“زاد إيران” يحاور الأكاديمي مسعود أسد اللهي: هل أصبح حزب الله ضعيفا بالفعل؟

حوار: مصطفى أفضل زادة/مراسل “زاد إيران” في طهران

ترجمة: علي زين العابدين برهام

في خضم المعارك الإعلامية والسياسية التي تشهدها المنطقة، تبرز محاولات متكررة لتصوير محور المقاومة على أنه مجرد أدوات تنفيذية تخضع بالكامل لإرادة إيران، والترويج بأنه قد ضعف، خاصةً بعد اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله والأحداث المتلاحقة.

أجرى موقع زاد إيران حوارا مع مسعود أسد اللهي، الأكاديمي والخبير في قضايا جنوب غربي آسيا، لمناقشة هذه المحاور، وفي ما يلي نص الحوار:  


في ضوء الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على لبنان وعمليات الاغتيال التي نُفذت، ما الأهداف الكامنة وراء هذه العمليات، وما الرسائل التي تسعى إسرائيل لإيصالها؟

على مدار الأشهر الستة الماضية، ولا سيما منذ أن حوّل الاحتلال الإسرائيلي تركيز عملياته العسكرية من غزة إلى لبنان، شهدنا موجة من اغتيالات قادة حزب الله. بعد تنفيذ تلك الاغتيالات، توصل الإسرائيليون إلى استنتاج مفاده أن البنية القتالية لحزب الله قد تفككت، وأن الهيكل العسكري للحزب انهار، بعد استشهاد كبار القادة من الصفين الأول والثاني. 

وبناء على هذا التصور، ظنّوا أن الساحة خلت من أي قيادة قادرة على إدارة وتوجيه المقاتلين، ومن هنا رأوا أن الفرصة أصبحت مواتية لبدء عملية برية والدخول إلى الأراضي اللبنانية.

ولذلك، شنت إسرائيل حربا برية مدمرة استمرت لمدة 66 يوما. لم تقتصر آثارها على الجانب البري، بل كانت الغارات الجوية أيضا شديدة التدمير، خصوصا في المناطق ذات الكثافة الشيعية، ولم تقتصر على جنوب لبنان فحسب، بل طالت معظم أنحاء البلاد.

لا أحد ينكر القدرات التدميرية للجيش الإسرائيلي، فهو جيش يتمتع بقوة تدميرية ووحشية كبيرة، لكن ما اتضح خلال تلك الحرب البرية هو أن حسابات القادة وصنّاع القرار الإسرائيليين كانت خاطئة تماما. فقد اعتقدوا أن البنية القتالية لحزب الله قد دُمرت، لكن على أرض الواقع، ورغم كل محاولات الجيش الإسرائيلي للتوغل البري، لم ينجحوا في تحقيق أهدافهم.

كل ما استطاعوا فعله هو التوغل في شريط حدودي ضيق داخل الأراضي اللبنانية، بعمق لا يتجاوز كيلومترا إلى ثلاثة كيلومترات، وتكبدوا خلال ذلك خسائر فادحة. وفي النهاية، كانت إسرائيل هي من اضطرت إلى طرح مبادرة لوقف إطلاق النار مع حزب الله، وهو ما عكس فشلها الكامل في العملية البرية.

صحيحٌ أن حزب الله فقد عددا كبيرا من الشهداء خلال هذه الحرب، لكنه أبدى مقاومة صلبة حالت دون تحقيق الجيش الإسرائيلي لأي نتائج تُذكر. وبعد ذلك، تم القبول رسميا بوقف إطلاق النار. غير أن نتنياهو وجد نفسه في وضع لا يسمح له بتنفيذ وقف كامل لإطلاق النار، سواء في غزة أو لبنان، لأن ذلك يعني نهاية الحرب.

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تزايدت الانتقادات لأداء نتنياهو إلى درجة أن أي وقف لإطلاق النار قد يفتح أمامه ملفات قضائية جديدة، إلى جانب القضايا السابقة التي تلاحقه. لذلك، ومن أجل الحفاظ على مصالحه الشخصية، يحاول نتنياهو الاستمرار في الحرب لكن بشكل مختلف، من خلال سياسة الاغتيالات بدلا من العمليات المباشرة.

نرى اليوم أن الاحتلال الإسرائيلي عاد مجددا إلى تنفيذ الاغتيالات، ليس فقط ضد قادة حزب الله، بل حتى ضد المقاتلين العاديين، وعند اغتيال أحدهم يعلنون أنه قائد في حزب الله بهدف إبقاء الأجواء الحربية قائمة، واستخدامها كذريعة لممارسة الضغط على حزب الله وحماس، لدفعهم إلى قبول شروط وقف إطلاق نار مجحفة يفرضها الاحتلال الإسرائيلي.

يُقال إن البنية التحتية لحزب الله دُمّرت بالكامل وإن قادته قد استُشهدوا، فهل يعني ذلك أن الحزب لم يعد قادرا على استعادة قوته؟ وكيف تُقيّم وضع حزب الله الحالي في لبنان؟

مثل هذه الادعاءات يكرّرها الإسرائيليون كثيرا. ومؤخرا رأينا شيئا مشابها بعد الهجمات الواسعة التي شنتها القوات الأمريكية على أنصار الله في اليمن، حيث زعمت الولايات المتحدة أنها اغتالت عددا كبيرا من القادة من الصف الأول ودمرت البنية التحتية للجماعة. وخلال الأسبوعين أو الثلاثة أسابيع الماضية، بالغوا كثيرا في الترويج لذلك.

لكن قبل أيام قليلة، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، بعد إجراء تقييمات دقيقة، أن تلك الهجمات لم تُحدث تأثيرا يُذكر. والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة أنفقت ثلاثة مليارات دولار خلال أسبوعين فقط لشن هذه الهجمات على اليمن.

الادعاءات الغربية، خاصة من إسرائيل والولايات المتحدة، حول تدمير كامل لبنية حزب الله مبالغ فيها وتندرج ضمن الحرب النفسية، سواء للاستهلاك الداخلي أو للتأثير على معنويات اللبنانيين. 

إسرائيل ركزت دائما على نزع سلاح حزب الله جنوب نهر الليطاني، الذي يشكل منطقة حساسة قريبة من الحدود، لكن الحزب لا يزال يحتفظ بقوته خاصة شمال الليطاني، بحسب تقارير حتى من داخل إسرائيل.

بعض مواقع الجنوب تم تسليمها طوعا للجيش اللبناني لتفويت الفرصة على إسرائيل. أما امتناع حزب الله عن استخدام قدراته الصاروخية والمسيّرة حاليا، فيعود إلى الضغوط السياسية الداخلية. 

تجربة وقف إطلاق النار بعد الحرب أظهرت أن إسرائيل لا تلتزم بأي اتفاق، وقد اضطرت للانسحاب بفعل ضغط شعبي. حزب الله اليوم يستخدم هذا الواقع لإثبات أن الدبلوماسية وحدها لا تنجح، ولا يزال يحتفظ بقدراته لوقت الحاجة.

كيف تقيّم الوضع الحالي لحزب الله في لبنان؟ وهل تمكّن هذا التنظيم من استعادة نفسه وتنظيم صفوفه من جديد بعد الضربات التي تعرّض لها؟

وضع حزب الله في لبنان حاليا يُعد مستقرا ومنظما، وقد تمكن من استعادة توازنه بعد الضربات التي تلقاها. وفقا لما صرّح به نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله، فإن الحزب دخل في حالة من الصدمة والارتباك عقب استشهاد شخصيات بارزة كالسيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي ‌الدین، لكنه استطاع خلال عشرة أيام فقط أن يُعيد تفعيل نظامه القيادي ويُقاوم لمدّة 66 يوما في مواجهة الهجمات البرية والغارات الجوية.

