“طهران تشكل تهديداً كبيراً لأميركا”! “وول ستريت”: هكذا تحدَّت إيران الولايات المتحدة لتصبح قوة دولية

المرشد الإيراني علي خامنئي- منصات التواصل

قالت صحيفة “وول ستريت جورنال”، في تقرير لها يوم الإثنين 1 يوليو/تموز 2024، إن الفائز في الانتخابات الرئاسية الإيرانية سوف يرث خلافات داخلية واقتصاداً تضرر بسبب العقوبات، ولكن أيضاً قوة: إذ تتمتع طهران بنفوذ أكبر على الساحة الدولية مقارنة بعقود من الزمن.

لقد أحبطت إيران، تحت قيادة المرشد الأعلى علي خامنئي، عقوداً من الضغوط الأميركية، وخرجت من سنوات من العزلة إلى حد كبير، من خلال التحالف مع روسيا والصين، والتخلي عن التكامل مع الغرب والانخراط في تحالف مع قوتين عظميين، في الوقت الذي صعدت فيه من مواجهتها مع واشنطن. لا يزال الاقتصاد الإيراني يعاني من العقوبات الأميركية، لكن مبيعات النفط للصين وصفقات الأسلحة مع روسيا قدمت شرايين الحياة المالية والدبلوماسية.

كما استغلت بفعالية عقوداً من الأخطاء الأميركية في الشرق الأوسط والتقلبات الكبيرة في سياسة البيت الأبيض تجاه المنطقة بين إدارة وأخرى. واليوم، تشكل طهران تهديداً أعظم لحلفاء الولايات المتحدة ومصالحها في الشرق الأوسط مقارنة بأي وقت مضى منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في عام 1979. 

لقد أصبحت البصمة العسكرية الإيرانية أوسع وأعمق من أي وقت مضى. فقد ضربت الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، منشآت النفط السعودية بالصواريخ، وشلت حركة الشحن العالمية في البحر الأحمر. كما هيمنت على السياسة في العراق ولبنان واليمن وسوريا، وشنت الضربة الأكثر تدميراً على إسرائيل منذ عقود، عندما هاجمت حماس في أكتوبر/تشرين الأول. وشنت إيران أول هجوم عسكري مباشر من أراضيها على إسرائيل في أبريل/نيسان. ويقول مسؤولون غربيون إنها دبرت أيضاً هجمات على المعارضين في أوروبا وخارجها. 

إن العواقب- الطائرات بدون طيار لروسيا في أوكرانيا، والتهديد من الميليشيات المدعومة من إيران، والتوسع الأخير لطهران في برنامجها النووي- ستظل قضايا مُلحة بغض النظر عمن سيفوز في الجولة الثانية من الانتخابات الإيرانية في الخامس من يوليو/تموز أو الانتخابات الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني.

قالت سوزان مالوني، مديرة برنامج السياسة الخارجية في مؤسسة بروكينغز، والتي قدمت المشورة للإدارات الديمقراطية والجمهورية بشأن السياسة تجاه إيران:  “في كثير من النواحي، أصبحت إيران أقوى وأكثر نفوذاً وأكثر خطورة وأكثر تهديداً مما كانت عليه قبل 45 عاماً”.

لقد كانت خيارات السياسة الخارجية الإيرانية باهظة الثمن بالنسبة لإيران في الداخل. فاقتصادها يتخلف كثيراً عن النمو ومستويات المعيشة في دول الخليج العربية المنافسة لها، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وفقد النظام الإسلامي كثيراً من الدعم الشعبي الذي أوصله إلى السلطة، مع اندلاع عديد من الاحتجاجات التي دفعت إلى اتخاذ إجراءات قمع وحشية.

يقول إريك بروير، المدير السابق لمجلس الأمن القومي لمكافحة الانتشار النووي: “لقد فقد النظام شرعيته، ولا أعتقد أن لديهم حلاً جيداً لهذه المشكلة. وفي كل مرة أتيحت لخامنئي فرصة الاختيار بين الانفتاح والانغلاق… كان يفرض مزيداً من القيود”. 

إن القوة المتنامية التي تتمتع بها إيران تشكل فشلاً للغرب. فمنذ أن تولى جيمي كارتر رئاسة الولايات المتحدة، كان إيجاد استراتيجية فعّالة لاحتواء إيران بمثابة الحوت الأبيض العظيم الذي يعجز صناع السياسة الخارجية الغربية عن تحقيقه. 

لقد أصبحت أداة السياسة التي يلجأ إليها الغرب، وهي العقوبات، أقل فعالية في عزل طهران دولياً. ويقول المحللون إن إيران ردت بتعميق المحور مع روسيا والصين، الأمر الذي أدى إلى تعقيد الدبلوماسية مع طهران بشكل أكبر. وخارج الشرق الأوسط، ساعدت صناعة الطائرات بدون طيار الإيرانية روسيا في حربها في أوكرانيا. 

لقد كلفت العقوبات الغربية إيران مليارات الدولارات، ولكن ما هو الهدف من ذلك؟ يقول سيد حسين موسويان، وهو مسؤول سابق في السياسة الخارجية الإيرانية، وهو الآن باحث بجامعة برينستون: “إيران أكثر نفوذاً في المنطقة من أي وقت مضى… لقد استولت الصين على الاقتصاد الإيراني، واقتربت إيران من روسيا”.

على مدى أكثر من عقدين من الزمان، ظلت السياسة الغربية تجاه إيران متذبذبة. فقد عمل الرؤساء الأميركيون مراراً وتكراراً، على تغيير التوازن بين الدبلوماسية والقوة، والتواصل ومحاولة عزل إيران. 

على سبيل المثال: عندما غزت الولايات المتحدة أفغانستان في عام 2001، سعت واشنطن إلى الحصول على مساعدة عسكرية واستخباراتية من إيران؛ لمساعدتها في الإطاحة بطالبان. وبعد أشهر، وصف الرئيس بوش إيران بأنها جزء من “محور الشر”، إلى جانب العراق وكوريا الشمالية، وهو التحول الذي اعتبره الإيرانيون إهانة تهديدية. 

وفي الوقت نفسه، اتبعت إيران على مدى عقود، استراتيجية ثابتة طويلة الأجل، أطلقت عليها اسم “الدفاع الأمامي”، حيث قامت بردع هجمات الأعداء مع بناء شبكة من الميليشيات الموالية. 

لقد ساهمت السياسة الأميركية في بعض الأحيان عن غير قصد، في تعزيز قوة إيران. فقد أدى الإطاحة بصدام حسين في عام 2003 إلى إبعاد عدو لدود عن حدود إيران. كما أدى فشل واشنطن في تحقيق الاستقرار بالعراق بعد الحرب إلى تعزيز نفوذ طهران. 

بعد أن أطاحت الولايات المتحدة بطالبان في عام 2001، أصبحت القوة الأميركية في الشرق الأوسط هائلة. فبعد بضعة أشهر من غزو إدارة بوش للعراق في عام 2003، مستشهدة بتطوير صدام المزعوم لأسلحة الدمار الشامل، أوقفت طهران إلى حد كبير، عملها السري في بناء الأسلحة الذرية، وفقاً لمسؤولين أميركيين. كما بدأت ما ثبت أنه عشرون عاماً من المفاوضات الدولية بشأن برنامجها النووي.

ولكن غزو العراق كان بداية لانعكاس الحظوظ الأميركية التي لا تزال تصب في مصلحة إيران. فقد تزايد نفوذها من خلال السياسة والميليشيات. ولقد أدى الاحتلال الأميركي المطول للعراق، والذي قُتِل خلاله ما يقرب من 4500 جندي أميركي ومئات الآلاف من المدنيين العراقيين، إلى تحول الرأي العام الأميركي ضد الحروب الطويلة في المنطقة.

لا تزال إيران بعيدة عن تحقيق هدفها المتمثل في إخراج الولايات المتحدة من منطقة تستضيف الآلاف من القوات الأميركية ومجموعة من التحالفات، مع كل من إسرائيل والدول العربية. تظل واشنطن الوسيط القوي البارز في الشرق الأوسط. ولكن في روسيا والصين، تمتلك إيران الآن حليفين من ذوي الوزن الثقيل لديهما أيضاً طموحات في صد النفوذ الأميركي بجميع أنحاء العالم.

لقد نجحت إيران في بناء قوتها الإقليمية مع تجنب الخطوط الحمراء التي قد تؤدي إلى تدخل عسكري أميركي مباشر. وكان هذا الاتساق ممكناً، لأن مسائل الأمن القومي- وضمن ذلك البرنامج النووي والاستراتيجية العسكريةـ لا يحددها رئيس إيران بل هيئات غير منتخبة، وفي المقام الأول مكتب المرشد الأعلى والحرس الثوري، الذي اكتسب قوة متزايدة.

إن التخطيط الطويل الأمد الذي تنتهجه طهران واضح أيضاً في جهودها الداخلية للدفاع عن الحكم الديني ضد شعبها. فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، قادت وحدة سرية تابعة للحرس الثوري، تُعرف باسم مقر بقية الله، جهود النظام الرامية إلى التصدي للعلمانية وما يراه نفوذاً غربياً تآكلياً، وفقاً لتقرير جديد صادر عن باحثين في منظمة “متحدون ضد إيران النووية”، وهي منظمة حقوقية مقرها الولايات المتحدة.

وتفرض الوحدة، التي يرأسها قائد سابق في الحرس الثوري، قواعد اللباس الإسلامي وتدير الانتخابات، من بين مهام أخرى. وتهدف إلى حشد مجتمعها المدني الديني الذي يضم أربعة ملايين شاب إيراني مخلص كوسيلة لتنفيذ السياسات الأيديولوجية والثقافية للقيادة الدينية، وتجاوز بيروقراطية الحكومة المنتخبة، وفقاً للباحثين، مستعينين بالمواد الأصلية من الحرس الثوري. 

داخل إيران، لا تتسم السياسة بالتجانس. فقد أدت الانقسامات منذ فترة طويلة إلى انقسام المعتدلين الذين يفضلون التعامل مع الغرب والمحافظين الذين يعتقدون أن إيران في وضع أفضل في تحالف مع روسيا والصين. وقد عادت المناقشة إلى الظهور خلال الانتخابات الرئاسية، والتي سيتنافس فيها الآن المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان والمحافظ سعيد جليلي، حيث لم يحصل أي منهما على الأغلبية في الجولة الأولى من التصويت مع انخفاض نسبة الإقبال. وتجرى الانتخابات بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية، في مايو/أيار الماضي.

رأت إدارة أوباما أن حل القضية النووية ضروري للحد من التدخل الأميركي في الشرق الأوسط بعد أكثر من عقد من الحرب. وفي عام 2015، وافقت إيران وست قوى عالمية، من ضمنها ذلك الولايات المتحدة وروسيا والصين، على اتفاق تاريخي لفرض قيود صارمة على العمل النووي الإيراني لمدة 10 سنوات على الأقل. وفي المقابل، حصلت طهران على تخفيف العقوبات الدولية التي كانت الولايات المتحدة تطالب بها في السنوات السابقة.

ولقد رأى المؤيدون في هذا القرار دليلاً على نجاح سياستهم المزدوجة القائمة على الضغط والمشاركة. وكانوا يأملون أن يؤدي هذا القرار إلى احتواء البرنامج النووي الإيراني على المدى الطويل وتخفيف التوترات في المنطقة.

ويعتقد المعارضون أن الاتفاق يسمح لإيران بالانتظار لمدة عشر سنوات واستئناف العمل في مجال الأسلحة النووية مع رفع أغلب العقوبات الدولية. وانتقد البعض الاتفاق؛ لعدم تناوله الأنشطة العسكرية الإقليمية لإيران. 

وفي الوقت نفسه، تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة. فقد ساعد الدعم الإيراني بشار الأسد على النجاة من الربيع العربي والحرب الأهلية. واكتسبت إيران نفوذاً أعمق في سوريا، وأنشأت ممراً برياً يمتد من طهران إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​السوري عبر العراق، والذي استخدمته لنقل الأسلحة والأفراد. كما نشرت ميليشيات حليفة لها بالقرب من حدود إسرائيل في سوريا ولبنان.

كلمات مفتاحية: