مسلسل “العاصمة”.. رواية عن أسرة إيرانية في مرآة المجتمع

كتبت: سارا حسني زادة

عاد مسلسل “العاصمة”، أحد أهم وأوسع الإنتاجات التلفزيونية الإيرانية جماهيرية خلال العقدين الأخيرين، إلى شاشة التلفزيون في مارس/آذار 2025 بالجزء السابع، واستطاع مرة أخرى أن يجذب ملايين المشاهدين ويثبت مكانته كظاهرة استثنائية في المشهد الإعلامي الإيراني.

وقد بدأ عرض هذا المسلسل منذ عام 2010، حيث يروي حياة أسرة تُدعى “معمولي” تعيش في مدينة صغيرة شمال إيران، ليصبح تدريجيا واحدا من أهم المرايا الثقافية والاجتماعية التي تعكس واقع المجتمع الإيراني.

أسرة عادية في خضم مغامرات غير عادية

في الجزء السابع الذي أُنجز بإخراج “سيروس مقدم” وبطولة “محسن تنابنده”، عاد المسلسل ليقدم للمشاهدين مغامرات جديدة ذات طابع سريالي أحيانا، تدور في سياق مواقف مألوفة.

وتبدأ القصة مع اقتراب “سارا” و”نيكا”، التوأمتين في الأسرة، من الزواج، غير أن والدهما “نقي معمولي”، المعروف بشخصيته الصارمة وأحيانا الوسواسية، يفرض شروطا معقدة لإتمام زواجهما.

وفي خضم هذه الأحداث، تأخذ الأحداث منعطفا رمزيا، عندما يسقط نيزك في منزل العائلة، ويتآمر “أرسطو”، ابن عم وصديق الأسرة القديم الذي تزوج حديثا، مع “رحمت” لإخفاء هذا الحجر والبحث عن وسيلة لبيعه، يتناول هذا المسار السردي بطابعه الساخر المرير ولهجته الواقعية قضايا الطمع والكذب والإخفاء داخل بنية الأسرة.

المكان، الشخصية الصامتة للمسلسل

كما في الفصول السابقة، صُوِّر المسلسل أساسا في منطقة شيركاه الواقعة في محافظة مازندران شمال إيران، وقد أسهمت هذه المنطقة بطبيعتها الخضراء وجبالها وعمارتها الريفية، ليس فقط كخلفية للأحداث بل كجزء لا يتجزأ من الهوية البصرية والدلالية للمسلسل. 

كما صُوِّر جزء من هذا الجزء في مدينة مشهد، إحدى أبرز الوجهات الدينية في إيران، وقد لقي ذلك ترحيبا كبيرا من المشاهدين.

التأثير الثقافي.. من خلو الشوارع إلى ارتفاع الطلب على السفر

يُعد من المؤشرات القابلة للقياس حول تأثير مسلسل “العاصمة” في الحياة اليومية للإيرانيين، الإحصاءات التي نُشرت بشأنه، فقد تزامن عرض بعض حلقات الجزء السابع مع انخفاض ملحوظ في حركة المرور بشوارع طهران. 

وأشار محسن تنابندة، الذي يؤدي دور “نقي”، إلى هذه الظاهرة عبر نشره صورة لخريطة حركة المرور من تطبيق “جوجل مابس” خلال ساعات بث المسلسل، وتناول الإعلام المحلي الأمر بسخرية قائلا: “إذا أردتم التنقل في طهران، وقت عرض مسلسل العاصمة فهو أفضل فرصة!”.

في الحلقة الأخيرة من الجزء السابع، أدت مشاهد مؤثرة من زيارة “حرم الإمام الرضا” بمدينة مشهد إلى موجة من البحث عبر الإنترنت، ووفق بيانات “جوجل ترندز”، تصاعد البحث عن كلمة “تذكرة مشهد” بشكل غير مسبوق، وقد كتب العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي أنهم شعروا بحافز جديد للسفر للزيارة بعد مشاهدة تلك الحلقة.

ارتفع هذا الطلب بشكل خاص، بسبب المشاهد المؤثرة والجمالية لزيارة الحرم الطاهر للإمام الرضا في تلك الحلقة، مما أثر بعمق في مشاعر المشاهدين، وقد أظهر هذا الارتفاع المفاجئ في البحث عن تذاكر مشهد مدى شغف الناس بالسفر إلى هذه المدينة المقدسة وزيارة الإمام الرضا. 

وتداول كثير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي هذه الظاهرة، مؤكدين أنهم اكتسبوا دافعا أكبر للسفر إلى مشهد بعد متابعة الحلقة.

يبدو أن التأثيرات الثقافية والإعلامية تلعب دورا قويا في توجيه قرارات السفر لدى الناس، ويمكن لمسلسلات مثل “العاصمة” أن تساهم بفاعلية في تشجيع المواطنين على زيارة المواقع الدينية والتاريخية، ومع استمرار هذا التوجه، من المتوقع أن تشهد مدينة مشهد خلال الأيام المقبلة زيادة ملحوظة في أعداد الزوار.

الكوميديا الجادة

على الرغم من أن مسلسل “العاصمة” يُصنف رسميا كمسلسل كوميدي عائلي، فإنه دائما ما يتجاوز حدود النكات السطحية، فالكوميديا في هذا العمل لا تستند إلى الصور النمطية، بل تنبثق من العلاقات الحقيقية، والصراعات العاطفية، واختلافات الآراء، والأزمات العائلية.

وقد تحدث سيروس مقدم، مخرج هذا المسلسل، عن سر نجاحه قائلا: “لقد عرضنا أشخاصا عاديين، بعلاقات صحية، مفهومة، وصادقة، وهذا الصدق في البناء والسرد هو السبب الرئيسي في تفاعل الجمهور مع (العاصمة)”.

رحلة عشر سنوات في قلب المجتمع الإيراني

بدأ مسلسل “العاصمة” في عام 2010 مع هجرة أسرة “نقي معمولي” من قرية علي آباد إلى طهران، ومنذ ذلك الحين، تابع الجمهور الإيراني قصة عائلة انتقلت من شمال إيران إلى قشم، ومن ثم إلى سوريا وتركيا، لتعود إلى منزلها مجددا. 

هذه الرحلات، التي كانت أحيانا مغامرات كوميدية وأحيانا محتوى سياسيا واجتماعيا، كانت في الواقع مرآة للتحديات، والطموحات، والهوية الوطنية للإيرانيين في العقد الماضي.

تمكن الجزء السابع من “العاصمة” من تحطيم الرقم القياسي لعدد المشاهدات لأول سبع حلقات عبر الإنترنت، ليؤكد مجددا أنه لا يزال يحتفظ بمكانته الخاصة في قلوب المشاهدين، وعلى الرغم من أنه لا يزال غير واضح ما إذا كان سيتم إنتاج جزء ثامن أم لا، فإنه حتى وإن كانت هذه هي النهاية، فقد رسخ “العاصمة” مكانة دائمة في الذاكرة الثقافية للإيرانيين.

وبالنسبة للمشاهد الذي ينظر من بعيد إلى المجتمع الإيراني، فـ”العاصمة” ليس مجرد مسلسل عائلي، بل هو وثائقي حي عن التغيرات الاجتماعية، وعلم نفس الأجيال، وتأثير الإعلام على الثقافة الشعبية، وقوة السرد الشعبي في بلد معقد ومتعدد الطبقات. 

وهذه السلسلة، كما يوضح اسمها، لا تتعلق فقط بأسرة في “العاصمة”، بل بعاصمة ثقافية في عقول الناس.