- زاد إيران - المحرر
- متميز
- 52 Views
في الأسابيع والأشهر التي سبقت الأداء السياسي المدمر الذي قدمه الرئيس جو بايدن على منصة المناظرة في أتلانتا، لاحظ العديد من المسؤولين الحاليين والسابقين وغيرهم ممن التقوا به خلف الأبواب المغلقة أنه بدا مرتبكاً أو خاملاً بشكل متزايد، أو يفقد خيط المحادثات.
مثل العديد من الأشخاص في سنه، عانى بايدن، البالغ من العمر 81 عاماً، منذ فترة طويلة من حالات تشويه جملة أو نسيان اسم أو خلط بعض الحقائق، على الرغم من أنه كان يمكن أن يكون حاد الذهن ومنخرطاً في معظم الوقت. لكن في المقابلات، قال الأشخاص الموجودون معه في الغرفة مؤخراً، إن الهفوات بدت أكثر تواتراً وأكثر وضوحاً وأكثر إثارة للقلق.
لم تكن الأحداث غير المريحة متوقعة، لكنها بدت أكثر احتمالية عندما كان في حشد كبير أو متعباً بعد جدول زمني مرهق بشكل خاص. في الأيام الثلاثة والعشرين التي سبقت المناظرة ضد الرئيس السابق دونالد ترامب، سافر بايدن عبر المحيط الأطلسي مرتين لحضور اجتماعات مع زعماء أجانب ثم طار من إيطاليا إلى كاليفورنيا لجمع التبرعات، مع الحفاظ على وتيرة مرهقة أنهكت حتى المساعدين الأصغر سنًا.
كان بايدن منهكاً بدرجة كافية من الرحلتين المتتاليتين إلى أوروبا، لدرجة أن فريقه قلص استعداداته للمناظرة المخطط لها بيومين؛ حتى يتمكن من الراحة بمنزله في ريهوبوث بيتش بولاية ديلاوير، قبل الانضمام إلى المستشارين في كامب ديفيد للتدريبات. لم تبدأ الاستعدادات، التي جرت على مدار ستة أيام، قبل الساعة 11 صباحاً، وكان يُمنح بايدن وقتاً لقيلولة بعد الظهر كل يوم، وفقاً لشخص مطلع على العملية.
وقال أندرو بيتس، المتحدث باسم البيت الأبيض، يوم الثلاثاء، إن “الرئيس كان يعمل بشكل جيد” قبل موعد بدء الحملة في الساعة 11 صباحاً كل يوم، بعد ممارسة الرياضة. وفي حفل لجمع التبرعات مساء الثلاثاء، ألقى بايدن باللوم على التعب الناجم عن السفر في أدائه بالمناظرة.
ولقد أثارت لحظات الارتباك الأخيرة قلق المستشارين والحلفاء على حد سواء. فقد بدا مرتبكاً في بعض الأحيان في أثناء احتفالات الذكرى السنوية ليوم النصر بفرنسا في السادس من يونيو/حزيران. وفي اليوم التالي، أخطأ في تحديد الغرض من الدفعة الجديدة من المساعدات العسكرية لأوكرانيا في أثناء اجتماعه مع رئيسها.
في العاشر من يونيو/حزيران، بدا كأنه تجمد في مكانه في أثناء احتفال مبكر بعيد التاسع عشر من يونيو/حزيران. وفي الثامن عشر من يونيو/حزيران، أثارت نبرته الهادئة ونضاله القصير لاستدعاء اسم وزير الأمن الداخلي في مناسبة للهجرة، أعصاب بعض حلفائه في المناسبة، الذين تبادلوا نظرات الذعر ووصفوا أنفسهم فيما بعد بأنهم “مصدومون”، على حد تعبير أحدهم. تعافى بايدن، وسمى أليخاندرو ن. مايوركاس.
ولكن من المؤكد أن ترامب ليس على هذا النحو في كل الأوقات. ففي الأيام التي أعقبت كارثة المناظرة، وصفه مساعدوه وغيرهم ممن التقوا به، وضمن ذلك المسؤولون الأجانب، بأنه “يتمتع بحالة جيدة، يقظ ومتماسك وقادر، ومنخرط في مناقشات معقدة ومهمة ويدير أزمات متقلبة”. واستشهدوا بمثال تلو آخر في حالات كانت فيها قضايا الأمن القومي الحرجة على المحك.
في الليلة التي أطلقت فيها إيران وابلاً من الصواريخ والطائرات بدون طيار على إسرائيل، صوَّر مساعدو بايدن الحاضرون في غرفة العمليات الرئيسَ في هيئة قيادية، حيث ألقى محاضرة على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، عبر الهاتف؛ لتجنب التصعيد الانتقامي الذي كان سيشعل الشرق الأوسط. وقال بايدن: “دعوني أكن واضحاً تماماً. إذا شننت هجوماً كبيراً على إيران، فأنت وحدك”.
ولكن نتنياهو ردَّ بقوة، مستشهداً بالحاجة إلى الرد بالمثل لردع الهجمات المستقبلية. وقال بايدن بقوة: “إذا فعلت هذا، فسوف أخرج”. وفي النهاية، لاحظ المساعدون أن نتنياهو قلل من حدة رده.
يستند هذا التقرير إلى مقابلات مع مساعدين حاليين وسابقين في البيت الأبيض ومستشارين سياسيين ومسؤولين بالإدارة ودبلوماسيين أجانب وحلفاء محليين ومانحين ماليين قابلوا بايدن في الأسابيع القليلة الماضية. وفي معظم الحالات، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، بسبب حساسية الأمر.
قال مسؤولون في البيت الأبيض، إن الرئيس يتمتع بصحة ممتازة، وإن أداءه في المناظرة، رغم خيبة الأمل، كان شاذاً. وقال كيفن سي. أوكونور، طبيب البيت الأبيض، في فبراير/شباط الماضي، إنه على الرغم من الأمراض البسيطة مثل انقطاع التنفس في أثناء النوم واعتلال الأعصاب الطرفية في قدميه، فإن الرئيس “لائق بأداء واجبه”.
وتقول نيرا تاندن، مستشارة الرئيس للسياسة الداخلية: “إنه فضولي، ومركّز، ويتذكر، وذكي”. وأضافت: “إنه سيطرح عليك في الإحاطات سؤالاً صعباً، وسيقول: كيف يرتبط هذا بالشخص العادي؟ وإذا لم تفكر في ذلك طوال هذه الفترة، فعليك أن تعود إليه”.
ولكن بحسب العديد من الروايات، كما يتضح من لقطات الفيديو والملاحظات والمقابلات، فإن بايدن اليوم ليس هو نفسه كما كان حتى عندما تولى منصبه قبل 3 سنوات ونصف. فالبيت الأبيض يصدر بانتظام نصوصاً مصححة لملاحظاته، حيث يخلط كثيراً بين الأماكن أو الأشخاص أو التواريخ. وقد فعلت الإدارة ذلك في الأيام التي أعقبت المناظرة، عندما خلط بايدن بين دولتي فرنسا وإيطاليا عندما تحدث عن قدامى المحاربين في حملة لجمع التبرعات في إيست هامبتون.
وقد دفع مناظرة الأسبوع الماضي بعض المحيطين به إلى التعبير عن قلقهم من تسارع التدهور في الآونة الأخيرة. وقال العديد من المستشارين ومسؤولي الإدارة الحاليين والسابقين الذين يرون بايدن بانتظام ولكن ليس كل يوم أو أسبوع، إنهم صُدموا بأدائه في المناظرة، لأنه كان الأسوأ الذي رأوه على الإطلاق.
وقال دوغلاس برينكلي، المؤرخ الرئاسي: “لا يتعين عليك أن تجلس في اجتماع بالمكتب البيضاوي مع جو بايدن لتدرك أن هناك تباطؤاً في العامين الماضيين. هناك فرق واضح”. وأضاف برينكلي، الذي لم ير الرئيس شخصياً منذ عام: “لقد أذهلني من ناحية. يمكن للرئيس أن يتجول في جميع أنحاء البلاد كما يفعل. لكن البيت الأبيض قد يُظهر فقط بايدن الذي يريدون منا أن نراه”.
كما أظهر ترامب، البالغ من العمر 78 عاماً، علامات تدهور على مر السنين منذ انتخابه لأول مرة للبيت الأبيض. غالباً ما يخلط بين الأسماء والتفاصيل ويصدر تصريحات غير متماسكة. يحافظ على جدول أعمال عام أخف من بايدن، ولا يمارس الرياضة، ويبدو أنه نام مراراً وتكراراً في منتصف محاكمة أموال الإسكات الأخيرة. أصدرت حملته ملخصاً صحياً من ثلاث فقرات فقط. أعرب الناخبون عن قلقهم بشأن عمره أيضاً، ولكن ليس بالدرجة نفسها التي أعرب عنها بايدن.
الصورة التي تظهر من المقابلات الأخيرة حول بايدن، هي صورة رئيس تحت الضغط- وهو أمر غير معتاد- بينما كان يحاول التوفيق بين الشركاء الدوليين العصبيين، والحليف المتمرد الذي كانت حربه المستمرة ضد حماس تخلق تهديداً آخر لولاية ثانية، وأزمة عائلية مع ابنه، الذي أدين بتهم جنائية يمكن أن ترسله إلى السجن.
من الضروري أن تكون الصورة غير مكتملة. فمع تقدم بايدن في السن، حد البيت الأبيض من لقاءاته مع الصحفيين. فحتى يوم الأحد، أجرى بايدن عدداً أقل من المقابلات مقارنة بأي رئيس في العصر الحديث، وعدداً أقل من المؤتمرات الصحفية مقارنة بأي رئيس منذ رونالد ريجان، وفقاً للإحصاءات التي جمعتها مارثا كومار، وهي باحثة مخضرمة بمجال الاتصالات الرئاسية.
في المناسبات التي اختار فيها بايدن التحدث مع الصحفيين في وقت قصير، لم تكن الأمور تسير على ما يرام دائماً. في فبراير، ردَّ بغضب على تقرير المستشار الخاص، بشأن تعامله مع الوثائق السرية، حيث وصف المستشار الخاص، روبرت ك. هور، الرئيسَ بأنه “رجل مسنٌّ حسن النية وذو ذاكرة ضعيفة”. دافع الرئيس الغاضب عن نفسه وذاكرته للصحفيين، لكنه أشار إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، باعتباره “رئيس المكسيك” في هذه العملية.
كانت رحلات بايدن إلى أوروبا تتسم بلحظات من الحدة في الاجتماعات المهمةـ وضمن ذلك جلسة معقدة بشأن تحويل الدخل من الأصول الروسية لمساعدة أوكرانياــ مختلطة بارتباك عَرَضي، وفقاً لأشخاص التقوا به. وفي بعض النقاط، بدا كأنه في قمة عطائه، وفي نقاط أخرى بدا ضائعاً بعض الشيء.
وفي نورماندي، التقى بايدن جنوداً سابقين أحضرتهم مجموعة من المحاربين القدامى إلى فرنسا. وقال أحد الأميركيين الذين حضروا اللقاء إن بايدن بدا في بعض الأحيان مشوشاً.
خلال اجتماع في اليوم التالي مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، تحدث بايدن بصوت منخفض للغاية لدرجة أنه كان من المستحيل تقريباً سماعه، وقال إن دفعة جديدة من المساعدات كانت مخصصة لإعادة بناء الشبكة الكهربائية في البلاد عندما لم يكن الأمر كذلك.
ولكن عندما حان وقت إلقاء الرئيس خطابه في يوم النصر، ألقى خطابه بقوة ووضوح، فاكتسب زخماً كبيراً، واختتمه بنبرة قوية. وكان ذلك بمثابة تذكير بأنه، تماماً كما حدث في أثناء خطاب حالة الاتحاد في وقت سابق من هذا العام، كثيراً ما ينهض للمناسبات الكبرى، وبمجرد أن يستوعب إيقاع الخطاب، يبدأ الأدرينالين في العمل.
بعد عدة أيام في فرنسا، عاد بايدن إلى وطنه لفترة وجيزة، وتعامل مع الأزمة العائلية المتمثلة في إدانة ابنه. استضاف حفلاً موسيقياً مبكراً بمناسبة عطلة التاسع عشر من يونيو/حزيران، حيث شوهد واقفاً بثبات في أثناء عرض موسيقي. قال أحد الأشخاص الذين جلسوا بالقرب من الرئيس، إنه كان لديه تعبير “مذهول ومربك” خلال معظم الحدث. وقال هذا الشخص إن بايدن أظهر “تدهوراً حاداً” منذ اجتماع قبل أسابيع فقط.
وبعد يومين فقط من عودته إلى بلاده، عاد بايدن إلى أوروبا، وهذه المرة إلى إيطاليا لحضور قمة زعماء مجموعة الدول السبع. ووفقاً لكبار المسؤولين الذين حضروا الاجتماعات، كان النمط هو نفسه طوال الاجتماعات.
منذ المناظرة، حاول بايدن إثبات أن صعوبته في التعبير عن نفسه في ذلك المساء لم تكن مؤشراً على مشكلة أكبر. فقد ألقى خطاباً قوياً في تجمُّع انتخابي في اليوم التالي، وحضر سلسلة من فعاليات جمع التبرعات، حيث كان يأمل طمأنة المانحين المتوترين.