هجرة الممرضين تشلّ النظام الصحي الإيراني.. عروض خارجية مغرية وأزمات داخلية متفاقمة

ترجمة: دنيا ياسر نور الدين 

نشرت صحيفة “فرهيختكان” الإيرانية الأصولية، الأربعاء 4 يونيو/حزيران 2025، تقريرا استعرضت فيه أبعاد أزمة هجرة الممرضين الإيرانيين، موضحةً أسبابها الاقتصادية والمهنية والنفسية، وتأثيرها الخطير على مستقبل النظام الصحي في إيران. كما ناقش التباين بين تصريحات المسؤولين وواقع الميدان، والعروض المغرية من الدول الأوروبية والخليجية.

ذكرت الصحيفة أن معدلات هجرة الممرضين الإيرانيين في السنوات الأخيرة ازدادت بشكل غير مسبوق، ما ينذر بخطر كبير على مستقبل النظام الصحي في البلاد. هؤلاء الكوادر المدربة التي أُنفقت عليها ملايين الدولارات من الأموال العامة لتأهيلها، باتت اليوم تبحث عن الفرص في الخارج، هربا من الأزمات المعيشية، والإجهاد المهني، وعدم استقرار العقود، وضبابية الأفق الوظيفي.

وتابعت أنه رغم إعلان وزارة الصحة عن تراجع نسبي في معدل هجرة الكوادر التمريضية خلال العام الماضي، إلا أن واقع العاملين في هذا القطاع يعكس صورة مختلفة، ومقلقة، لمستقبل خدمات الرعاية الصحية في إيران.

وأشارت إلى أن الأزمة بدأت تتصاعد في 2019 ومع تفشي جائحة كورونا، إذ ازدادت الضغوط على المؤسسات الصحية، ما أدى إلى تفاقم شكاوى المواطنين من تدهور جودة خدمات التمريض، خاصة في الأقسام الحساسة مثل العناية المركزة (ICU) ووحدات العناية القلبية (CCU).

 وتابعت أنه رغم جهود الجامعات الطبية لزيادة عدد الطلاب في تخصص التمريض إلى نحو 10 آلاف سنويا، ورغم مكانة إيران المتقدمة إقليميا في تأهيل الممرضين، إلا أن الإحصائيات تشير إلى أن معدل الممرضين لكل سرير بالمستشفيات في إيران لا يزال من أدنى المعدلات عالميا. ومن هنا، فإن موجة الهجرة الجماعية الأخيرة تهدد جودة الخدمات الصحية وتكبد النظام خسائر اقتصادية واجتماعية جسيمة.

الوجه الآخر للأزمة أرقام تؤكد الهروب الجماعي

أردفت الصحيفة أن الدول المتقدمة، التي تعاني من نقص حاد في الكوادر التمريضية، أصبحت وجهة مثالية للممرضين الإيرانيين؛ بفضل الرواتب المجزية التي تصل إلى عشرة أضعاف ما يتقاضونه داخل إيران، فضلًا عن الإقامة، والامتيازات، والأمن الوظيفي.

وسلطت الصحيفة الضوء على شركات توظيف في طهران تروج للهجرة بضمانات عمل مغرية، مستهدفة ممرضين ظلوا لسنوات يعملون بعقود مؤقتة داخل المؤسسات الحكومية. اليوم، يمكن لهؤلاء إعادة بناء حياتهم في الخارج بمجرد تلقي عرض عمل رسمي.

وتابعت أنه وفقا لما أعلنه رئيس لجنة الصحة في البرلمان الإيراني في يونيو/حزيران 2025، فإن أكثر من عشرة آلاف شخص من الأطباء، الممرضين، الأساتذة، والخريجين هاجروا في السنوات الأخيرة بسبب “سوء الإدارة”.

وفي السياق ذاته، أكد رئيس منظمة التمريض أن نحو 1800 ممرض وممرضة يغادرون المستشفيات الحكومية سنويا، ما يعادل أكثر من 1% من إجمالي الكوادر التمريضية في القطاع الحكومي. وأشار إلى صعوبات إدارية ومالية في تعويض هذا النقص.

هل الهجرة بدأت بالتراجع؟ مؤشرات متباينة

ذكرت الصحيفة أن نائب شؤون التمريض في وزارة الصحة، عباس عبادي، أعلن عن انخفاض نسب الهجرة بنسبة 35% خلال عام 2024، خصوصا في نصفه الثاني، بسبب تغيير سياسات الوزارة والحكومة المؤقتة.

لكن علي عباسي‌ بكلو، نائب سابق لنقابة التمريض بطهران، شكك في هذا التحسن، موضحا أن بعض من عادوا من أوروبا – لا سيما من الدنمارك – وجدوا أن الواقع لا يطابق توقعاتهم بشأن العدالة والمساواة، لكن رغم ذلك فإن الهجرة لم تتوقف، لا بل إنها مستمرة نحو ألمانيا تحديدا، لأن الأوضاع في الداخل لم تتحسن.

مثلث الهجرة.. معيشة ضاغطة، نظام إداري هش، مستقبل غامض

نقلت الصحيفة عن أحمد نجاتيان، رئيس منظمة التمريض، أن مستحقات العمل الإضافي ومكافآت الأداء تأخرت لعدة أشهر، رغم رفع الأجور وتحسين بعض المزايا. ومع ذلك، فإن متوسط دخل الممرضين لا يزال دون كلفة المعيشة في المدن الكبرى، ما يدفع العديد منهم للاستدانة أو العمل في عيادات خاصة بعد انتهاء الدوام الرسمي.

وتابعت أن تأخر صرف التعويضات وتجاهل “خطة تحسين خدمات التمريض” التي أقرها البرلمان، دفع بالممرضين  خاصة الجدد منهم  إلى فقدان الأمل في الاستقرار المالي.

كما تطرقت الصحيفة إلى ضعف تغطية التأمين الصحي الإضافي، إذ لا يشمل غالبا تكاليف الأمراض المزمنة أو الإصابات الناتجة عن العمل مثل الإصابة بكورونا، ما يجعل الممرض يشعر بأن النظام لا يحميه، ويدفعه للبحث عن بديل في الخارج، حيث تشمل برامج التأمين في بعض الدول الأوروبية دعما صحيا وماليا وحتى تعليميا.

الضغط المهني.. ممرض واحد لكل 15 مريضا

ذكرت الصحيفة أن بعض الممرضين في إيران يُكلفون بالعناية بـ15 مريضا في آن واحد، مقارنة بالمعيار الدولي الذي ينص على ممرض واحد لكل مريضين في أقسام العناية المركزة. ويرجع هذا التفاوت إلى نقص التوظيف، وتعقيد الإجراءات الإدارية، وانعدام الأمان الوظيفي.

وبحسب تصريحات نجاتيان، فإن قانون التنمية السابع أوجب على الحكومة تقليص القوى العاملة بنسبة 15%، ما أثر حتى على قطاع الصحة. ورغم تأهيل نحو 12 ألف ممرض سنويا، فإن عدد الممرضين الجدد الذين تم توظيفهم في السنوات الخمس الأخيرة لم يتجاوز 10 آلاف، معظمهم تم تحويلهم من عقود مؤقتة إلى دائمة دون خلق فرص جديدة.

من كورونا إلى الاكتئاب.. الصحة النفسية في خطر

أشارت الصحيفة إلى أن الممرضين الذين عملوا في أقسام كورونا لأكثر من 180 يوما متواصلا خلال الجائحة، لم يحصلوا على فرصة كافية للراحة، ما أدى إلى تدهور صحتهم النفسية. وتُظهر بعض الدراسات أن أكثر من 60% من ممرضي أقسام العناية المصابين بأعراض اكتئاب، قلق، أو ميول انتحارية.

وتابعت أنه  لا يجد الممرضون في إيران مسارا واضحا للتطور المهني، على عكس الدول المتقدمة التي توفر فرصا للترقي في تخصصات دقيقة مثل العناية القلبية، غسيل الكلى، أو مكافحة العدوى، ما يعزز الشعور بالإحباط وتجميد القدرات.

الحلم الأوروبي والخليجي.. راتب مستقر ومستقبل مضمون

ذكرت الصحيفة أن الدول الاسكندنافية، خصوصا الدنمارك والسويد، تقدم عروضا مغرية للممرضين من الدول النامية. إذ يحصل الممرض بعد اجتياز امتحانات اللغة والمعادلة على أجر قد يصل إلى 53 دولار في الساعة، إضافة إلى التأمين المجاني والتعليم المجاني للأبناء.

وأشارت إلى الدول الخليجية مثل قطر، والإمارات، والسعودية، فتقدم رواتب مضاعفة، وسكنا مجانيا، وتأمينا شاملا، وتذاكر سفر سنوية، ما يجعلها وجهة مفضلة، رغم تحديات مطابقة الشهادات أو اجتياز الامتحانات المهنية.

هذه التسهيلات خلقت لدى العديد من الممرضين تصورا بأن “العيش الكريم في الخارج” بات ممكنا حتى إن بدأوا العمل في وظائف مساندة خلال الفترة الأولى، لأنهم على الأقل لن يقلقوا بشأن العلاج، السكن، أو مستقبل الأبناء.