- زاد إيران - المحرر
- 30 Views
كتب: سيد نيما موسوي
ترجمة: علي زين العابدين برهام
في الثاني من مارس/آذار 2025، شهدت حكومة مسعود بزشكيان حدثين بارزين. حيث تم استبعاد محمد جواد ظريف، مستشاره الاستراتيجي الذي كان يُعد العرّاب السياسي لحكومته منذ مرحلة الحملة الانتخابية وحتى تشكيل مجلس الوزراء، بل كان يُعتبر وزير خارجية ظل إلى جانب عباس عراقجي.
وفي تطور آخر، صوّت البرلمان على إقالة عبد الناصر همتي، وزير الاقتصاد، بسبب الارتفاع الحاد في معدلات التضخم، الناتج عن الانخفاض الحاد في قيمة العملة الوطنية. وقد كان السبب الرئيسي لإقالة همتي هو تجاوز معدلات التضخم عتبة الثلاثين بالمئة خلال فبراير/شباط 2025.
في السطور التالية، سنتناول أبعاد هذا الفصل المفاجئ لاثنين من أبرز أعضاء حكومة مسعود بزشكيان.
بعد فوز مسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية المبكرة في يوليو/تموز 2024، شكّل حكومته مستندا إلى فكرة “الوفاق”. وقد كان منظور بزشكيان من “عقيدة الوفاق” هو تأسيس حكومة وحدة وطنية تهدف إلى تقليل حدة النزاعات الاجتماعية التي اندلعت عقب احتجاجات عام 2022، مع مواصلة تنفيذ مشروعات حكومة الرئيس السابق الراحل إبراهيم رئيسي، مثل “البرنامج السابع للتنمية”، ولكن بفريق حكومي جديد.
وفي هذا السياق، احتفظ بزشكيان ببعض وزراء حكومة رئيسي، حيث ضم إلى حكومته وزير الاستخبارات، ووزير العدل، ورئيس منظمة الطاقة الذرية، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي، ووزير الصناعة، بالإضافة إلى رئيس البنك المركزي.
ومع ذلك، كان لكل من ظريف وهمتي دور محوري في المشروع الكبير لحكومة بزشكيان. وقد أطلقت العديد من الصحف الموالية له عليه لقب “غورباتشوف الإيراني”، في إشارة إلى ما كان يُنتظر منه من إصلاحات شاملة شبيهة بتلك التي قادها ميخائيل غورباتشوف، رئيس الاتحاد السوفييتي السابق، سواء في المجال الاقتصادي أو السياسي أو الثقافي.

هذه الإصلاحات كانت تتضمن خطوات نحو تحرير الاقتصاد، واعتماد سياسات نيوليبرالية، إلى جانب تبني مشروع تعاون مع الغرب في السياسة الخارجية، وصولا إلى تغييرات ثقافية تتعلق بموضوع الحجاب. وقد كان من المفترض أن تستمر هذه السياسات بالتوازي مع احتمال وصول حكومة ديمقراطية إلى البيت الأبيض في انتخابات 2024، إلا أن فوز دونالد ترامب شكل مفاجأة قلبت موازين اللعبة، وأفشلت إمكانية التعاون مع إدارة ديمقراطية في واشنطن.
بزشكيان وفريقه كانوا يعوّلون على تحريك ملف المفاوضات مجددا من خلال توظيف جواد ظريف، بغية التوصل إلى اتفاق كبير، غير أن عدم رغبة ترامب في الانخراط أفشل هذا المسعى وأوقف مسار الإصلاحات السياسية الخارجية.
أما الشق الاقتصادي من إصلاحاته، فكان يرتكز على تطبيق سياسات الصدمة الاقتصادية وتخفيض قيمة العملة الوطنية للحفاظ على الميزة التصديرية. إلا أن ذلك أدى عمليا إلى موجة تضخمية حادة مطلع عام 2025، انتهت بإقالة عبد الناصر همتي من منصب وزير الاقتصاد بعد تصويت البرلمان على استجوابه.
وكان همتي قد تسبب في هذه الأزمة بعدما ألغى دعم العملة لاستيراد السلع الأساسية، وحرر سوق العملات، ما أدى إلى انهيار حاد في قيمة العملة الوطنية، حتى بلغ سعر الدولار الأميركي في سوق طهران أكثر من 900,000 ريال.
وعليه، يمكن القول إن سقوط اثنين من أبرز وجوه حكومة بزشكيان يعود إلى فشل مشروعه القائم على الوفاق.
في الأسابيع الأخيرة، شهدت الأوساط الإعلامية في إيران موجة من الانتقادات الحادة تجاه السياسات النيوليبرالية التي كان يطرحها عبد الناصر همتي. ويمكن اعتبار هذه الانتقادات انعكاسا لتحوّل كبير في البنية الفكرية للاقتصاد السياسي الإيراني. فبعد سنوات طويلة من هيمنة الأفكار الاقتصادية المستندة إلى نظريات ميلتون فريدمان، والتي كانت تُرجع ظاهرة التضخم إلى العوامل النقدية، باتت هذه الأفكار تواجه مؤخرا انتقادات متزايدة في الأوساط الجامعية والسياسية.
ومن أبرز المنابر التي قادت هذه الحملة النقدية ضد التيار النيوليبرالي في إيران، البودكاستان السياسيان الشهيران “جدال” و”حکمران”، واللذان يحظيان بمتابعة واسعة في الساحة الإعلامية الإيرانية.
وقد بلغت هذه الانتقادات حدا دفع المرشد الإيراني علي خامنئي، إلى التطرق لهذا الموضوع في خطابه الرمضاني الأخير، حيث شدّد على ضرورة تثبيت سعر الصرف، وهي سياسة تُعيد إلى الأذهان التوجهات الاقتصادية في السنوات الأخيرة من حكومة هاشمي رفسنجاني في منتصف تسعينيات القرن الماضي.
وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل الخلافات الداخلية داخل حكومة بزشكيان. فالنواة الأساسية لحكومته تتكوّن من أنصار الرئيس الأسبق محمد خاتمي المنضوين تحت حزب “إرادة الأمة”، إلى جانب أنصار هاشمي رفسنجاني في حزب “كوادر البناء” ومع وجود محمد رضا عارف، النائب الأول لبزشكيان، الذي يُعد من المقربين إلى جناح خاتمي، يذهب بعض المراقبين إلى ترجيح فرضية التنافس بين تيار “كوادر البناء” وتيار “إرادة الأمة” داخل الحكومة.
ويبدو أن الفريق المقرّب من خاتمي، والذي يمثّله عارف كنائب أول، يسعى تدريجيا إلى إقصاء الشخصيات المقرّبة من تيار “كوادر البناء” من مواقع النفوذ في الحكومة. وقد سبق أن أُبعد محمد جواد آذري جهرمي، وزير الاتصالات السابق، عن الانضمام إلى حكومة بزشكيان نتيجة لهذه التنافسات الداخلية.

أما في مجال السياسة الخارجية، فمن المتوقع أن يؤدي خروج جواد ظريف من الحكومة إلى تعزيز نفوذ التيار الموالي للصين وروسيا داخل الجهاز الدبلوماسي الإيراني. ومن بين الشخصيات البارزة في هذا التيار مِهدي سنائي، الدبلوماسي الإيراني الذي شغل منصب سفير إيران في روسيا خلال فترة رئاسة حسن روحاني، وهو صهر علي يونسي، وزير الاستخبارات في حكومة خاتمي، كما أنه ألّف العديد من الكتب حول السياسة الخارجية الروسية.
وتشير بعض التقارير إلى أن من أسباب خروج ظريف من الحكومة، إلى جانب مسألة الجنسية الأميركية لأبنائه، هو تعارضه مع التقارب مع روسيا وعدم تحمّسه لتعزيز علاقات إيران مع الشرق.
لقد تراجعت مكانة الركيزتين الأساسيتين لسياسة “غورباتشوفية” مسعود بزشكيان، إلا أنه لا يزال متمسكا بمشروعين ثقافيين رئيسيين. الأول يتعلق بقضية التعليم باللغات الأم، حيث يسعى بزشكيان، مدفوعا بأن غالبية أصواته الانتخابية جاءت من الأقليات اللغوية والإثنية في إيران، كالأذريين، والتركمان، والأكراد، والعرب والبلوش، إلى تعزيز قاعدته الانتخابية في الاستحقاقات القادمة عبر تبني هذه السياسة.
أما المشروع الثاني، فهو امتناعه حتى الآن عن المصادقة على “قانون الحجاب” الذي أقرّه البرلمان، بهدف الحفاظ على تأييد التيار الإصلاحي التقليدي، المنبثق في معظمه من الفئات العلمانية في المجتمع الإيراني.
ويبدو أن خروج جواد ظريف وصعود مكانة مهدي سنائي في السياسة الخارجية الإيرانية، قد ترافق مع تغييرات في الأجندة الاقتصادية لحكومة بزشكيان كذلك. إذ تم استبعاد عبد الناصر همتي وعلي طيب نيا، وزيري الاقتصاد في حكومة روحاني، اللذين كانا من أبرز المدافعين عن تحرير سعر الصرف، من فريق بزشكيان.
وفي المقابل، دعا بهزاد نبوي، الناشط السياسي المخضرم المقرب من محمد خاتمي، إلى ضرورة العمل على توزيع قسائم السلع الأساسية وتثبيت الأوضاع الاقتصادية، مراعاةً للظروف الجديدة التي فرضتها عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
ومن جهة أخرى، ومع تصاعد الاعتراضات داخل أركان الحكم على السياسات الثقافية التي ينتهجها بزشكيان، يبقى السؤال مطروحًا: هل سيتمكّن من الحفاظ على مشروعه الكلّي في الحكم، أم أنه سيضطر إلى إعادة صياغة أجندته الاقتصادية والسياسية بما يتلاءم مع مقتضيات عهد ترامب الجديد؟