقات بين طهران ومسقط تُعد علاقات متميزة ونموذجية، وأن زيارة بزشكيان، التي جاءت تحت شعار “الوفاق والسعي لإرساء السلام والاستقرار في المنطقة”، تجسّد سياسة حسن الجوار والتفاعل الإيجابي مع الدول المجاورة، وقد فتحت آفاقا واعدة أمام البلدين في مختلف المجالات، بحيث تُضفي الطابع العملي على الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين.

وختمت “إيرنا” تقريرها بالقول إن هذه الزيارة ينبغي تحليلها على مستويين: الأول، يتمثل في تعزيز التعاون الثنائي وتقديم نموذج يحتذى به لبقية الدول الإسلامية والجارة؛ والثاني، توجيه رسالة بشأن استمرار المسار التفاوضي مع الولايات المتحدة الأمريكية، اعتمادا على الدور العماني المحايد، الموثوق، والفاعل.