- زاد إيران - المحرر
- إيران, الخارجية الإيرانية
- 117 Views
كتب-زاد إيران
منذ الثورة الإيرانية عام 1979، ونجاح الإطاحة بنظام الشاه، وتشكيل نظام الثورة الإيرانية، مرت إيران بتحديات عالمية وإقليمية معقدة ومختلفة على مر العقود، تعامل معها العديد من وزراء الخارجية الذين تولوا تطبيق السياسة الخارجية للدولة، وتعزيز حضورها.
ومع نجاح الثورة الإيرانية والإطاحة بنظام الشاه، بدأت أولى أزمات السياسة الخارجية الإيرانية الوليدة، بالحرب العراقية الإيرانية التي استمرت 8 سنوات، ليتوالى عقد التحديات والأزمات، وصولاً إلى البرنامج النووي الإيراني، وصراعات الشرق الأوسط، ودعم وكلاء/حلفاء إيران في المنطقة، وتورطها في الأزمة السورية، وتوتر العلاقات مع الغرب والولايات المتحدة.
في هذا التقرير نتناول مسيرة وزراء الخارجية الإيرانية بعد الثورة، وأبرز التحديات التي واجهت كلاً منهم، ودوره في تعزيز الحضور الإيراني على الساحة الدولية، وفق محددات السياسة الخارجية الإيرانية.
بحسب دراسة للباحث محمود إبراهيم متولي، نشرها المركز الديمقراطي العربي، فإن هناك 5 محددات للسياسة الخارجية الإيرانية، أبرزها وأهمها الثورة الإيرانية، والموقع الجغرافي لإيران، والنظام السياسي الإيراني، والصراع السياسي الداخلي في إيران، والمذهبية والإطار الأيديولوجي.
الثورة كمحدد للسياسة الخارجية الإيرانية:
نشر المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، دراسة للباحث عبد الله عيسى الشريف، رصد فيها أنه على الرغم من بقاء وتوارث التعاليم الفكرية الثورية كإحدى الركائز الأساسية للحكم في إيران، فإنه يواجه إشكالية أساسية تتمثل في أن عليه مواجهة العديد من التحديات الداخلية والخارجية إقليمياً ودولياً.
فيما عكست بنية النظام السياسي بعد الثورة، نظاماً سياسياً معقداً ومحيراً، فهو يجمع بين الديمقراطية والثيوقراطية، وبين مرشد له القوة والسلطة المطلقة، ومجالس منتخبة.
الموقع الجغرافي لإيران ودوره في السياسة الخارجية:
فرضت قواعد الجغرافيا على إيران أهمية استراتيجية، حيث تطل وتشرف على أهم ممرات الطاقة والنفط في العالم، مضيق هرمز والخليج العربي وبحر قزوين والمحيط الهندي، كما تشرف على مجال حيوي يُدخلها ضمن نطاق التأثير في شبكة طرق بحرية وبرية وجوية، كما تجعلها حدودها على تماس مع عدد من الدول المحورية في العالم، أبرزها دول الاتحاد السوفييتي السابق، وباكستان، والعراق، والخليج العربي.
كما وفرت الجغرافيا لإيران، مركزاً مهماً في إمدادات الطاقة بسبب احتياطياتها الكبرى من النفط والغاز الطبيعي، حيث تحتل إيران المركزين الثاني والرابع في وجود أكبر احتياطات من الغاز الطبيعي والنفط في العالم.
النظام السياسي الإيراني:
على الرغم من وجود انتخابات متعددة المستويات في إيران وصولاً إلى انتخابات رئاسية، تبدو تنافسية في شكلها الإجرائي في إيران، فإن طبيعة العملية الانتخابية وهيمنة مؤسسات النظام- وعلى رأسها مجلس صيانة الدستور- على فحص ملفات المرشحين وتحديد من يُسمح أو لا يُسمح له بالتنافس، تجعلان العملية تدور في فلك الولي الفقيه.
وعلى الرغم من وجود انتخابات رئاسية في إيران، فإن الصلاحيات الأساسية في القيادة والسيطرة احتكرها الدستور بشكل مسبق للولي الفقيه، ما يجعل من منصب الرئيس قليل الصلاحيات والتأثير في دولاب العمل الحكومي على المستويين السياسي والاستراتيجي.

