العد التنازلي لـ”برجام”.. أوروبا تلوّح بآلية الزناد وإيران ترد بالتصعيد النووي

تناول موقع “فراز” الإخباري الإيراني، في تقرير له الأحد 4 مايو/أيار 2025، خطوات إيران التدريجية في تقليص التزاماتها النووية بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وردود الفعل الأوروبية المهددة بتفعيل آلية الزناد. كما ناقش مدى قانونية هذا التهديد في ظل المتغيرات السياسية والحقوقية المحيطة بالاتفاق.

ذكر الموقع أن 8 مايو/أيار عام 2018، كان علامة فارقة في تاريخ العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، حيث شهد انسحابا أحاديّا من الاتفاق النووي من قبل إدارة دونالد ترامب. ومنذ تلك اللحظة، دخل الاتفاق النووي الإيراني في حالة من التعليق والتعقيد، نتيجة نقض الولايات المتحدة لتعهداتها.

وأردف أن هذه الخطوة أعقبتها مباشرة سياسة “الضغط الأقصى” التي فرضت على طهران، وألقت بظلالها الثقيلة على الاقتصاد الإيراني. وردّا على ذلك، بدأت إيران بخفض التزاماتها النووية في خمس مراحل متتالية، وهو ما شكل بداية الحديث عن آلية “السناب باك” أو العودة التلقائية للعقوبات.

اتفاق وليد عقد من المفاوضات

تابع الموقع موضحا أن الاتفاق النووي أو ما يُعرف بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة” (برجام)، جاء بعد أكثر من عشرة أعوام من المفاوضات المباشرة وغير المباشرة بين إيران ودول مجموعة 1+5. وتم التوقيع عليه صيف عام 2015، حيث تعهدت إيران بموجبه بأن يكون برنامجها النووي تحت إشراف كامل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في مقابل التزام الأطراف الأخرى برفع تدريجي للعقوبات المفروضة على طهران.

وأوضح أنه بموجب القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بعد أسبوع واحد من توقيع الاتفاق، خرجت إيران رسميّا من تحت ستة قرارات أممية كانت قد صدرت بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة خلال فترة حكومة محمود أحمدي نجاد.

وأضاف أن تلك القرارات كانت قد فرضت عقوبات غير مسبوقة على إيران، واقتربت بالبلاد من حافة المواجهة العسكرية، إلا أن قرار 2231، الذي جاء نتيجة توقيع الاتفاق النووي، شكّل تحولا غير مسبوق في تاريخ المنظمة الأممية، حيث تمكنت إيران من الخروج من تحت الفصل السابع دون تنفيذ أيّ من تلك القرارات أو استمرارها، وهو ما اعتُبر إنجازا قانونيّا فريدا في تاريخ العلاقات الدولية.

اتهامات مبكرة بعد أشهر من الاتفاق

أردف الموقع أنه رغم أهمية القرار 2231، إلا أن التوترات عادت إلى الساحة بعد أقل من عام من صدوره، حين أجرت إيران تجربة صاروخية باليستية. وقد أثارت تلك الخطوة حساسية لدى أعضاء مجموعة 1+5، وعلى رأسهم فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، والولايات المتحدة، حيث بعثوا برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك يتهمون فيها طهران بانتهاك القرار 2231.

في المقابل، أكدت إيران أن القرار يمنع فقط الأنشطة المتعلقة بـ”الصواريخ النووية”، مشيرة إلى أن صواريخها الباليستية ليست مصممة لحمل رؤوس نووية.

وأوضح أن الانسحاب الأمريكي في مايو/أيار 2018 تم في وقت لم يكن فيه الاتفاق النووي قد أتى ثماره بالكامل بعد. فقد كان دونالد ترامب يهاجم الاتفاق منذ حملته الانتخابية عام 2016، واصفا إياه بـ”الاتفاق السيئ”، بل “الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة”.

وتابع أن انسحاب واشنطن شكّل بداية لسياسة تصعيدية، حيث أعلن ترامب بوضوح أنه سيعتمد سياسة الضغط الأقصى على إيران، وهدد كل دولة أو شركة تتعامل معها بعقوبات صارمة.

رد إيراني مدروس ومؤقت

وأضاف الموقع أن طهران لم تتخذ رد فعل فوريّا، بل اختارت التريث والتشاور. فقد أرسل الرئيس الإيراني حينها، حسن روحاني، رسالة إلى رئيس منظمة الطاقة الذرية علي أكبر صالحي، يأمر فيها بإجراء أبحاث لتطوير محركات نووية بحرية وإنتاج الوقود اللازم لها.

وأشار إلى أن روحاني أكد أن إيران ستمنح فرصة للتفاوض مع شركائها الروس والصينيين، وكذلك الأطراف الأوروبية في الاتفاق النووي، موضحا أن بلاده ستنتظر “أسابيع قليلة” من أجل التأكد من ضمان مصالح الشعب الإيراني.

وتابع أن روحاني حذر صراحة من أن بقاء الاتفاق دون ضمان للمصالح الإيرانية، سيكون بلا معنى، قائلا: “إذا كان الاتفاق النووي سيظل مجرد حبر على ورق، فلن يكون أمامنا سوى طريق واضح تماما”.

