- دنيا ياسر
- 7 Views
أجرت وكالة “خبر أونلاين” الإيرانية المحافظة حوارا مع الناقد السينمائي الإيراني شاهين أمين، تناول فيه أسباب تدهور السينما الإيرانية، وتأثير هيمنة رأس المال والرقابة وتراجع الذوق العام على المشهد الثقافي.
ذكرت الوكالة أنه في سنوات ليست بعيدة، كانت السينما الإيرانية تُعَدّ منصة لدمج الفكر بالترفيه، أما اليوم، فقد انقطع هذا الرابط الأصيل، وتحولت السينما إلى صناعة لا هدف لها سوى إضحاك الجمهور لحظيّا، دون أي عمق أو أثر باقٍ.
وتابعت أن نسبة كبيرة من الأعمال الحالية أصبحت مجرّد ترفيه يُستهلك مرة واحدة، فلا يعود المشاهد لمشاهدتها، أو لا يتذكر منها شيئا بعد انتهائها. وإذا كان كبار السينمائيين قد صنعوا في الماضي أعمالا لا تزال تُشاهد وتُناقش رغم تغيّر الأجيال والذوق، فإن السؤال المطروح: ما الذي أبعد الأعمال الفنية الحديثة عن تلك الأجواء الاجتماعية والفكرية العميقة؟

وفي ما يلي نص الحوار:
ما الذي منح أفلام الثمانينيات والتسعينيات خلودا حرمَت منه إنتاجات اليوم؟
في الثمانينيات والتسعينيات وحتى أوائل الألفينيات، لم يكن المال هو القيمة المطلقة والمهيمنة على المجتمع. كان بعض المديرين وصنّاع السياسات يمتلكون رؤية وبرامج، وكان لديهم هاجس حقيقي بالثقافة. في تلك الفترة، كانت الجودة الثقافية والفنية في السينما تُعتبر قيمة يمكن الاعتماد عليها. لم يكن كل شيء محصورا في شباك التذاكر أو اجتذاب المستثمر الثري.
لا أقول إنه لم تكن هناك أفلام ضعيفة آنذاك، لكن على الأقل، جزء مهم من السينما السائدة كان يوازن بين الهواجس الثقافية والجوانب الاقتصادية بشكل معقول. لذلك كانت هناك أفلام خالدة، وأعمال متوسطة ذات جودة مقبولة، أكثر مما هو عليه الوضع اليوم. أما اليوم، فقد أصبح المال في مكانة تفوق أي قيمة أخرى، وهيمنة الرأسمالية استحوذت تماما على صناعة السينما.
كيف ترسّخت هذه الهيمنة؟
أريد التأكيد أولا أن الجميع يعلم أن رأس المال وصناعة الترفيه يُعدّان جزءا مهما من السينما، بل إن السينما بطبيعتها صناعة ترفيهية باهظة. لكن عندما يتحول رأس المال إلى الحاكم المطلق، وتتراجع الذائقة والجودة، تهيمن السطحية والتقليد والرداءة؛ بل وتؤدي إلى إلحاق ضرر جوهري حتى بصناعة الترفيه نفسها. وفي هذه الحالة، يمكن للرأسمالية بعد مدة أن تنقلب ضد ذاتها، فتؤدي إلى نفور الجمهور من السينما.
لكن كيف غدت الرأسمالية مهيمنة؟ هذه مسألة تتعدى حدود السينما. كثيرا ما قيل إن السينما انعكاس لمتغيرات المجتمع المتنوعة. تحليل واقع السينما دون قراءة اجتماعية يقودنا إلى الخطأ. ما آلت إليه السينما اليوم، لا تتحمّل مسؤوليته السينما وحدها، بل هو نتيجة لتضافر عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية جارية في المجتمع، إضافة إلى مشاكل داخلية في القطاع السينمائي نفسه.
ما دور الثقافة العامة في هذا المسار؟
لها دور بالغ الأهمية. لقد تراجعت الثقافة والذوق العام لدينا على مدى العشرين عاما الماضية؛ لأن ما تم تقديمه من محتوى كان ضعيفا. الجهات المعنية التي كان من المفترض أن تعمل على رفع الذوق العام، والتي تتلقى ميزانيات ضخمة لهذا الغرض، عملت بعكس الاتجاه.
خذي مثلا البرامج والمسلسلات التلفزيونية خلال العشرين إلى الخمسة وعشرين سنة الماضية، أو حتى بعض الإنتاجات الموسيقية والروايات. متى آخر مرة أصبح فيها اسم رواية على كل لسان؟ حتى لو كُتبت رواية جيدة، فإنها لا تحظى بالانتشار. هل تتذكرين رواية إيرانية واحدة خلال الخمسة عشر عاما الأخيرة لاقت رواجا واسعا؟ حتى الروايات الجماهيرية الجيدة ذات الأسلوب والسرد الجذّاب أصبحت نادرة.
وعندما يهبط مستوى الذوق العام، تنخفض معه التوقعات. بينما لو تلقى الجمهور محتوى جيدا من حيث النص والبنية، لارتفعت ذائقته. للأسف، هناك تيار في المجال الثقافي يتجاهل الجودة. حتى الأدب العام أصبح يعاني من آفات خطيرة. المنابر الرسمية، والإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي باتت مليئة بالغضب، والعدوانية، والتهريج، والألفاظ البذيئة. والأسوأ أن بعض الشخصيات المرجعية تظن أن استخدامها لهذا النوع من اللغة يزيد من تأثيرها.
ما الأسباب الجوهرية وراء هذا الوضع برأيك؟
إنها مجموعة من العوامل المتشابكة: الضغوط الاقتصادية والمعيشية، التمييز، التوترات السياسية والاجتماعية المتواصلة، والغموض الذي يكتنف المستقبل، كلها تؤدي إلى التعب، والضجر، وغياب الصبر. وبطبيعة الحال، فإن كثيرا من الناس يلجؤون إلى السينما لتخفيف الضغط، وليضحكوا ولو للحظات. ثم ينسون الفيلم بعد ساعات. إن مناخ المجتمع، والسياسات الثقافية للمؤسسات المعنية، وهيمنة رأس المال، ورداءة الذوق في السينما، كلها دفعت الجمهور في هذا الاتجاه.
ما مدى تأثير الرقابة في هذا المسار؟
يجب أن تكون الرقابة في حدودها الدنيا؛ أما حين تكون واسعة، وذوقية، ومنحازة، فإنها تؤدي إلى الابتذال. وهذه قاعدة بسيطة عالميّا. الرقابة حين تصبح شخصية، أي يُسمح لعمل ما لمجموعة، ويُمنع لغيرهم، فإن الأمر لا يعود إلى قوانين، بل إلى تبعيات الأشخاص.
المنتج بدوره يسلك طريقا لا يجلب له المتاعب. أنا لا أتبنّى نظرة راديكالية، لكنني أقول: يجب أن تكون اللوائح واضحة، محدودة، قائمة على الدستور، وقابلة للتطبيق، ولا تتعارض مع الأعراف العامة.

برأيك، لو أرادوا اليوم إنتاج فيلم مثل “المستأجرين”، هل يُمنح الإذن؟
أستبعد ذلك. كما لا أعتقد أن أفلاما مثل الأبَادانيون، ونرجس، وتحت جلد المدينة، وهامون، وقتل الكلب، وأنا ترانة، وعمري 15 سنة، يمكن أن تُنتج اليوم. فكل المجالات الاجتماعية، ومنها الثقافة، تحتاج إلى التنوع والتعددية للنمو. حتى مسلسلات مثل الفاكهة المحرمة، عصر التمرد، أو حتى أيام غريبة لم تعد قابلة للإنتاج الآن.

هل تؤثر مصادر التمويل غير الشفافة أيضا في تدهور جودة الإنتاج؟
بلا شك. فالاقتصاد غير الشفاف مصدر لكل فساد، في كل قطاع.
أكان بالإمكان التنبؤ بهذه الحالة؟
لقد حذّر البعض من ذوي المعرفة والغيرة وبعد النظر من هذا الواقع. لكنني أعتقد أن جزءا كبيرا من صانعي السياسات والمؤثرين والمسؤولين الثقافيين في العشرين عاما الماضية لم يكونوا يملكون تصوّرا واضحا عما كان ينتظرهم، إما بسبب عدم الإلمام أو انعدام الكفاءة.