ما هي أولويات السياسة الخارجية لحكومة بزشكيان الجديدة؟ سفير إيراني سابق في أوروبا يحدد المسار الذي يجب على الرئيس الإيراني اتباعه

مسعود بزشكيان

كتبت: من القاهرة، إيمان مجدي

تعرض السفير الإيراني السابق في البرتغال والدنمارك، إلى فوز الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ، في الانتخابات الرئاسية ، وتناول الأولويات التي يجب على حكومة بزشكيان الجديدة أن تهتم بها في الفترة المقبلة.

وكتب السفير الإيراني السابق في البرتغال والدنمارك، والباحث في العلاقات الدولية مرتضى دامن باك جامي مقالًا في صحيفة اطلاعات أونلاين يوم الخميس 1 أغسطس/ آب 2024، يتحدث فيه عن أولويات الحكومة المقبلة.

وقال إن انتخاب الدكتور مسعود بزشكيان، جراح القلب ووزير الصحة في الحكومة الثامنة وممثل عدة دورات في البرلمان من الممكن أن يكون رغبة في تغيير الوضع الراهن بالنسبة لكثير من الناس والتيارات الفكرية والسياسية، وذلك مع أخذ شعاراته ووعوده الانتخابية في عين الاعتبار، وذلك وعد بالتغيير والتحول على مستوى السياسة الداخلية والخارجية.

وتناول باك جامي ، بعض الأسس المتعلقة بالسياسة الخارجية الإيرانية ، وقال إن السياسة الخارجية للحكومة الرابعة عشرة والتي أكد عليها الرئيس مرارًا وتكرارًا هي استمرار السياسات العامة للنظام ومبادئ حكمه الراسخة في التعامل مع سياسة إيران الخارجية وهي “العزة، والحكمة، والمصلحة”.

قال كذلك ، إن بزشكيان أعلن أثناء المناظرات الانتخابية أن سياسته الخارجية ستكون واقعية، وتعاملية، وتنموية. وبناءً على ذلك، يمكن تلخيص الأسس والأهداف العامة للسياسة الخارجية للدكتور بزشكيان في بضع كلمات: رفع العقوبات وإنهاء عزلة إيران، والتخلص من التوترات، والتعامل، والتنفيذ، والتوازن والتعادل بمثابة استمرار لسياسة الجوار في نطاق منطقة قوية ودبلوماسية اقتصادية. وعلى هذا الأساس، يمكن وصف كلام الحكومة الرابعة عشرة في ظل خطاب الثورة الإسلامية في مجال السياسة الخارجية باعتباره متوازنًا، وخاطفًا للفرص، وفي مجال السياسة الداخلية تحوليًا ويصبو إلى العدالة.

فوز بزشكيان في الانتخابات الرئاسية سابقة في التيار الإصلاحي، وقربه من الفكر الإصلاحي والتعاملي لحكومتيّ خاتمي وروحاني في مجال العلاقات الدولية، وكذلك تهنئة رؤساء دول العالم المختلفة له خلق الأمل الذي جعل الخارج الإيراني يحترم انتخاب الشعب، ورحبت العديد من الدول بالموقف الراهن في الساحة الداخلية، ومن ثم يقدمون على تحسين العلاقات مع إيران والتخلص من التوترات في العلاقات معها. وبعبارة أخرى، يبدو أن الدول الأخرى أدركت جيدًا رسالة الشعب الإيراني لتغيير وإصلاح الوضع الحالي، وأحدثوا ظروفًا وموقفًا لبداية فصل جديد من العلاقات الخارجية الإيرانية برفع العقوبات الظالمة.

كما قال السفير الإيراني السابق، إن بزشكيان قال صراحةً إن “الدبلوماسية بالنسبة له تفاوض واتفاق ليست ذُلًّا، ربما طريق معقول قليل التكلف للوصول إلى العزة، صرّح بهذا الكلام يوم الثلاثاء ١٨ يونيو ٢٠٢٤م في برنامج المائدة السياسية المستديرة على القناة الثالثة”، مع أخذ هذه الرؤية بعين الاعتبار، سيكون التفاوض والحوار مع أطراف الغرب لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة ورفع العقوبات من أكثر الطرق العاجلة والموضوعة في أولويات حكومة بزشكيان.

ووفقًا لهذا، الخطأ الذي تم في الحكومة الحادية عشرة لن يُكرر. أخذ الواقعية في عين الاعتبار يتطلب التواصل وإبقاء الدولة في حالة تأهب لنتيجة الحوار مع الغرب على وجه الخصوص، ولو تم تجاهل قيمة الشرق مرة أخرى، لا يمكن أن تُحل كل مشاكل الدولة.

مع أخذ تأكيد المرشد الأعلى عدة مرات ورؤية الرئيس المنتخب بشأن مبدأ الانسجام القومي في عين الاعتبار، فمن أجل النجاح في تنفيذ السياسات الداخلية والخارجية هناك حاجة إلى الإجماع القومي وتوقف النزاعات الداخلية. 

وتتمتع هذه المسألة بأهمية كبرى خاصة في ساحة السياسة الخارجية. إحدى مشاكل سياسة إيران الخارجية سحب القضايا التخصصية إلى ساحة النزاعات التيارية، والمنابر غير الرسمية ونقاشات الأفراد والجماعات في الشارع. تسبب هذا الأمر في وضع الشؤون الهامة للدولة في مركز النزاعات السياسية الداخلية قبل مناقشتها في الأجهزة والمؤسسات المتخصصة ذات الصلة، وقبل أن تُسفر عن قرارات الخبراء والإجماع الوطني.

يجب على الحكومة الرابعة عشرة أن تتمكن من اجتياز التحديات الخاصة بموضوعات السياسة الخارجية الهامة وسط النزاعات التيارية، وكذلك يجب أن تستهدف بشكل رئيس تأمين المصالح القومية على أساس الإجماع الوطني. الاتفاق النووي نموذج حقيقي جدير بالذكر؛ لأنه تحول إلى موضوع هام للنزاعات التيارية والسياسية داخل البلاد منذ عقد مضى، ومع أخذ دعم الأركان الرئيسية للنظام للمفاوضات المنتهية بخطة العمل الشاملة المشتركة في عين الاعتبار، كان من الممكن أن يتحول إلى نقطة قوة وانسجام قومي، لكنه تحول إلى مركز النزاعات الحزبية والتيارية الداخلية.

الحكومة الرابعة عشرة على عكس اتهامات المنافسين الانتخابيين ليست بالحكومة الثالثة لخاتمي، وليست استكمالًا لحكومة روحاني، بل إنها حكومة بزشكيان الأولى التي ستنتهج نطاقًا عمليًا بأخذ النقاط المذكورة في عين الاعتبار، وسياستها الخارجية ستكون وسطية ستتبع طرقًا ناجحة ومجربة ونهجًا إيجابيًا في مجال التخلص من التوترات في حكومات خاتمي وروحاني، كذلك ستضع نهجًا إيجابيًا لتوسيع علاقات الجوار وتعزيز التناغم والانسجام بين الميادين والدبلوماسية في خطة عمل حكومة رئيسي.

في الحقيقة، هناك مبادرة معتدلة أو وسطية في الحكومة الرابعة عشرة بإمكانها أن تكون حلًا لخروج إيران من الوضع الراهن. هذه المبادرة من الممكن أن تشمل إزالة التوترات في السياسة الخارجية، والحفاظ على العلاقات مع العزة وموقف الاستقلال الإستراتيجي مع شركاء الشرق (الصين، وروسيا)، والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإعلان قرار رفع قلق الغرب فيما يتعلق بمجال الصواريخ والطائرات المسيرة، وتعزيز التعاون مع الجيران، وبذل الجهود لاستغلال الفرص المتاحة في الكتل والمنظمات والنطاقات كشانغهاي، وبريكس، ومنظمة التعاون الاقتصادي، وممر الشمال-الجنوب (اينستك)، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي بحيث يبدو أن حكومة الدكتور بزشكيان وضعت هذه الأمور في أولوية العلاقات الخارجية.

مع أخذ هذه الملاحظات في عين الاعتبار ومناقشة وجهات النظر والمواقف المعلنة من قِبل الرئيس خلال فترة الحملة الانتخابية وبعدها، يمكن إبراز أولويات السياسة الخارجية للحكومة الرابعة عشرة كما يلي:

صرح الدكتور بزشكيان خلال لقائه مع صحيفة الحديد يوم ٣١ مايو/آيار ٢٠٢٤م ليلة ترشحه للانتخابات مؤكدًا على أن: “الأخوة والتناغم مع الدول العربية والإسلامية والوصول إلى لغة مشتركة معهم ثم مع سائر دول العالم بمثابة مبدأ أساسي في السياسة الإقليمية لحكومتي”. وقال على المائدة السياسية المستديرة بالقناة الأولى على التلفاز الإيراني يوم ١٨ يونيو/حزيران ٢٠٢٤م أنه “لن يترك تعزيز وتوسيع العلاقات متعددة الجوانب مع دول الجوار تحت أي ظروف، وسيدير العلاقات والتحديات مع الجيران على أساس المصالح المشتركة”.

بعد انتخابه رئيسًا للجمهورية، عرَّف بزشكيان سياسة الجوار وفكرة المنطقة القوية في مذكرة مؤرخة بتاريخ ٢٠ يونيو/حزيران ٢٠٢٤م في جريدة طهران تايمز كالتالي: “في حكومتي تثبيت العلاقات مع الجيران سيكون أولوية. نحن نتطلع إلى تشكيل منطقة قوية، فلا يحدث مواقف تكون فيها دولة تسعى نحو الاستيلاء والتسلط على الآخرين وحدها. أعتقد بشدة أن دول الجوار والأخوة لا يجب أن يهدروا مصادرهم القيمة في تنافسات لا قيمة لها، ومباريات أسلحة وتقييد لا أهمية له. ويُخصص هدفنا بدلًا من ذلك في وجوب خلق محيط تكون فيه هذه المصادر تفيد الجميع وتوجهه نحو التنمية والتطور الإقليمي”.

يصف بزشكيان التعاون من أجل التوسع والازدهار الإقليمي بمرشد سياسته الخارجية، وأعلن استعداده للتعاون مع دول الجوار مثل: تركيا، والمملكة العربية السعودية، وعمان، والعراق، والبحرين، وقطر، والكويت، والإمارات العربية المتحدة، والمؤسسات الإقليمية، كما أكد على رغبة حكومته في تعزيز العلاقات الاقتصادية، وتقوية العلاقات التجارية، وتشجيع الاستثمارات المشتركة، ومواجهة التحديات المشتركة، والتحرك نحو خلق إطار إقليمي للحوار، وبناء الثقة، والتوسع.

ويعتقد أنه قد حان الوقت للتعامل مع التحديات المشتركة سوياً في منطقة أشمل من الحرب، والتوترات المذهبية، الإرهاب والتطرف، وتهريب المخدرات، ونقص المياه، وأزمة اللاجئين، وتدمير البيئة، والنزاعات الداخلية وذلك من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

كما وضح بزشكيان فكرة المنطقة القوية باعتقاده أن لو “لدينا منطقة قوية، ونستخدم مواردنا في التخلص من التوتر، والعمل على النمو والتطوير، فلن تكون القوى عبر الإقليمية والأجانب مسيطرة في المنطقة”.

كلمات مفتاحية: