“تقدم غير حاسم في محادثات معقدة”.. جولة خامسة من المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن في روما

في قلب العاصمة الإيطالية روما، عادت إيران والولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات غير المباشرة يوم الجمعة 23 مايو/أيار 2025، في جولتهما الخامسة بشأن البرنامج النووي الإيراني بوساطة عُمانية، ووسط توترات متصاعدة وخطوط حمراء متعارضة، جرت المحادثات في محاولة لإنقاذ ما تبقى من آمال إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، أو التوصل إلى اتفاق جديد، لكن النتيجة.

وانتهت الجولة الخامسة من المفاوضات الإيرانية-الأمريكية في روما بعد 3 ساعات على انطلاقها، وفق مسؤول أمريكي، في حين أكدت الخارجية الإيرانية أن المفاوضات جرت ضمن أجواء مهنية، وقال قائد فريق التفاوض الإيراني عباس عراقجي: “يمكنني أن أقول إنها كانت من أكثر الجولات التفاوضية مهنية حتى الآن، وقد عبّرنا مرة أخرى عن مواقف ومبادئ إيران بشأن المفاوضات”، وأضاف: “أعتقد أن هناك الآن فهما أفضل وأكثر وضوحا لمواقفنا لدى الطرف الأمريكي”.

كما أعلن وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، أنه كان هناك “تقدم غير حاسم”، يعكس تعقيدات الخلافات العميقة بين طهران وواشنطن، وأضاف: “نأمل توضيح القضايا المتبقية في الأيام المقبلة، بما يسمح لنا بالمضي قدما نحو الهدف المشترك المتمثل في التوصل إلى اتفاق مستدام”.

من مسقط إلى روما.. “رحلة المفاوضات الشائكة”

بدأت الجولة الأولى من المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن في 12 أبريل/نيسان 2025 في مسقط، بوساطة عمانية، في محاولة لتجاوز الجمود الذي أعقب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018 بقرار من الرئيس ترامب وجاءت الجولة الخامسة في روما بعد أربع جولات سابقة لم تحقق اختراقا كبيرا، حيث تتصادم رؤى الطرفين حول تخصيب اليورانيوم وحق إيران في برنامج نووي مدني ومع اقتراب اجتماع مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية في يونيو/حزيران 2025.

كثّفت جميع الأطراف جهودها للتوصل لاتفاق نووي جديد وسط ضغوط دولية متزايدة، ورفض إسرائيلي، وأكد مسؤول أمريكي لـ”سي إن إن”، أن المحادثات الأخيرة في روما “لا تزال بناءة، وقد أحرزنا المزيد من التقدم، ولكن لا يزال هناك عمل يتعين القيام به وقد اتفق الجانبان على الاجتماع مرة أخرى في المستقبل القريب”.

“صفر تخصيب” مقابل الحق النووي

قبل انطلاق الجولة الأخيرة، أوضح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي موقف طهران، مؤكدا أن “التوصل إلى اتفاق ليس معادلة معقدة”، لكنه اشترط أن يقتصر الهدف على منع إيران من امتلاك أسلحة نووية، وليس وقف تخصيب اليورانيوم، الذي تعتبره إيران “حقا غير قابل للتفاوض”، وفي منشور على منصة “إكس”، قال عراقجي: “إذا كان الهدف عدم امتلاك إيران أسلحة نووية، فالاتفاق ممكن، أما إذا كان منع التخصيب، فلن يكون هناك اتفاق”.

على الجانب الآخر، أصر المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف على سياسة “صفر تخصيب”، معتبرا أن أي قدرة تخصيب تشكل تهديدا، وطالب بتفكيك منشآت التخصيب وأجهزة الطرد المركزي.. هذا الموقف رفضته إيران بشدة، معتبرة أنه ينتهك الاتفاق النووي لعام 2015، الذي سمح لها بتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67% لأغراض مدنية.

محادثات معقدة في روما 

انطلقت الجولة الخامسة في روما بمشاركة وفد إيراني برئاسة عباس عراقجي، ووفد أمريكي بقيادة مبعوث ترامب للشرق الأوسط. وصفت المحادثات بأنها “معقدة جدا”، حيث أشار عراقجي في تصريح للتلفزيون الإيراني إلى أنها “لا يمكن إنجازها في اجتماعين أو ثلاثة”. 

رغم ذلك، أكد أن التواصل مع الجانب الأمريكي كان “مهنيا جدا”، أعلن وزير خارجية سلطنة عمان بدر البوسعيدي، على منصة “إكس”، أن الجولة حققت “بعض التقدم من دون أن يكون حاسما”، معربا عن أمله في توضيح “القضايا العالقة” قريبا وتشمل هذه القضايا رفع العقوبات الأمريكية، ضمانات بعدم انسحاب واشنطن من أي اتفاق مستقبلي، ومستوى التخصيب المسموح به.

وعن الدور العُماني، أشار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إلى أن وزير الخارجية بدر البوسعيدي، “بذل في هذه الجولة جهودا لطرح حلول لإزالة العقبات، ولتحقيق تقدم.. تمّت مناقشة أفكار مختلفة.. وطرح بعض الأفكار، وتم الاتفاق على أن يجري الجانبان دراسات فنية أعمق بشأن هذه الأفكار”، وختم عراقجي حديثه، قائلا: “نحن عازمون على دراسة هذه الحلول والمقترحات الجديدة التي قد تكون، على الأرجح، مفيدة ومن المقرر أن يقدّم الطرفان وجهات نظرهما بشأن هذه المقترحات والحلول”.

3 عقبات أمام الاتفاق النووي 

تتمحور الخلافات حول ثلاث قضايا رئيسية:

  • تخصيب اليورانيوم: إيران تتمسك بحقها في التخصيب لأغراض مدنية، بينما تطالب الولايات المتحدة بوقفه تماما، تقارير غربية تشير إلى أن إيران تخصب اليورانيوم حاليا بنسبة 60%، وهي أعلى من الحد المتفق عليه عام 2015، لكنها دون العتبة العسكرية (90%).
  • رفع العقوبات: تطالب إيران برفع العقوبات الأمريكية بشكل كامل، بينما تقترح واشنطن تخفيفا محدودا مقابل تجميد البرنامج النووي.
  • الضمانات: تسعى إيران للحصول على ضمانات بأن الولايات المتحدة لن تنسحب من الاتفاق مرة أخرى، وهو ما ترفضه واشنطن، معتبرة أن مثل هذه الضمانات غير عملية.

بين التشاؤم والأمل الضعيف

أعرب المرشد الإيراني علي خامنئي، عن تشاؤمه تجاه المفاوضات، واصفا المطالب الأمريكية بـ”المبالغ فيها وغير المقبولة”، وحذر من أن إيران لن تتخلى عن برنامجها النووي، في المقابل، قال الرئيس الأمريكي ترامب إن التوصل إلى اتفاق “قريب جدا”، لكنه هدد بأن “أمرا سيئا قد يحدث” إذا تباطأت طهران.

كما حذر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، من أن إيران “ليست بعيدة” عن امتلاك قدرات نووية عسكرية، مما يزيد الضغط على الأطراف. وعلى صعيد آخر أثارت تهديدات إيران عبر وزير خارجيتها عباس عراقجي، بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي قلقا دوليا، خاصة مع احتمال تفعيل “آلية الزناد” لإعادة فرض العقوبات الأممية.

وتعد هذه المحادثات التواصل الأرفع مستوى بين البلدين منذ الاتفاق الدولي المبرم مع طهران في العام 2015 حول برنامجها النووي والذي انسحبت منه الولايات المتحدة في الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب (2017-2021) في العام 2018.

إطار لاتفاق جديد

وبعد انتهاء الجولة الخامسة من المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في روما، أفادت عدة مصادر مطلعة لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أنه “على الرغم من أن هناك تفاصيل مهمة لا تزال بحاجة إلى التفاوض، فإن إيران والولايات المتحدة تنويان تحديد معالم اتفاق جديد بشأن البرنامج النووي لطهران”.

وفي هذا الصدد، كتبت الصحيفة الأمريكية، نقلا عن مصادر مطلعة: “إن الجهود المبذولة للتوصل إلى إطار سياسي بشأن البرنامج النووي الإيراني تذكرنا، في بعض النواحي، بالاتفاق المؤقت لعام 2013 الذي سبق الاتفاق النووي لعام 2015 بين إيران وإدارة أوباما”، حيث أدى الاتفاق الذي تم التوصل إليه عام 2013 إلى تخفيف بعض العقوبات على إيران واتخاذ خطوات للحد من برنامجها النووي.

وتابعت الصحيفة في تقريرها: “إن مفتاح الوصول إلى التفاهم هو الإثراء، وبدون الاتفاق على التخصيب الصفري أو المحدود، فمن غير الممكن ببساطة العمل على تفاصيل الاتفاق، وهذا لن يؤدي إلا إلى تكرار الخلافات السياسية حول هذه القضية”.

طريق مسدود أم بارقة أمل؟

لم تحقق الجولة الخامسة في روما اختراقا يذكر، لكنها أبقت قنوات الحوار مفتوحة، ويرى محللون أن استمرار المفاوضات بحد ذاته إشارة إيجابية.

لكن الخلافات حول التخصيب والعقوبات تبقي الاتفاق بعيد المنال، مع اقتراب اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، يبقى مصير البرنامج النووي الإيراني معلقا بين الدبلوماسية والتصعيد.