يهود إيران يهاجمون إسرائيل بعد اغتيال هنية .. تاريخ الطائفة ونشاطها السياسي ودورها في المجتمع الإيراني

كتب-حسن قاسم

تفاعلت الطائفة اليهودية في إيران مع حادث اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية في طهران يوم الأربعاء 31 يوليو/ تموز 2024، وقال ممثل الطائفة اليهودية في البرلمان الإيراني “همايون سامه يح نجف آبادي” يوم الأحد 4 أغسطس/ آب 2024، إن: “الانتقام لاغتيال الشهيد إسماعيل هنية وانتهاك سيادة الأراضي الإيرانية هو حق للجمهورية الإسلامية الإيرانية وأمر ضروري”.

همايون سامه هاجم الاحتلال الإسرائيلي وقال: “شهدنا اغتيال أحد المجاهدين وقادة مقاومة الشعب الفلسطيني “حركة حماس” وانتهاك سيادة الأراضي الإيرانية”.

لا شك أن الجالية اليهودية الإيرانية تعتبر من أقدم الجاليات اليهودية في العالم، فقد تأسست في القرن الخامس قبل الميلاد. وتحتل إيران، المرتبة الثانية في تعداد اليهود بالشرق الأوسط بعد إسرائيل. فبعد الثورة الإسلامية في 1979، فضلت غالبية اليهود الإيرانيين البقاء، ورفضت الخروج من إيران.

فعلى الرغم من أنهم يقرون بأن هناك صلات وثيقة تربطهم بإسرائيل، إلا أنهم يعارضون سياسة الحكومة الإسرائيلية، مشددين على ارتياحهم للعيش في “بلدهم إيران” إلى جانب المسلمين.

في هذا التقرير، نرصد أهم المعلومات المتعلقة بالجالية اليهودية المقيمة في إيران، من خلال عدد من الأبعاد، كالبعد التاريخي، وأسباب تمسك اليهود الإيرانيين بإيران رغم الامتيازات التي أعلنت إسرائيل عن استعدادها لتقديمها لهم حال هجرتهم إليها وترك إيران، وكذلك أثر هذه الجالية على إيران واقتصادها وسياساتها.

لمحة تاريخية

يُعتبر اليهود الفرس من أقدم وأكبر الجاليات اليهودية المتواجدة في العالم، ويرجع تاريخهم في إيران إلى أكثر من 2500 سنة قبل الميلاد، وبالتحديد عقب استيلاء الملك نبوخذ نصر على القدس وسبي الآلاف منهم، ونفيهم وتشتيتهم في كافة ربوع الشرق الأوسط، إلا أن أغلبهم استوطن اليمن والعراق وإيران.

لقد استطاع اليهود التأقلم مع المجتمع الإيراني، الذي أطلق على مواطنيهم اسم “الطيالسة” نسبة إلى الرداء الأبيض الذي يرتدونه على رؤوسهم وأكتافهم، ويصل عددهم حاليًا إلى أكثر من تسعة آلاف شخص تقريبًا، إلا أن أحد ممثلي طائفة اليهود في إيران خلال رحلته إلى أمريكا عام 2021 قدر عددهم في إيران بعشرين ألف نسمة. يقيم معظمهم في مدن “طهران، شيراز، وأصفهان”، والباقيين موزعين على كافة أنحاء البلاد دون إجبارهم على البقاء في مناطق محددة، كما يحدث مع غيرهم من الأقليات.

اتسمت حياة اليهود في عهد الشاه الراحل محمد رضا، بالأمان والاستقرار، كما ربطتهم علاقة قوية بحاكمهم، حتى تجاوز عددهم 80 ألف شخص، وأسسوا العديد من الجمعيات الخيرية لمساعدة الفقراء من طائفتهم، التي ترأسها حبيب غاليان، أحد أكبر تجار إيران.

عقب قيام الثورة الإيرانية عام 1979م والإطاحة بـ “النظام البهلوي” ساءت أوضاع “اليهود“، وألقي القبض على أبرز رموزهم حبيب غاليان، وتمت محاكمته بتهمة التجسس ونقل أخبار إيران لصالح إسرائيل، وتم إعدامه رميًا بالرصاص، وقبل أن تصادر ممتلكات اليهود، لجأوا إلى الهجرة لكيانهم الجديد إسرائيل ودولتهم الراعية الأولى أمريكا، وبلغ عدد المهاجرين حينها 60 ألف يهودي، وسط توقعات باستمرار تدهور أوضاعهم حسب المؤرخ “بنياد فرهنكي” في كتابه “تاريخ جامع يهوديان إيران”. ووصل عددهم حينها إلى عشرين ألف يهودي.

في العام ذاته، أصدر زعيم الثورة الإيرانية، الخميني، فتوى تُفيد بأن اليهود أقلية دينية، وأن الاعتداء عليهم حرام شرعًا، فعاد الاستقرار التدريجي لمن بقي منهم، ومُنحوا حقوقًا أكبر من التي حصلوا عليها حتى قبل قيام الثورة، مما تسبب في تراجع معدلات الهجرة إلى إسرائيل حتى بلغت صفرًا بالمئة.

حقوق وواجبات

يتمتع اليهود في إيران بحقوقهم الدستورية كاملة، ولهم نائب يمثلهم في مجلس الشورى الإسلامي، ورغم تمتعهم بعدد كبير من الامتيازات والحقوق، إلا أن نساءهم مجبرات على ارتداء الحجاب طبقًا للقانون الإيراني، ولديهم مدارسهم الخاصة التي يُسمح فيها بتعليم اللغة العبرية لقراءة التوراة بغرض الحفاظ على هويتهم وعدم طمسها، كما أن لديهم نواديهم ومطاعمهم، ومستشفيات خيرية يعمل على إدارتها مسلمون ويهود، كما تسمح لهم الدولة بالسفر إلى إسرائيل للعبادة.

ويسمح نظام الملالي بزيارة الإيرانيين المقيمين في إسرائيل لمسقط رأسهم لدواع إنسانية، على عكس ما يتوقع نتيجة لتوتر العلاقات الإيرانية الإسرائيلية – ظاهريًا.

ورغم كل تلك المساحة الشاسعة من الحرية، إلا أن السلطات تحرم اليهود هناك من بلوغ أي مناصب إدارية في الدولة، وهم يفضلون القيام بأعمالهم الخاصة تحت رقابة مشددة منها.

إيران بالنسبة للجالية اليهودية 

بالرغم من تشجيع حكومات الاحتلال المختلفة لليهود المنتشرين في دول مختلفة على الهجرة إلى فلسطين، إلا أنها لا تضع في الاعتبار يهود إيران الأكثر تمسكًا بالبقاء في إيران، وهو ما يفسر تفوق الجالية اليهودية في إيران من حيث العدد، على الجاليات اليهودية في الشرق الأوسط. أو بعبارة أخرى أن يهود إيران باتوا أكبر تجمع يهودي في الشرق الأوسط باستثناء التجمع اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويرجع كتاب “اليهود الإيرانيون” لعلي أصغر مصطفوي، تراجع هجرة يهود إيران إلى الكيان مقارنة بالهجرات اليهودية من أوروبا والغرب عمومًا، إلى وطنية اليهود الإيرانيين على حد وصفه، مؤكدًا على تمسك يهود إيران بالبقاء فيها، ودفاعهم عنها، معتبرًا أن أرض إيران بالنسبة لهم هي أرض كورش مخلصهم، وعليها ضريح “إستر ومردخاي”، وفيها توفي النبي دانيال ودفن النبي حبقوق، هي دولة شوشندخت الزوجة اليهودية الوفية للملك يزدجرد الأول، وتحوي أرضها جثمان بنيامين شقيق سيدنا يوسف عليه السلام.