الحزب نفسه أعلن صراحة أنه استعاد قدراته التنظيمية والعملياتية، وهذا ما أكدته أيضا مصادر إسرائيلية، مشيرة إلى أن حزب الله عاد إلى حالة من الاستقرار التنظيمي. كما أن الوضع في لبنان من الناحية اللوجستية والتنظيمية يُعد أفضل من غزة، التي رغم كل شيء استطاعت حماس فيها تجنيد آلاف المقاتلين الجدد.

ورغم أن حزب الله يلتزم حاليا بالهدوء استجابة لمطالب حلفائه ومراعاة للظروف الداخلية اللبنانية، إلا أنه احتفظ بجهوزيته الكاملة، وينتظر نتائج المسارات الدبلوماسية قبل اتخاذ خطوات جديدة.

هل تمكّن حزب الله من تعويض الفراغ الناتج عن اغتيال حسن نصر الله؟ وهل من الممكن أساسا ملء مثل هذا الفراغ؟

بين العلماء حديث مروي يفيد أنه عندما يرحل عالمٌ -عالمٌ بالمعنى الحقيقي للكلمة، أي إنسانٌ عالمٌ وفقيه- أو يُستشهد، تحدث ضربة ويظهر فراغ لا يمكن ملؤهُ أبدا. قد يبرز شخصياتٌ عظيمة أخرى، لكن ذلك الشخص كان يمتلك خصائص فريدة لا يمكن تكرارها.  

إذا أردنا الادعاء بأن هذا الفراغ قد تم ملؤه بسهولة، فسيكون ذلك ادعاء مبالغا فيه، وأستبعد أن يكون أحدٌ قد قال بذلك. شخصية مثل السيد حسن نصر الله تشكلت على مدى أكثر من أربعين عاما، نضجت في خضم الأحداث، ووصلت إلى مكانة من الكاريزما والشرعية والقبول تجاوزت مجرد الولاء؛ بل كانت هناك محبة وتعلق صادقان، ليس فقط بين الشيعة، بل لدى كثيرين في لبنان.  

هذا الوضع لا يمكن تعويضه بقرار تنظيمي. فمجرد أن يُستشهد ويأتي شخص آخر ليشغل هذا الموقع، ليس بالأمر السهل أبدا. مثل هذا الشخص يحتاج إلى وقت ليصل إلى ذلك المستوى من الكاريزما الشخصية.  

نتيجة لذلك، لا يزال هذا الفراغ قائما، ويحتاج إلى وقتٍ لعلّه يُعوَّض ولو جزئيا، وليس كليا. أؤكد مرة أخرى، لا أظن أن أحدًا يدعي أن هذا الفراغ قد تم سده بقرار تنظيمي أو إداري. بالتأكيد، الأمر يحتاج إلى وقت وظروف استثنائية.

هل سبق لحزب الله اللبناني أن تعرض لضربات بهذا المستوى؟ والآن بعد حدوث ذلك، ما كانت النتيجة بالنسبة للحزب في كل مرة يتعرض فيها لضربة؟  

حزب الله واجه على مدى 40 عاما أصعب التحديات، بدءا من مرحلة التأسيس السرية الهشة، مرورا باستشهاد قياداته مثل الموسوي، وحروب مدمرة كحرب 2006 والأزمة السورية. 

رغم الخسائر الفادحة في الحرب الحالية (بما فيها استشهاد مدنيين)، إلا أن الحزب أظهر مرونة غير مسبوقة في إعادة تنظيم نفسه خلال أيام. الدعم الشعبي الواسع – كما ظهر في تشييع مهيب غير مسبوق – يؤكد متانة قاعدته الشعبية. 

الضربات القاسية لم تقضِ على الحزب، بل زادته صلابة بسبب جذوره العميقة في الوجدان الشعبي، مما يجعله قادرا على الخروج من الأزمات أقوى مما كان.

إلى أي مدى، صحيح ما يُقال عن وجود خلافات بين حزب الله وإيران في خضم التطورات الأخيرة؟

هذه الادعاءات تمثل جزءا من حرب نفسية ممنهجة يشنها الخصوم لترويج سردية انتصارات وهمية. فبعد فشلهم العسكري في مواجهة محور المقاومة، يحاولون تصدير صورة انقسامات داخلية بين حزب الله وإيران، أو بين أجنحة الحزب نفسه.

هذه اللعبة الإعلامية المكشوفة تكرر نفس السيناريو الفاشل الذي شهدناه في غزة، حيث باءت محاولاتهم لتفكيك المقاومة الفلسطينية بالفشل الذريع.

لو كانت هذه الادعاءات صحيحة، لأظهرتها الوقائع خلال 18 شهرا من معركة “طوفان الأقصى”، وخاصة في ذروة التصعيد الأخير. الحقيقة الثابتة أن المعارضة الداخلية لحزب الله تظل هامشية وغير مؤثرة، متمثلة فقط في بعض الأصوات المنفردة التي تتبنى الخطاب الغربي، والتي يطلق عليها في لبنان “شيعة السفارة” لارتباطها الواضح بالأجندات الخارجية.

التاريخ يشهد على متانة التحالف الاستراتيجي بين حزب الله وإيران، الذي صمد أمام أعتى التحديات. اليوم، يقف محور المقاومة أكثر تماسكا من أي وقت مضى، حيث تثبت التحركات الميدانية والتنسيق العسكري المستمر عمق هذه العلاقات التي لا تخضع لتقلبات الظروف. 

في الختام، هذه الإشاعات ليست سوى محاولات يائسة لتشويه صورة المقاومة، وهي تتهاوى أمام الحقائق الثابتة على الأرض. الحكمة تكمن في قراءة المشهد بموضوعية، والتمييز بين الضجيج الإعلامي الزائف ووقائع المعادلات الاستراتيجية الراسخة.

إلى أي حد يمكن اعتبار حزب الله ذراعا استراتيجية لإيران في المنطقة؟ وما الأهداف الحقيقية وراء الحملة  الدائمة لتصويره قوة نيابية لإيران؟

أولا: طبيعة العلاقة بين إيران ومحور المقاومة 

لا يمكن وصف حزب الله أو غيره من فصائل المقاومة بأنها “قوات نيابية” لإيران، فهذا المصطلح يتناقض مع الوقائع التاريخية. نشأة هذه الحركات جاءت استجابة لتحديات وجودية وطنية، حيث تشكل حزب الله ردا على الاحتلال الإسرائيلي للبنان عام 1982، بينما تعود جذور المقاومة الفلسطينية إلى ما قبل الثورة الإيرانية بثلاثة عقود.

ثانيا: آليات الدعم وحدود التأثير 

تقدم إيران دعما عسكريا وسياسيا لهذه الفصائل بناء على طلبها، لكن القرارات الاستراتيجية تتخذ بشكل مستقل. العلاقة تقوم على التنسيق الطوعي وليس التبعية، حيث تحتفظ كل حركة بحق تقييم الموقف واتخاذ القرار المناسب لمصالحها الوطنية.

ثالثا: مقارنة مع النموذج الغربي 

في حين تعتمد الأحلاف الغربية مثل الناتو على التزامات تعاقدية ملزمة، فإن تحالف المقاومة يقوم على التقاء الإرادات، فتدخل حزب الله في دعم حماس خلال “طوفان الأقصى” كان خيارا ذاتيا نابعا من قناعاته، وليس تنفيذا لأوامر خارجية.

رابعاً: دوافع الحملة الإعلامية الغربية 

تهدف هذه الحملة إلى:

– نزع الشرعية عن المقاومة بتصويرها كأدوات خارجية

– طمس الطابع الوطني التحرري لهذه الحركات

– تبرير سياسة المواجهة مع إيران تحت ذريعة “مواجهة النفوذ”

ما يثير السخرية أن نفس الدول التي تتهم إيران باستخدام “وكلاء” تمول عشرات الميليشيات في المنطقة، لكن الفارق أن مقاتلي المقاومة يؤمنون بقضيتهم، بينما المقاتلون المأجورون ينهزمون عند أول اختبار حقيقي.

كلمات مفتاحية: