- شروق حسن
- 81 Views
في تقرير صادم نشرته صحيفة فرهختيكان الإيرانية الأصولية يوم الخميس 22 مايو/أيار 2025، كُشف النقاب عن أبعاد غير مسبوقة لأزمة السكن في إيران، حيث يعيش أكثر من 60% من الأسر المستأجرة تحت خط الفقر، ما يعادل نحو 2.4 مليون أسرة، أو 7.6 مليون نسمة.
عطلة المدارس
كتبت الصحيفة الإيرانية “فرهخنيكان” أن نهاية شهر يونيو/حزيران من كل عام تصادف لدى معظم الأسر الإيرانية حدثين مهمين، الأول هو بدء عطلة المدارس للأسر التي لديها طلاب، والثاني انتهاء عقود الإيجار بالنسبة للأسر المستأجرة. وتضيف الصحيفة أن التعامل مع الحدث الأول قد لا يكلف الأسر كثيرا، لكن انتهاء عقود الإيجار طالما مثّل تحديا دائما للمستأجرين. وتبين البيانات الإحصائية أن حصة السكن من نفقات سلة المعيشة للأسر الحضرية في البلاد بلغت حتى نهاية عام 2024 نحو 42.5%، بينما وصلت هذه النسبة في محافظة طهران إلى نحو 56%.
وترى الصحيفة أن ارتفاع تكاليف السكن مرتبط ارتباطا مباشرا بفقر الأسر، وتشير إلى أن أكثر من 60% من الأسر المستأجرة المكونة من فرد إلى أربعة أفراد في البلاد تعيش تحت خط الفقر، أي ما يقارب 2.4 مليون أسرة أو ما يعادل 7.6 مليون نسمة يعيشون في قلق دائم بشأن كيفية دفع إيجار الشهر القادم.
وتتابع أن المسألة لا تتوقف عند الخوف من عدم القدرة على دفع الإيجار، بل إن فقر السكن يعني اضطرار الأسر إلى التخلي عن احتياجات أساسية مثل الغذاء واللباس والرعاية الصحية والترفيه بسبب التكاليف المرتفعة.

وتوضح أن الصورة تصبح أكثر قتامة عند النظر إلى الأسر المكونة من أربعة أفراد، حيث تصل نسبة فقر السكن في هذه الفئة إلى 98%. وتلفت إلى أن العديد من الدول نجحت عبر أدوات مثل فرض الضرائب على المنازل الشاغرة، وحظر المضاربات العقارية، وتقديم الدعم المباشر للمستأجرين، في السيطرة على سوق الإيجارات، في حين تواصل إيران، بسياساتها المترددة، التسبب في تدهور تدريجي لقدرة المستأجرين المعيشية. وتشير الصحيفة إلى أن السكن، وفقا للدستور الإيراني، يُعد حقا على الحكومة أن تضمنه.
خط الفقر
من هذا المنطلق، أجرت الصحيفة حوارا مع مسعود فراهاني، الباحث في مجال السكن في مركز بحوث البرلمان، لمناقشة أسباب فشل السياسات الحالية والحاجة إلى تغيير النظرة إلى هذا القطاع الحيوي.
تشير الصحيفة إلى أن هناك 2.4 مليون أسرة مستأجرة تحت خط الفقر، وبحسب تقرير مركز بحوث البرلمان لعام 2022 فإن نحو 60% من الأسر المستأجرة المكونة من فرد إلى أربعة أفراد كانت تعيش في فقر مطلق، أي حوالي 2.41 مليون أسرة تمثل 7.6 مليون نسمة.
وتظهر البيانات أن نسبة الفقر ليست موحدة بين الأسر بل تزداد حدتها في الفئات الهشة. فعلى سبيل المثال، تصل نسبة الفقر إلى 78% في الأسر المكونة من ثلاثة أفراد تضم أحد الوالدين وطفلين، وترتفع إلى 98% في الأسر التي تتكون من أربعة أفراد ويعيلها شخص واحد. وترى الصحيفة أن هذه الأرقام ترسم صورة مقلقة عن الواقع المعيشي للأسر المستأجرة، خاصة تلك التي تتحمل عبء الإعالة المنفردة.
وفي حديثه عن النهضة الوطنية للإسكان، قال فراهاني إن الحكومة يجب أن تضع في أولوياتها السيطرة على سوق الإيجارات والحد من التزايد في إخلاء الوحدات المؤجرة، موضحا أن تنفيذ أي سياسة في قطاع السكن يحتاج إلى وقت، وخلال هذه الفترة يجب حماية الأسر المستأجرة التي لا تمتلك الموارد الكافية لدخول سوق شراء المساكن أو المشاركة في خطط بناء مثل مشروع “النهضة الوطنية للإسكان”.
ويرى أن أي سياسة إسكانية يجب أن تبدأ باستقرار سوق الإيجارات والحفاظ على القوة الشرائية للمستأجرين. وحتى إن نجحت الخطط بعيدة المدى، فلا بد أن تصل آثارها تدريجيا إلى السوق. ويؤكد أن المشكلة أعمق من مجرد ارتفاع الأسعار، بل تكمن في النظرة إلى السكن كسلعة استثمارية، ما يكرّس المضاربة والاحتكار، ويطرح السؤال الجوهري: هل السكن سلعة أم حق؟ فإذا استمرت النظرة إلى السكن كأداة للربح، فإن التحديات ستتفاقم.
ويضيف فراهاني أن من أكبر المشاكل المرتبطة بالإيجار مسألة الوديعة، حيث تطلب إيران من المستأجرين مزيجا من الإيجار الشهري ووديعة ضخمة، ما ينهك المدخرات ويجبر الأسر على بيع ممتلكاتها لتأمين السكن، ويمنعهم فعليا من التملك. ويشير إلى أن دولا مثل الصين منعت شراء المسكن الثاني لفترة محددة وفرضت عقوبات على ترك المساكن فارغة، بينما لا تزال المنازل الخالية في إيران بلا تبعات قانونية فعالة.
ويؤكد أن الضريبة المفروضة على الأرباح العقارية لا تنسجم مع واقع السوق التضخمي، حيث يواصل المالكون البيع والشراء رغم الضريبة نظرا للأرباح الكبيرة. ويشدد على ضرورة إخراج السكن من كونه سلعة مضاربية إلى كونه حقا اجتماعيا. ويعتبر أن الاستخدام الأمثل للمخزون السكني القائم يجب أن يكون أولوية، فالمساران – الاستفادة من المساكن المتاحة والبناء الجديد – لا يتعارضان، بل يكملان بعضهما البعض، لكن الأولوية القصوى يجب أن تُعطى لاستخدام ما هو متوفر فعليا من مساكن، خاصة من خلال سياسات تقييد الاحتكار وتحقيق الاستخدام العادل.
وفي ما يخص البناء، يرى فراهاني أنه لا بد من توجيه البناء نحو تلبية الحاجة الفعلية في المجتمع، بحيث تُمنح التراخيص لبناء وحدات سكنية تتناسب مع القدرة الاقتصادية لغالبية السكان. ويحذر من التركيز على بناء مساكن فاخرة لا تُستخدم فعليا، ما يؤدي إلى تفريغ المدينة من الداخل رغم مظهرها الحديث. ويشير إلى أن على السياسات أن تدفع نحو إنتاج وحدات سكنية بأسعار مقبولة للفئات المتوسطة والدنيا.
تسهيلات للقطاع الخاص
يعرض نهجين رئيسيين لتوفير السكن، الأول يتمثل في عدم تدخل الحكومة المباشر بل تقديم التسهيلات للقطاع الخاص، والثاني يقوم على تدخل الدولة المباشر في بناء الوحدات وإدارتها ضمن نموذج “السكن الاجتماعي”. لكنه ينبه إلى أن الأزمة الحالية تستدعي دعما فوريا للمستأجرين، لأن أي خطة بناء تحتاج سنوات قبل أن تؤتي أكلها، ولذا لا بد من مرافقة الخطط الهيكلية بسياسات طارئة لتغطية النفقات الجارية مثل دفع الإيجار الشهري.
وتشير الصحيفة إلى أهمية إعداد حزم معيشية للمستأجرين الفقراء، ويؤكد فراهاني أن مثل هذه الحزم يمكن أن تشمل دعما مباشرا للسلع الغذائية، تقديم كوبونات شراء، أو تثبيت أسعار المواد الأساسية، ما من شأنه أن يخفف من وطأة الأزمة. ويشير إلى أن تدخل الحكومة في سوق الإيجارات يواجه اعتراضات من بعض الخبراء بسبب تضارب المصالح لدى صانعي القرار.
ويذكر أنه في إيران تتأثر بعض السياسات بمصالح مجموعات نافذة، ما يعطل تنفيذ السياسات العادلة. ويعود فراهاني ليؤكد أن السكن، حسب الدستور الإيراني، هو حق وليس سلعة، ولهذا فإن تدخل الحكومة في سوق الإيجارات من حيث ضبط الأسعار أو الحد من الإخلاءات، هو ليس خيارا بل واجب دستوري لحماية الحقوق الأساسية للمواطنين.
ويختتم بالإشارة إلى مسألة الكثافة العمرانية، حيث تُمنح حاليا تراخيص بناء مكثفة في طهران، لكن الحكومة لا تملك أي سلطة على السعر النهائي لهذه الوحدات، ما يعيدنا إلى المعضلة الأساسية، وهي أن البناء وحده لا يكفي إذا لم يكن موجها بشكل عادل وفعال إلى الشرائح المستحقة.