هل أطلقت إيران الرصاصة الأولى؟

ذكر الموقع أن إيران، بعد مرور عام على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، أصدرت بيانا أعلنت فيه أنها، استنادا إلى المادتين 36 و37 من خطة العمل الشاملة المشتركة (برجام) وقرار مجلس الأمن 2231، لم تعد تعتبر نفسها ملزمة بالقيود المتعلقة بتخزين اليورانيوم المخصب والمياه الثقيلة. 

وتابع أن إيران أعطت في هذا البيان مهلة 60 يوما للأطراف المتبقية في الاتفاق لتنفيذ التزاماتها المصرفية والنفطية، وإلا فإنها ستتخذ خطوة لاحقة تتمثل في رفع مستوى التخصيب ووقف التزاماتها المتعلقة بتحديث مفاعل آراك للماء الثقيل.

وأردف أن الدول الأوروبية المشاركة في الاتفاق النووي رفضت مهلة إيران، ولوّحت في المقابل بتفعيل «آلية إعادة فرض العقوبات»، المعروفة باسم “آلية الزناد”، إذا ما خرقت طهران التزاماتها النووية. إيران من جانبها اتهمت الأوروبيين بالتقصير في الحفاظ على الاتفاق، وبدأت بخفض تعهداتها النووية تدريجيا على خمس مراحل، ما دفع الأوروبيين إلى التصعيد والتهديد بتفعيل آلية الزناد.

ما هي آلية الزناد؟

ذكر الموقع موضحا أن آلية الزناد منصوص عليها في المادتين 36 و37 من الاتفاق النووي، والتي تتيح لأي طرف من أطراف الاتفاق تقديم شكوى إلى اللجنة المشتركة في حال حدوث خرق للاتفاق. وتملك اللجنة 15 يوما لحل المسألة، وإن لم يُحل النزاع، يُرفع إلى وزراء الخارجية خلال 15 يوما إضافيا، ثم تعود القضية للجنة لمدة 5 أيام أخرى. 

وتابع أنه لم يتم التوصل إلى حل، يستطيع الطرف الشاكي إحالة الموضوع إلى مجلس الأمن الذي أمامه 30 يوما فقط لاعتماد قرار يُبقي على تعليق العقوبات. في حال عدم التصويت أو عدم التوافق، تُعاد تلقائيا جميع العقوبات السابقة على إيران.

هل استخدمت إيران بالفعل آلية الزناد؟

أضاف الموقع أن إيران، عقب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وعجز الأوروبيين عن الحفاظ عليه، فعّلت بنفسها هذه الآلية. ووفقا لتصريحات وزير الخارجية الإيراني الأسبق محمد جواد ظريف في عام 2020، فإن إيران استخدمت الآلية الداخلية للاتفاق للرد على الخروقات، وأنه قد عُقدت اجتماعات للجنة المشتركة على مستوى النواب ثم الوزراء، وتم تقديم 11 تعهدا لإيران، لكنها لم تنفذ. لذلك- بحسب ظريف- لم يعد لآلية الزناد الأوروبية محل من الإعراب، لأن إيران استخدمت المسار القانوني الداخلي للاتفاق.

أشار الموقع إلى أنه رغم التزام إيران بالنص الحرفي للاتفاق وخروقات الأطراف الغربية، فإن الدول الأوروبية لا تزال تدعي أن إيران خرقت التزاماتها النووية. وفي ديسمبر/كانون الأول 2024، صرّح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن البرنامج النووي الإيراني يقترب من “نقطة اللاعودة”، داعيا قادة أوروبا للتفكير في تفعيل آلية الزناد قبل سبتمبر 2025.

متى تنتهي صلاحية آلية الزناد؟

أوضح الموقع أن الاتفاق النووي وقرار مجلس الأمن 2231 يمنحان الدول الأعضاء في مجموعة 5+1 حتى سبتمبر/أيلول 2025 كحد أقصى لتفعيل هذه الآلية. لكن السؤال المطروح الآن- وفق الموقع- هو: هل ما يزال البندان 36 و37 من الاتفاق صالحين للاستناد إليهما، بعد انسحاب الولايات المتحدة وعدم التزام الأوروبيين، وتفعيل إيران سابقا لآلية حل النزاع؟

وأردف أن الأوروبيين، في حال فشل المفاوضات الحالية بين إيران والولايات المتحدة، قد يستخدمون الضغط داخل الأمم المتحدة لإعادة فرض العقوبات الأممية التي كانت بموجب الفصل السابع. هذا السيناريو قد يعود بالمشهد إلى مرحلة ما قبل الاتفاق النووي.

وتابع مشيرا إلى تحذير عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني السابق، في نوفمبر/تشرين الثاني  2024، من أنه إذا لم يُتوصل إلى اتفاق جديد قبل الموعد النهائي، فقد تلجأ الدول الأوروبية لتفعيل آلية الزناد، الأمر الذي قد يدفع إيران نحو تطوير السلاح النووي.

ما القادم؟

اختتم الموقع تحليله بتأكيد نقطتين واضحتين: الأولى، أنه في حال فعّلت أوروبا آلية الزناد، فإن إيران قد ترفع تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 90%. والثانية، أن التوصل لاتفاق مستقر مع واشنطن قبل انتهاء أجل الاتفاق الحالي، قد يمنع الأوروبيين من اتخاذ هذا القرار الخطير.

وتابع أن الاتفاق النووي لم يتبق في “خزينته” سوى رصاصة واحدة، وإذا سحبت أوروبا الزناد، فقد تكون هذه رصاصة “روليت روسي” موجهة إلى رأسها.

كلمات مفتاحية: