محمد جواد ظريف، الدبلوماسي الذي اعتاد الاستقالة.. ما صحة عودته إلى منصبه مرة أخرى؟

جواد ظريف- وسائل التواصل

كتب – حسن قاسم

كان لاستقالة محمد جواد ظريف من منصبه كنائب للرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، “صدىً” كبير داخل الساحة السياسية الإيرانية، خاصةً التيار الإصلاحي. ويرجع سبب تقديم استقالته من منصبه بشكل أساسي إلى انتقاده قائمة الحكومة التي اقترحها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان. 

وفي الآونة الأخيرة نشاهد تلميحات وتكهنات بعودته إلى منصبه مرة أخرى، فما صحة هذه التكهنات؟

نرصد في هذا التقرير وزن ظريف على الساحة السياسية وبعض التكهنات حول الدوافع الرئيسة التي دفعته إلى تقديم استقالته من منصبه، وإلى ما يشير تصريح بزشكيان الأخير بالاستعانة بظريف كمستشار لمساعدة الحكومة الرابعة عشرة، هذا ما سنسرده في التقرير.

لعبة ظريف – الرجل الدبلوماسي

كانت الأخبار مختصرة، وبالطبع متكررة ومتوقعة: استقال ظريف من منصب نائب الرئيس الاستراتيجي. وهذه هي المرة السادسة التي يكتب فيها جواد ظريف استقالته العلنية من المنصب الذي يشغله، ولكن لماذا؟ لماذا يهتم محمد جواد ظريف بالاستقالة ويستخدم هذه الأداة الخاصة بانتظام؟

جواد ظريف دبلوماسي محنك، عمل دبلوماسياً منذ أكثر من أربعين عاماً، وارتبط اسمه بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة والفتح والتفاوض” بسبب مهامه، بحسب ما ذكره موقع “تابناك” الإيراني التابع للتيار الإصلاحي. وسواء اتفقنا مع ظريف أو عارضناه وانتقدناه، فالحقيقة هي أنه في استطلاعات الرأي التي أجريت خلال السنوات العشر الأخيرة، كان ظريف من بين السياسيين الأكثر شعبية والأكثر شهرة بينهم. وقد دخل ظريف إلى ميدان السياسة الداخلية في “تهور محسوب!” في انتخابات عام 2024 بكل قوة وطاقة، وباعتباره موظفاً تابعاً لمسعود بزشكيان، لم يدخر أي جهد، وبعد تقديم قائمة الوزراء المقترحة من قبل الرئيس، استقال ظريف من منصب نائب الرئيس الاستراتيجي مع عدم الرضا الضمني للعودة إلى الجامعة، بحسب قوله.

جواد ظريف يعرف ما يفعل، ظريف حمل وسام النصر في انتخابات 2024 على صدره، والآن لا يرى أي سبب خاص للاستمرار في منصب النائب الاستراتيجي لبزشكيان، ذلك المنصب الجديد الذي لم يدم فيه ظريف أكثر من أسبوعين.. لماذا؟ لسبب واحد بسيط: ظريف لا يريد أن تتضرر “شعبيته” ومقبوليته في حكومة بزشكيان المضطربة، وبالطبع، فقد أخذ المعارضون هذا الرفض في عين الاعتبار بذكاء ومهارة.

النقطة المهمة هي أنه في حسابات ظريف، لو كان للحكومة مستقبل ومصير مشرق، لما تركها أبداً، حتى على الرغم من المعارضة القوية للتيار، ففي الواقع، إن استقالة ظريف ترجع أكثر من أي شيء آخر إلى معرفته الكاملة بمسعود بزشكيان، وهي المعرفة التي ظهرت في الاختيار النهائي للجنة، ويمكن القول إن بزشكيان اعتمد عملياً على سياسة اللاسياسة، ومن خلال الاستعانة بمصادر خارجية لشؤون الحكومة، يعتقد أنه قادر على التغلب على العواصف والتحديات المقبلة.

عكس ظريف؛ مسعود بزشكيان ليس من المستقيلين، فهو لم يستقل من أي من مناصبه السابقة، حتى في أسوأ وأصعب الظروف السياسية، في فترات مختلفة من البرلمان، فضَّل الصمت والعزلة دون تأثير طفيف. ولهذا من المتوقع أن تتراجع شعبية مسعود بزشكيان في الأشهر المقبلة، ويصبح عمل الحكومة أكثر جدية وصعوبة، عكس شعبية جواد ظريف!

“سنستفيد من وجود السيد ظريف كمستشار”

خلال اجتماع البرلمان  الذي شارك فيه بزشكيان يوم السبت 17 أغسطس/آب 2024 للدفاع عن حكومته، والحديث عن خطة الحكومة كذلك، طُرح عليه سؤال حول مستوى تعاون جواد ظريف مع الحكومة الرابعة عشرة، حيث قال الرئيس: “سنستفيد من وجود السيد ظريف كمستشار. سوف نستعين بكل من حاول واجتهد في هذا البلد، بغض النظر عن آرائه ومعتقداته، وسنشجع أولئك الذين تحترق قلوبهم من أجل هذا الوطن، من الخبراء والعلماء، الذين يعرفون ويستطيعون، وسنقبل أيديهم ليأتوا ويساعدونا في إخراج البلاد من هذه الحالة”.

والسؤال هنا: هل سيعود ظريف إلى منصبه مرة أخرى بعد أن قدم استقالته؟

في الحقيقة هناك صلات طيبة  تجمع ظريف ببزشكيان، حيث أكد ظريف مراراً وتكراراً، دعمه الدائم لبزشكيان، وبحسب موقع “المشرق”  الإيراني التابع للتیار الإصلاحي، نشر الناشط الإعلامي هادي محمدي رسالة على صفحته في منصة “إكس”، حول استقالة ظريف من منصب نائب الرئيس الاستراتيجي، وكتب:

1- بموجب القانون الذي أقره البرلمان في أكتوبر/تشرين الأول 2022، “يحظر تعيين من يحملون هم أنفسهم أو أبناؤهم أو أزواجهم جنسية مزدوجة”. كما تقول المادة 41 من الدستور: “حال حصول أي إيراني على جنسية من دولة أخرى، فسيتم إلغاء جنسيته الإيرانية”.

ويظهر معنى المادة 41، إلى جانب روح قانون البرلمان، أن ما قصده البرلمان هو العمل الطوعي المتمثل في طلب جنسية حكومة أجنبية، في حين أن ابني ظريف الاثنين قد وُلدا في أمريكا. ولأنهما من أب إيراني فإنهما يحملان الجنسية الإيرانية الأصلية، وفي الوقت نفسه، يحملان الجنسية الأمريكية وفقاً للتعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي، بسبب ولادتهما على الأراضي الأمريكية، وهي جنسية إجبارية أي غير اختيارية. وإذا كان سيتم تطبيق قانون البرلمان، فيجب أن يكون ذلك للمسؤولين الذين سعى أبناؤهم برغبة وطواعية إلى الحصول على جنسية دولة أخرى.

2- ضحى ظريف بكل مصداقيته وسمعته من أجل خلق عملية مهمة في الديمقراطية، ليصبح أخيراً بزشكیان رئيساً لجمهورية إيران. والآن إذا كان أصدقاؤه يسعون حقاً إلى إعادته وتشكّل هذا التصور في أذهانهم، فإن عودة ظريف تعني الحفاظ على التصويت لبزشكيان (من قبل ظريف)، والرئيس نفسه فقط هو من يستطيع أن يفعل ذلك.

وحُرم ظريف من الخدمة بناءً على قانون، ورغم أنه يواجه انتقادات وتفسيرات مختلفة بين المحامين، فإنه لا توجد لديه نية لانتهاك القانون. وهنا يستطيع الرئيس، بالتفاعل مع القوى الأخرى، حل هذه المشكلة بكفاءة بحيث يظل القانون سارياً وتتم الاستفادة من خدمات ظريف وبعض أعضاء الحكومة الآخرين.

عودة ظريف

وفقاً لتقرير نشره موقع “تابناك”  الإيراني التابع للتيار الإصلاحي، فعندما ترك ظريف منصبه، نشر خطاب استقالة مريراً على منصة “إكس”، وكتب: “لست راضياً عن نتيجة عملي، وأشعر بالخجل من عدم قدرتي على تنفيذ آراء خبراء اللجان فيما يتعلق بوجود المرأة والشباب والأقليات في البرلمان الإيراني. ومن بين أمور أخرى، أجبرني هذا الوضع على العودة إلى الجامعة”.

كما تناول في منشور منفصل، الشائعات حول جنسية أبنائه، مشيراً إلى أنهم وُلدوا في أمريكا عندما كان طالباً قبل 40 عاماً، وليس أثناء توليه منصباً رسمياً.

وقال: “أنا وعائلتي نعيش في إيران العزيزة، ولا نملك أي عقار خارج إيران. أنا شخصياً أخضع لحظرين أمريكيين وحظر كندي واحد، ولا أستطيع أنا وزوجتي حتى السفر إلى أمريكا وكندا والعديد من البلدان الأخرى كسائحين”.

ومن المؤكد أن تصرفات بزشكيان وعارف رحب بها المحافظون، حيث إنهما أرادا كذلك خروج ظريف من الحكومة.

ويعتقد البعض أن رحيل ظريف سيضعف الحكومة وسلطاتها بشكل خطير.

وقال رئيس تحرير إحدى الصحف الرائدة في إيران، لموقع “ميدل إيست آي”، إن بزشكيان يجب أن يفعل كل ما في وسعه لإعادة ظريف، لأنه كان إحدى الركائز المهمة لحكومته.

وقال: “مع رحيل ظريف، سيتم فقدان جزء مهم من رأس المال الاجتماعي لبزشكيان، وهو أمر خطير للغاية بالنسبة للحكومة الجديدة”.

كلمات مفتاحية: