طهران تبحث عن طريق إلى القاهرة.. وأزمة قديمة تنحل أخيرا

في خطوة تعكس تحولات لافتة في أولويات السياسة الخارجية الإيرانية، عاد إلى واجهة الجدل في طهران موضوع تسمية أحد شوارع العاصمة، وعلى الرغم من أن هذه التسمية تعود إلى أوائل ثمانينيات القرن الماضي، فإن بقاءها ظل على مدى عقود رمزا لخلاف عميق بين طهران والقاهرة، ومؤشّرا دائما على القطيعة السياسية بين البلدين.

واليوم، وبينما تُبذل جهود جديدة لإعادة ترميم العلاقات بين إيران ومصر، يعود هذا الاسم إلى دائرة النقاش الرسمي، وسط مؤشرات على نية جادّة لتعديله، بما يعكس تغيرا في المزاج السياسي الإيراني تجاه أحد أكثر الملفات الشائكة في علاقاته الإقليمية.

فقد صرح علي رضا ناد علي، المتحدث باسم مجلس بلدية طهران، لوكالة أنباء تسنيم الإيرانية، الثلاثاء 10 يونيو/حزيران 2025، بخصوص تغيير اسم أحد شوارع طهران في المنطقة السادسة، قائلا: “تم التنسيق مع وزارة الخارجية، وجرى في لجنة تسمية الشوارع اتخاذ قرار بشأن تغيير اسم شارع خالد الإسلامبولي المعروف باسم الوزراء، كما تم طرح مقترحات لأسماء بديلة”.

وأضاف ناد علي: “القاعدة هي أن تتم إحالة التسمية المقترحة، بعد الموافقة عليها في اللجنة المذكورة، إلى جلسة مجلس بلدية طهران ليصوّت عليها جميع الأعضاء؛ وبعد إقرارها، يتم التمهيد لتنفيذها من قبل البلدية”، موضحا أنه ” خلال جلسة المجلس الأسبوع المقبل، سيتم الإعلان عن الخيارات المقترحة لتغيير اسم شارع خالد الإسلامبولي”.

نام خیابان خالد اسلامبولی تغییر می‌کند

هذا وقد أشارت بعض المصادر غير الرسمية إلى أن أحد الخيارات المقترحة من قبل لجنة التسمية في المجلس لهذا الشارع هو حسن نصر الله، الأمين العام الأسبق لحزب الله الذي قتل في غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية ببيروت في أكتوبر/تشرين الأول 2024.

يأتي ذلك في ظل التحركات الأخيرة للحكومة في طهران لتحسين العلاقات مع الدولة المصرية، حيث سافر عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، إلى العاصمة المصرية القاهرة في رحلة استمرت يومي 2 و3 يونيو/حزيران 2025، التقى خلالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ووزير الخارجية بدر عبد العاطي، وعددا من وزراء الخارجية السابقين، وذلك للحديث عن العلاقات والمواقف المشتركة والبحث في كيفية تطوير العلاقات.

جزئیات سفر عراقچی به مصر

من هو خالد الإسلامبولي ولماذا تمسكت القاهرة بتغير اسم الشارع؟

كانت طهران قد أطلق أسم الإسلامبولي على أحد شوارع العاصمة الإيرانية طهران، وتحديدا شارع الوزراء الواقع في المنطقة السادسة، في مطلع عقد الثمانينيات، وذلك بعد اغتياله للرئيس المصري أنور السادات عام 1981، وقد جاءت هذه التسمية في سياق سياسي مشحون، يعكس توتر العلاقات بين إيران ومصر في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979، واحتجاجا على سياسات السادات، لا سيما توقيعه معاهدة كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل واستقباله شاه إيران بعد الإطاحة به.

خالد الاسلامبولى - ويكيبيديا

أما عن شخصية الإسلامبولي، فهو ضابط في الجيش المصري، وعضو في تنظيم الجهاد الإسلامي، وُلد عام 1955 في محافظة المنيا بصعيد مصر، وتخرّج في الكلية الحربية وانضم إلى القوات المسلحة المصرية، وكان يحمل فكرا مناهضا لاتفاقية كامب ديفيد التي وقعها أنور السادات مع إسرائيل عام 1978، وفي السادس من أكتوبر/تشرين الأول عام 1981، وخلال عرض عسكري بمناسبة ذكرى حرب أكتوبر، أقدم الإسلامبولي ومجموعة من رفاقه على تنفيذ عملية اغتيال منظمة استهدفت السادات أثناء حضوره العرض، لاحقا أُعدم الإسلامبولي في أبريل/نيسان 1982 بعد محاكمته في مصر.

لحظه حمله خالد اسلامبولی به انور سادات

في هذا الوقت، قررت السلطات في إيران إطلاق اسمه على أحد الشوارع الرئيسية في طهران، فيما لم يعتبر هذا القرار مجرد الاعتراف بأهمية شخصية دينية أو سياسية، بل كان تعبيرا سياسيا ورسالة دبلوماسية موجهة إلى النظام المصري في عهد السادات، وامتدادا لسياسة خارجية إيرانية تُجاهر بعدائها لإسرائيل وتعارض أي شكل من أشكال التطبيع معها، خلال فترة كانت فيها العلاقات بين طهران والقاهرة مقطوعة تماما.

طهران تعلن تغيير اسم شارع خالد الإسلامبولي أحد قتلة السادات إلى حسن نصر الله

تجدر الإشارة إلى أن قطع العلاقات بين إيران ومصر لم يكن فقط بسبب اتفاقية كامب ديفيد، بل أيضا بسبب استقبال السادات للشاه الإيراني المخلوع محمد رضا بهلوي بعد فراره من إيران، وهو ما اعتبرته طهران الجديدة، بقيادة الخميني، خطوة عدائية. من هنا، فإن تسمية شارع باسم قاتل السادات كانت خطوة رمزية تؤكد على الموقف الإيراني من القيادة المصرية آنذاك.

هذه التسمية بقيت لاحقا عقبة أمام أي محاولة جادة لإعادة تطبيع العلاقات بين البلدين، حيث دعت القاهرة مرارا إلى إزالة الاسم كشرط لتحسين العلاقات، فيما قابلت طهران تلك الدعوات بحذر، رغم وجود محاولات لتغيير الاسم في فترات لاحقة، خاصة خلال رئاستي محمد خاتمي ومحمود أحمدي‌ نجاد، دون أن تُستكمل.

هذا، ويعد شارع سليمان خاطر في طهران أيضا من الحالات المشابهة لشارع الإسلامبولي، لكنه لا يثير الدرجة نفسها من الحساسية، فسليمان محمد عبد الحميد خاطر كان جنديا من قوات حرس الحدود المصرية، وقد أطلق النار في عام 1985 على مجموعة من الإسرائيليين في المنطقة الحدودية بين مصر وإسرائيل.

بالاترین: ماجرای خیابانی بنام سلیمان خاطر که شاید نمیدانستید.

الإسلامبولي ليس السنوار!

في مقال له بصحيفة شرق الإصلاحية في عددها الخميس 12 يونيو/حزيران 2025، كشف محمد علي أبطحي، الناشط السياسي الأصولي ومستشار الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، عن خلفيات سياسية وتاريخية لقرار تغيير اسم الشارع في إطار مساعٍ جديدة لتحسين العلاقات بين إيران ومصر.

فقد استعاد أبطحي محاولات إيرانية سابقة لإعادة العلاقات مع القاهرة قبل نحو 20 عاما، خلال فترة رئاسة خاتمي، مشيرا إلى أن اسم الشارع شكل آنذاك عقبة رمزية وسياسية كبرى في وجه التطبيع، بسبب حساسيته لدى الجانب المصري.

‫مبارك وخاتمي.. ماذا نتعلم من دروس العلاقات المصرية ـ الإيرانية؟! - المنتدى  العربي لتحليل السياسات الإيرانية | AFAIP‬‎

وفي سياق تحليله، أوضح أبطحي أن العلاقات بين طهران والقاهرة انقطعت بعد توقيع السادات اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، وقد اتخذت إيران موقفا حادا ضده، إلا أن أبطحي، بعد قراءته كتاب لماذا قتلت السادات، الذي نشر في مصر بعد مرور عشر سنوات على المحاكمة، لاحظ غياب أي انتقاد واضح من الإسلامبولي للسادات بسبب اتفاق كامب ديفيد أو لسياساته تجاه إسرائيل.

ابطحی: هیچ اتهام اخلاقی متوجه من نبود - ایسنا

ويشير أبطحي إلى أن دوافع الإسلامبولي كانت دينية ومحافظة، حيث انصبّت انتقاداته على عرض صور النساء في دور السينما وتهميش العلماء ورجال الدين، لا على السياسات الإقليمية أو القضية الفلسطينية، ويخلص إلى أن فكر الإسلامبولي أقرب إلى النموذج المتشدد الذي أفرز لاحقا شخصية مثل أسامة بن لادن، لا إلى مقاومين مثل يحيى السنوار.

وقد خلص إلى أن تغيير اسم الشارع اليوم خطوة ضرورية لتجاوز الإرث الرمزي الذي يعيق المصالحة، مشددا على أن السياسة الخارجية لا ينبغي أن ترتبط بأسماء شوارع أو قبور. وأكد دعمه لهذا التوجه، متمنيا أن يسهم القرار في إعادة إحياء العلاقات مع مصر، أحد أهم بلدان العالم الإسلامي.