ما خطورة الوكالة الإسرائيلية للتعاون الإنمائي الدولي (IDA) في أذربيجان على الأمن القومي الإيراني؟

كتب: ربيع السعدني 

تتزايد المخاوف الإيرانية بشأن الوجود الإسرائيلي المكثف في منطقة جنوب القوقاز، خاصة في جمهورية أذربيجان الحدودية مع إيران.

يسعى النظام الإسرائيلي الذي يتعرض لانتقادات عالمية بسبب مذبحته ضد الفلسطينيين في غزة، بكل طاقته وأمواله، إلى تقديم صورة إيجابية عن نفسه من خلال أنشطة تنموية للدول الفقيرة، ولتحقيق هذا الهدف أسست إسرائيل مؤسسة “ماشاف”، وهي الوكالة الإسرائيلية للتعاون الإنمائي الدولي، لتصبح إحدى أكثر الوكالات التنموية الدولية تأثيرا في القارة الأفريقية ودول جنوب القوقاز.

في الظاهر تعد وكالة التعاون الإنمائي (IDA) مؤسسة تابعة لمجموعة البنك الدولي تأسست عام 1958 بهدف تقديم المساعدات المالية والفنية للدول النامية ذات الدخل المنخفض، وتوفر قروضا ميسرة بدون فوائد أو بفوائد منخفضة جدًا، ومنحًا لتمويل مشاريع التنمية في مجالات التعليم، الصحة، البنية التحتية، والزراعة، للحد من الفقر وتعزيز التنمية المستدامة.

الذراع الخبيثة

وفي حقيقة الأمر تعد (ماشاف) إحدى الأذرع الخبيثة للنظام الإسرائيلي للسيطرة على دول القوقاز وإضعاف الدول الأفريقية الفقيرة وسرقة الماس، ولكن ما مدى خطورة ذلك على طهران؟

تتمتع أذربيجان بأهمية حيوية بالنسبة لإسرائيل بسبب حدودها مع إيران، وتوفيرها لنحو 40% من احتياجات إسرائيل من النفط، وموقعها الاستراتيجي في منطقة جنوب القوقاز.

ولذلك، تسعى منذ  التسعينيات إلى تأمين مصالحها في هذه المناطق وداخل العالم الإسلامي عبر إعادة فتح سفارتها في باكو وإقامة علاقات دبلوماسية مع أذربيجان بعد أن مزقتها الحرب، وفي النهاية خلق تهديدات سياسية وعسكرية وأمنية ضد إيران.

بدأت الوكالة الإسرائيلية عملها في أذربيجان تحت ستار المساعدات الإنسانية والتنموية في أوائل التسعينيات بعد استقلالها، وكانت زيارة بنيامين نتنياهو إلى العاصمة الأذربيجانية باكو في عام 1997 وتوقيع اتفاقيات التعاون التنموي تتويجا لهذه الأنشطة.

خطوات إسرائيل في القوقاز

بعد التغيرات الحدودية والجغرافية في ظل حرب الـ44 يوما في سبتمبر/أيلول 2020 (المعروفة أيضا باسم حرب مرتفعات قرة باغ الثانية أو عملية القبضة الحديدية نزاع مسلح بين أذربيجان بدعم من تركيا، وجمهورية أرتساخ المدعومة من أرمينيا، أرتساخ نصبت نفسها في منطقة مرتفعات قرة باغ المُتنازع عليها مع أذربيجان والأراضي المحيطة).

تمكنت إسرائيل بلا شك، من اكتساب مساحة للتنفس في منطقة القوقاز وعلى طول حدود إيران، لدرجة أنه بالإضافة إلى استخدام المناطق الخاضعة للسيطرة الأذربيجانية لتنفيذ سلسلة من عمليات الاغتيال والتجسس والتخريب النووي وما إلى ذلك.

مشاريع إسرائيل في باكو

تسعى وكالة ماشاف إلى تحقيق أهدافها في أذربيجان من خلال عدة مشاريع مستهدفة:

  1. التعليم، بسبب تأثيره الطويل الأمد على عقلية الأجيال القادمة ونقل الثقافة، يعد أداة رئيسية للتأثير السياسي والثقافي الطويل الأمد وإضعاف الهوية الإسلامية عبر برامج ودورات تدريبية لمجموعة من طلاب جامعة باكو الحكومية حول موضوعات “الابتكار في الزراعة” و”التكنولوجيا والتنمية المستدامة” بهدف هندسة أفكار الشباب ومواءمتها مع المصالح الصهيونية.
  1. الزراعة، بسبب أهميتها الاقتصادية وإمكانية الوصول إلى الأراضي الحدودية مع إيران، منصة مثالية للتسلل والتجسس ومنظمة ماشاو مشروع لتدريب المزارعين في منطقة غنجة من خلال توفير معدات الري. 
  1. المشاريع الصحية في المناطق التي تعاني من نقص المرافق الطبية، تعد أداة فعالة لنشر المعلومات المضللة وتبرعت ماشاف بالمعدات الطبية لمستشفى شيكي المركزي. 
  1. التعاون الحكومي، عبر التسلل إلى المؤسسات الحكومية الوصول إلى معلومات حساسة والتأثير على عملية صنع السياسات من خلال ورش عمل تدريبية لموظفي جمارك باكو لتعزيز العلاقات مع المؤسسات الرئيسية، والتبرع بمعدات إلكترونية لوزارة الاقتصاد الأذربيجانية.
  1. العلاقات الاقتصادية، التي مهدت الطريق لهيمنة الشركات الإسرائيلية مثل شركة إلبيت سيستمز (للأسلحة) ونتافيم (للزراعة) على الأمن والاقتصاد في أذربيجان، وزادت حجم التجارة الثنائية من 1.2 مليار دولار عام 2016 إلى 1.8 مليار دولار في 2023. 

خداع الرأي العام

على الرغم من أن الحكومة الأذربيجانية مهتمة للغاية بالعلاقات مع إسرائيل وتروج للتطبيع معها، فإنه وفقا لاستطلاع أجرته CRRC، فإن 23% فقط من الأذربيجانيين يعتبرون العلاقات مع هذا النظام مهمة.

لذا فإن هذه الصورة السلبية تُظهر أهمية أنشطة “ماشاف” في أذربيجان لتبييض جرائم النظام وخداع شعب هذا البلد، وتهدف هذه الإجراءات إلى كسب ثقة الناس بالنظام الإجرامي وإضعاف الهوية الإسلامية للمنطقة.

التهديدات السياسية والأمنية

إن أنشطة ماشا وتأثيراتها على الحكومة والمجتمع الأذربيجاني سمحت للنظام الصهيوني باستخدام البلاد كقاعدة للتجسس ضد إيران، وتعتبر هذه الإجراءات جزءا من الاستراتيجية الإسرائيلية الشريرة للسيطرة على جنوب القوقاز وإضعاف الدول الإسلامية، وتجعل الحاجة إلى اليقظة والتحرك الحاسم من جانب إيران والحكومات الإقليمية الأخرى أكثر وضوحا من ذي قبل.

إن هذا النموذج غير المباشر، تحت غطاء “المساعدات”، يحصد الأصوات الدبلوماسية ويعزز موقعه الاستراتيجي من خلال مشاريع التنمية في الدول الفقيرة. 

إن الهدف الرئيسي من هذه الأنشطة هو في الواقع تأمين مصالح إسرائيل التي تعمل هذه الوكالة على توسيع النفوذ الاقتصادي الإسرائيلي وإغراق الدول النامية في فخ التبعية والفقر.