سعيد جليلي.. السيرة السياسية للوجه الأصولي الأبرز

يعد سعيد جليلي أحد الأسماء البارزة في التيار الأصولي الإيراني، فهو شخصية سياسية ودبلوماسية بارزة لعبت دورا محوريا في السياسة الخارجية والأمن القومي الإيراني خلال العقود الأخيرة، فمن ساحات الحرب في الجبهة الإيرانية العراقية إلى قاعات التفاوض مع القوى العالمية، مر جليلي بمحطات متعددة صقلت تجربته السياسية والدبلوماسية، خبرة جعلته يتصدر تيار ويكسب آلاف المؤيدين.

النشأة والتعليم

ولد سعيد جليلي في 6 سبتمبر/ أيلول عام 1965 في مدينة مشهد، إحدى المدن المقدسة في إيران، وينحدر والده من مدينة بير جند، وقد وكان يعمل معلما ومديرا لمدرسة نواب صفوي في مشهد، كما كان متقنا للغة الفرنسية، أما والدته فهي من أصول أذرية ومن مواليد مدينة أردبيل.

أكمل جليلي تعليمه الابتدائي والثانوي في مشهد، قبل أن يلتحق بجامعة الإمام الصادق في طهران، حيث حصل على شهادة البكالوريوس ثم الماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية مع تخصص في المعارف الإسلامية، وكانت رسالته للدكتوراه تحت عنوان السياسة الخارجية للنبي محمد، عليه الصلاة والسلام، والتي أصبحت لاحقا إحدى المواضيع التي درّسها في الجامعة نفسها، بل ومارسها أيضا خلال توليه المفاوضات.

سعید جلیلی کیست؟ + سوابق سیاسی | رویداد24

سنوات الحرب وفقدان ساقه

سعید جلیلی

مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية والتي جاءت بين أعوام 1980إلى 1988، التحق جليلي بجبهات القتال منذ أيام دراسته الثانوية، حيث شارك في العديد من العمليات العسكرية بصفته مقاتلا في فيلق 21 الإمام رضا. وفي يناير/ كانون الثاني 1987، وأثناء معركة كربلاء 5 في منطقة شلمجه، تعرض لإصابة خطيرة في ساقه اليمنى، ما أدى إلى بترها نتيجة نقص الإمكانيات الطبية في المستشفى الميداني. رغم هذه الإصابة، لم يبتعد عن العمل في الجبهات، حيث استمر في مهام لوجستية وإدارية لدعم القوات الإيرانية.

بداية المسيرة السياسية

بعد انتهاء الحرب، عاد جليلي إلى الحياة الأكاديمية وأكمل دراسته في العلوم السياسية، لكنه سرعان ما انخرط في العمل السياسي والدبلوماسي. ففي عام 1991، انضم إلى وزارة الخارجية الإيرانية، حيث بدأ مسيرته المهنية كمفتش في إدارة التفتيش بالوزارة، وخلال السنوات التالية، شغل عدة مناصب تصاعدية، منها نائب مدير إدارة الشؤون الأمريكية في وزارة الخارجية في العام 1997، ومدير قسم البحوث في مكتب المرشد الأعلى في العام 2001، ونائب وزير الخارجية لشؤون أوروبا وأمريكا في العام 2005.

تعيينه أمينا عاما للمجلس الأعلى للأمن القومي

وفي العام 2007، عيّنه الرئيس الإيراني آنذاك، محمود أحمدي نجاد، أمينا عاما للمجلس الأعلى للأمن القومي خلفا لعلي لاريجاني. وبصفته في هذا المنصب، أصبح جليلي كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين في المحادثات مع المجموعة التي عرفت بمجموعة 5+1، وهي المجموعة التي ضمت الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا، وألمانيا.

بیوگرافی خانواده سعید جلیلی ، زندگی نامه سعید جلیلی ، سعید جلیلی و پسرش سجاد

وخلال تلك الفترة، كان التيار الأصولي يرى أن إعطاء أي تسهيلات أو تنازلات للغرب سيؤدي إلى تقديم تنازلات أخرى مستقبلا، مما سيكلف النظام الإيراني الكثير، وعلى الجانب الأخر، كان الاتجاه الإصلاحي يرى بضرورة رفع العقوبات، والتي لن تأتي سوى بالتفاوض، وأن تقديم التنازلات هو جزء أساسي من أي عملية حوار جادة.

هذا وقد أظهر جليلي تمسكه الشديد بمواقف إيران وعدم تقديم تنازلات كبيرة في المفاوضات، وهو ما جعله يحظى بدعم التيار الأصولي في الداخل الإيراني.

فقد عرف جليلي وقتها باعتناقه الفكري الشديد بالمبادئ الأصولية والثورية للثورة الإيرانية، ورفضه تقديم أي تنازلات كبيرة في السياسة الخارجية، كما دعا إلى اقتصاد مقاوم قائم على الاكتفاء الذاتي، وهو ما رآها مهما للحفاظ على استقلال القرار الإيراني وعدم الخضوع للضغوط الغربية، وهو ما تجلى في أسلوبه المتشدد أثناء المفاوضات النووية.

الانتخابات الرئاسية 2013

پاسخ‌هایی که سعید جلیلی را در انتخابات ریاست‌جمهوری ۹۲ ناکام گذاشت -  خبرآنلاین

ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية لعام 2013، ترشح سعيد جليلي كممثل للتيار الأصولي، مقدّما نفسه كمرشح ملتزم بالمبادئ الثورية للثورة الإيرانية، وحملت حملته الانتخابية شعار المقاومة الاقتصادية والاستقلال الوطني، إلا أنه حلّ في المركز الثالث بعد كل من حسن روحاني ومحمد باقر قاليباف، بحصوله على أكثر من 4 ملايين صوت.

العضوية في مجمع تشخيص مصلحة النظام

بعد خروجه من سباق الرئاسة، عيّنه المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي عضوا في مجمع تشخيص مصلحة النظام عام 2013، وهو أحد أهم الهيئات الاستشارية في النظام الإيراني، حيث يساهم في صياغة السياسات العامة واتخاذ القرارات في القضايا الحساسة.

الانتخابات الرئاسية 2021 وانسحابه لصالح إبراهيم رئيسي

سعید جلیلی و ابراهیم رئیسی

وفي عام 2021، أعلن سعيد جليلي ترشحه للمرة الثانية للانتخابات الرئاسية، لكنه انسحب قبل يومين من موعد الاقتراع لصالح المرشح الأبرز، إبراهيم رئيسي، الذي فاز بالانتخابات لاحقا، وقد عدت حركة انسحابه خطوة استراتيجية لتعزيز فرص التيار الأصولي في مواجهة المرشحين الآخرين.

عودته للمشهد السياسي في 2024

بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحيته في مايو/ آيار 2024، أُعلن عن انتخابات رئاسية مبكرة. ترشح جليلي مجددا لخوض السباق، مؤكدًا على ضرورة تحقيق العدالة والتنمية المستدامة وعدم الاكتفاء بالإدارة اليومية للدولة. في خطابه بعد تسجيل ترشيحه، شدد على ضرورة استغلال الفرص التاريخية، معتبرا أن إيران تمر بمنعطف حاسم في تاريخها السياسي والاقتصادي.

A person in a suit

AI-generated content may be incorrect.

ولكن، وخلال الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في 5 يوليو/تموز 2024، خسر جليلي أمام منافسه الإصلاحي مسعود بزشكيان، حيث حصل بزشكيان على 16.3 مليون صوت، ما يعادل 54.76% من الأصوات، بينما نال جليلي 13.5 مليون صوت، بنسبة 45.2%.

مقایسه آرای پزشکیان و جلیلی به تفکیک استان‌ها/ پزشکیان در کدام استان‌ها برد  یک‌طرفه داشت؟

دوره الحالي ومفهوم حكومة الظل

إلى جانب عضويته في مجمع تشخيص مصلحة النظام، يشغل سعيد جليلي أيضا منصب ممثل المرشد الأعلى في المجلس الأعلى للأمن القومي منذ عام 2008، كما أنه عضو في مجلس العلاقات الخارجية الاستراتيجية، الذي يُعنى بوضع السياسات الخارجية طويلة الأمد للجمهورية الإيرانية، كما أنه يلقي محاضرات حول السياسة في القرآن الكريم، ويظهر في لقاء تلفزيونية.

وكانت أبرز المفاهيم الجديدة التي آتى بها جليلي هي حكومة الظل، حيث أوضح جليلي أن حكومة الظل ليست كيانا مؤسساتيا رسميا، بل هي رؤية فكرية تعتمد على متابعة التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية عن كثب والتفاعل معها.

A blue and white rectangular sign with white text

AI-generated content may be incorrect.

وتعود أصول هذه الفكرة إلى العام 2013، حين نشر جليلي بيانا رسميا وجهه إلى الشب الإيراني بعد هزيمته في انتخابات أوضح فيه مبادئه وأفكاره وأهدافه، كما طرح فكرة تشكيل حكومة الظل لمساعدة الحكومة القائمة وسدّ الثغرات في أدائها، إلا أن الإعلان عن نتائج الانتخابات من قبل وسائل الإعلام في الوقت نفسه جذب الانتباه بعيدا عن هذه الفكرة، فلم تحظَ باهتمام كاف من الحكومة.

وبعد عدة أشهر، أوضح جليلي مفهوم حكومة الظل في مقابلات متعددة، لكن لم يتمكن من تحقيق هذا المشروع خلال تلك الفترة.

وخلال فترة رئاسة إبراهيم رئيسي، أعلن جليلي عن تشكيل حكومة الظل، مدعيا أنه كان يراقب ويتابع شؤون البلاد طوال سنوات حكومة روحاني ضمن هذا الإطار، فوفقا للتقارير الصادرة عن الموقع الرسمي لحكومة الظل التي أسسها جليلي، فقد أنشأ 20 مجموعة عمل متخصصة، وشارك في العديد من الاجتماعات والزيارات الميدانية. كما قدّم مقترحات متنوعة لحل المشكلات الوطنية، موجّهة إلى الحكومة والبرلمان الإيراني.

كلمات مفتاحية: