مفاوضات مسقط الرابعة.. تقدم محدود وإرادة لاستمرار الحوار

جولة أخرى تشهدها مسقط، في مسلسل جولات تفاوض استمر نحو 40 عاما بين إيران والولايات المتحدة، مفاوضات تجرى الآن في إطار محاولات خفض التصعيد المتزايد في المنطقة، وإعادة ضبط العلاقات النووية المتوترة بين الطرفين، ورغم تكتم الطرفين على تفاصيل الجلسة، فإن التسريبات والتصريحات غير الرسمية من الجانبين تشير إلى تقدم محدود وسط أجواء حذرة ومعقدة، تسيطر عليها ضغوط داخلية ودولية.

تفاصيل الجولة الرابعة

فبعد أيام من الغموض والتأجيل، عقدت الجولة الرابعة من المفاوضات الإيرانية الأمريكية في العاصمة العمانية مسقط الأحد 11 مايو/أيار 2025، في أجواء شديدة التحفظ والسرية، وبوساطة مباشرة من السلطات العُمانية. وحسب المصادر، فقد رأس الوفد الإيراني وزير الخارجية عباس عراقجي، بينما قاد الوفد الأمريكي المبعوث الخاص لشؤون الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، وقد جمع الوفد الإيراني، كما في الجولات السابقة، خبراء فنيين في المجالات القانونية والنووية والاقتصادية، حسب القضايا المطروحة على جدول الأعمال.

A person in a suit and tie

AI-generated content may be incorrect.

وتأتي هذه الجولة امتدادا لثلاث جولات سابقة عُقدت في وقت سابق من هذا العام، ناقش خلالها الطرفان قضايا الملف النووي، ورفع العقوبات، كما صرحت مصادر دبلوماسية بأن سلطنة عمان قدّمت مقترحات عملية للطرفين؛ في محاولة لتقريب وجهات النظر، وسط تأكيد أمريكي لضرورة الامتثال الكامل للقيود النووية، وتمسك إيراني برفع تدريجي للعقوبات مقابل التزامات فنية.

مفاوضات مفيدة وبناءة

وبعد ختام جولة المفاوضات، قال عراقجي: “كانت هذه الجولة أكثر جدية وصرامة مقارنة بالجولات الثلاث السابقة، لقد ابتعدنا كثيرا عن العموميات ودخلنا في تفاصيل أكثر دقة، ومع أن المفاوضات أصبحت أكثر صعوبة في ظل هذه الأجواء، إلا أن النقاشات كانت مفيدة للغاية، ويمكن القول إن الطرفين باتا يمتلكان فهما أعمق لمواقف بعضهما البعض”.

Close-up of a flag of the united states of america

AI-generated content may be incorrect.

وأضاف: “تم التطرق إلى عدد كبير من القضايا الخلافية الأساسية، وتم توضيح أبعادها بشكل أفضل، وأصبحت المواقف أكثر تقاربا، في المجمل، يمكننا اعتبار المفاوضات أنها تسير إلى الأمام”.

كما أوضح: “لقد قررنا أن تستمر هذه المفاوضات”، مشيرا إلى أن الطرفين عازمان على مواصلة المحادثات، وقد تم الاتفاق على عقد جلسة لاحقة، لكن تحديد الزمان والمكان، نظرا إلى ارتباطات الطرفين، أُوكل إلى وزير الخارجية العماني، مرجحا أن تُعقد الجولة المقبلة خلال نحو أسبوع، مع احتمال زيادة أو نقصان يوم أو يومين.

وبشأن القضايا المطروحة في المفاوضات، صرح بأن “موضوعي رفع العقوبات والتخصيب هما المحوران الأساسيان في المفاوضات. ومن وجهة نظرنا، فالتخصيب قضية يجب أن تستمر ولا يمكن التفاوض على جوهرها. قد نقبل، بهدف بناء الثقة، بفرض قيود على الحجم أو المستوى أو الكمية لفترة معينة، ولكن مبدأ التخصيب نفسه غير قابل للتفاوض. وكذلك الحال مع مسألة العقوبات، فهدفنا الأساسي من المفاوضات هو رفعها، وهذا محل اتفاق بين الطرفين”.

وأشار إلى أنه “في ما يتعلق بالقضايا الخلافية، فلقد اقتربنا كثيرا من بعضنا البعض، وأصبحنا نفهم بعضنا بشكل أفضل، مواقفنا كانت دائما واضحة، والآن الطرف الآخر بات يعرف أبعادها جيدا، وآمل أن نحقق تقدما أكبر في المستقبل”.

التضارب في التصريحات غير مقبول

وحول المواقف المتضاربة الصادرة عن الجانب الأمريكي، قال عراقجي: “للأسف، نسمع تصريحات متناقضة من الجانب الأمريكي، خصوصا في الإعلام والرأي العام، وهذا لا يخدم سير المفاوضات. وكان هذا أحد المواضيع التي ناقشناها اليوم. هذه الطريقة لا تساعد العملية التفاوضية ويجب تصحيحها. تماما كما أن إيران ثابتة في مواقفها، وتتحدث بدقة ولا تعبر عن مواقف متناقضة، نتوقع من الطرف الأمريكي أن يتصرف بالمثل”.

وأضاف: “كانت النقاشات مفيدة جدا، ونأمل أن تقل هذه التصرفات، لكننا أكدنا صراحةً أن التصريحات الإعلامية المتناقضة غير مقبولة بالنسبة لنا، وإن تكررت، فسوف نضطر إلى الرد بالمثل. أعتقد أننا أصبحنا أكثر قربا حتى في هذا المجال”.

الجانب الأمريكي.. نتائج المفاوضات مشجعة

وفي هذا السياق، نقل موقع أكسيوس الأمريكي، مساء الأحد، تصريح مسؤول أمريكي لم يقل اسمه، قوله: “لقد تم التوصل إلى اتفاق لمواصلة المحادثات من خلال القنوات الفنية. نحن متفائلون بنتائج مفاوضات اليوم ونتطلع إلى الجولة المقبلة التي ستُعقد قريبا”.

A collage of a person with a beard

AI-generated content may be incorrect.

وفي سياق متصل، صرح جيمس بلير، نائب مدير الموارد البشرية في البيت الأبيض، في مقابلة مع قناة فوكس نيوز الأمريكية مساء اليوم نفسه، قائلا: “نأمل أن نشهد تقدما في هذه المفاوضات. وقد عبّر وِيتكوف عن توقعاته من نتائج هذه الجولة بشكل واضح، وأكد الرئيس ترامب أن إيران لا يجب أن تمتلك القدرة على إنتاج سلاح نووي أو حيازته، وهو يدعو إلى نزع الأسلحة من برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني”.

A person in a suit

AI-generated content may be incorrect.

وأضاف بلير: “في الأيام الأخيرة، تحدث وِيتكوف عن إمكانية حصول إيران على برنامج نووي سلمي، وهو أحد الخيارات المطروحة للنقاش”، كما أشار إلى أنه “كل جولة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة كانت أكثر تفصيلا، ونأمل أن تحقق الجولة الرابعة تقدما ملموسا”.

تكسر أجواء التصعيد وتفتح الباب لحوار أعمق

وتعليقا على تلك المفاوضات، وصف محمد صادق جوادي حصار، المتحدث باسم حزب اعتماد ملي، خلال لقاء مع صحيفة اعتماد، الاثنين 12 مايو/أيار 2025، تلك الجولة بأنها “موضع أمل”، معتبرا أن أهم إنجاز تحقق هو كسر الأجواء الدعائية المتشائمة التي صوّرت الجولة على أنها حاسمة بين خيارين: رفع الراية البيضاء أو الدخول في حرب شاملة، كما صرح بأن نتائج هذه الجولة بدّدت هذه التصورات، وأثبتت زيف المبالغات الإعلامية التي روّج لها المعارضون للحوار، سواء في الداخل أو الخارج.

محمد صادق جوادی حصار

وأضاف جوادي حصار أن هذه الجولة كانت بمثابة رد مباشر على الأصوات التي شككت في جدوى التفاوض، مشددا على أن الدبلوماسيين الإيرانيين يمتلكون الكفاءة والحنكة الكافية لمقارعة نظرائهم الأمريكيين، وأنه لا مبرر للخوف من الجلوس على طاولة الحوار، كما أشار إلى أن من ينسحب من التفاوض عادةً هو الطرف الأضعف، وأن إيران أثبتت مرارا استعدادها للتفاوض العادل دون التنازل عن حقوقها.

كما أكد أن العقيدة الدفاعية الإيرانية لا تتضمن أي نية لامتلاك أو استخدام الأسلحة النووية، حتى في أقصى ظروف التوتر، مشيرا إلى أن إيران لا يمكن أن تستخدم سلاحا قد يضر بالشعب الفلسطيني الذي لطالما دعمت قضيته، وفي إشارة واضحة إلى إسرائيل، قال: “حتى لو فكرت إيران في استخدام السلاح النووي بنسبة 1%، فلن يكون ذلك ضد المدنيين أو الشعوب المسلمة في المنطقة، بل فقط في مواجهة النظام العنصري القاتل للأطفال، ولكن هذا مجرد افتراض محال”.

من جانبه، أشار حشمت الله فلاحت ‌بيشه، النائب السابق والمحلل السياسي، إلى أن التصريحات المتشددة التي صدرت مؤخرا عن الجانب الأمريكي، مثل ما قاله وِيتكوف بشأن حظر تخصيب اليورانيوم، لم تكن سوى جزء من الخطاب الموجّه للاستهلاك المحلي، مؤكدا أن مجرد انعقاد اللقاء بين الطرفين يعني أن هناك إرادة حقيقية للاستمرار في الحوار، رغم الخطاب الإعلامي العدائي.

فلاحت پیشه: برجام فدای روسیه شد/ دولت رئیسی در سیاست خارجی موفق نبوده/ عمده  مشکل ما در سیاست خارجی، خانه‌نشین کردن دیپلمات‌های کارکشته است/ نتانیاهو به  دنبال جنگ میان ایران و آمریکاست/

وأوضح أن التحضير للجولة الخامسة دليل واضح على أن الجانبين يسعيان لأخذ ملاحظات بعضهما البعض بجدية، وأن الجولة الأخيرة شهدت مناقشة قضايا أكثر جوهرية مقارنة بالجولات السابقة. كما أشار إلى أن تكلفة فشل المفاوضات بالنسبة للولايات المتحدة ستكون باهظة سياسيا واقتصاديا، خصوصا في ظل استثماراتها الكبرى في دول الخليج.

واختتم فلاحت ‌بيشه حديثه بأن ما تسرّب من أجواء المفاوضات يثبت أن ما يُقال في الغرف المغلقة يختلف كثيرا عمّا يُقال في الإعلام، مؤكدا أن المرحلة المقبلة ستشهد بحثا في قضايا أكثر حساسية، وهو ما يشير إلى احتمال حدوث تقدم حقيقي.

كلمات مفتاحية: