قراءة في أهمية وجود عباس عراقجي على رأس وزارة الخارجية الإيرانية.. دبلوماسيون سابقون يرصدون تاريخ الرجل

عباس عراقجي- منصات التواصل

كتبت- آية زهران

في أعقاب الأحداث التي جرت خلال يوم الأحد والاثنين في البرلمان الإيراني من تيار الاستقرار “وهو تيار سياسي محسوب على التيار الثوري في إيران وله وجود بالبرلمان”، بشأن اقتراح عباس عراقجي لوزارة الخارجية الإيرانية، يبدو أنه قد تضاعفت ضرورة توضيح أهمية وحضور شخص مثل سيد عباس عراقجي في الظروف الحالية للبلاد والمنطقة والعالم لتولي وزارة الخارجية، وذلك وفق ما قال موقع “شرق” الإيراني يوم الأربعاء 21 أغسطس/آب 2024.

في هذا السياق، يرى سيد جلال ساداتيان وهو دبلوماسي إيراني سابق، في حديثه مع صحيفة “شرق” أن الهجمات التي قام بها التيار المستقر خلال اليومين الماضيين على عراقجي تُعتبر جزءًا من “المواجهة السياسية” بين التيار المستقر وأشخاص مثل عراقجي، ويتم تقييمها على أنها محاولة لقياس القوة السياسية والضغط على بعض التيارات الداخلية في البرلمان، بالإضافة إلى محاولة الحصول على مزيد من المكاسب من حكومة بزشكان.

ويضيف ساداتيان: “الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب في البلاد، إلى جانب التوترات الاجتماعية والأمنية بعد اغتيال هنية والتطورات في السنوات الأخيرة، وأيضاً في ظل سلسلة الأحداث بعد عملية طوفان الأقصى واحتمالية توسع دائرة الحرب إلى لبنان ومناطق أخرى في الشرق الأوسط، والأهم من ذلك بالنظر إلى التطورات الأخيرة في حرب أوكرانيا ووجود كييف على الأراضي الروسية، تُظهر أن وزارة الخارجية لا ينبغي أن تظل بدون قيادة في الوقت الحالي.”

السفير الإيراني الأسبق في إنجلترا، مع الإشارة إلى دور وإمكانيات وتجارب ومكانة سيد عباس عراقجي في ضوء تقييم سجله الدبلوماسي، يؤكد على ضرورة الاستفادة القصوى من قدرات شخص مثل عراقجي في تخفيف التوترات الإقليمية والعالمية، واستخدام الإمكانيات الدبلوماسية لتقليل الأثر النفسي لتحولات السياسة الخارجية على الاقتصاد والسوق. ويشدد أيضاً على ضرورة استخدام الأجهزة الدبلوماسية لتحسين وضع البلاد. ويستمر عضو البرلمان السابق في تقييمه ليركز على الدور المركزي والمنسق لعراقجي مع الجهات الأخرى الخاصة بالشؤون الخارجية.

وكما يقول، فإن عراقجي قد اكتسب خبرة في العمل والمجال الدبلوماسي خلال حكومة روحاني، ويمكنه الآن أن ينسق بشكل مثالي بين هذين البعدين (الميدان والدبلوماسية) دون تجربة أو خطأ، حيث من المهم جداً، من منظور هذا الأستاذ الجامعي، الاستفادة القصوى من دمج الدبلوماسية الذكية

محمد صادق جوادي حصار هو خبير آخر تحدث مع صحيفة “شرق”، ويعتقد في البداية أن “وجود سيد عباس عراقجي مع دبلوماسية ذكية ومنطقية في الظروف الحالية سيكون أكبر دعم للنمو والتطور والرفاهية وتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي”.

ومن جهة أخرى، كما يقول، “يبدو أنه في ظل مجموعة من التطورات الإقليمية والدولية في الأسابيع الأخيرة وظهور متطلبات جديدة في شكل علاقات القوى داخل البلاد، فإن القوى التي تصنع وتتخذ القرارات وتؤثر على السياسات قد توصلت إلى أن استمرار الوضع الذي دام ثلاث سنوات غير ممكن، وأن استمرار الدبلوماسية الحالية لن يؤدي إلا إلى تدهور الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد وفقد المزيد من المصالح والأمن الوطني”.

بموجب هذا يرى عضو حزب اعتماد أن “الحكومة الرابعة عشرة قد قررت صرف مسار الدبلوماسية نحو تهدئة التوترات والعقلانية، بحيث تعمل السياسة الخارجية على تكوين بيئة هادئة للاقتصاد، والمعيشة، والسوق”.

ومع ذلك، يشير هذا المحلل السياسي إلى أن “الدبلوماسية الجديدة لجمهورية إيران الإسلامية في حكومة مسعود بزشكان لا تعني بالضرورة تجاهل الخطوط الحمراء أو تجاوز الاستراتيجيات المحددة، بل، بناء على شعارات الرئيس المؤكدة، ستستمر دبلوماسية هذه الحكومة على نفس المبادئ الثلاثة: الحكمة، المصلحة، والعزة. لكن مع الالتزام بهذه المبادئ، سيحاول عراقجي، إذا حصل على ثقة البرلمان وتولى وزارة الخارجية، تحسين وضع الشعب من خلال الدبلوماسية والسياسة الخارجية”.

تجاوز الحدود الأخلاقية السياسية.

ساداتيان، يشير إلى حواره السابق مع “شرق”، ينبه ويذكر محاولات نتنياهو الأخيرة لمد الحرب إلى إيران بعد اغتيال هنية، ويشير قائلاً: “في الوقت الحالي، يجب في أقصر وقت ممكن تنفيذ دبلوماسية ذكية وعقلانية لتقليل التوتر في المنطقة من أجل إفشال استراتيجية إشعال الحروب التي تستخدمها إسرائيل، وهذا الأمر في الظروف الحالية يمكن لشخص مثل عراقجي تحقيقه”.

الهجوم على عراقجي

كما كان موضوع الهجوم على عراقجي باستخدام أساليب مشينة وغير أخلاقية أمر آخر ركز عليها سيد جلال ساداتيان، وفي تفسير ذلك، يرى: “بعد انكشاف الكذبة الكبيرة التي اُستخدمت ضد عراقجي باسم الشهيد فخري زاده، توضحت أنه لا يوجد أي حدود أخلاقية تمنع الهجوم والإساءة وحتى التهديد لبعض الوزراء المقترحين من التيار الثابت.”

إشارة ساداتيان كانت إلى تصريحات أمير حسين ثابتي، نائب طهران وأحد داعمي سعيد جليلي، حول معارضة فخري زاده للاتفاق النووي وقصة حصوله على العملات الذهبية، وهي اتهامات نفى صحتها ابن مهدي فخر زاده في تغريدة، ونشر على حسابه في منصة “إكس” دعمه لسيد عباس عراقجي، المرشح لمنصب وزير الخارجية، وقال: “للأسف، أرى أن البعض يستخدم بعض تصريحاتي لتحقيق أهداف سياسية معينة وتشويه صورة الدكتور عراقجي. لذلك، أرى من واجبي أن أوضح أن موقف الشهيد من الدكتور عراقجي كان إيجابياً جداً، وكان دائماً يذكره بخير”.

رد عباس عراقجي

من جهته، رد عراقجي في البرلمان على هذه الاتهامات قائلاً: “لقد كنت حزيناً لفترة طويلة بعد استشهاد فخري زاده. عملنا معاً عن قرب في الاتفاق النووي، ولم يكن هناك أحد أقرب إليه مني. ولكن لا أستطيع، ولا أريد الدخول في التفاصيل. نفس الوسام الذي حصلت عليه، حصل عليه الشهيد فخري زاده في الغرفة المجاورة”.

وفي تقييمه لهذه التصرفات المبتذلة في السياسة، يشير محمد صادق جوادي حصار إلى أن “بعد الانتخابات الرئاسية، فقد التيار المتشدد جزءاً كبيراً من نفوذه، لذلك يحاولون من خلال هذه التصرفات المتطرفة في البرلمان إعاقة عمل حكومة بزشكان”.

وعلى الرغم من أن عضو المجلس المركزي لحزب اعتماد يؤكد أنه “لا يقصد الإساءة أو التقليل من شأن أعضاء البرلمان”، إلا أنه يوضح: “بعض النواب الشباب يحاولون في هذه الظروف الحالية إثارة موجة عاطفية وسياسية وإعلامية من خلال منصة البرلمان لتغيير الحقائق تماماً، ناسين من كان يعارض الاتفاق النووي ويعوق السياسة الخارجية وتحسين أوضاع الشعب في السنوات الماضية”.

ويعتقد هذا الوجه الإصلاحي أن الاندفاع الشبابي لأشخاص مثل ثابتي هو السبب الرئيسي في أن “هؤلاء الأفراد، دون خبرة سياسية كافية، يتم تحفيزهم بسرعة من بعض التيارات لاتخاذ مواقف متطرفة وغير واقعية”.

احتدام النقاشات داخل التيار الأصولي

بناءً على هذه النقاط، يرى أحد نواب الدورات السابقة أن إحدى السبب المهمة والمدمرة لغياب الأخلاق السياسية لدى بعض نواب البرلمان ضد الوزراء المقترحين من قبل بزشكان هي اشتداد النقاشات السياسية الداخلية التي ظهرت الآن في صورة خلافات داخل التيار الأصولي، وذلك في وقت تحتاج فيه حكومة بزشكان كما يقول ساداتيان، إلى “الوفاق الوطني، والتماسك، ودعم تام من جميع المجموعات والأحزاب والتيارات السياسية الداخلية بما في ذلك الإصلاحيين، والمستقلين، والمعتدلين، والأصوليين” لتحقيق أهدافها وشعاراتها.

في هذا السياق، ردت وكالة تسنيم، وهي وكالة أنباء أصولية، على خطاب أمير حسين ثابتي، قائلة: “خطاب أمير حسين ثابتي يعد من أولى مشاركاته الجدية في البرلمان. ولكن، بعيداً عن النقاشات المتعلقة بالاتفاق النووي والانتقادات التي وجهها لعراقجي، قال جملة تعد واحدة من أخطائه الكبيرة في بداية مسيرته. ثابتي قال في البرلمان إن هناك من يقول إن شخصاً ما قال إنكم يجب أن تصوتوا لعراقجي. وعلق على هذا الموضوع مشيراً إلى أن القائد الأعلى للثورة لا يطرح مثل هذه الآراء بشأن الوزراء المقترحين. هذه الجملة صحيحة وخاطئة في الوقت نفسه؛ حيث إن من المعروف أن بعض الوزراء، مثل وزير المعلومات (وليس جميع الوزراء)، يتم التشاور بشأنهم مع القائد الأعلى، وإذا كان لدى القائد الأعلى رأي حول باقي الوزراء عادة لا يشاركه مع أحد ويكلف البرلمان بمراجعة الأمر والاستفتاء”.

انتقادات للهجوم على عراقجي

كما انتقدت صحيفة “جوان” الأصولية بشدة الهجوم على عراقجي، وأشارت إلى مواقف ثابتي، قائلة: “أحد مقدمي البرامج التلفزيونية الذين دخلوا البرلمان انتقد الوزير المقترح للخارجية بكلام مبهم، مما وفر مادة للخارج ضد القيادة، كما تصادم مع البرلمان من الداخل وذكر أن بعض الزملاء بدأوا لعبة خطيرة، وتخاصم مع الخارج أيضاً ووجه اتهامات لبعض الأشخاص، وأثار الشكوك حول استقلال البرلمان وأزال تكلفة كبيرة عن كواهل المعارضة.

كما استغل المستخدمون على وسائل التواصل الاجتماعي الفرصة وأضفوا على الأجواء الإيجابية في البلاد بتصريحاتهم السلبية. بعضهم تذكر تغريدة قديمة مسيئة من هذا النائب التي اعتبرت كونه مواطناً مع الوزير المقترح للخارجية عاراً وبعثت إلى “الموت”، والبعض الآخر تذكر تغريدة أخرى اعتبرت الشهيد أمير عبد اللهيان استمرارا لنهج روحاني وظريف، مما جعل كل شيء هامشيا”.

تستمر الصحيفة في انتقاداتها بقولها: “الآن، بعض الأفراد الجدد على الساحة يتصارعون مع الآخرين حول قضايا فارغة! عندما نرى مثل هذا التصرف المتهور، تغلق أفواه المنتقدين الحقيقيين، ويستغل آخرون هذه التصرفات غير الحكيمة لمصلحتهم ويقولون إن الخاسرين في الانتخابات يريدون الانتقام في البرلمان! بينما من حق البرلمان أن يعارض أو يؤيد بعض الوزراء المقترحين بناءً على أسس مهنية وفنية، ولكن الأحاديث الفارغة تنتقل كحلقة إلى التيارات المؤيدة والمعارضة”.

وعلاوة على تسنيم وجوان، انتقدت صحيفة “فرهيختجان” المحافظة بشدة تصريحات النائب القريب من جليلي، وكتبت: “من المؤكد أن الحكومة المحترمة والرئيس يعرفان أن القيادة تدعم الجهاز التنفيذي للدولة الذي يحمل على كاهله الجزء الأساسي، ولكن هذا لا يعني توصية أو أمر بالتصويت من قبل النواب. حتى مع هذا، لم يكن موقف النائب جيداً؛ لأنه رده على الدفاع السيئ من بعض الأشخاص (الذين لا أعرفهم) كان ضعيفاً. لأن صياغة الجمل كانت تفيد بأن دعم القيادة لعراقجي حقيقي، لكنني أرى أسباباً أخرى وأعتبر أن الثقة به غير مناسبة. كان من المدهش أن يأتي هذا الموقف من شخص مثل ثابتي، الذي لديه سمعة سياسية فريدة. كان بإمكانه شرح مبرراته لمعارضة عراقجي، لكن دون توجيه أي انتقاد بأن البرلمان مستقل عن الآراء الأخرى”.

أما محمد صادق جوادي حصار، فقد أوضح الخلافات داخل التيار الأصولي حول الهجوم الذي قام به ثابتي ضد عراقجي بشكل حذر، قائلاً: “إن مواقف هذا النائب القريب من جليلي وظهور أوجه الشباب وعدم الخبرة لا تعبر عن سوء السياسة الإيرانية بمصطلحات مثل ‘تافهين’، بل هي دليل على سطحية التفكير السياسي من خلال العاطفة والحماس، مما قد يسبب ضرراً حقيقياً لسمعة التيار الأصولي ونظام الجمهورية الإسلامية ككل، ويمكن أن تتاح الفرصة لتيارات المعارضة لنشر الغموض والشبهات حول قضايا مختلفة”.

كلمات مفتاحية: