- زاد إيران - المحرر
- متميز
- 68 Views
كتب – محمد علي
حسب تقرير نشرته وكالة أنباء خبر أونلاين، يوم الثلاثاء 20 أغسطس/ آب 2024، فاليوم تتجلى الفرصة أمام محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الإيراني، لإعادة ترميم صورته، وهي الصورة التي ساهم هو والقوى المتشددة من الأصوليين في البرلمان وخارجه على حد سواء في تشويهها في السابق. أما بخصوص مدى استفادته من هذه الفرصة وكيف سيعيد قاليباف تقديم نفسه، فهذا أمر يعتمد على عوامل كثيرة.
فبالعودة للذاكرة، نتذكر عندما عاد علي أكبر ناطق نوري، الرئيس الأصولي للبرلمان في دورته الخامسة، في مايو 1997 إلى قبة البرلمان بعد هزيمته أمام مرشح الإصلاحيين في الانتخابات الرئاسية وتولى رئاسته، كانت له وضعية محددة؛ فقد خسر في السباق الانتخابي، ولكنه الآن على رأس السلطة التي يجب أن تراقب حكومة من فاز عليه.
أراد ناطق نوري أن يضرب مثلاً في النبل، فهنأ خصمه على الفوز، بل إن هناك رواية تشير إلى أنه أعطى له فريقه الأمني بشكل رمزي. أصبح ناطق نوري رمزاً لرئيس البرلمان الذي خسر في الانتخابات الرئاسية ولكنه لم يدخل في مواجهة مع الحكومة ورئيسها، بل سيطر على مشاعر البرلمان الخامس في تعامله مع حكومة خاتمي.
وضع قاليباف
وبعد نحو مرور ثلاثين عامًا من ذلك التاريخ، يجد محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الثاني عشر، نفسه في وضع مشابه. فلقد خسر في الانتخابات الرئاسية وعاد إلى كرسي رئاسته في البرلمان الثاني عشر. لكن أسلوبه يمثل نهجًا جديدًا في هذا النموذج.
نجده يلعب في ساحات مختلفة، فالموقع السياسي لمحمد باقر قاليباف يختلف كثيراً عن علي أكبر ناطق نوري، كذلك فإن الفروق الشخصية بين الرجلين ملفتة للنظر. كل هذه العوامل وأكثر تجعل موقع قاليباف في هذه الظروف خاصاً جداً. فهو يلعب دوراً في هذا الوضع الاستثنائي يمكن تفسيره من خلال عدة دوافع.
الدافع الأول : تصفية الحساب مع جبهة “الصمود ” وجليلي وأتباعهم في البرلمان
منذ صباح عودته إلى البرلمان وقتما كان مسعود بزشكيان لا يزال يحمل لقب “رئيس الجمهورية المنتخب”، جلس قاليباف بوجه تفتحت أساريره ويعلوه ابتسامة على أعلى كرسي بالبرلمان. مازح بزشكيان، تماماً كما كان يحاول في الأيام الأخيرة المزاح مع حميد رسائي، والذي كان في أيام الانتخابات البرلمانية والرئاسية يعمل ضد قاليباف على مدار الساعة. ربما تكون استراتيجية “الابتسامة على الشفاه والسيف في اليد” هي نهج قاليباف في هذه الأيام. إن قاليباف يمتلك ذاكرة كافية ليذكر كيف حاول أمثال حميد رسائي والمقربين من سعيد جليلي وبعض أفراد جبهة الصمود إضعافه في انتخابات البرلمان الثاني عشر، كما لم يدخروا جهداً لمنعه من الوصول إلى رئاسة البرلمان. كان محور الصراع بين هذين التيارين الأصوليين عندما رفض سعيد جليلي الانسحاب من المنافسة، مما أدى إلى جولة ثانية انتهت بفوز معسكر بزشكيان.
وفقًا لهذا الدافع، فإن قاليباف لديه الآن فرصة لتصفية الحسابات مع هذا التيار الذي له وجود راسخ في البرلمان. لقد تلقى قاليباف عدة صدمات من هذا التيار، وعليه الآن أن يتعامل بأسلوب مختلف في ميدان المعركة السياسية. فأولاً، وبعد التوترات الكبيرة حول قائمة الأصوليين في البرلمان الحادي عشر، تسببت التيارات المتشددة في البرلمان في تكاليف كبيرة لـ قاليباف. قرارات مثل قانون الحجاب وبعض المسائل الأخرى التي أثارت توترات في البرلمان، وتركت صورة البرلمان الحادي عشر في أذهان الجمهور مرتبطة بقاليباف وقاليباف وحده.
وفي الحكومة الثالثة عشرة، كانت تصرفات البرلمان مكلفة أيضاً لـ قاليباف، سواء عندما بالغوا في دعم الحكومة أو عندما جعلوا البرلمان أحياناً في مواجهة مع الحكومة، مما دفع وسائل الإعلام المقربة من جبهة الصمود والحكومة إلى تصوير قاليباف كمعارض لرئيس الحكومة الثالثة عشرة.
قصص قوات جليلي وجبهة الصمود مع قاليباف في انتخابات البرلمان الثاني عشر ثم في الانتخابات الرئاسية الرابعة عشرة طويلة ومعقدة. والآن، بعد تجاوز كل هذه الأحداث، يجلس قاليباف في رئاسة البرلمان. وعلى الرغم من أن رفيقه في التيار، سعيد جليلي، خسر أمام بزشكيان وفازت الحكومة بالإصلاحيين، إلا أنه من يعلم بما يشعر قاليباف تجاه هزيمة الأصوليين.
في هذا السيناريو، فإن قاليباف يملك اليد الطولى. فهو يُذكر أشخاصاً مثل ثابتي ورسائي والمقربين من جليلي وجبهة الصمود بمن هو رئيس البرلمان، كما أنه يعيد تنظيم علاقاته معهم بناءً على تجربة البرلمان الحادي عشر والانتخابات الرابعة عشرة.
الدافع الثاني: قاليباف المتعاون والثوري في خدمة تنفيذ البرنامج السابع
الدافع الثاني الذي قد يشغل بال قاليباف هذه الأيام، وربما يفكر فيه، هو أداء دور رئيس البرلمان المتعاون مع الحكومة الجديدة. خلال جلسات التصويت على منح الثقة لوزراء الحكومة أظهر قاليباف مراراً أنه يريد دعم الوزراء المقترحين. من التصدي لتصريحات أمير حسين ثابتي وحميد رسائي بشأن وزراء الحكومة إلى تذكير بعض النواب بالمحاسن الإيجابية للوزراء المرشحين، والتعامل الحازم مع نشر منشورات ضد أحد الوزراء المقترحين.
قاليباف، الذي لم يرَ خيراً من الأصوليين الجيل الثاني وشبابهم المتشددين، يسعى إلى تشكيل دائرة سياسية جديدة بالتعاون مع حكومة بزشكيان، حيث يمكنه أن يلعب دور رئيس البرلمان الذي يتعاون مع الحكومة، ليضمن أنه إذا تم اتخاذ أي خطوات من قبل الحكومة، فستكون بموافقة البرلمان الذي يرأسه هو. في هذا السيناريو، يُبرز قاليباف التعاون مع الحكومة وتنفيذ البرنامج السابع كأحد أولوياته.
الدافع الثالث: التحالف مع حكومة بزشكيان وبناء حاجز دفاعي ضد جليلي وأنصاره و جبهة “الصمود”
الدافع الثالث يتعلق بجانب قاليباف الحذِر والمخطط. فحتى الآن، استطاع قاليباف من خلال نهجه التعاوني أن يضمن بعض الحصص في حكومة بزشكيان.
في هذا الوضع، يمكن لقاليباف، من خلال التعاون ودعم وزراء بزشكيان، أن يضمن لنفسه نصيبًا في مستويات أخرى من الحكومة، حتى ولو كان بسيطًا. وهو يعلم أن بزشكيان ليس من النوع الذي سينسى دعمه بعد انتهاء عملية منح الثقة للوزراء. هذه الدوافع قد تكون سببًا في صحة الأخبار غير الرسمية التي تفيد بعقد اجتماعات لتشجيع النواب على منح الثقة الكاملة لوزراء بزشكيان.
فبتحليل بسيط يدرك قاليباف أنه في معسكره الأساسي، لا يرافقه سوى حداد عادل وشانا (مجلس تحالف قوى الثورة الإسلامية)، بينما عدد التيارات والشخصيات التي تعارضه بشدة أكبر بكثير من عدد داعميه. في الانتخابات، لم ينجح حتى أتباعه من التيار الأصولي الجديد في كسب دعم قواعد الأصوليين والطبقات الدينية. لذا، فهو يريد إسقاط عصفورين بحجر واحد: فمن خلال إنشاء تحالف مع بزشكيان وحكومته، سيستطيع أن يبني حاجزًا دفاعيًا ضد جليلي وأنصار جبهة “الصمود”، وفي الوقت نفسه سيضمن لنفسه نصيبًا من الحكومة الجديدة.
الدافع الرابع: إعادة بناء الصورة وإعادة تقديم محمد باقر قاليباف
على مدى مسيرته السياسية، لعب قاليباف عدة أدوار وتقمص عدة شخصيات، من المدير الجهادي إلى الطيار، ومن الثوري باللباس العسكري إلى رئيس البرلمان بالبدلة الأنيقة، وفي السنوات الأخيرة، حاول أيضًا إدخال مصطلحات مثل “الحكم الجديد” و”الأصولية الجديدة” في إطار بناء أيديولوجيات.
أهمية وضع قاليباف اليوم تكمن في كونه فرصة مثالية لإعادة تقديم نفسه. فلقد حسم موقفه مع عدة تيارات أصولية، وحتى الآن لم يتخذ بزشكيان موقفًا معاديًا ضده ويُبقي على احترامه. ففي النهاية، هو رئيس البرلمان ويتمتع بصلاحيات وسلطة واسعة في هذا المجال.
فاليوم تتجلى الفرصة أمام محمد باقر قاليباف لإعادة ترميم صورته، وهي الصورة التي ساهم هو والقوى المتشددة من الأصوليين في البرلمان وخارجه على حد سواء في تشويهها في السابق. أما بخصوص مدى استفادته من هذه الفرصة وكيف سيعيد قاليباف تقديم نفسه، فهذا أمر يعتمد على عوامل كثيرة. ولكن في كل الأحوال، فإن قاليباف ينتهج نهجًا جديدًا، طريقًا ممزوجًا بأربعة دوافع، قد لا يكون هو اللاعب الرئيسي في كل منها، لكنه بلا شك يمثل الدور المكمل الرئيسي.