تتجه الأنظار نحو الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في إيران. وتنافس أربعة مرشحين في الجولة الأولى، ووصل مرشح الإصلاحيين بيزشكيان ومرشح المحافظين جليلي إلى الجولة الثانية. فكيف يؤثر حلم المرشحين بإيران، ومن سيخرج منتصرًا من المنافسة بين المحافظين والإصلاحيين على التوازنات الإقليمية والعالمية؟
موقع “تي آر تي خبر” التركي، في تقرير له يوم الخميس 4 يوليو/ تموز 2024 قال: إنه سبق أن أعلن بعد وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر، عن تقدم 278 مرشحًا للانتخابات. تم قبول طلبات 80 شخصًا. ورغم أن عدد طلبات الترشح كان مرتفعًا إلى حد ما، إلا أن مجلس صيانة الدستور وافق على طلبات 6 مرشحين.
وفي الجولة الأولى، وصل سعيد جليلي إلى الجولة الثانية في السباق، حيث تم تعريف 5 مرشحين على أنهم محافظون. وأنهى مرشح الجناح الإصلاحي مسعود بيزشكيان الجولة الأولى متقدمًا بفارق مليون صوت على جليلي.
لقد وصل إقبال الناخبين على أدنى مستوياته منذ بداية الثورة الإسلامية. ولم يعد الشعب الإيراني يذهب حتى إلى صناديق الاقتراع لأنه “يعتقد أن الرئيس ليس له أي وزن في تحديد السياسة”، على حد وصفه، ويطالب كلا المرشحين بزيادة نسبة المشاركة التي انخفضت من 80 بالمئة إلى 40 بالمئة. حيث يعد معدل المشاركة المرتفع أمرًا بالغ الأهمية لكل من النظام والمرشحين.
ما هو شكل إيران الذي سنراه بعد الانتخابات الرئاسية؟
في الحقيقة، إن بيزشكيان حصل على أكثر من 10 ملايين صوت في الجولة الأولى وهو ما يعد مؤشراً على رغبة قطاع كبير من الإيرانيين في حكم الإصلاحيين. فبعد عام 1979، حدثت أربعة احتجاجات رئيسية مناهضة للنظام في إيران، وهي التي خرجت في الأعوام 1999 و2009 و2017 و2019.
في المقابل، فاض التراكم الاجتماعي بعد هذه الإجراءات الأربعة الكبرى، مع التظاهرات التي بدأت مع اعتقال الفتاة الإيرانية مهسا أميني عام 2022. لم يهدأ الغضب الاجتماعي في البلاد أبدًا لأسباب مثل الاقتصاد المتردي والسياسة والبنية الاجتماعية والسياسة الخارجية. إن عدم قدرة السياسيين على إيجاد حلول للمشاكل أدى إلى انخفاض الثقة في الوضع السياسي، وخلق الحاجة إلى الإصلاح. هكذا تطورت العملية السياسية التي كانت سببًا في ترشيح بيزشكيان.
في حين، أصبح جليلي، الذي شغل منصب السكرتير وكبير المفاوضين في المحادثات النووية، مرشح المحافظين في الانتخابات الإيرانية. وفي الجولة الثانية بحصوله على ما يقرب من 9 ملايين صوت في الانتخابات الأخيرة، انسحب جليلي في 2021 لصالح الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي. وكلما بدأ التشكيك في النظام، برزت شخصيات مثل جليلي إلى الواجهة في السياسة الإيرانية. وقد قال في خطاباته إنه سيواصل سياسات حكومة إبراهيم رئيسي، وذكر أن التركيز سيكون على الخدمات والكفاءة والعدالة. بمعنى آخر، يقول جليلي إنه يبحث عن تحسين الجوانب المعيبة في النظام السياسي الحالي والحفاظ على النظام القائم في إيران.
من جهة أخرى، ينعكس الملف الشخصي الذي رسمه المرشحون في اقتراحات الحلول التي يقدمونها للمشكلات. فبيزشكيان، وهو من أصل تركي وسني، وُلد في مهاباد بإيران، ضم النساء والشباب في قلب حملته، ويرى أنه يجب تمثيل جميع شرائح المجتمع من أجل تنمية البلاد.
وفي معرض تعبيره عن ضرورة تحسين الحقوق الأساسية في البلاد، يؤكد بيزشكيان على أن السياسات يجب أن تُنتج من خلال الاستماع إلى الجمهور في الأماكن العامة، وخاصة الإنترنت، وأن هذه السياسات يجب تنفيذها بدلاً من بقائها على الورق.
اقتراح سياسي آخر لبيزشكيان هو ضمان التكامل مع المجتمع الدولي. وذكر أنه على الرغم من أن إيران هي الدولة التي تمتلك ثاني أكبر إمدادات الغاز في العالم، إلا أن السياسة الخارجية المتبعة تتسبب في أزمات لإيران.
جليلي، الذي ولد في مشهد، إحدى المدن القديمة للثقافة الإيرانية، هو المرشح المثالي الذي يبحث عنه النظام في إيران. فجليلي الذي شارك أيضًا في الحرب، يعبر عن وجهة نظر مفادها أن المشاكل في إيران، على عكس بيزشكيان، تنشأ من أسباب اقتصادية، وليس من النظام السياسي، وأن الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها إيران هي بسبب عقوبات أمريكا.
في حين، إن القضية الأكثر لفتا للانتباه بين وعود جليلي هي التحول التكنولوجي. وفي معرض الإشارة إلى ضرورة معالجة التحول التكنولوجي من أجل التغلب على عنق الزجاجة الاقتصادي، قال جليلي إنه إذا أصبح رئيسًا، فسوف يعمل على تغيير كافة القطاعات التكنولوجية في البلاد.
إيران تريد فتح مجال جديد في السياسة الخارجية، حيث تعكس ملفات المرشحين هذه الرغبة التقليدية في السياسة الخارجية. فبوسع بيزشكيان، الذي يدرج حقوق الإنسان في أجندة سياسته الخارجية، أن يتخذ خطوات مهمة نحو تحسين العلاقات مع الغرب، بجانب خطوات التطبيع مع العالم الغربي، وهي الخطوات التي ستؤدي إلى خيار آخر يُسلِّط الضوء على الحوار في الشرق الأوسط. وفي ظل الظروف التي تتردد فيها الولايات المتحدة بشأن الانسحاب من الشرق الأوسط، فمن المتوقع أن تتبنى إيران نهجاً تصالحياً.
إن حكومة جليلي المحتملة لا تَعِد بتغيير كبير في السياسة الخارجية الإيرانية اليوم. بل على العكس من ذلك، فهو يعطي دلائل تشير إلى أن الاتجاهات الحالية سوف تتسارع وتستمر. فجليلي، الذي يهاجم الدول الموقعة على خطة العمل المشتركة لعام 2018، قد يُحوِّل محور إيران بالكامل نحو الشرق.