- يارا حلمي
- 136 Views
ترجمة: يارا حلمي
نشرت صحيفة “وطن امروز” الإيرانية الأصولية، الجمعة 2 مايو/أيار 2025، تقريرا تحليليا لرئيس مركز أبحاث الحكومة الذكية سيد طه حسين مدني، تناول فيه حاجة الولايات المتحدة المتزايدة للتفاوض مع إيران بسبب تراجع قوة الدولار عالميا، وتغير موازين القوى الاقتصادية والسياسية لصالح منافسيها.
أوضح سيد طه حسين مدني، أنّ المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة جرت حتى الآن بشكل غير مباشر، ويجب على البلدين استمرار هذه المحادثات، لأنّ ما يتجاوز الجدل الفني بين الجانبين هو أهمية إدراك حاجة الولايات المتحدة إلى الاتفاق مع إيران بشكل أكبر.
القلق الأمريكي من تراجع الدولار
وتابع مدني، مشيرا إلى الأسباب التي تجعل واشنطن أكثر احتياجا للتوصل إلى اتفاق مع طهران قائلا: “إن تحليل الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة، إلى جانب مؤشرات مثل أداء الدولار أمام الذهب، والدولار أمام الروبل واليوان، إضافة إلى أوضاع المنطقة، ومواقف مجموعة بريكس الصاعدة، كلها تقدم فهما واضحا لهذا الواقع”.
واعتبر أن “استيعاب هذا الوضع بدقة سيكون له تأثير كبير على قدرة فريق التفاوض الإيراني على المساومة”.
وتطرق إلى مؤشرات تراجع الدولار أمام الذهب، مبينا أن “عمليات الشراء المكثف للذهب من قبل دول متعددة، وعلى رأسها الصين، تُظهر بوضوحٍ هذا الاتجاه، والصين، التي سعت خلال السنوات الخمس الماضية إلى تثبيت سعر صرف اليوان مقابل الدولار، تبنت في الوقت ذاته استراتيجية تقليص الاعتماد على السندات الأمريكية”.
وتابع: “إذ استوردت الصين نحو 700 طن من الذهب خلال العامين الماضيين، ورفعت نسبة الذهب في احتياطاتها إلى ثمانية في المئة، فإن هذه الإجراءات تسهم بشكل مباشر في تسريع تراجع قيمة الدولار”.

وأشار مدني إلى أن “التوترات في مناطق مختلفة من العالم وحالة عدم اليقين الاقتصادي ساهمت في إضعاف الدولار أمام الذهب، ويعد الذهب أصلا آمنا في أوقات الأزمات، كما أن النزاعات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، إلى جانب أزمات الشرق الأوسط، صبّت جميعها في مصلحة هذا المعدن الثمين وعلى حساب الدولار”.
واستشهد على ذلك قائلا: “حيث بلغ سعر أونصة الذهب نحو 3350 دولارا، وهو رقم قياسي، تزامنا مع تصاعد التوترات وإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رسوم جمركية جديدة”.
كما لفت رئيس مركز أبحاث الحوكمة الذكية إلى أن “ضعف الدولار أمام الذهب ناجم أيضا عن التوقعات بشأن خفض سعر الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي”، ويشير تقرير حديث لشبكة “يورونيوز” الفرنسية، توقع فيه أن يؤدي خفض الفائدة إلى زيادة جاذبية الذهب لدى المستثمرين، باعتباره أصلا لا يدرّ عائدا.
حطمت بعض الدول أرقاما قياسية في شراء الذهب
وأوضح أنه “مع انخفاض الفائدة، تصبح حيازة الذهب من الناحية الاقتصادية أكثر جدوى، وهو ما دفع المحللين إلى اعتبار هذا العامل أحد الأسباب الرئيسة لارتفاع الطلب على الذهب”.
وتابع مدني موضحا أن “محدودية العرض وزيادة الطلب على الذهب المادي تُعدان عاملا رابعا في تراجع الدولار أمام الذهب، وتصاعد التوقعات التضخمية، واتساع الميل العالمي للتخلي عن الدولار كعملة مرجعية، أسهما في زيادة الإقبال على الذهب وإضعاف العملة الأمريكية”.
وأكد أن “من أبرز المؤشرات على ذلك، تسجيل الصين والهند وروسيا وتركيا أرقاما قياسية في شراء الذهب، بهدف حماية اقتصاداتها من تقلبات الدولار، وتعتبر هذه العوامل مجتمعة أدّت إلى ارتفاع سعر الذهب بنسبة 66.33% منذ أواخر فبراير/شباط 2024 وحتى اليوم”.
الروبل يستعيد قوته مقابل الدولار
أضاف مدني أنّه “إلى جانب تراجع الدولار أمام الذهب، فإن العديد من التحولات العالمية على الصعيد السياسي لم تكن لصالح الولايات المتحدة، على سبيل المثال الحرب في أوكرانيا، رغم أنها أضعفت الروبل أمام الدولار في بداياتها، فإنّ روسيا تمكنت، عبر اعتمادها على سياسات سريعة واستنادها إلى احتياطياتها الكبيرة من مصادر الطاقة مثل الغاز، من استعادة قوة الروبل أمام الدولار في وقت أقصر مما كانت تتوقعه واشنطن”.
كما اعتبر أنّ “تعطل ميناء عسقلان بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول عزّز من الدور المحوري لروسيا في تصدير السلع والطاقة”.
تطرق مدني إلى التطورات في سوريا، موضحا أنه “رغم خروج هذا البلد مؤخرا من محور إيران وروسيا، الخصمين الأساسيين للولايات المتحدة، فإن هذه التحولات لم تسر كما كانت واشنطن تتوقع، ولا تزال غير قادرة على اعتبار سوريا حليفا لها”.
تأثير مجموعة بريكس في إضعاف الدولار
ذكر رئيس مركز أبحاث الحوكمة الذكية أنّ “مجموعة بريكس ومواقفها الأخيرة أسهمت أيضا في تقويض قوة الدولار، إذ ساهمت تلك المواقف إلى حد ما، في تقليص الطلب على العملة الأمريكية، وزيادة الإقبال على الذهب، مما أدى إلى ارتفاع سعر أونصة الذهب، وهو ما انعكس سلبا على قيمة الدولار”.
وأضاف أن هذه المعطيات مجتمعة دفعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تغيير نهج بلاده في الساحة الدولية مقارنة بما كان عليه سابقا، في محاولة لوقف مسار تراجع الدولار واستعادة قوته.
وأوضح أن إيران تمثل محورا أساسيا في هذا التوجه الجديد لدى ترامب، ولذلك دخل إلى طاولة المفاوضات مع طهران انطلاقا من رؤية اقتصادية بحتة، وبناء على ذلك، يمكن القول إنّ الولايات المتحدة تحتاج إلى التفاوض والتوصل إلى اتفاق مع إيران بدرجة أكبر بكثير مما تحتاجه طهران، وذلك لإكمال الصورة التي تسعى إليها واشنطن لإيقاف مسار تراجع الدولار.
كما أكد مدني أن إدراك هذا الواقع، أي حاجة الولايات المتحدة الأكبر إلى التفاوض والتفاهم مع إيران، من شأنه أن يعزز قدرة فريق التفاوض الإيراني على المناورة وكسب المكاسب، لكنه في الوقت ذاته يجب التسليم بحقيقة أن أي اتفاق دولي طويل الأمد لم يعد له معنى في عالم اليوم، ولا يمكن أن يكون مستقرا أو دائما.
وفي ختام حديثه، أشار إلى ضرورة الاستعداد لكل السيناريوهات، موضحا أنه “حتى في حال التوصل إلى اتفاق، فإن هذا الاتفاق، خاصة مع دولة مثل الولايات المتحدة، لا يمكن اعتباره طويل الأمد أو مضمون الاستمرارية”.
وأوضح أنه “في حال انتهاء المفاوضات دون التوصل إلى اتفاق، يجب أن يكون واضحا أن العديد من مشكلات البلاد ناتجة عن تحديات إدارية داخلية، يمكن معالجتها من خلال الاستفادة من الكفاءات، وتحسين العمليات، ورفع الكفاءة، بل أحيانا من خلال إعادة النظر الجادّة في طريقة التعامل مع القضايا، لذلك، فإن التركيز على الإمكانات الداخلية يظل ذا أهمية قصوى”.