بالإضافة إلى هذه المقامات التي تربط اليهود بهذا البلد، فإن المعابد والكنس اليهودية لم تكن في أي وقت مصدر قلق للأنظمة الإيرانية المتعاقبة، فهناك عشرات المعابد والكنس اليهودية في طهران وأصفهان، أهمها: كنيس يوسف آباد في طهران، وكنيس أبريشمي الذي يقع في مبنى جميل وسط المدينة، ويمكن لقاعته الرخامية والمزينة بثريات كبيرة أن تستوعب 500 شخص على الأقل، وإلى جانب المعابد، يدير يهود إيران مدارس ومكتبة ومستشفى مُمَوّلة جزئيًا من الأموال العامة.

على الجانب الآخر، تعترف إيران باليهود الذين يعيشون في كنفها، وتعتبرهم إلى جانب المسيحية والزرادشتية، أقلية دينية، تحظى بمعاملة لائقة خلافًا للأقليات العرقية والقوميات الأخرى، وهو ما يؤكد عليه يهود إيران أنفسهم، حين يتحدثون عن موقف النظام السياسي منهم، كما أن الممارسات الإيرانية الإيجابية تجاههم، تؤكِّد بما لا يقبل التأويل، أنهم مندمجون جيدًا ولا يشعرون بأي نوع من التمييز العنصري، وأن المشاكل بين إيران والكيان لا تؤثر عليهم، إذ يعتبرون أنفسهم إيرانيين قبل كل شيء، وذلك وفقًا لما يدعيه متدينيوهم.

ولم تجد الحكومة الإيرانية مشكلة في تقديم دعمها المتنوع لليهود، ففي 18 ديسمبر/ كانون الأول 2014، دشنت نصبًا تذكاريًا جديدًا للجنود الإيرانيين من اليهود الذين قتلوا في الحرب الإيرانية العراقية 1980 – 1988. حيث أقيم النصب التذكاري داخل مقبرة اليهود في طهران التي دفن فيها قتلى المعارك. كتبت على النصب الكلمات العبرية “شالوم.

في هذه الأثناء، كان للرئيس روحاني سياسة أكثر تعاطفًا مع اليهود، حين سمح لمدارسهم في 28 فبراير من هذا العام، أن تغلق أبوابها يوم السبت بناءً على طلبهم. مع تخصيص حوالي 400 ألف دولار لمستشفى يهودي في طهران، داعيًا كذلك المشرع اليهودي الوحيد في البلاد آنذاك إلى مرافقته لحضور جلسة الأمم المتحدة في نيويورك العام الماضي.

ولا يتوقف الدعم الإيراني لليهود عند هذا الحد، فيمتد لأبعد من ذلك، ليؤكد بما لا يدع مجالًا للشك على حالة التعاطف الرسمي مع تلك الأقلية الدينية دون سواها، فتتحرك قوات الحرس الثوري للبحث عن كتاب توراة قديم ليعود للجالية اليهودية، بعد أن سُرق في إقليم شيراز. وهو أحد المخطوطات الأقدم في العالم، مع إقامة مراسم رسمية شارك فيها نائب الجالية اليهودية في البرلمان الإيراني وسلم رسالة شكر رسمية للسلطات الإيرانية من قبل اليهود، مبديًا احترامه وتقديره للنظام الإيراني الذي يحترم الديانات التوحيدية على حد زعمه.

مكاسب إيران من الجالية اليهودية

كشف موقع اليوم السابع نقلًا عن صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن أكثر من 30 مليار دولار هي حجم الاستثمارات اليهودية داخل الأراضي الإيرانية، وإذا كان هذا الرقم مبالغًا فيه كما يقول البعض، فإن اعتماد يهود إيران على التجارة كما هو معروف وعدم فرض قيود على تجارتهم من قبل النظام الإيراني يعزز من صحة هذه المعلومة، كما أن حجم الشركات التي استعرضتها الصحيفة ذاتها يصل إلى 200 شركة يهودية على الأقل تقيم علاقات تجارية مع إيران، وأغلبها شركات نفطية تستثمر في مجال الطاقة داخل إيران. أن عدد اليهود في إيران يصل إلى حوالي أربعين ألف حسب الإحصاءات غير الرسمية، ولهم كذلك امتداد مباشر مع اليهود في الكيان من الأصول الإيرانية.

وبحسب التقارير اليهودية، فإن أعدادهم تصل إلى مائتي ألف، يتلقون تعليماتهم من مرجعهم في إيران الحاخام الأكبر “يديديا شوفط” المقرب من بعض حكام إيران، وهؤلاء لهم نفوذ واسع في التجارة والأعمال والمقاولات العامة والسياسة، ونفوذ أكبر في قيادة جيش الكيان.

بالإضافة إلى ذلك، تلعب لغة المصالح دورًا كبيرًا حين يتعلق الأمر بيهود إيران وعلاقاتهم بالجاليات اليهودية في الولايات المتحدة على وجه التحديد، وبحسب التقارير المتعلقة بهذا الشأن، أن حوالي اثني عشر يهوديًا إيرانيًا يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية ولهم دورهم المهم في الحياة السياسية، كونهم أعضاء في الكونجرس بمجلسيه، وبطبيعة الحال يمثل هؤلاء جزءًا من اللوبي اليهودي الذي يؤثر بشكل كبير على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط على وجه التحديد. وربما تفهم الإدارة الأمريكية للتحرك الإيراني الشيعي، وحالة التفاهم حول ملفها النووي كان نتاج التحرك اليهودي، خاصة وأن المستفيد الأول من مصائب الشرق الأوسط هو الكيان وإيران.

نشاطهم السياسي

يخصص الدستور الإيراني خمسة مقاعد للمسيحيين واليهود والزرادشتيين من مقاعد السلطة التشريعية الـ 290، تكون حصة الأسد للطائفة المسيحية باعتبارها أكبر أقلية دينية معترف بها في إيران ويبلغ عددها أكثر من ثلاثمئة ألف نسمة، 80% منهم ينتمون إلى الطائفة الأرمنية، فيما يشكل الآشوريون والكلدانيون معًا نسبة 20% الأخرى، وفقًا للإعلام الإيراني الرسمي.

وفضلًا عن المقاعد الثلاثة لتمثيل الطوائف المسيحية (مقعد للآشوريين والكلدانيين ومقعدان للأرمن) في البرلمان الإيراني، تُمثل كلتا الأقليتين اليهودية والزرادشتية بمقعد واحد في السلطة التشريعية الإيرانية.

وسبق أن أُثيرت قضية اصطحاب الممثل اليهودي في البرلمان الإيراني (مورسادك) إلى محافل دولية بقصد تحسين صورة إيران في العالم. فقد تحدثت صحيفة “غارديان” البريطانية، عام 2013، عن قيام الرئيس الإيراني حسن روحاني، باصطحاب سيامك مره صدق، ممثل اليهود في البرلمان الإيراني، إلى نيويورك، للمشاركة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في ذلك الوقت.

ويشار إلى أن التعليق الوحيد الذي رُصد عن زيارة ممثل اليهود في البرلمان الإيراني، ضمن وفد بروجردي الذي التقى الأسد، جاء من أحد نواب برلمان النظام في سوريا، وتمثل بالإشارة إلى “التسامح الديني” في طهران، دون أن يتم توضيح مغزى هذه الرسالة ومن دمشق، من قبل النائب السوري. بالإضافة إلى أن تلك الجاليات لها موقف معادٍ لإسرائيل وما تقترفه في حق الشعب الفلسطيني من جرائم وانتهاكات صارخة، ويؤكد ذلك إدانة ممثل اليهود لاغتيال هنية.

كلمات مفتاحية: