رغم مرور 9 سنوات على توقيع الاتفاق النووي مع إيران، إلا أن المشاكل المُترابطة مثل تشديد العقوبات، وزيادة طهران في أنشطة تخصيب اليورانيوم، والتوترات الإقليمية بين البلدين بعد انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاق في عام 2018، لا تزال قائمة وتُعقد إمكانية إعادة تنفيذ الاتفاق.
وتعرض الاتفاق النووي مع إيران لضربة قوية مع قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق من جانب واحد عام 2018 والتطورات اللاحقة وفق التقرير الذي نشرته “الأناضول” يوم الأحد 14 يوليو/تموز 2024.
تم التوقيع على الاتفاق النووي، الذي يُسمى خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، في 14 يوليو 2015، بين إيران والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (UNSC)، الولايات المتحدة، روسيا، الصين، إنجلترا، فرنسا، وألمانيا (5+1).
ودخل الاتفاق النووي، الذي تم بموجبه تنظيم ومراقبة أنشطة طهران النووية مقابل رفع العقوبات الدولية، حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 2016 بموافقة مجلس الأمن الدولي، وتم تحرير إيران جزئيا من العقوبات الدولية.
وخلال رئاسة دونالد ترامب، عندما انسحبت واشنطن بشكل أحادي من الاتفاق في 8 مايو 2018 وبدأت في إعادة فرض العقوبات على إيران، انتظرت إدارة طهران لمدة عام حتى تتخذ الدول الأوروبية خطوات لحماية الاتفاق النووي من العقوبات الأمريكية.
وبعد فشلها في الحصول على ما كانت تتوقعه من الدول الأوروبية، بدأت إيران بالتوقف تدريجياً عن جميع التزاماتها الناشئة عن اتفاق مناهضة العقوبات الأمريكية في 8 مايو 2019.
خطوات من جانب طهران
علقت إيران جميع التزاماتها في الاتفاق بعد مقتل سليماني، وبدأت إيران، التي بدأت تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية في 5 يناير/كانون الثاني 2020، كخطوة أولى بعد مقتل الجنرال قاسم سليماني في عهد ترامب، في تجاوز القيود في الاتفاق، مما أدى إلى الانهيار الفعلي للاتفاق.
وأصدرت إيران، التي بدأت زيادة أنشطتها النووية تدريجيا بعد هذا التاريخ، قانونا في البرلمان لتسريع الأنشطة النووية، خاصة بعد اغتيال عالم الفيزياء النووية الإيراني محسن فخري زاده في نوفمبر 2020.
ويلزم القانون، الذي أقره البرلمان رغم اعتراضات الحكومة التي يرأسها الرئيس الإيراني آنذاك حسن روحاني، وكالة الطاقة الذرية الإيرانية بالبدء في تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 بالمئة على الأقل وزيادة مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب.
وفي هذا السياق، تم تركيب أجهزة الطرد المركزي IR-2 وIR-4 وIR-6، التي يمكنها تخصيب اليورانيوم بشكل أسرع، في منشآت تخصيب اليورانيوم بدلاً من أجهزة الطرد المركزي IR-1 المسموح باستخدامها ضمن نطاق الاتفاق النووي.
وأعلنت وكالة الطاقة الذرية الإيرانية أنها، ضمن نطاق القانون المعني، قامت بتخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء 20 بالمئة في منشأة فوردو النووية في 5 يناير/كانون الثاني 2021، تحت إشراف مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وهذه المرة، أعلنت إيران في نيسان/أبريل 2021 أنها قامت بتخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء 60 بالمئة للمرة الأولى.
ويُعتبر تخصيب طهران لليورانيوم بنسب نقاء 20 و60 بالمئة خطوة جدية، لأن تخصيب اليورانيوم فوق 20 بالمئة يُعتبر خطوة مهمة للوصول إلى يورانيوم انشطاري بنسبة نقاء 90 بالمئة، مما يُتيح بالحصول على قنبلة نووية.
عملية إعادة التفاوض
الخطوات الحادة التي اتخذتها إيران في برنامجها النووي دفعت الولايات المتحدة، التي تشعر بالقلق إزاء أنشطة طهران النووية، إلى بدء مفاوضات غير مباشرة مع إيران من جديد.
وعُقدت المحادثات النووية، التي ناقشت ضمان التنفيذ الكامل للاتفاق النووي المُوقع مع إيران عام 2015 وعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق، في فيينا في أبريل 2021.
وظلت المفاوضات غير حاسمة بسبب التعنت بين واشنطن وطهران وتم تعليقها في سبتمبر 2021. إن تسريع إيران لأنشطة تخصيب اليورانيوم وزيادة التوترات في المنطقة جعل عملية العودة إلى الاتفاق صعبة.
وفي أحدث تقرير نشرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تُشرف على البرنامج النووي لطهران، في 27 مايو/أيار، حول البرنامج النووي لهذا البلد، ذكر أن طهران تواصل زيادة مخزونها من اليورانيوم المُخصب.
وأفادت التقارير أن إجمالي مخزون إيران من اليورانيوم المُخصب ارتفع إلى 6 آلاف و201 كيلوغرام حتى 11 مايو، بزيادة قدرها 675.8 كيلوغرام مقارنة بالتقرير قبل 3 أشهر.
وذكر التقرير أن إدارة طهران تواصل إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة، وأن إيران تمتلك مخزونا قدره 142.1 كيلوغراما من اليورانيوم المُخصب بنسبة نقاء 60 في المائة، وأنها زادت إنتاجها بأكثر من 20.6 كيلوغرام مقارنة بالتقرير السابق.
وباعتبار أن هذا الرقم كان 2.4 كيلوغرام في التقرير الذي نشرته الوكالة في مايو 2021، فمن الملاحظ أن طهران زادت مخزونها من اليورانيوم المُخصب بنسبة تصل إلى 60 في المئة بنسبة 59 مرة خلال 3 سنوات. كما زادت إيران مخزونها من اليورانيوم المُخصب بنسبة 20 في المائة، والذي أعلنت أنه يبلغ 62.8 كيلوغراما في عام 2021، إلى 751 كيلوغراما في 3 سنوات.
واليوم، أصبح الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه مع إيران في عام 2015 مختلاً إلى حد كبير. لقد تجاوزت إيران قيود الاتفاق بشكل كبير.
وفي هذه الحالة، وبينما تشعر الولايات المتحدة والدول الأوروبية الأطراف في الاتفاق بالقلق إزاء احتمال حصول إيران على أسلحة نووية، فإن الجهود الدبلوماسية لا تزال مستمرة. ومن ناحية أخرى، تؤكد إيران أن أنشطتها النووية سلمية وأنها ستُعيد برنامجها النووي إلى الامتثال للاتفاق إذا تم رفع العقوبات.
تُواصل إيران والولايات المتحدة المحادثات غير المباشرة عبر عمان، ويعد تنشيط الاتفاق واحتواء برنامج إيران النووي أمرًا بالغ الأهمية للاستقرار الإقليمي والعالمي، لكن القضايا المُترابطة مثل عدم الثقة وتصاعد التوترات بين الطرفين تزيد من تعقيد هذه العملية.
وبالنظر إلى أن مسعود بيزشكيان، الذي انتُخب رئيسًا لإيران، أكد على أهمية الاتفاق النووي والمفاوضات مع الغرب في حملته الانتخابية من أجل التغلب على المشاكل الكبرى في اقتصاد البلاد، فإن المبادرات الدبلوماسية المستقبلية قد تكون حاسمة فيما يتعلق بمستقبل الاتفاق أو ظهور اتفاق جديد.