“لقد جفت الآبار”.. هل يشهد عام 2026 أزمة في المياه والطاقة بطهران؟

كتب: ربيع السعدني 

مع الانخفاض الحاد في هطول الأمطار خلال فصل الشتاء وانخفاض غير مسبوق في احتياطيات السدود بطهران، تواجه العاصمة واحدة من أصعب سنواتها المائية، وهو ما دفع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، إلى الاعتراف بوجود مشاكل وصفها بالكبيرة في إدارة العاصمة طهران.

وقال: “سنواجه خللا في إمدادات المياه بطهران خلال العام المقبل”، محذرا من “نقص مروع” في المياه والكهرباء والغاز والطاقة طوال العام، وأكد ضرورة معالجة هذه المشكلة والتفكير فيها من الآن فصاعدا.

ويستخدم المسؤولون في إيران مصطلح “الخلل” لوصف النقص الشديد في مجالات المياه والكهرباء والغاز والطاقة.

وقد حذرت صحيفة “اعتماد نيوز“، السبت 15 مارس/آذار 2025، في تقرير لها، من أن “عام 2026 سيكون عام أزمة المياه والطاقة، وذكرت أنه على الرغم من أن بعض المدن في البلاد، وضمن ذلك طهران، شهدت نقصا في الكهرباء والغاز والمياه في السنوات الأخيرة، فإن كل الأزمات السابقة تبدو الآن كأنها مجرد مزحة مقارنة بالأزمة التي تنتظرنا”.

4 سدود خارج الخدمة

في الأيام القليلة الماضية، حذّر المسؤولون الوطنيون من تفاقم الوضع، فقد خرجت 4 سدود على الأقل عن الخدمة، بحسب تقرير لصحيفة “اعتماد نيوز” وانخفضت معدلات هطول الأمطار بشكل ملحوظ مقارنة بالسنوات السابقة، وزادت نسبة تبخر المياه. كل هذا، إلى جانب زيادة استخراج المياه الجوفية، التي كانت في الماضي تستخدم لتوفير المياه خلال فترات الجفاف، أدى إلى انخفاض حاد في احتياطيات المياه بإيران، ومن بين العواقب المباشرة لذلك زيادة هبوط الأرض.

تراجع في هطول الأمطار

ووفقا لصحيفة “شرق” اليومية وفي أواخر عام 2025، وُصِف الوضع المائي في البلاد بالكارثي نتيجة لقلة الأمطار، وضعف إدارة المياه السطحية والجوفية، وزيادة حفر الآبار المرخصة وغير المرخصة لاستخراج المياه الجوفية.

وفي هذا الإطار قال المتحدث باسم صناعة المياه عيسى بزرغزادة، يوم 10 مارس/آذار 2025: “إن معدل هطول الأمطار الحالي في طهران هو ثاني أدنى معدل في السنوات الخمسين الماضية، ونتيجة لذلك، انخفض تدفق المياه إلى السدود بشكل كبير، والآن أصبحت احتياطيات المياه في سدود طهران غير مناسبة على الإطلاق”.

ولهذا السبب أكد الرئيس مسعود بزشكیان، السبت 15 مارس/آذار 2025، خلال اجتماع مجلس التخطيط والتنمية لمحافظة طهران، أن الوضع الحالي في طهران لا يسمح بالعيش فيها بعد الآن، كما لا يمكن تزويد العاصمة بالمياه عن طريق الصهاريج.

وأوضح بزشكیان أن هذا الخلل يمكن حله بمساعدة العلماء والباحثين، وأضاف أن “تطوير البنية التحتية للسكك الحديدية، وتوسيع أسطول النقل، وبناء المدارس والمرافق الطبية في متناول مجالس المدن والقرى، وسيتم حلها بالمساعدة المتبادلة”.

تنمية غير متوازنة

وفي وقت سابق، حذر الرئيس الإيراني من أن التنمية غير المتوازنة دون مراعاة القدرات الوطنية ستواجه البلاد بأزمات مثل نقص المياه والكهرباء والغاز، ودعا إلى وضع سياسات علمية وتجنب القرارات قصيرة الأمد وغير العلمية، وتجدر الإشارة إلى أن أقل من 1% من مساحة البلاد وأكثر من 20% من سكان البلاد يتركزون في طهران، وبالتالي فكيف يمكن إدارة هذه المدينة؟

وقبل أيام، أعلن رئيس المركز الوطني للمناخ وإدارة أزمة الجفاف، عن انخفاض الأمطار في محافظة طهران بنسبة أكثر من 40% مقارنة بالمتوسط الطويل الأمد، وقال إنه من المحتمل أن يتم تقنين المياه بمحافظة طهران في صيف العام المقبل.

هل نفدت المياة الجوفية؟

يذكر أنه يتم تزويد المياه في محافظة طهران بشكل رئيسي من خلال الأمطار، وتخزين الثلوج في المناطق العليا، والمياه الجوفية، ومع ذلك، فإن السحب المكثف من الموارد الجوفية في العقود الأخيرة قد أدت إلى نفاد المياه الجوفية في طهران عاما بعد عام. ووفقا لبزشكيان، “فقد جفت الكثير من آبار المياه”، مما تسبب في أزمة (الهبوط الأرضي) إلى جانب الجفاف ونقص المياه.

وهذه المشكلة موجودة أيضا في مناطق أخرى من البلاد، ويقول بعض الخبراء إن مخزون المياه الجوفية في إيران الذي استمر لألف عام قد استهلك في العقود الثلاثة الماضية.

وأشار الرئيس الإيراني إلى أن منطقة ورامين شهدت هبوطا أرضيا بمقدار 36 سنتيمترا، وأضاف: “في الخارج، يتم عقد جلسة طارئة من أجل هبوط أرضي بمقدار 3 سنتيمترات”.

خطر الهبوط الأرضي 

في السنوات الماضية، تم نشر العديد من التقارير حول أزمة الهبوط الأرضي في طهران ومدن أخرى بإيران.

ويعد هبوط التربة ظاهرة بيئية خطيرة ناجمة عن الاستخراج المفرط وغير المرخص للمياه من طبقات المياه الجوفية، ويُقال إنه إذا استمر هذا التوجه الحالي لاستخراج المياه في المستقبل القريب، فلن يكون لدينا ما يكفي من المياه للاستهلاك أو الزراعة.

وفي الثالث من يناير/كانون الثاني 2025، ذكرت وكالة “خبر أونلاين” أن خطر الهبوط الأرضي يهدد ثمانية مطارات، وأن نحو 14 مليون شخص، أي 20% من سكان إيران، متأثرون بالهبوط الأرضي الشديد.

وبحسب معلومات وإحصاءات هيئة التفتيش العامة في البلاد، تم حفر نحو 300 ألف بئر غير مرخصة في البلاد خلال الفترة من 2005 إلى 2013، بينما منذ بداية الثورة وحتى عام 2005، تم حفر 100 ألف بئر غير مرخصة فقط، مما أدى إلى سحب مليارات الأمتار المكعبة من المياه من طبقات المياه الجوفية بشكل غير مرخص ومفرط.

كيف أدى التطور الحضري غير المتوازن لزيادة استهلاك المياه؟

وزاد المسؤولون الضغط على موارد المياه الجوفية من خلال إصدار تصاريح لحفر الآبار واستخراج المياه الجوفية للأغراض الزراعية. وما دامت هذه الممارسة مستمرة، ونتيجة لعدم وجود تنمية في هذه القطاعات، فإن الناس ما زالوا يعتمدون على نوع الزراعة نفسه الذي مهدت له السلطات الطريق.

وترتبط قضية السكان وأثرها على زيادة استهلاك المياه ارتباطا مباشرا بسياسات المسؤولين. إن تركيز المراكز الصحية والطبية والتعليمية والإدارية وغيرها المهمة في العاصمة، وارتفاع معدلات البطالة في المدن الأخرى، وارتفاع الدخل في العاصمة، وعوامل أخرى تميز طهران عن المدن الأخرى، أدت إلى جذب السكان إلى طهران.

ما الحل المطلوب لحل أزمة المياه؟

وعلى صعيد آخر، أشار نائب رئيس قسم الأبحاث في كلية الزراعة بجامعة شيراز، الدكتور محمد رضا جعفر، إلى أن الاستهلاك المفرط للمياه للأغراض الزراعية ونقص التحكم في الري وإدارته هما السبب الأكبر وراء أزمة نقص المياه، قائلا: “للتغلب على تحدي وأزمة ندرة المياه، نحتاج إلى إدارة ذات كفاءة ومبدئية وفعالة”.

وأضاف: “إن بلادنا من بين الدول القاحلة وشبه القاحلة في العالم وعندما ننظر إلى التوازن المائي، فإن متوسط ​​هطول الأمطار السنوي على المدى الطويل في إيران يبلغ نحو 250 ملم، وهو ما يقرب من ثلث المتوسط ​​العالمي”.

ومن جهته، قدر نائب رئيس قسم الأبحاث في كلية الزراعة بجامعة شيراز معدل هدر المياه في إيران بنحو 25 إلى 30% ونحو 10% على مستوى العالم، مضيفا: “على الرغم من هذه الظروف فإن إدارة الموارد المائية مهمة، خاصة في سياق التنمية المستدامة والحفاظ على الموارد في الظروف الحالية واستخدام هذه النعمة للأجيال القادمة”.

وفي مقابلة مع وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إيسنا)، اعتبر عضو هيئة التدريس بقسم علوم التربة بكلية الزراعة بجامعة شيراز، حميد رضا بورغاسمي، أن أحد حلول إدارة المياه هو فصل مياه الشرب عن مياه الغسيل والاستحمام والاستخدامات الزراعية والصناعية الأخرى.

وعن أبرز أساليب تقليل هدر المياه في أنظمة الري الزراعي، أكد حميد رضا شريفي، عضو الهيئة الأكاديمية بمركز البحوث والتعليم للزراعة والموارد الطبيعية في محافظة خراسان رضوي، ضرورة الانتقال من أساليب الري التقليدية والسطحية، كالري بالخطوط والشرائط، وهي أقل كفاءة، إلى أساليب الري الحديثة، كالري بالرش والتنقيط وتحت السطحي، وهي أكثر كفاءة.

كلمات مفتاحية: