في ظل الوجود العسكري الأمريكي المكثف بالشرق الأوسط.. هل تواصل إيران إجراءاتها الرادعة بعد محادثات مسقط؟

كتب: ربيع السعدني 

ما تزال هناك مخاوف جدية بشأن إيران، ويخشى البعض من أن تتصاعد التوترات بشكل حاد، بما قد يؤدي إلى عواقب عالمية مميتة، وفي وقت سابق قبيل محادثات مسقط غير المباشرة بين الجانبين الإيراني والأمريكي، يوم السبت 12 أبريل/نيسان 2025، أرسلت الحكومة الأمريكية رسائل متضاربة تركزت حول رغبتها في تهدئة التوترات مع إيران. 

صحيفة خامنئي متشائمة

في مقال بعنوان “أفق الاتفاق مع ترامب غير واضح، لا تؤخروا البلاد”، أشارت صحيفة “كيهان“، المقربة من المرشد علي خامنئي، إلى مفاوضات عُمان بين طهران وواشنطن بالقول: “إن استعراض المسارات، التي أدت إلى مفاوضات يوم السبت في عُمان، لا يرسم أفقا واضحا للتوصل إلى اتفاق مع ترامب”.

من ناحية أخرى، أرسلت واشنطن رسالة، مفادها أنها مستعدة لإجراء محادثات نووية أخرى مع إيران، ومن ناحية أخرى، زادت بشكل كبير من وجودها العسكري في الشرق الأوسط، وهي قضية يعتبرها البعض مقدمة لهجوم على المواقع النووية والصاروخية الإيرانية.

مستشار المرشد يهدد

وردا على تلويح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشن عمل عسكري ضد إيران إذا لم تتوصل لاتفاق حول برنامجها النووي، لوَّح مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، بطرد المفتشين الدوليين لوكالة الطاقة الذرية، ونقل اليورانيوم المخصب إلى مواقع سرية في حال الاقتراب من خطر الهجمات الأمريكية.

وقال علي شمخاني، مستشار المرشد والمشرف الخاص على المفاوضات النووية، إن استمرار التهديدات الخارجية، ووضع إيران تحت طائلة هجوم عسكري محتمل، قد يدفعان بإيران إلى اتخاذ إجراءات ردعية، أبرزها طرد مفتشي (الوكالة الدولية للطاقة الذرية) ووقف التعاون معها، ونقل المواد النووية المخصبة لمواقع داخلية آمنة وسرية.

كما أشار مستشار خامنئي إلى أن “نقل المواد المُخصّبة إلى مواقع آمنة وغير معروفة داخل إيران قد يكون مطروحا أيضا”.

سوء تقدير

وذكر تقرير سابق لموقع “فرارو” أن تصعيد ترامب للتهديدات ضد إيران هو قضية تمثل النموذج السلوكي للرئيس الأمريكي، ويريد أن يجبر إيران على التفاوض وتحقيق النتائج التي يرغب بها من خلال التهديد باستخدام القوة.

وفي رده على تهديدات شمخاني، قال المسؤول النووي السابق تومي بروش إن هذه الإجراءات من شأنها تصعيد التوترات، وتعد سوء تقدير من جانب إيران.

وفي سياق متصل، قال نيجيرفان بارزاني في تصريح صحفي نقله موقع “فرارو“: “إن طرد إيران لمفتش الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيكون عملا استفزازيا وسوء تقدير من جانب هذا البلد”، وأضاف: “نحن لا نزال نشعر بالقلق إزاء مخزونات إيران المتزايدة من اليورانيوم المخصب”.

تهديدات ترامب

جاءت تلك التصريحات بعد ساعات من تهديد ترامب، أكد فيه أنه إذا رفضت طهران التوصل إلى اتفاق نووي، فإن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى القوة العسكرية، كما أضاف أن إسرائيل ستقود أي عملية هجومية محتملة ضد إيران.

وزعم البيت الأبيض أن ترامب قال إنه لن يسمح لإيران أبدا بالحصول على سلاح نووي، وكرر التهديدات الصارخة التي أطلقها مسؤولون أمريكيون، مدعيا أن إيران يجب أن توافق على طلب ترامب أو تدفع ثمنا باهظا.

وتعد محادثات السبت بين مسؤولين أمريكيين وآخرين إيرانيين في العاصمة العُمانية مسقط، بمثابة “اختبار لقياس نوايا وجدية الجانب الأمريكي”، وفقا لما صرح به المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي.

فرصة أخيرة للدبلوماسية 

وكتب بقائي في رسالة باللغة الإنجليزية على منصة إكس: “نحن نعطي الدبلوماسية فرصة حقيقية بحسن نية ويقظة كاملة، ويجب على أمريكا أن تقدر هذا القرار، الذي تم اتخاذه على الرغم من خطابها العدائي”.

ووصف البيت الأبيض أيضا الاتصال المباشر الذي أجراه المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون الشرق الأوسط ستيف ويتكوف مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يوم السبت 12 أبريل/نيسان 2025، بأنه خطوة إلى الأمام في تحقيق نتيجة مفيدة للطرفين. ومن المقرر أن تعقد الجولة الثانية من المحادثات يوم السبت 19 أبريل/نيسان القادم.

وفي وقت سابق خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أعلن ترامب بشكل مفاجئ، أن الولايات المتحدة وإيران ستجريان محادثات مباشرة بشأن البرنامج النووي الإيراني يوم السبت، 12 أبريل/نيسان 2025، محذرا بأن طهران ستكون في خطر كبير إذا لم تنجح المحادثات.

وقد انتهت المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة بشأن قضية رفع العقوبات والقضية النووية، واتفق الطرفان على استمرار هذه المحادثات، وأشار تقرير لوكالة تسنيم، التابعة للحرس الثوري، إلى أن وفدين إيرانيا وأمريكيا وصلا إلى العاصمة العُمانية مسقط ظهر السبت لبدء مفاوضات غير مباشرة بعد توسط وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، لنقل الرسائل بين الجانبين.

وحذَّرت إسرائيل والولايات المتحدة بأنهما لن تسمحا لإيران بتطوير سلاح نووي، مع تأكيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) على زيادة كبيرة في توسع إنتاج طهران من اليورانيوم عالي التخصيب القريب من مستويات الأسلحة.

التدخل العسكري

وقال ترامب للصحفيين بعد توقيع أوامر تنفيذية عدة في البيت الأبيض: “أنا لا أطلب الكثير… لكن لا يمكن لهم امتلاك سلاح نووي”، وأضاف الرئيس الأمريكي: “إن تطلب الأمر تدخلا عسكريا؛ فسنفعل”.

وتزداد المخاوف الدولية مع اقتراب إيران أكثر من أي وقت مضى من امتلاك القدرة على تصنيع سلاح نووي. 

رغم ذلك، أكد ترامب أنه لا يضع جدولا زمنيا محددا لانتهاء المفاوضات مع طهران، قائلا: “إذا شعرنا بأن الوقت مناسب، فسنتخذ الإجراء المناسب”، كما أحجم الرئيس الأمريكي عن تحديد موعد بدء أي عمل عسكري محتمل، وأضاف أن إسرائيل ستكون القائدة لأي ضربة عسكرية محتملة ضد إيران إذا لم تتخلّ طهران عن برنامجها النووي، وفق ما أوردته وكالة أسوشيتيد برس (AP).

وفي وقت سابق حذّر المدير العام للوكالة الذرية رافائيل غروسي، من أن أي خطوات تصعيدية من جانب إيران، مثل زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم أو طرد المفتشين الدوليين، ستُعدّ انحرافا إضافيا عن التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، وقد تُقوّض فرص التوصل إلى تسوية دبلوماسية.

كما أعلنت الوكالة سابقا، أن إيران رفعت وتيرة إنتاج اليورانيوم المخصب عالي النقاء، داعيةً إياها إلى العودة إلى طاولة المفاوضات دون تأخير.

وأرسلت الولايات المتحدة قاذفات استراتيجية إلى جزيرة دييجو غارسيا؛ كبرى جزر أرخبيل شاغوس في وسط المحيط الهندي، وأمر البنتاغون بتحريك أسطول بحري ليكون الثاني من نوعه، مع تصاعد العلميات العسكرية ضد جماعة الحوثي في اليمن، والتلويح بالخيار العسكري ضد طهران بشأن برنامجها النووي.

خطوة أمريكية أخيرة

وقال وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، إن إيران هي من يقرر ما إذا كانت الخطوة الأمريكية الأخيرة بنشر قاذفات B2 في جزيرة دييجو غارسيا بالمحيط الهندي رسالة إلى طهران، معبرا عن أمله في أن تفضي المفاوضات الأمريكية – الإيرانية بشأن برنامج طهران النووي إلى حل سلمي.

وكان مسؤولون أمريكيون قد قالوا لـ”رويترز”، إن واشنطن نقلت ما يصل إلى 6 قاذفات B2 في مارس/آذار 2025 إلى قاعدة عسكرية أمريكية – بريطانية في جزيرة دييغو غارسيا بالمحيط الهندي، وسط حملة قصف أمريكية في اليمن وتصاعد التوتر مع إيران، وبالإضافة إلى الطائرات الـ18 التي وصلت إلى دييجو غارسيا محملة بقاذفات بي 2، تم أيضا إرسال سبع طائرات نقل عسكرية إلى القاعدة.

وعلى الجانب الآخر، بحسب وكالة تسنيم للأنباء نقلت قناة الجزيرة القطرية في وقت سابق عن مصدر إيراني، قوله: “إن الإصرار على تفكيك وإيقاف برنامج تخصيب اليورانيوم أمر غير مقبول على الإطلاق، وإذا كانت واشنطن تريد التأكد من الطبيعة السلمية لبرنامجنا النووي، فإن الاتفاق متاح.

وأضافت الجزيرة: “تجري محادثات مسقط وسط استعداد غير مسبوق من قبل القوات المسلحة الإيرانية، نريد مفاوضات واتفاقات ولكننا لن نقبل التهديدات، إذا أصرت أمريكا على اختيار طريق التهديد والحرب فنحن مستعدون”.

تاريخ التفاوض مع طهران

لم تكن محادثات مسقط هي الأولى بين واشنطن وطهران، بل سبق أن أجرت الولايات المتحدة محادثات غير مباشرة بوساطة عمانية مع إيران خلال ولاية الرئيس السابق جو بايدن، لكنها لم تُحرز تقدماً يُذكر.

وآخر مفاوضات مباشرة معروفة بين البلدين كانت في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، الذي قاد الاتفاق النووي الدولي لعام 2015، لكن ترامب انسحب منه لاحقا عام 2018، وخلال ولايته الأولى بين عامي 2017 و2021، انسحب ترامب من الاتفاق النووي الذي صُمم للحد من أنشطة إيران النووية الحساسة مقابل تخفيف العقوبات، كما أعاد فرض عقوبات أمريكية شاملة.

6 قنابل نووية

وتخشى القوى الغربية من تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، بعدما أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن مخزون إيران من اليورانيوم بنسبة 60% بات يكفي لإنتاج 6 قنابل “نووية”، إذا أرادت طهران رفع نسبة التخصيب إلى 90% المطلوبة لإنتاج الأسلحة وفقا لتقرير (رويترز)، “إذا تم تخصيبها إلى مستويات أعلى”، بحسب معايير  الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إضافة إلى أن هناك كميات بمستويات تخصيب أقل تكفي لصنع مزيد من الأسلحة.

إيران: أهدافنا سلمية

بينما تقول إيران إن أهدافها سلمية تماما، وإن لها الحق في التخصيب إلى مستويات عالية لأغراض مدنية، بحسب تصريحات لنائب وزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية كاظم غريب آبادي.

وأكدت طهران مرارا، أن برنامجها النووي مخصص بالكامل لأغراض مدنية: “البرنامج النووي الإيراني سلمي بحت وفي إطار القانون الدولي، وعمليات التفتيش التي تقوم بها وكالة الطاقة الذرية دليل على هذا الموقف”.

رغم مزاعم القوى الغربية بأنه لا يوجد تفسيرٌ مدنيٌّ موثوقٌ به للتخصيب إلى هذا المستوى، وتقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنه لا توجد أي دولة فعلت ذلك دون إنتاج قنبلة نووية.

وبطبيعة الحال، بما أن ترامب يسعى إلى التوصل إلى اتفاق نووي يقدم نفسه على أنه مختلف عن خطة العمل الشاملة المشتركة، فمن المرجح أن يظل هناك كثير من العمل الذي يتعين القيام به في هذا المجال.

ومن بين كل الاتفاقيات التي من المرجح أن يسعى ترامب إلى التوصل إليها في ولايته الجديدة، فإن التوصل إلى اتفاق مع إيران يشكل العقبة الأكبر، هناك انعدام ثقة عميق وتاريخي بين إيران والولايات المتحدة. 

بعد انسحاب إدارة ترامب، من جانب واحد، من الاتفاق النووي في عام 2018، أصبحت إيران أقل ثقة بشكل متزايد، وبالطبع متشائمة تجاه الولايات المتحدة.