- زاد إيران - المحرر
- 9 Views
وسط تصاعد التوترات الإقليمية وتزايد التصريحات النارية، تعود إلى الواجهة واحدة من أخطر القضايا التي تهدد استقرار الاقتصاد العالمي. فبين التلويح بالقدرات العسكرية والتحذير من العواقب، تتزايد المخاوف من احتمال تنفيذ سيناريو قد يؤدي إلى اضطراب واسع في سلاسل الإمداد العالمية وأسواق الطاقة.
هذا السيناريو، رغم تكلفته الباهظة، لا يزال يُطرح على طاولة النقاش كلما اشتدت الأزمات، ويثير تساؤلات جدية حول موازين القوى في المنطقة، وقدرة الدول على تحمل تداعيات قرارات استراتيجية من هذا النوع. في هذا التقرير، نرصد خلفيات هذا الجدل، وإمكاناته، وتبعاته المحتملة على المستويين الإقليمي والدولي.
ففي تصريحات أثارت ردود فعل عالمية واسعة، قال العميد محمد إسماعيل كوثري، مستشار قائد الحرس الثوري الإيراني وعضو لجنة الأمن القومي في البرلمان، السبت 14 يونيو/حزيران، 2025، إن إيران تدرس إغلاق مضيق هرمز وإنها ستتخذ القرار المناسب بكل حزم، ذلك على خلفية الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل منذ فجر الجمعة 13 يونيو/حزيران 2025.

جديرا بالذكر أن تلك ليست المرة الأولى، التي تصدر فيها إيران تهديدات بغلق المضيق، فقد هدد المسؤولون في طهران غلق المضيق في عدة مناسبات، أخرها ما جاء على لسان العميد علي رضا تنجسيري، قائد البحرية في الحرس الثوري الإيراني، في فبراير/شباط 2025 أن إيران تمتلك القدرة العسكرية على إغلاق مضيق هرمز، لكنها لا تنوي تنفيذ هذا الإجراء حاليا ما دامت تستفيد من عبور المضيق، مشيرا إلى أن القوة البحرية ستنفذ القرار متى صدرت الأوامر، ومؤكدا أن إيران لن تتردد في اتخاذ إجراءات مقابلة عند الضرورة.

مضيق هرمز: الموقع الجغرافي والأهمية الاستراتيجية
يقع مضيق هرمز بين السواحل الإيرانية شمالا وسلطنة عمان جنوبا، ويفصل بين الخليج العربي وبحر العرب، ويُعد هذا المضيق أحد أكثر الممرات البحرية أهمية في العالم، حيث تمر عبره نحو 20 مليون برميل نفط يوميا، أي ما يعادل نحو خُمس الاستهلاك العالمي للنفط.

ومن الناحية الجيوسياسية، تتحكم إيران فعليا بالساحل الشمالي للمضيق، ولديها قواعد عسكرية بحرية وصاروخية متعددة في مناطق بندر عباس وقشم وهرمزجان، ما يمنحها القدرة على مراقبة وتقييد الحركة البحرية في المضيق عند الضرورة.
إلى جانب ذلك، تعتمد معظم دول الخليج على هذا المعبر الحيوي لتصدير نفطها وغازها الطبيعي إلى الأسواق العالمية، ما يجعل أي تهديد لإغلاقه سببا رئيسا في تقلبات أسعار الطاقة عالميا.
كيف يمكن لإيران غلق المضيق؟
من الناحية العملية، تمتلك إيران عدة أدوات لتنفيذ تهديدها بإغلاق المضيق، أولها يتمثل في استخدام الزوارق السريعة لعرقلة حركة ناقلات النفط، كما حدث في حوادث متفرقة خلال الأعوام الماضية، السيناريو الثاني يتمثل في نشر ألغام بحرية في الممرات الضيقة للمضيق، وهي وسائل يصعب اكتشافها بسرعة وتستغرق وقتا لإزالتها.
أما السيناريو الثالث والأكثر تطورا، فهو استخدام الصواريخ المضادة للسفن من قواعدها الساحلية أو من الجزر القريبة مثل قشم وأبو موسى وهرمز، ما يهدد بشكل مباشر أي محاولة لعبور ناقلات نفط من المضيق.
وبحسب خبراء غربيين، فإن الحرس الثوري الإيراني يمتلك القدرة على تنفيذ عمليات سريعة ومفاجئة لشل الملاحة في المضيق ولو مؤقتا، وهو ما يكفي لخلق صدمة في الأسواق العالمية.
الآثار الاقتصادية لإغلاق مضيق هرمز
إن سيناريو إغلاق المضيق سيكون بمثابة زلزال اقتصادي عالمي، إذ يُتوقع أن يؤدي هذا الإغلاق إلى قفز أسعار النفط إلى مستويات قياسية. فقد توقعت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية في تقرير لها أن سعر برميل النفط قد يتجاوز 150 دولارا في حال نفذت إيران تهديدها. أما التصريحات العراقية الرسمية فقد ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ نقلت وكالة تاس الروسية عن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، تحذيره من إمكانية بلوغ أسعار النفط 300 دولار للبرميل، في حال استمرار التصعيد وإغلاق المضيق.

ولكن التداعيات لا تقف عند حدود أسعار النفط، فإغلاق المضيق سيؤدي إلى تعطل سلاسل الإمداد، وارتفاع تكاليف الشحن البحري، وزيادة التأمين على السفن، ما سينعكس مباشرة على أسعار السلع الأساسية ويزيد من معدلات التضخم عالميا، خصوصا في أوروبا وآسيا.
كذلك، ستتجه رؤوس الأموال إلى الملاذات الآمنة كالدولار والذهب، مما سيؤدي إلى انخفاض قيمة العملات في الدول النامية وارتفاع معدلات الفائدة. وقد بدأت هذه المؤشرات بالظهور فعلا، إذ شهدت أسواق المال تراجعا في المؤشرات الرئيسية في آسيا وأوروبا، فيما ارتفع الطلب على الذهب وأذون الخزينة الأميركية.
من يمكنه تأمين النفط عند إغلاق المضيق؟
في حال تبنت إيران قرارا بإغلاق المضيق، فسيكون التساؤل الرئيس حول قدرة الدول المصدّرة على تجاوز الأزمة من خلال طرق بديلة، وفي تلك الحالة قد تعتمد السعودية على خط أنابيب شرق الذي ينقل حتى 5 ملايين برميل يوميا من حقول بقيق إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر، الإمارات أيضا تمتلك خط ADCOP الذي يربط حقول أبو ظبي بميناء الفجيرة على خليج عمان بطاقة 1.5 مليون برميل يوميا.

بالشأن نفسه، فالعراق لديه خيارات أخرى عبر خط كركوك جيحان الممتد نحو تركيا بسعة 1.6 مليون برميل، إضافة إلى مشروع قيد التنفيذ يربط البصرة بميناء العقبة الأردني. أما قطر، التي تركز على تصدير الغاز الطبيعي المسال، فتستطيع الاستعانة بمواني عمان لتجاوز مضيق هرمز. في المقابل، تعاني الكويت من ضعف البدائل، ما يجعلها من أكثر الدول تأثرا.
ورغم توفر هذه المسارات، فإنها لا تكفي لتعويض كامل كميات النفط العابرة من المضيق، فتشير تقديرات إلى أن نحو 9 ملايين برميل يمكن تصديرها عبر الطرق البديلة، بينما قد تُعوض الـ10 ملايين المتبقية من إنتاج دول مثل روسيا، الولايات المتحدة، كندا، البرازيل، وبعض الدول الإفريقية، ومع ذلك، من المرجح أن ترتفع أسعار النفط ما بين 20 و40 دولارا للبرميل، وسط توقعات بصدمة واسعة في الأسواق، لا سيما في الصين، والهند، وكوريا الجنوبية، واليابان.
هل يمكن لإيران فعليا إغلاق المضيق؟
إن الجدل حول قدرة إيران على إغلاق مضيق هرمز ليس جديدا، ويجمع الخبراء على أن طهران تستطيع تنفيذ عملية تعطيل مؤقتة وفعالة للمضيق. لكن السؤال الأهم هو إلى متى يمكنها تحمل تبعات مثل هذا القرار؟
من جهة، تمتلك إيران الوسائل العسكرية اللازمة، لكنها تدرك أن هذا الإجراء سيجلب ردود فعل دولية واسعة، قد تصل إلى تدخل عسكري مباشر من الولايات المتحدة أو تحالف دولي لحماية الملاحة، كما أن الإغلاق الكامل سيضر بإيران نفسها، التي تصدر أكثر من مليوني برميل نفط يوميا عبر المضيق، ما يعني خنق اقتصادها إلى جانب خصومها.
ويشير خبراء الطاقة الإيرانيون إلى أن طهران لطالما استخدمت ورقة التهديد بإغلاق المضيق كوسيلة ضغط سياسية، دون أن تقدم على تنفيذها فعليا، لأنها تدرك حساسية هذا المسار ونتائجه الكارثية.
في هذا السياق، قال محسن قمصري، المدير السابق للعلاقات الدولية بشركة النفط الوطنية الإيرانية، إن تأثير الهجوم الإسرائيلي الأخير على أسعار النفط لن يكون كبيرا ما لم تستغل الدول المنتجة الوضع لرفع الأسعار. لكنه أشار إلى أن إغلاق مضيق هرمز سيخلق وضعا مختلفا تماما، حيث إن مرور النفط من شمال الخليج سيتعطل، مما سيؤثر بالتأكيد على السوق، وأضاف قمصري قوله إن حجم التأثير على الأسعار يعتمد على مدة إغلاق المضيق، ومدى استخدام الدول المستوردة لمخزوناتها الطارئة.
