سجاد أفغانستان يغزو الأسواق الإيرانية: ألوانٌ جذابة وسوق موازية تهدد الهوية الثقافية

ترجمة: دنيا ياسر نور الدين 

نشرت صحيفة “فرهيختكان” الإيرانية الإصلاحية، الثلاثاء 29 أبريل/نيسان 2025 تقريرا استعرضت فيه تصريحات مهدي أحمدي تهرانی، خبير السجاد، حول تهريب السجاد الأفغاني وتأثيره السلبي على سوق السجاد الإيراني من حيث الجودة والأصالة. كما أشار إلى كلام مسعود سپهرزاد، رئيس اتحاد بائعي السجاد اليدوي، حول حجم التهريب والإجراءات الأمنية لمكافحته.

ذكرت الصحيفة أنه على مدار السنوات الأربع الماضية، بات دخول السجاد الأفغاني إلى إيران شائعا للغاية، إذ لاقى رواجا واسعا بين المستهلكين الإيرانيين. ويكمن السبب الرئيسي في هذا الإقبال الكبير في النقوش الأصيلة والألوان الجذابة لهذا السجاد، إلى جانب أسعاره المنخفضة.

وتابعت أن السجاد الأفغاني يُعد منتجا يتميّز فقط بمظهره الجميل وتناسق ألوانه الحديثة، غير أنه يفتقر إلى الجودة العالية مقارنة بنظيره الإيراني.

سجاد جميل المظهر، رديء الجودة

وصفت الصحفية السجادَ الأفغاني بعبارة “السجاد الجميل عديم الجودة”، مشيرة إلى أن التجار الأفغان الذين يبيعون سجادهم في السوق الإيرانية يبدو أنهم يمارسون نشاطا تجاريا آمنا لا يثير الشبهات. بل إن عددا كبيرا من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي أبدوا رضاهم عن شراء هذا النوع من السجاد. ولكن، ما إن تصلهم السجادة ويبدأ استخدامها، حتى يكتشفوا أن عمرها قصير وجودتها منخفضة.

وتابعت يبيع التجار الأفغان سجادا ذا ألوان زاهية ونقوش جذابة كـ”البلوجي” و”البختياري” و”الوزيري” باستخدام الألوان الحمراء والكحلية والدافئة المستوحاة من الطابع الإيراني، ولكن دون أن تحتوي على العقد اليدوية الأصيلة، وفي أحيان كثيرة تُباع هذه السجادات على أنها سجادٌ إيراني.

وأضافت أن هذا السجاد الجميل في ظاهره، إن لم يكن ظاهرا بكثرة في محلات السوق التقليدية، فقد حقق انتشارا واسعا في منصات التواصل الإجتماعي، خصوصا على “إنستغرام”، حيث ازدهرت مبيعاته. 

وأردفت أن بعض المستخدمين كتبوا منشورات متفرقة يحكون فيها عن شرائهم لسجاد اعتقدوا أنه إيراني فاخر، ودفعوا مبالغ كبيرة لقاء ذلك، ثم اكتشفوا لاحقا أنه سجاد أفغاني.

المنشأ.. ورشات أفغانية على الحدود الشرقية

أوضحت الصحيفة أن القصة تبدأ من منشأ هذه السجادات، أي من مناطق تقع في الحدود الشرقية لإيران، حيث توجد ورشات نسيج في مدينة “هرات” الأفغانية، مخصصة خصيصا لإنتاج السجاد وفق ذوق المستهلك الإيراني، ثم يُهرّب هذا السجاد إلى داخل إيران.

وفي هذا السياق صرّح خبير السجاد “مهدي أحمدي‌ تهراني” قائلا: إن العقوبات المفروضة على البلاد أسهمت للأسف في ازدياد وتيرة دخول السجاد الأفغاني إلى إيران. وأردف أن مجيء حركة طالبان إلى الحكم، إلى جانب طرد العديد من الأفغان من إيران، ساهم في تنشيط سوق التهريب.

تهريبٌ منظَّم رغم نفي “الجمارك”

أوضح أحمدي‌ تهراني أن الجمارك الإيرانية تعلن رسميا عدم وجود واردات سجاد من أفغانستان، لكن الواقع يُظهر أن كميات ضخمة من هذا السجاد تدخل البلاد عبر حاويات من الحدود الشرقية، وتصل لاحقا إلى أسواق العاصمة طهران. 

وأضاف لا تتوافر أرقام دقيقة حول عدد الشحنات أو المساحات التي يتم تهريبها، لكن حجمها ليس بالقليل.

وأشار إلى أن هذه السجادات لا تمتلك لا الأصالة ولا الجودة التي تميز السجاد الإيراني الأصيل، وبالتالي فلا مجال للمقارنة بينهما.

جهود الشرطة.. بلا نتائج حاسمة

ذكر تهراني أن دائرة الرقابة على التصدير والاستيراد تبذل منذ سنوات جهودا مضنية لكشف شبكات التهريب، إلا أن سوق التهريب لا يزال قائما ومزدهرا. 

وأضاف أن الشرطة قامت بإجراءات مختلفة، مثل مداهمة المحال وتحديد المخالفين، لكن السجاد المهرب لا يزال يدخل البلاد على مدار الساعة.

سوق ضخم وأرباح خيالية

وفي هذا السياق، نقل مسعود سبهرزاد، رئيس اتحاد بائعي السجاد اليدوي، أن هذا السجاد المهرب يصل أولا إلى مدينة مشهد، ثم ينتقل إلى طهران. 

وأضاف في تصريحات إعلامية قبل أسبوع، أن حملة جمع هذا السجاد من الأسواق بدأت منذ نحو ستة أشهر، مما قلل ظهوره في السوق. لكن الرقم الذي كشف عنه سبهرزاد حول حجم التداول المالي في هذه السوق يثير القلق. 

وتابع أنه  نُقل عن شرطة الأمن الاقتصادي أن حجم التداول خلال ستة أشهر لأحد المتورطين بلغ 8000 مليار ريال، وهو رقم ضخم جدا يؤكد تأثير هذا النشاط غير المشروع على سوق السجاد المحلي.

أوضح أحمدي‌ تهراني أن السجاد الأفغاني يعتمد فقط على الألوان الجذابة والمغرية التي تمنحه مظهرا أنيقا، مشيرا إلى أن الأصباغ المستخدمة في تلوينه تُرسل من مدينة أصفهان الإيرانية إلى الورشات الأفغانية.

وأردف أن سعر هذا السجاد يُقارَن بسعر السجاد الآلي، فعلى سبيل المثال يمكن شراء سجادة أفغانية يدوية بقياس 6 أمتار بمبلغ 350 مليون ريال، وهو سعر مقارب لسجاد آلي من الحجم نفسه. وهذا ما يجعل بعض المستهلكين الباحثين عن السجاد اليدوي ينجذبون له ويقعون في الفخ، ظنا منهم أنهم يشترون منتجا يدويا فاخرا، بينما الواقع أنه أقل جودة حتى من السجاد الآلي.

عمر قصير وجودة متدنية

تابع تهراني قائلا: هذه السجادات تفقد ألوانها سريعا، وعكس السجاد الإيراني الأصيل الذي يزداد جمالا كلما استخدم أكثر، فإن السجاد الأفغاني يُنسج باستخدام صوف دباغي، وهو نوع من الصوف المستخرج من جلود الأغنام الميتة، ويتميز بضعف متانته وسرعة تلفه، ما يجعله غير قادر على الحفاظ على أصالته أو قيمته بمرور الزمن.

تراجع الصادرات وسرقة التصاميم الإيرانية

أردف تهراني أن العقوبات الاقتصادية أسهمت بشكل كبير في تقليص حصة إيران من سوق تصدير السجاد العالمي، إذ لم تتجاوز هذه الحصة 9% هذا العام. وهو ما شكَّل ضربة كبيرة لصناعة السجاد الإيرانية، رغم تفوقها في الجودة والأصالة. 

وأضاف أن دولا مثل الهند وباكستان أصبحت تتفوق على إيران في حجم التصدير، رغم أن منتجاتهم لا ترقى إلى المستوى الإيراني من حيث الجودة.

وأشار إلى أن الورشات الأفغانية تعتمد بشكل كامل على نسخ التصاميم الإيرانية، موضحا أن بعض المصممين الإيرانيين يضطرون إلى بيع رسوماتهم لتلك الورشات بسبب ضيق الأحوال المعيشية، وهو ما يُعد في نظره بمثابة “بيع للأصالة”.

كيف يميّز المشتري، السجاد الإيراني من الأفغاني؟

ردا على هذا التساؤل، قال تهراني إن السوق مليئة بالسجاد بأسعار متفاوتة، ولكن التمييز بين السجاد الأصيل والمقلد لا يمكن أن يتم إلا عبر خبراء متخصصين في هذا المجال.

هل أفرغ السجاد الأفغاني السوق الإيراني؟

رأى أحمدي‌ تهراني أن السجاد الإيراني لا يزال الأفضل في المعارض الدولية، إلا أن سوء الإدارة أثر سلبا على هذه الصناعة. وأضاف أن السجاد الأفغاني لا يُعد التحدي الوحيد، إذ توجد منذ سنوات نسخ صينية وتركية، بل وحتى ورشات ألمانية تنسج سجادا باستخدام التصاميم الإيرانية.

واختتم بالقول إن السوق المحلي يعيش حالة ركود، والعديد من التجار والمنتجين تركوا هذه المهنة، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وسوء الإدارة، ومع دخول السجاد الأفغاني الذي يسبب اضطرابات في السوق، فإن الجراح تتعمق أكثر فأكثر. فالسجاد ليس مجرد منتج اقتصادي، بل هو عنصر ثقافي غنيّ يستحق رعاية واهتماما أكبر.