- زاد إيران - المحرر
- 30 Views
دنيا ياسر نورالدين
نشرت وكالة أنباء “خبر أونلاين” الإيرانية المحافظة الإثنين 14 أبريل / نيسان 2025 تقرير استعرضت فيه مواقف وتصريحات كبار المسؤولين الروس تجاه المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، كما تناولت ، كيف تسعى موسكو لتحقيق توازن بين دعمها السياسي لطهران وتفادي الصدام مع واشنطن.
موقف إيجابي
ذكرت الوكالة أنه مع انتهاء الجولة الأولى من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، تبنت روسيا موقفا إيجابيا تجاه تقييم الوضع بين الطرفين. والسؤال الأهم: كيف تنظر موسكو إلى مصالحها في الشرق الأوسط في ظل الضغوط الأمريكية المتزايدة على طهران؟
وتابعت أنه لطالما كانت المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، وخاصة في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، من المحاور الأساسية في السياسة الدولية، حيث تحوّلت القوى الكبرى، ومن بينها روسيا، إلى أطراف فاعلة رئيسية في هذا الملف.
وأضاف الوكالة إن موسكو تتخذ ، بصفتها عضوا دائما في مجلس الأمن وشريكا استراتيجيا لطهران، مواقف متعددة الأبعاد إزاء هذه المفاوضات. فمن جهة، تدعم روسيا مسار الحوار الدبلوماسي وتُظهر استعدادها للوساطة، ومن جهة أخرى، تؤكد على عدم التزامها بأي دعم عسكري لإيران في حال اندلاع مواجهة مع واشنطن، ما يبرز خطوطها الحمراء بوضوح.
وتابعت أنه في سياق متصل، تُطرح تساؤلات حول سبب استبعاد الأوروبيين من مفاوضات إيران والولايات المتحدة ، وهي مسألة تثير قلق أوروبا من العزلة السياسية.
كما أن الأجواء الإيجابية التي أحاطت بمفاوضات مسقط تطرح تساؤلا حول طبيعة الدعم الذي يحمله الوفد الإيراني المفاوض معه، وسط تأكيدات بأن المفاوضات الأخيرة لم تتضمن طرحا بشأن “تفكيك المنشآت النووية”، بل جرت ضمن نفس الإطار الذي ساد اتفاق برجام.
وأضافت الوكالة أن أولى ثمار التفاوض بين إيران والولايات المتحدة بدأت بالظهور، حيث توصل الجانبان إلى تفاهم مبدئي حول ملفين مهمين، ما يعزز من فرص نجاح المسار التفاوضي.
وتابعت أن العلاقات بين إيران وروسيا تشهد منذ توقيع معاهدة الصداقة 1920 تحولات متقلبة، غير أن العقود الأخيرة شهدت تقاربا أكبر، خاصة في ما يخص الملف النووي والتصدي للضغوط الغربية. وكانت روسيا من الموقعين على الاتفاق النووي (برجام) في عام 2015، ولعبت دورا نشطا في المفاوضات التي سبقت التوقيع.
الإتفاق النووي
أردفت الوكالة أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في مايو /آيار 2018 وإعادة فرض العقوبات، أديا إلى تعقيد الموقف الروسي. فمن جهة، دعمت موسكو فكرة إحياء الاتفاق، ومن جهة أخرى، عملت على تعزيز تعاونها الاقتصادي والعسكري مع إيران، مستخدمة هذا التقارب كورقة ضغط في مواجهة الغرب.
وتابعت أنه مع حلول عام 2025، وفي ظل عودة دونالد ترامب إلى الحكم وتصاعد التوتر بين طهران وواشنطن، عاد الدور الروسي إلى الواجهة من جديد. وتكشف تصريحات الكرملين ووزارة الخارجية الروسية عن مساع واضحة للحفاظ على توازن دقيق بين دعم إيران، وتجنب الدخول في صراع مباشر مع الولايات المتحدة، ومواصلة تأمين مصالحها الجيوسياسية. وهذا التوازن الهش يشكل جوهر التحليل الذي يتناوله هذا التقرير.

تصريحات المسؤولين الروس
أشارت الوكالة أنه لفهم دقيق لموقف روسيا، من الضروري التوقف عند تصريحات كبار مسؤوليها، والتي تم الإدلاء بها في فترات زمنية مختلفة. وهذه التصريحات تعكس تطور رؤية موسكو إزاء ملف المفاوضات بين طهران وواشنطن.
وتابعت أنه في ديسمبر/كانون الأول 2021، صرّح ميخائيل أوليانوف، المندوب الدائم لروسيا لدى المنظمات الدولية في فيينا، في مقابلة مع وكالة “إرنا” قائلا: “نحن لا نتدخل في مواقف إيران، بل نتفاعل ونتبادل الاستماع ونعدّل مواقفنا بناء على الحجج.” واصفًا المفاوضات بأنها “عملية إيجابية”، وأشار إلى جدية جميع الأطراف.
وذكرت أنه جاءت هذه التصريحات خلال الجولة السابعة من مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، في وقت كانت فيه الضغوط الغربية على طهران قد بلغت ذروتها. وقد نفى أوليانوف حينها الشائعات حول تدخل روسيا في مطالب إيران، مؤكدا على دور بلاده كوسيط محايد، وإن كان موقفه يحمل ضمنا دعما لطهران.
وتابعت في 8 أغسطس/آب 2022، وخلال مؤتمر صحفي في فيينا، أعلن أوليانوف: “روسيا تدعم مسودة الاتحاد الأوروبي لإحياء الاتفاق النووي. لا تزال هناك قضايا اقتصادية وضمانات تتعلق بإيران لم تُحلّ بعد، لكننا ندافع عن موقف طهران تجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية.” جاءت هذه التصريحات في ذروة المفاوضات عقب تقديم جوزيب بوريل مسودته النهائية، وشكلت رسالة للغرب بأن موسكو لن تقبل بفرض أقصى الضغوط على إيران، رغم إقرارها بوجود قضايا عالقة، ما يعكس رغبتها في استمرار العملية التفاوضية.
وفي سياق مشابه، صرّح ديميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، في 4 مارس /آذار 2025، في مقابلة مع وكالة “بلومبرغ”، قائلا: “روسيا ترى أن على إيران والولايات المتحدة حل الخلافات عبر الحوار. ونحن مستعدون لتقديم أي مساعدة لتحقيق هذا الهدف.”
ذكرت الوكالة أن هذه التصريحات جائت في وقت كانت فيه التوترات بين طهران وإدارة ترامب الجديدة قد تصاعدت بشكل كبير. وقد أبرز بيسكوف في حديثه الدور الوسيط لموسكو، مع حرص واضح على تجنّب الانحياز لأي من الطرفين.
وبعد ذلك، أكد بيسكوف مجددا، في مؤتمر صحفي بتاريخ 8أبريل /نيسان 2025، أن “روسيا تدعم الاتصالات المخططة بين إيران والولايات المتحدة في عُمان، وتدعو إلى حل دبلوماسي للقضايا العالقة.”
وصرحت الوكالة ان هذه المواقف قد جاء بالتزامن مع التحضيرات للمفاوضات غير المباشرة بين الطرفين في مسقط، ما يعكس سعي موسكو للحفاظ على موقعها المؤثر في مسار المفاوضات، دون الدخول في مواجهة مباشرة مع واشنطن.
وتابعت أنه في الإطار نفسه، نقلت وكالة “تاس” الرسمية تصريحات أدلى بها أندري رودنكو، نائب وزير الخارجية الروسي، أمام مجلس الدوما في 8 أبريل /نيسان 2025، حيث قال “موسكو مستعدة لدعم مفاوضات طهران وواشنطن، لكنها غير ملزمة بدعم عسكري في حال شنّت أمريكا هجوما على إيران”.
وأضاف محذرا: “حرب كهذه ستكون كارثية.” وجاءت هذه التصريحات بالتزامن مع تصديق البرلمان الروسي على معاهدة استراتيجية مع إيران، مما يعكس خطوط موسكو الحمراء. فرودنكو ركّز على الوساطة، مع ابتعاد واضح عن أي التزام عسكري، وتحذير من تداعيات إقليمية خطيرة لأي صدام.
وفي هذا السياق أيضا، قال سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، في 1 أبريل /نيسان 2025، ردا على تهديدات ترامب لإيران: “الإنذارات الأمريكية لطهران كارثية، ونحن ندينها.”
وذكرت الوكالة أن تصريحاته جاءت عقب تهديد ترامب بقصف إيران إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق نووي. وقد عزز ريابكوف بهذه الإدانة موقف موسكو المدافع عن طهران، إلا أنه جدد التأكيد على ضرورة التوصل إلى حل دبلوماسي، في موقف يوازن بين الدعم والتحفّظ.

تحليل مواقف روسيا؛ توازن بين الدعم والتحفّظ
أردفت الوكالة أنه يمكن تحليل مواقف روسيا تجاه المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة من خلال ثلاثة محاور رئيسية: الدعم الدبلوماسي، تجنّب المواجهة العسكرية، والسعي لتحقيق مصالحها الجيوسياسية، وهي محاور سنُفصّلها فيما يلي.
فروسيا أظهرت دعما مستمرا للحوار بين طهران وواشنطن، حيث تُظهر تصريحات كل من ديميتري بيسكوف وميخائيل أوليانوف أن موسكو تنظر إلى المفاوضات كوسيلة لخفض التوترات والحفاظ على الاستقرار الإقليمي. ويتّضح هذا الدعم بشكل خاص في عُمان، حيث يُنتظر أن يلتقي عباس عراقجي وستيف ويتكوف في 11 أبريل/نيسان 2025، في جولة جديدة من المحادثات.
وتابعت أن خبراء سياسيون يرون أن هذا الموقف يعكس سعي موسكو للحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط. كما أن تصريحات أندري رودنكو، التي أكّد فيها عدم التزام روسيا بدعم عسكري لإيران، تُظهر مدى حذر موسكو من الدخول في صدام مباشر مع واشنطن.
ويأتي هذا التحفّظ في ضوء تجربة الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية القاسية على روسيا، إذ إن موسكو لا ترغب في الانجرار إلى حرب أخرى، لا سيّما في ظل انشغالها بجبهتها الشرقية.
وتابعت أنه رغم ذلك، فإن روسيا توظّف علاقتها الوثيقة مع إيران كورقة ضغط في مواجهة الغرب. فالتعاون العسكري، مثل تسليم منظومة S-400، والتعاون الاقتصادي في مجالات كصناعة السيارات، يعكسان سعي موسكو لتعزيز شراكتها مع طهران. غير أن هذه الشراكة تظل مرهونة بالحفاظ على توازن دقيق مع الولايات المتحدة، وتجنّب تحويل إيران إلى ساحة مواجهة مباشرة.
أهداف روسيا؛ من الاستقرار الإقليمي إلى مجابهة الغرب
أضافت الوكالة أن أهداف روسيا من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة متعددة الأبعاد، وتنعكس بوضوح في تصريحات مسؤوليها. فموسكو، التي استثمرت كثيرا في سوريا، لا ترغب بأن تؤدي التوترات بين طهران وواشنطن إلى زعزعة جديدة للاستقرار في الشرق الأوسط.
ومن هذا المنطلق، جاء تحذير رودنكو من “كارثية” الحرب، وتأكيد بيسكوف على دعم مفاوضات عمان، ليعكسا هذا التوجّه. فاستقرار المنطقة يمكّن روسيا من الحفاظ على نفوذها في سوريا وغيرها من المناطق الحيوية.
وتابعت أنه في الوقت ذاته، تستفيد موسكو من علاقتها مع إيران ضمن محورها المعادي للغرب، إلى جانب الصين. ويأتي دعم أوليانوف لموقف إيران في مواجهة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكذلك إدانة ريابكوف لتهديدات ترامب، كرسائل واضحة للغرب بأن روسيا ترفض الانخراط في سياسة الضغط الأقصى على طهران. وتكتسب هذه المواقف أهمية إضافية في ظل العقوبات الغربية المتزايدة ضد موسكو نفسها.
وفي السياق ذاته، تُظهر تصريحات بيسكوف ورودنكو حول الاستعداد للمساعدة في المفاوضات، رغبة روسيا في لعب دور الوسيط وتعزيز نفوذها الدبلوماسي. ويزداد هذا الطموح وضوحا في ظل التنافس مع كل من الصين وتركيا على لعب أدوار مؤثرة في الملف الإيراني.
قالت الوكالة أنه بناء على ما سبق، فإن المواقف الروسية الحالية لها تداعيات ملموسة على إيران والولايات المتحدة والمنطقة برمّتها. فالدعم الدبلوماسي من جانب موسكو قد يسهم في تهدئة الأوضاع، لكن غياب أي التزام عسكري يجعل إيران أكثر عرضة لتهديدات إدارة ترامب. في المقابل، يُشير هذا التحفّظ إلى واشنطن بأن روسيا لا تسعى إلى مواجهة مباشرة، ما قد يدفعها إلى إبداء مرونة أكبر في المفاوضات.
وتابعت أنه في ظل استمرار المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة ، فإن نجاح هذه الجهود سيُحسب انتصارا للدبلوماسية الروسية. أما إذا تصاعد التوتر إلى مواجهة عسكرية، فمن المرجّح أن تعود موسكو إلى موقع المراقب الحيادي، تماما كما لمح رودنكو.

موقف إيجابي من موسكو تجاه مفاوضات عمان
ذكرت الوكالة في هذا السياق، نشر ميخائيل أوليانوف، المندوب الدائم لروسيا لدى المنظمات الدولية في فيينا، رسالة على منصة “إكس” عقب انتهاء الجولة الأولى من مفاوضات عمان قال فيها: “دعونا نتمنّى لهم النجاح في بداية هذه المفاوضات.” وهو موقف ينسجم مع دعم موسكو المتواصل للمسار الدبلوماسي بين طهران وواشنطن.
وسبق أن صرّح ديميتري بيسكوف بأن “الاتصالات المباشرة وغير المباشرة المقرّرة في عمان أمر مرحّب به، لأنها قد تؤدي إلى خفض التوتر.” وهو تصريح يعكس إدراك موسكو لأهمية هذه القنوات في منع التصعيد.
واختتم الوكالة تقريرها أن مراقبون سياسيون يؤكدون أن مواقف روسيا تجاه المفاوضات الإيرانية-الأمريكية تُجسّد مزيجا من الدعم الدبلوماسي، والتحفّظ الاستراتيجي، والسعي لتحقيق مصالح طويلة الأمد.
وتابعت أنها تُظهر تصريحات شخصيات مثل أوليانوف وبيسكوف ورودنكو وريابكوف، أن موسكو تسعى لتحقيق توازن بين تعزيز علاقتها مع إيران كحليف، وتجنّب الصدام مع الولايات المتحدة. ومن خلال هذا التوازن، أصبحت روسيا لاعبا محوريا في هذا النزاع.
لكن يبقى السؤال: هل تستطيع موسكو القيام بدور الوسيط الناجح، أم أنها ستُهمَّش في ظل تصاعد تهديدات ترامب؟ الإجابة على هذا السؤال لا ترسم فقط مستقبل العلاقات بين طهران وواشنطن، بل تحدد أيضا مكانة روسيا في النظام العالمي الجديد.