يؤثر التنافس والاستقطاب بين تياري الأصوليين والإصلاحيين، على توجهات وسياسات إيران الخارجية، بحسب مقال لباحثة الشؤون الآسيوية في جامعة الكويت، نورة صالح المجيم، فإن الدفع بالإصلاحيين والمعتدلين يهدف إلى تخفيف التأزمات الداخلية والخارجية، وعلى رأسها التوتر مع الغرب.
في حين أن صعود وتصدُّر الأصوليين مرتبط بخلافة المرشد علي خامنئي، والثاني مرتبط باعتقاد النظام أن تماسكه واستمراره يعتمدان على السياسات والإجراءات المتشددة، في ظل تنامي التوجهات المطالبة بالإصلاح.
المذهبية والإطار الأيديولوجي:
في دراسة نشرها مركز كارنيغي، عن “الطائفية في السياسة الخارجية الإيرانية”، رصدت أن السياسة الخارجية الإيرانية تنتهج حماية الحكم الإسلامي الإيراني من التهديدات الخارجية، في أطوار تأخذ الشكل الهجومي أحياناً والبراغماتي أحياناً أخرى، في حضور للزاوية الطائفية في السياسة الخارجية.
وبحسب الدراسة، فإن الطائفية في السياسة الخارجية الإيرانية تحجب أكثر مما تكشف طبيعة سلوكها، حيث بات الشرق الأوسط أكثر طائفية منذ سقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، واندلاع ثورات الربيع العربي، ما انعكس على السلوكيات الإقليمية لإيران، على الرغم من أن دور الدين متراجع في علاقات إيران الدولية، حيث تؤثر الهوية الدينية على مقاربات إيران الخارجية، لكن لا تمليها، بنص الدراسة.
وزراء الخارجية في إيران منذ الثورة:
إبراهيم يزدي:
تولى منصب وزير الخارجية في عام 1979، لفترة قصيرة بعد الثورة الإسلامية، في حكومة رئيس الوزراء مهدي بازركان.
التحديات والإنجازات: كانت فترة توليه تتسم بالفوضى في السياسة نتيجة التغيرات الجذرية، خاصة بعد سقوط نظام الشاه. واجه العديد من التحديات، أبرزها إدارة أزمة احتجاز الرهائن الأمريكيين في طهران، والتي أثرت بشكل كبير على العلاقات الإيرانية الأمريكية وحددت إطارها حتى الآن.

صادق قطب شاه:
شغل منصب وزير الخارجية بعد يزدي من نوفمبر/تشرين الثاني 1979 إلى أغسطس/آب 1980، وكان إحدى الشخصيات البارزة في الثورة الإيرانية.
التحديات والإنجازات: خلال فترة ولايته القصيرة، استمر التوتر حول أزمة الرهائن الأمريكيين، وكان يتعين عليه التعامل مع تداعيات الأزمة على العلاقات الدولية لإيران. كانت هذه الفترة أيضاً بداية عزلة إيران الدولية.

علي أكبر ولايتي:
خدم كوزير للخارجية من 1981 إلى 1997، وهو الأطول خدمة في هذا المنصب بتاريخ الجمهورية الإسلامية.
التحديات والإنجازات: قاد الدبلوماسية الإيرانية خلال الحرب العراقية الإيرانية، وكان له دور رئيسي في إنهاء الحرب بقبول قرار مجلس الأمن رقم 598. كما عمل على إعادة بناء العلاقات مع الدول المجاورة بعد الحرب.

كمال خرازي:
وزير الخارجية من 1997 إلى 2005، شغل المنصب خلال رئاسة الإصلاحي محمد خاتمي.
التحديات والإنجازات: تعامل خرازي مع فترة ما بعد حرب الخليج الثانية وسقوط نظام صدام حسين والاحتلال الأمريكي للعراق وصعود حركة طالبان في أفغانستان، وأحداث 11 سبتمبر/أيلول، وكذلك برنامج إيران النووي الذي أصبح محور التركيز الدولي في هذه الفترة.

منوشهر متكي:
خدم كوزير للخارجية من 2005 إلى 2010، تحت رئاسة محمود أحمدي نجاد.
التحديات والإنجازات: كان عليه التعامل مع تصاعد التوترات حول البرنامج النووي الإيراني والعقوبات الدولية المفروضة على إيران، وكذلك التحالفات الإقليمية المتغيرة في الشرق الأوسط.

علي أكبر صالحي:
شغل منصب وزير الخارجية من 2010 إلى 2013، وكان قبل ذلك رئيساً للمنظمة الإيرانية للطاقة الذرية.
التحديات والإنجازات: تضمنت فترة توليه تعزيز العلاقات الإقليمية، ومحاولة تحسين صورة إيران الدولية رغم التوترات المستمرة حول البرنامج النووي، وتداعيات ثورات الربيع العربي وصعود الإسلاميين في تونس ومصر، والأزمة السورية والتدخل الإيراني لإنقاذ نظام بشار الأسد.

محمد جواد ظريف:
وزير الخارجية من 2013 إلى 2021، كان أبرز وجوه الدبلوماسية الإيرانية في مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني عام 2015.

حسين أمير عبد اللهيان:
تولى منصب وزير الخارجية في أغسطس/آب 2021 حتى رحيله في مايو/أيار 2024، في حادث تحطم طائرة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي.
التحديات والإنجازات: تعامل مع قضايا مثل تجديد المفاوضات حول الاتفاق النووي، والعلاقات الإقليمية مع دول الخليج العربي، وتداعيات الحروب في سوريا واليمن والحرب العراقية ضد تنظيم داعش، وتمدد الفصائل الموالية لإيران “الحشد الشعبي” في العراق، وآخرها عملية “طوفان الأقصى” التي قادتها الفصائل الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي

في النهاية، تعكس الخارجية الإيرانية مرونة النظام السياسي والدبلوماسية الإيرانية، حيث تمكنت من الحفاظ على وجود قوي رغم العقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية المستمرة، وهذا يظهر التزام إيران بدورها الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية.