- ربيع السعدني
- متميز
- 9 Views
كتب: ربيع السعدني
في صبيحة يوم السبت، 26 أبريل/نيسان 2025، هز انفجار مدوٍّ ميناء الشهيد رجائي، العمود الفقري لتجارة الحاويات في إيران، ويمتد على مساحة 2400 هكتار ويتعامل مع 70 مليون طن من البضائع سنويا، وضمن ذلك النفط والشحن العام، ويحتوي على 35 رصيفا ومستودعات واسعة ومنشآت لتخزين المواد الخطرة ويعد أكبر ميناء تجاري في إيران، قرب مدينة بندر عباس الواقعة على مضيق هرمز الاستراتيجي.
عمود دخان أسود كثيف تصاعد في السماء، مرئيا من كيلومترات، بينما تناثرت شظايا الحاويات المحترقة وتحطمت نوافذ المباني المجاورة، لم يكن هذا مجرد حادث عابر، بل كارثة كشفت عن طبقات معقدة من الإهمال، التوترات الجيوسياسية، وسلسلة من الأخطاء والتساؤلات حول أسبابها الحقيقية.
لغز المادة التي هزت مضيق هرمز
في قلب الكارثة، تقبع مادة كيميائية تُعرف باسم بيركلورات الصوديوم، وهي مؤكسد قوي قابل للاشتعال عند ملامستها لمواد عضوية أو حرارة عالية، يُستخدم في صناعة الوقود الصلب للصواريخ والمتفجرات، التحقيقات تشير إلى أن المتفجرات كانت تحتوي بشكل رئيسي على مواد قابلة للاشتعال مخصصة للاستخدامات الصحية والزراعية، يستوردها القطاع الخاص، من بين المواد المذكورة في تقارير أخرى، كانت جزءا من الشحنة، ولم تُسجل في سجلات الجمارك.
المستوردون قد يكونون أخفوا الطبيعة الخطرة للشحنة (مثل تصنيف بيركلورات الصوديوم كمادة خطرة) لتقليل الرسوم الجمركية وتكاليف التخزين، وتجنب اللوائح الصارمة، هذا التزوير قد يشمل وثائق الشحن (مثل بيانات الجمارك) أو شهادات السلامة، مما سمح بتخزين المواد الخطرة والقابلة للاشتعال في مستودعات غير مؤهلة.
بحسب مصدر مقرب من الحرس الثوري كانت هذه المادة المخزنة في حاويات بمنطقة “سينا” في الميناء هي السبب الرئيسي وراء الانفجار، تقارير إعلامية أشارت إلى أن الدخان البرتقالي المتصاعد، المشابه لانفجار مرفأ بيروت عام 2020، يعزز الاشتباه بتورط مواد كيميائية شديدة الانفجار.
لكن ما الذي جعل بيركلورات الصوديوم، وهي مادة حساسة تتطلب تخزينا دقيقا، موجودة بكميات كبيرة في ميناء تجاري حيوي؟ هل كانت جزءا من برنامج عسكري سري، أم أنها شحنة تجارية عادية أُسيء التعامل معها؟
التقارير تشير إلى أن الشحنة لم تُسجل في سجلات الجمارك، مما يوحي بمحاولة إخفاء طبيعتها أو مصدرها، وجود مواد مثل بيركلورات الصوديوم، التي تُستخدم أحيانا في أغراض عسكرية (وقود الصواريخ)، يثير الشكوك حول إعلانها كمواد زراعية/ صحية، كما أن التخزين في مستودع غير مجهز يدعم فرضية التلاعب، حيث كان يجب أن يخضع لتفتيش صارم.
سلسلة التوريد.. من شنغهاي إلى بندر عباس
الإجابة تكمن في سلسلة التوريد، التي تُشير إلى شبكة معقدة من الموردين الدوليين والشركات المحلية، تحليل سلسلة التوريد يكشف عن تفاصيل مثيرة للقلق، بحسب تتبع ذلك فقد وصلت شحنة مكونة من 24 حاوية تحتوي على بيركلورات الصوديوم إلى ميناء الشهيد رجائي في 30 مارس/آذار 2025، قادمة من الصين، هذه المعلومات تتسق مع تقرير لصحيفة “التلغراف” البريطانية، الذي أشار إلى أن الحرس الثوري استورد هذه المواد عبر سفن تجارية.
شحنة “المعدات الملغومة”
“وصول شحنة وقود الصواريخ إلى إيران”.. تحت هذا العنوان رصد موقع The Maritime Executive، وهي منصة إخبارية دولية متخصصة في الشؤون البحرية، الشحن، والصناعات المتعلقة بالموانئ والتجارة البحرية، وقد اعتمد على بيانات تتبع السفن (مثل AIS) وتقارير استخباراتية، مثل وصول شحنة من بيركلورات الصوديوم إلى إيران عبر سفينة تابعة لخطوط الشحن الإيرانية (IRISL).

التقرير ذكر أن سفينة تُشبه MV Jairan، وهي إحدى سفينتين خاضعتين لعقوبات أمريكية تابعة لـIRISL، وصلت إلى ميناء بندر عباس في 29 مارس/آذار 2025، السفينة كانت تحمل شحنة من بيركلورات الصوديوم، وهي مادة كيميائية تُستخدم كمادة أولية لتصنيع بيركلورات الأمونيوم، وهي المكون الرئيسي لوقود الصواريخ الصلبة المستخدم في الصواريخ الباليستية الإيرانية متوسطة وقصيرة المدى مثل Khybar-Shikan، Fattah، Fateh-110، وZolfaghar.
السفينة أبحرت من شنغهاي دون توقف في موانئ أخرى، مع تشغيل نظام تحديد الهوية التلقائي (AIS) الخاص بها، مما يشير إلى عدم اتخاذ السلطات الإيرانية تدابير أمنية خاصة لإخفاء تحركاتها، الشحنة، إلى جانب شحنة سابقة على متن سفينة MV Golbon، تكفي لتزويد حوالي 250 صاروخا متوسط المدى أو أكثر من الصواريخ قصيرة المدى.
ووفقا لتتبع خطوط السير فمن المرجح نقل بيركلورات الصوديوم بالسكك الحديدية إلى طهران، ثم إلى منشأة معالجة (مثل منشآت بارشين أو خوجير) لتحويلها إلى بيركلورات الأمونيوم التي تعاني طهران من نقص في إمداداتها بسبب هجمات إسرائيلية أضرت بمنشآت إنتاجها المحلية، إلى جانب الطلب المتزايد لتجديد مخزونات الصواريخ المستخدمة في هجمات على إسرائيل وتصدير الصواريخ إلى روسيا وحلفاء محور المقاومة (مثل الحوثيين).
هل الحرس الثوري متورط؟
فحص وثائق الشحن الدولية، مثل بوليصات الشحن وتسجيلات الجمارك، يكشف أن شركة “سينا”، التابعة لمؤسسة المستضعفين المملوكة للحرس الثوري الإيراني، كانت المستورد الرئيسي، هذه الشركة، التي تدير 57% من عمليات الحاويات في إيران، اتهمت منذ سنوات بنقل مواد خطرة تحت غطاء شحنات غذائية، هذه الأنشطة كانت تتم بموافقة ضمنية من السلطات، مما يثير تساؤلات حول الرقابة الجمركية وسلامة الإجراءات.
في أول تصريح رسمي له، قال أحد كبار مديري شركة سينا التي وقع فيها الانفجار في ميناء الشهيد رجائي: “لقد فعلوا بنا شيئا سيئا حقا، لم يكن لنا أي علاقة بما حدث ولا نعلم لماذا حدث”، وقال مدير الموارد البشرية في شركة سينا، اليوم على هامش تشييع أحد ضحايا الانفجار: “في شركتنا وحدها أصيب 25 شخصا، وتم تأكيد وفاة 10 أشخاص، وما زال 6 أشخاص في عداد المفقودين”.
الصين، كمصدر رئيسي للمواد الكيميائية الصناعية، لم تُعلق رسميا على الحادث، لكن إصابة ثلاثة مواطنين صينيين في الانفجار تشير إلى وجود عمال أو مراقبين صينيين في الموقع، هذا يعزز الفرضية بأن الشحنة كانت جزءا من صفقة تجارية أو عسكرية كبيرة، لكن سوء التخزين، كما أشار مصدر من الحرس الثوري، هو الذي حولها إلى قنبلة موقوتة.
حقيقة الطبيعة العسكرية للشحنة
نشر إبراهيم رضائي، المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني منشورا على صفحته الشخصية على منصة إكس، يقدم فيه تفاصيل جديدة حول الانفجار، وكتب: وفقا للتقارير الأولية، فإن ما اشتعلت فيه النيران في حادث ميناء الشهيد رجائي ليس له أي صلة بقطاع الدفاع في البلاد، واتفق مع ذلك الرأي المتحدث باسم وزارة الدفاع العميد رضا طلائي نيك الذي أكد أنه “لم تكن هناك أي شحنات ذات استخدام عسكري في ميناء رجائي”.

وأضاف: “وفقا للتحقيقات والوثائق، لم تكن هناك أي بضائع مستوردة أو مصدرة للوقود أو للاستخدام العسكري في منطقة حادثة حريق ميناء الشهيد رجائي، وبعض مروجي الأخبار “الشائعات” التي تقوم بها وسائل الإعلام الأجنبية بهدف خلق أجواء متعمدة تتوافق مع العمليات النفسية للأعداء أمر غير مسبوق”، وتابع: “ذكاء الأمة الإيرانية يحيد دائما العمليات النفسية للأعداء”.
إهمال إداري أم تخريب متعمد؟
الانفجار بدأ بحريق صغير في إحدى الحاويات، كما أظهرت لقطات كاميرات المراقبة التي حللها خبراء مفرقعات، الدخان تحول من الأصفر إلى البرتقالي ثم الرمادي، قبل أن يتحول إلى انفجار هائل خلال دقيقة واحدة.
هذه التسلسلية تشير إلى تفاعل كيميائي سريع، ناتج عن سوء تخزين المواد أو إشعال متعمد، التحقيقات الأولية الإيرانية أرجعت الحادث إلى “عدم مراعاة مبادئ السلامة”.
تصريحات مسؤول الجمارك تيمور باهنغام عززت هذه الرواية، مشيرا إلى “تكدس الحاويات” و”نقص التجهيزات الحديثة” في الميناء، وقال موظف التخليص الجمركي لوكالة مهر للأنباء: “عندما اصطدمت الرافعة الشوكية بالحاوية، اشتعلت فيها النيران بعد دقيقتين وانفجرت الحاويتان الثانية والثالثة أيضا، وقذفت لمسافة 20 مترا”، لكن هذا التفسير يتناقض مع تحذيرات سابقة أصدرها مسؤولون إيرانيون، بما في ذلك حسين ظفري من إدارة الأزمات، الذي حذر من مخاطر تخزين المواد الكيميائية في الميناء خلال زيارات تفقدية.
في المقابل، فرضية التخريب المتعمد اكتسبت زخما بين الأوساط الإيرانية، بعض التقارير أشارت إلى أن الانفجار قد يكون استهدف شحنة بيركلورات الصوديوم لتعطيل برنامج الصواريخ الإيراني، سيل من المنشورات على منصة X ذهبت إلى حد اتهام أجهزة استخبارات أجنبية، مشيرة إلى أن “معدات ملغومة” قد وصلت من الصين إلى بندر عباس.
على غرار عملية تفجير أجهزة البيجر في لبنان (في 17 و18 سبتمبر/أيلول 2024، وقعت تفجيرات متزامنة لأجهزة بيجر وأجهزة اتصال لاسلكية في لبنان وسوريا، استهدفت بشكل رئيسي عناصر حزب الله) لكن هذه الادعاءات تظل غير مدعومة بأدلة مادية، وتتطلب تحليلا أعمق للقطات المراقبة وفحص بقايا الحاويات، وكالة أنباء “مهر” الإيرانية نشرت لقطات من كاميرات المراقبة تُظهر لحظة الانفجار في مستودع بالميناء، مما يؤكد وجود نظام مراقبة نشط داخل الميناء.
هجوم سيبراني خارجي: هل تورطت إسرائيل؟
اتهامات بتورط إسرائيل ظهرت بسرعة، خاصة مع تزامن الحادث مع التوترات الإقليمية، تقارير غربية، ومنشورات على منصة التواصل الاجتماعي X ومصادر استخباراتية غربية ومحللون يشتبهون في احتمال أن يكون الانفجار نتيجة عمل تخريبي، ربما مرتبط بتوترات إقليمية أو هجوم سيبراني والبعض أشار إلى “لمسات الموساد”، مدعية أن الانفجار استهدف شحنة صاروخية، هذه الادعاءات تستند إلى تاريخ طويل من العمليات المنسوبة لإسرائيل ضد منشآت إيرانية، مثل الهجوم الإلكتروني على ميناء الشهيد رجائي عام 2020.
لكن تل أبيب نفت رسميا أي علاقة بالحادث، ونقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين تأكيدهم على عدم التورط، التحليل المستقل يشير إلى أن إسرائيل، رغم قدراتها الاستخباراتية، قد لا تجد مصلحة مباشرة في استهداف ميناء تجاري وسط مفاوضات نووية حساسة، لأن ذلك قد يعزز الموقف الإيراني دوليا مع ذلك، غياب أدلة مادية يترك الباب مفتوحا للتكهنات، خاصة مع تقارير عن “ثلاث انفجارات متتالية” تشير إلى عملية معقدة.
توقيت الانفجار: ضربة للأمن القومي
وقع الانفجار بالتزامن مع الجولة الثالثة من المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة في سلطنة عمان، الباحث صلاح الدين خديو يرى أن الحادث يضعف مصداقية إيران أمنيا، مما يمنح واشنطن ورقة ضغط في المفاوضات الانفجار، الذي أظهر هشاشة البنية التحتية الإيرانية.
أثار تساؤلات حول قدرة طهران على حماية منشآتها الحيوية، وتشير التقارير إلى أن الحكومة الإيرانية فرضت تعتيما إعلاميا فوريا، خوفا من استغلال الحادث لزعزعة الاستقرار الداخلي أو تصعيد الضغوط الدولية، هذا التوقيت الحساس يعزز الفرضية بأن الحادث قد يكون له أبعاد سياسية، سواء كان عرضيا أو مدبرا.
420 مليون دولار خسائر.. تعطيل بوابة إيران التجارية
ميناء الشهيد رجائي، الذي يتعامل مع 80 مليون طن من البضائع سنويا، هو شريان الحياة الاقتصادية لإيران الانفجار أوقف عمليات الميناء فورا، ولم تُستأنف حركة السفن إلا بعد يومين.

الخسائر المادية تشمل تدمير حاويات، أرصفة، ومبانٍ مجاورة، بينما تسببت موجة الصدمة في أضرار هيكلية بمسافة عدة كيلومترات.
الصحفية الاقتصادية مهتاب قليزاده وصفت الحادث بأنه “أزمة بنيوية”، مشيرة إلى أن توقف الميناء عطل سلاسل التوريد عبر مضيق هرمز، مما أثر على تصدير النفط والسلع الأساسية.
التقديرات تشير إلى أن إعادة تأهيل الميناء قد تستغرق شهورا، مع خسائر اقتصادية طويلة الأمد قد تصل إلى مليارات الدولارات، خاصة في ظل العقوبات الدولية التي تحد من قدرة إيران على التعافي السريع.
في مقابلة مع وكالة الأنباء الإيرانية (إيرنا)، ناقش الدكتور كيوان جعفري تهراتي، المحلل البارز لأسواق الصلب والتعدين العالمية أشار الدكتور كيوان إلى أن الحاويات يُسمح لها عادة بالبقاء في الميناء لمدة أقصاها ثلاثة أشهر، لكن بعض البضائع ظلت غير مسجلة لأكثر من خمسة أشهر.
تشمل الأسباب تراكم الحاويات بسبب مشكلات تخصيص العملات الأجنبية، إلى جانب اختيار بعض المالكين الاحتفاظ ببضائعهم في الميناء لأن رسوم التخزين في الموانئ الإيرانية أقل بكثير من الموانئ الدولية، ويتذكر جعفري خلال جائحة كورونا، قام بعض مالكي الحاويات ببيعها لمصانع الصلب لإذابتها، بينما الحاويات المصنعة بعد عام 2022 أكثر قيمة، ويُقدر أن تكلفة الحاويات البالغ عددها حوالي 140.000 حاوية في ميناء شهيد رجائي تصل إلى 420 مليون دولار، مما يجعلها سلعا رأسمالية ذات أهمية اقتصادية كبيرة.
الاستجابة الإنسانية: سباق مع الزمن
استجابة السلطات الإيرانية كانت سريعة ولكنها كشفت عن قصور واضح، شاركت 70 سيارة إسعاف، منها 50 تابعة للحرس الثوري، في نقل المصابين إلى خمسة مستشفيات، بحسب مهرداد حسن زادة، مدير إدارة الأزمات في هرمزغان، بلغ عدد الضحايا 70 قتيلا وأكثر من 1200 مصاب، منهم 138 بقوا في المستشفيات.
تحذيرات من انتشار غازات سامة دفعت السلطات إلى إغلاق المدارس والمكاتب في بندر عباس يوم 27 أبريل/نيسان 2025، وحث السكان على البقاء في منازلهم وارتداء الأقنعة، لكن تقارير محلية أشارت إلى ارتفاع مؤشر تلوث الهواء إلى مستويات “غير صحية للغاية”، مع ظهور أعراض تسمم بين عمال الإنقاذ.
مختار سلحشور من الهلال الأحمر أكد استمرار البحث عن المفقودين في ظروف صعبة، بينما حذر أطباء من مضاعفات متأخرة بين الضحايا مثل النزيف الداخلي والمشاكل التنفسية.
تناقضات الروايات
الحكومة الإيرانية فرضت تعتيما إعلاميا صارما، حيث منعت نشر تفاصيل الحادث في وسائل الإعلام المحلية، هذا التعتيم أثار شكاوى من صحافيين إيرانيين، الذين تحدثوا عن “قمع” و”منع تداول المعلومات”، الروايات الرسمية، التي ركزت على “الإهمال” وسوء التخزين، تناقضت مع تقارير دولية أشارت إلى احتمال التخريب أو تورط عسكري على سبيل المثال، بينما أفادت وسائل إعلام إيرانية بمقتل 70 شخصا، تحدثت تقارير دولية عن أعداد أقل (40-57 قتيلا)، مما يثير تساؤلات حول دقة الأرقام.
كما أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين، مثل نفي وجود شحنات عسكرية في الميناء، تتعارض مع تقارير عن تورط الحرس الثوري في نقل مواد صاروخية، كل هذه التناقضات تعزز الشكوك حول محاولة السلطات التستر على الحقيقة.
أصوات الضحايا: الحياة بعد الكارثة
وراء الأرقام والخسائر، هناك قصص إنسانية مؤلمة، عائلات فقدت أحباءها، وأفراد يعانون من إصابات أو إعاقات دائمة أو صدمات نفسية، أحد الناجين، وهو عامل ميناء يُدعى رضا، وصف لحظة الانفجار: “كنت أفرغ حاوية على بعد 200 متر، عندما شعرت بموجة حرارة هائلة ألقت بي أرضا، لم أرَ شيئا سوى الدخان والنار”، وفي مقطع فيديو آخر لرجل يبكي أثناء بحثه عن شقيقه المفقود في انفجار بندر عباس، معبرا عن يأسه قائلا: “ماذا أقول لأولاده؟ ماذا أقول لأمي؟ لقد وعدت أن أجده”.
عائلات الضحايا، التي لم تتمكن من التعرف على 18 جثة بسبب الاحتراق الشديد، طالبت بتحقيق شفاف، لكنها واجهت صمتا رسميا، هذه الأصوات تكشف عن غضب شعبي متصاعد، تحول الحداد إلى احتجاجات في بعض أحياء بندر عباس.
كم عدد المفقودين؟
رغم تحديد هوية جثث 49 من ضحايا الانفجار الذي وقع في ميناء الشهيد رجائي في بندر عباس، فإن مصير 8 آخرين، أعلنت أسرهم أنهم في عداد المفقودين، لا يزال مجهولا، وبحسب المدير العام للطب الشرعي في محافظة هرمزجان ميرهادي، التعرف على جثة ضحية أخرى في انفجار ميناء الشهيد رجائي، قائلا: “حتى الآن، تم التعرف على جثث 49 شخصا، بما في ذلك 36 شخصا من خلال الفحص البدني والتوثيق من الأقارب، و13 شخصا من خلال اختبار الحمض النووي”.

وأضاف: “الجثة التي تم التعرف عليها مؤخرا، تعود لفرشاد راغباني. والجدير بالذكر أنه رغم استكمال عملية فحص واختبار جميع الجثث والأشلاء البشرية الموجودة، لا تزال هناك أنباء عن المفقودين الثمانية في هذه الحادثة”.
أبطال في قلب الحادث
إن عمال الإغاثة في الهلال الأحمر الذين واجهوا الأزمة في ميناء الشهيد رجائي، هم نموذج للتضحية والخدمة وقد أعاد رجال الإنقاذ بأيديهم الفارغة وقلوبهم الكبيرة الأمل إلى بندر عباس، وفي هذا الصدد قال مهدي زاده: “كان انفجار ميناء الشهيد رجائي عملية معقدة نظرا لشدته العالية، ومواد الوقود غير المعروفة، والحريق داخل الحاويات.
قدمت جمعية الهلال الأحمر في هرمزجان الإغاثة بكل تضحية وإخلاص في الحادث من إنقاذ الجرحى إلى البحث عن الموتى، وقد أدى ضخامة الدخان ونقص أقنعة الوجه الكاملة إلى صعوبة المهمة، لكن رجال الإنقاذ، وبلا أنانية ومن دون أقنعة، حاربوا الحريق، وأكد مهدي زاده: “واجبنا هو خدمة الشعب دون أي تحفظ”.
تاريخ حرائق الميناء.. سلسلة من الكوارث
ميناء الشهيد رجائي ليس غريبا عن الحوادث، بحسب “واشنطن بوست”، شهد الميناء ثلاث حوادث مميتة بين 2021 و2024، تتعلق بحرائق وانفجارات صغيرة، هذه السلسلة تتسق مع حوادث أخرى في منشآت إيرانية، مثل انفجار منشأة نطنز النووية عام 2020، وتفجيرات في موقع بارشين العسكري غالبا ما أُرجعت هذه الحوادث إلى إهمال أو هجمات خارجية، مما يعزز الانطباع بأن البنية التحتية الإيرانية عرضة للخطر.
الهجوم الإلكتروني على الميناء عام 2020، الذي تسبب في اضطرابات كبيرة، أُرجع إلى إسرائيل، حيث يُعتقد أن الهجوم جاء ردا على محاولات إيرانية سابقة لشن هجمات سيبرانية على بنية تحتية إسرائيلية، بما في ذلك محطات معالجة المياه، المسؤولون أشاروا إلى أن الهجوم الإسرائيلي كان دقيقا ومتناسبا، لكنه أثار مخاوف من تصعيد التوترات السيبرانية بين البلدين، مما يعزز الشكوك حول أمن الميناء، هذه السوابق تجعل من الصعب تصديق أن انفجار أبريل/نيسان 2025 كان مجرد “حادث عرضي”، وتشير إلى خلل بنيوي في إدارة المنشآت الحيوية.
الحقيقة الغائبة
انفجار ميناء الشهيد رجائي ليس مجرد كارثة مادية، بل مرآة تعكس هشاشة النظام الإيراني، داخليا وخارجيا، الأدلة تشير إلى أن سوء تخزين بيركلورات الصوديوم، المستوردة من الصين عبر شركة مرتبطة بالحرس الثوري، كان السبب المباشر.
لكن الإهمال الإداري، الذي تجاهل تحذيرات سابقة، والتعتيم الإعلامي، يثيران تساؤلات حول ما إذا كان الحادث عرضيا أم مدبرا.فرضية التخريب، رغم جاذبيتها في سياق التوترات الإقليمية، تظل غير مدعومة بأدلة قاطعة. نفي إسرائيل، وتوقيت الحادث وسط المفاوضات النووية، يشيران إلى أن الحقيقة قد تكون أكثر تعقيدا مما تروج له الروايات المتداولة.
ما هو مؤكد أن الكارثة كشفت عن فشل إداري عميق، وأثرت على اقتصاد إيران ومصداقيتها الدولية، تاركةً وراءها ضحايا يبحثون عن إجابات.