- ربيع السعدني
- 16 Views
حوار: ربيع السعدني
في ظل التوترات المتزايدة حول الملف النووي الإيراني، والتي تتشابك فيها الأبعاد السياسية والفنية والاستراتيجية، يبرز الحوار مع عباس الكعبي، رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة الوطنية لتحرير الأحواز “حزم”، كفرصة لمحاولة فهم التحديات والتطورات التي تحيط بهذا الملف الإيراني الحساس، خاصة مع تصاعد الخلافات حول تخصيب اليورانيوم، والعقوبات الاقتصادية، والضغوط الدولية، يقدم الكعبي رؤية تحليلية دقيقة لكشف العقبات التي تواجه المفاوضات النووية، والتهديدات الإيرانية، والتداعيات الإقليمية والدولية.. في هذا الحوار، تستكشف “زاد إيران” أبرز القضايا التي تشكل ملامح هذا الصراع المعقد، ونحلل الخيارات المتاحة أمام إيران في ظل الضغوط الدولية المتزايدة.
▪︎ ما أبرز العقبات التي تواجه الجولة السادسة من المفاوضات النووية بين إيران والقوى الدولية، خاصة في ما يتعلق بمسألة تخصيب اليورانيوم؟
جوهر الخلاف يكمن في التخصيب، رفع العقوبات الاقتصادية، والضمانات القانونيّة، فالشروط الأمريكيّة واضحة جدا، وهي وقف التخصيب قبل البدء بالتفاوض، وجود مراقبين دوليين وأمريكيين في 31 منشأة ومختبر لها علاقة بالتخصيب، الرفع التدريجي للعقوبات الإقتصادية ضدّ النظام الإيراني.
أمّا الأخير فيتمسك بحقه في تخصيب اليورانيوم، يرفض نقل كميات اليورانيوم المخصّب بنسبة 60% إلى دولة ثالثة (المقترح الأمريكي)، الرفع الكلّي للعقوبات الاقتصادية، كما يشترط ضمانات قانونيّة للاتفاق وعدم تكرار تجربة عام 2018 حين انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق.
▪︎ كيف تقيّم المقترح الأمريكي الأخير الذي قدمته واشنطن عبر وساطة عمانية، وهل يمثل تنازلا عن شرط “التخصيب الصفري” على الأراضي الإيرانيّة؟
هو لا يختلف كثيرا عن تصفير التخصيب ضمن جغرافية ما تسمّى بإيران، فالمقترح الأمريكي يتضمّن التخصيب خارج هذه الجغرافيا عبر الكونسورتيوم، أي التحالف الإقليمي ويشمل المملكة العربيّة السعوديّة ودولة قطر، إلّا أنّ “محمّد باقر قاليباف” رئيس البرلمان الإيراني قد أكّد قبل أيام أنّ “المقترح لا يشمل رفع العقوبات”، وبعدّ ذلك بمثابة الصدمة لنظام طهران.
▪︎ ما مدى جديّة التهديدات الإيرانية بالرد على قرار محتمل من مجلس محافظي الوكالة الدوليّة للطاقة الذرّية المنعقد حاليا في فيينا بإدانة طهران، وما السيناريوهات المتوقعة لرد إيران؟
منذ عشرات السنين ونحن نسمع عن تهديدات إيران بغلق مضيق باب السلام (هرمز) تارة، أو بقصف القواعد الأمريكيّة في العراق وقطر والإمارات ومنشأة الطاقة السعودية، تارة أخرى، ولكنها لم تتجرأ على تنفيذ تهديداتها حتى الآن، ثمّ أنّ مجلس محافظي الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة قد أكّد أنّ طهران تخصب اليورانيوم بنسبة 60% وبذلك يكون المجلس قد منح الفرصة الكافية سواء لواشنطن أو لعواصم أخرى بإدانة النظام الإيراني، وهذا ما صرّح به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا بقوله “أنّ النظام الإيراني يعد الكيان غير النووي الوحيد في العالم والذي يخصّب اليورانيوم بنسبة 60 %”.
▪︎ كيف يمكن تفسير إعلان إيران حيازتها وثائق سريّة عن البرنامج النووي الإسرائيلي، وما تأثير ذلك على ديناميكيات المفاوضات النووية؟

مازحا، لا يخرج “الإعلان” عن الحرب الدعائيّة الإيرانيّة، فالكل يعلم بأنّ الكيان الإسرائيلي كان قد أعلن عن استيلاءه على أطنان من الوثائق المتعلقة بالملف النووي الإيراني وكذلك والمختبرات ومنشآت تخصيب اليورانيوم، وشكّل إعلان تل أبيب ضربة معنوية كبيرة لطهران.
والآن، وفي خضم كثرة التصريحات والتهديدات الكلاميّة، أعلنت طهران عن حيازتها وثائق سريّة عن البرنامج النووي الإسرائيلي، ولكنها حتى اللحظة، فلم تكشف عن ولو واحدة من هذه الوثائق على الأقل، لكي نصدّقها.
▪︎ ما الدلالات السياسية والفنية لتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير الذي أشار إلى مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهل يعزز هذا التقرير احتمالات تفعيل “آلية الزناد” قبل نهاية العام؟
هذا الإعلان من قبل الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة، لا يقلّ خطورة على طهران من الإعلان عن الإدانة المباشرة، كونه (الإعلان) يشكل نواة لحشد تحالف دولي، سوف يتخذ منه ذريعة لمواجهة النظام الإيراني، وبالإستناد إلى هذا الإعلان.
▪︎ في حال تمّ تفعيل “آلية الزناد” وإحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن، ما الخيارات المتاحة أمام طهران؟ وهل الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT) خيار واقعي؟
الخيارات محدودة أمام طهران اليوم، فلم تعد بذات القوّة التي كانت عليها، خاصة بعد خسارتها الكبيرة في سوريا، والتدمير الشامل الذي مُني به حزب الله في لبنان، إضافة إلى إضعاف قدرات الحوثيين والضغوطات الأمريكيّة على الحكومة في العراق لعدم السماح بعلم العراق بمثابة الممرّ الإيراني لتهريب الأموال والبضائع المحظورة، والانسحاب الإيراني من معاهدة حظر الانتشار النووي، لا يعد وسيلة إيرانيّة فعّالة للرد “آلية الزناد”، كون ذلك سيجعلها أكثر عرضة للإدانة الدوليّة وسيزيد من عزلتها الدوليّة.
▪︎ كيف تؤثر التهديدات الإسرائيلية المستمرّة، سواء عسكريا أو سيبرانيا، على استراتيجية إيران في المفاوضات النووية وعلى برنامجها النووي؟
حين تترجم التهديدات إلى أفعال، فيمكنها أن تكون مؤثرة وفعالة، فـ تل أبيب تهدّد علنا وتنفذ سرا، كاغتيالها عدد من علماء طهران في الملف النووي، استيلائها على أطنان من الوثائق السريّة المتعلقة ببرنامج طهران النووي، هجماتها السيبرانية على عدة منشأة نووية وتسبّبها في الحراق والانفجارات، في عدّة مناسبات، تفجير ميناء جرون (بندر عبّاس) قبل شهر ونصف، وما تلاه من تفجيرات في أصفهان وكرج وقم ومشهد، وقد استهدفت مخازن ومصانع عسكريّة، وأخيرا تفجير مخزن لمادة الليثيوم السامّة صباح الأمس في ميناء بوشهر وكذلك تفجير آخر في ميناء جرون بنفس التوقيت، وعليه فإنّ مثل هذه الضربات ترغم طهران على التخفيف من حدّة لهجتها في المفاوضات النوويّة.
▪︎ هل ترى أن هناك انقساما داخليا في إيران بين التيارين المتشدّد والإصلاحي بشأن التعامل مع المقترح الأمريكي والمفاوضات النوويّة، وكيف يؤثر ذلك على القرار النهائي؟
في الواقع هناك انقسامات في وجهات النظر فيما بين الأشخاص المؤثرين في صنع القرار في طهران، فهناك من يدفع باتجاه الذهاب إلى أبعد الحدود لفتح العلاقات مع الولايات المتحدة، كالعلاقات السياسيّة والمالية والتجارية والاقتصادية، وهناك من يرى أن بقاء النظام مرهونا بالشعارات الواهية التي اعتدنا على سماعها منذ عشرات السنين والتي تبدو معادية لأمريكا، ويمكن الجزم بأنه لا يوجد تيّار إصلاحي وآخر متشدّد في إيران، فهي مجرّد تسميات لتقاسم الأدوار وجميعها يتولّى مهمّة حفظ النظام وضمان استمراره.
▪︎ ما مدى تأثير الضغوط الأوروبية، خاصة من دول الترويكا (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا)، على مسار المفاوضات، وهل تسعى أوروبا للعب دور مستقل عن الولايات المتحدة؟
لو صدقت هذه الدول، ولو رفعت يدها عن النظام الإيراني، لكان هذا النظام منهارا منذ سنوات، فالأطراف التي أشرتم إليها، تعدّ الأهم والأبرز في صناعة هذا النظام الإيراني وفرنسا مساهمة في ذلك هي الأخرى عبر معاهدة سايكس بيكو، أمّا ألمانيا فهي التي منحته تسمية “إيران” سنة 1935، وعليه فإنّ الضغوطات التي تبديها هذه الدول على واشنطن للإسراع في التوصّل إلى الاتفاق، تساهم في حماية النظام الإيراني، لكون هذه الدول حاولت منع واشنطن من تفعيل “آلية الزناد” والتي من شأنها تدمير النظام وانهياره.
كما أن هذه الدول تعي جيّدا أنّ استمرار العقوبات والحد الأقصى من الضغوطات الأمريكية على طهران، سوف يساهم في توسيع نطاق الاحتجاجات والمظاهرات والإضرابات اليومية، وأسبابها معروفة، وهي تردّي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، الناجمة عن المحسوبيّة والفساد والنهب، إضافة إلى تمويل المليشيات والخلايا الإرهابية خارج الحدود.
▪︎ كيف يمكن أن يؤثر رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى مستويات أعلى من 60% كما هدّدت إيران على الموقف الدولي وعلى فرص التوصّل إلى اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة؟

ترفيع نسبة التخصيب يتطلّب رفع أعداد أجهزة الطرد المركزي، وهذا ما يتطلّب وقت أطول، لذلك، فليس من السهل على طهران، رفع مستوى التخصيب متى شاءت، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى، فنسبة 60% وضعت طهران في موقف حرج جدا وعزلة دوليّة وعقوبات اقتصادية مؤثرة وفعالة، فما بالك لو تجاوز التخصيب، هذه النسبة! لا شكّ أنّ ذلك سيجلب على طهران المزيد من الضغوطات والعزلة والعقوبات.
▪︎ هل تعتقد أن هناك فرصة واقعية لإحياء الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة) في ظل التوترات الحالية، أم أنّ الملف النووي الإيراني يتجه نحو تصعيد غير مسبوق؟
صحيح أنّ التصعيد يبدو غير مسبوقا، ولكن هذا لا يعني انعدام الفرص أمام التوصّل إلى اتفاق نووي شامل، وذلك لعدّة أسباب، أولها أنّ النظام الحاكم في طهران، يسعى الحفاظ على نفسه واستمرار بقاءه، بأي ثمن كان، وهذا ما يجعله إلى تقديم الكثير من التنازلات مقابل استمرار بقاءه.
ثانيا، فالدول الإقليميّة من ناحية وإدارة ترامب من الناحية الأخرى، فكلها لا ترغب بالحروب، فكل من الدول الإقليميّة لها مشاريعها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، لخمسة وعشرة وعشرين سنة في المستقبل، وأنفقت مبالغ كبيرة لنجاحها، ثمّ أنّ ترامب فهو الآخر، يسعى بأن يكون بطلا للسلام، لا الحرب، وكثيرا ما يتباهى كونه الرئيس الأمريكي الوحيد التي لم تخض بلاده أية حرب خلال فترة رئاسته السابقة، وهكذا يريد أن يكون خلال رئاسته الحالية.
وهذه الأسباب مجتمعة، تمنع وقوع حرب، يصعب التكهّن بنتائجها، ولكن هناك عدّة مؤشرات تبيّن أنّ إدارة ترامب تدفع بإتجاه انهيار النظام عبر الضغوطات الداخلية والخارجية، ولكن بدون حرب مباشرة، وقد حذر من ذلك عدد من قادة إيران.