- زاد إيران - المحرر
- متميز
- 41 Views
كتب- عدنان زماني
انتهت عملية منح الثقة للحكومة في إيران ونال جميع وزراء الرئيس المنتخب مسعود بزشكيان الثقة من أعضاء البرلمان، ليكون الرئيس ووزراؤه أمام اختبار صعب ومهمة شاقة في سبيل معالجة التحديات التي تواجهها البلاد على الصعيدين الداخلي والخارجي وفي المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ما يُـميّز حكومة بزشكيان عن سابقـتها هو تركيبتها المتنوعة التي شملت الإصلاحي والأصولي والمعتدل، وذلك في إطار “الوفاق الوطني” الذي ألزم الرئيس الجديد نفسه به اعتقادًا منه بأن البلاد لا تتحمل مزيدًا من التجاذبات السياسية، وأن الأولى هو التركيز على حل مشاكل البلد وعلى رأسها الملف الاقتصادي.
وحتى الآن نجح بزشكيان في خلق مناخ إيجابي في الداخل عبر استعانته بأكبر نسبة من الشخصيات التي شغلت مناصب في حكومات أصولية سابقة، مثل وزير الاستخبارات إسماعيل خطيب (شغل نفس المنصب في حكومة رئيسي الأصولية)، وزير العدل أمير حسين رحيمي (شغل نفس المنصب في حكومة رئيسي السابقة)، وزير الطاقة عباس علي آبادي (شغل منصب وزير الصناعة والمعادن والتجارة في حكومة رئيسي)، وزير التربية والتعليم علي رضا كاظمي (رشّحه رئيسي لنفس المنصب لكن البرلمان لم يمنحه الثقة، وكلفه رئيسي بعد ذلك بإدارة الوزارة بالوكالة لحين اختيار وزير جديد)، وزير الرياضة والشباب أحمد دنيا مالي (من المقربين لرئيس البرلمان الأصولي محمد باقر قاليباف).

وهكذا نجد التشكيلة الوزارية تميزت بالتنوع وشملت الخصوم السياسيين لبزشكيان نفسه، مما قطع أصوات المعارضين إلى حد كبير وساهم في أن يمنح البرلمان الأصولي الثقة لجميع وزراء الحكومة الإصلاحية، وهي حالة لم تحدث منذ 25 عامًا في إيران.
لكن هذا التنوع في التشكيلة الوزارية قد يكون سببًا في غياب الانسجام داخل الحكومة، وهو ما لاحظه النائب البرلماني مسلم صالحي في كلمته أثناء جلسة منح الثقة للوزراء المرشحين، حيث قال إن:”حكومة بزشكيان هي من الحكومات القليلة التي شملت وزراء من كافة التوجهات، لكن إذا لم نستطع أن نسمع صوتًا موحدًا من داخل الحكومة، فإن ذلك سيخلق تحديًا لها”. فما يخشى منه صالحي وغيره الكثيرون هو أن يسير قارب الحكومة في اتجاهات عدة وينعدم التنسيق والانسجام المطلوب لضمان نجاح الحكومة وفاعليتها.
بالعموم، فإن هذه الحكومة وبعد تجاوزها عقبة البرلمان، أصبحت اليوم أمام 4 ملفات شائكة وجدلية لكنها تتطلب حلًا عاجلاً من رئيس وعد بمعالجتها والتغلب عليها. وفيما يلي أهم الملفات أمام حكومة بزشكيان حسب الأهمية والحساسية:
العقوبات الاقتصادية والاتفاق النووي
وصف الرئيس الإيراني الجديد أثناء حملته الانتخابية وبعدها العقوبات على بلاده بـ “الكارثة”، معتقدًا أن الطريق الأمثل نحو إزالة العقوبات والتخلص من الكارثة هو إحياء الاتفاق النووي من جديد ولو بصياغة أخرى. هذا التأكيد على خطورة بقاء العقوبات دفع مراقبين وخبراء اقتصاديين مثل حسين سلاح ورزي إلى الاعتقاد بأن ملف “رفع العقوبات هو أهم أولوية لدى حكومة بزشكيان، وأن التوصل إلى اتفاق حول رفع العقوبات عن طهران يعادل اتفاق إنهاء الحرب العراقية الإيرانية”.
وقارن الباحث الاقتصادي والرئيس السابق للغرفة التجارية الإيرانية حسين سلاح ورزي في تصريحاته لموقع “انصاف” الإخباري الوضع الحالي بما كان سائدا أثناء حرب الثمانية سنوات بين إيران والعراق، حيث “خسرت إيران طوال 8 سنوات الحرب بعد تعرض بنيتها التحتية إلى هجمات 1200 مليار دولار، وفي العقد الأخير وتحديدا منذ 2011 وبسبب العقوبات الغربية على طهران خسرت إيران أيضا 1200 مليار دولار”، مستنتجًا أن التوصل إلى اتفاق لرفع العقوبات عن طهران لا يقل أهمية عن قبول طهران قرار مجلس الأمن الدولي رقم 598 لوقف الحرب بين إيران والعراق عام 1988.

لكن هذا الإدراك بخطورة العقوبات وآثارها المدمرة على الاقتصاد قد لا يكون كافيًا لإنهاء الصراع مع واشنطن لتجذّره وتعقيداته، وهو ما أقرّ به وزير الخارجية الإيراني الجديد عباس عراقجي قبل أيام حيث صرّح بأن وزارة الخارجية الإيرانية في عهده لن تنشغل بالعمل على إنهاء الصراع مع أمريكا وإنما ستركّز جهودها على “إدارة الخصومة والتوترات” مع واشنطن، كما أكد عراقجي بأن إحياء الاتفاق النووي بصيغته الحالية أمر غير وارد إلا إذا أجريت عليه تعديلات وتغييرات.
الإنترنت وحجب وسائل التواصل الاجتماعي
“الحالة الفعلية (للإنترنت) والاستخدام الواسع لبرامج رفع الحجب أمر غير مقبول ويجب إعادة النظر في هذا الأمر”، هذا أول تصريح أدلى به وزير الاتصالات في حكومة بزشكيان، ستار هاشمي في يومه الأول بعد تسلم مهامه، أما عن إجراءاته المحتملة لمعالجة هذه المشكلة وفي الرد على سؤال انتقادي وُجِّه له حول عدم تقديمه حتى الآن خطة واضحة لإنهاء الحظر المفروض على وسائل التواصل، قال هاشمي لشبكة “شرق“: “يجب أن تُمنح لي الفرصة الكافية لمعالجة القيود على الإنترنت وقضية الحجب عبر التوافق والإجماع مع الأطراف والمؤسسات صاحبة القرار”.
وأما بزشكيان وموقفه من القيود على الإنترنت وحجب وسائل التواصل الاجتماعي فكان واضحًا حيث قال بشكل صريح “يجب تحرير الإنترنت”، وإنه “سيبذل قصارى جهده لإصلاح نظام الحجب الفاشل فيما يتعلق بالإنترنت”، وفي تغريدة على منصة “X” أشار بزشكيان إلى الآثار الاقتصادية السلبية لسياسة فرض القيود على الإنترنت وقال: ” يجب أن نحرر الإنترنت. إذا تم انتخابي فسأقف بوجه سياسة الحجب. وسأعيد عمل المشاغل والأعمال المعطلة”.

فهل هذه الرغبة والإرادة تكفي لمعالجة أزمة الإنترنت في عهد حكومة بزشكيان؟ هذا ما لا يعتقده رئيس “لجنة التحول والتجديد” في الغرفة التجارية الإيرانية مازيار نوربخش الذي أكّد لموقع “انتخاب” أن: “بزشكيان لا يملك كافة الأدوات لمعالجة مشكلة الإنترنت. القضايا المتعلقة بالقيود على مواقع التواصل الاجتماعي ليست بيد الحكومة بشكل كامل. المؤسسات الأخرى أيضًا تلعب دورًا مؤثرًا”، لكن الباحث في مجال الإنترنت ورائد الأعمال عطا خليقي يرى خلاف ذلك إذ يعتقد أن الحكومة ورئيسها قادران على خلق انفراجة ومعالجة أزمة الإنترنت: “فالحكومة بما لديها من أدوات ونفوذ قادرة على حل هذه المشكلة، وأعتقد أن ذرائع مثل القول: ليس الأمر بيدنا ولسنا من يتخذ القرار، غير مقبولة”.
النساء وشرطة الأخلاق
من الملفات الجدلية الأخرى أمام حكومة بزشكيان هي قضية “شرطة الأخلاق” والإجراءات المتخذة حول الحجاب بعد أن تحول الموضوع إلى ملف سياسي شائك ومعقد يستغله السياسيون لضرب بعضهم البعض. وموقف الرئيس مسعود بزشكيان من الحجاب الإسلامي هو الموافقة التامة والإيمان الثابت إذ يعتقد أن الحجاب فريضة دينية وأن جميع أفراد أسرته من النساء ملتزمات بهذا الشكل من الحجاب، لكن معارضته تكمن في فرض الحجاب على النساء بالقوة والقهر وهو ما جعله ينتقد إجراءات ما يسمى بـ “شرطة الأخلاق” ويصفها بـ “المظلمة“.

وقال الرئيس أثناء حملته الانتخابية حول هذا الموضوع: “هذا الشكل من التعامل مع النساء والفتيات معصية كبيرة، ولا أصل ديني له ويجب وقف ذلك. أنا أتعهد بأنني سأقف بكل قوة مقابل هذه الإجراءات”.
هنا أيضا يبدو أن رأي الرئيس المنتخب قريب من رأي أكثرية الشارع الإيراني الذي يعارض إجراءات شرطة الأخلاق، معتقدا أنها جاءت بنتائج عكسية وأن مضايقات الشرطة في موضوع الحجاب نفّرت النساء وشريحة واسعة من الإيرانيين من الدين وتعاليمه الاجتماعية.
في هذا السياق، يرى الناشط الأصولي محمد مهاجري المنتقد لإجراءات الحجاب الإلزامي أن السلطة قد خفّفت في الآونة الأخيرة من قيود الحجاب وإجراءات شرطة الأخلاق وأنها “تراجعت” عن مواقفها السابقة دون إعلان رسمي، لكنها في الوقت نفسه، يضيف الكاتب، قد “ربحت اللعبة” من خلال جعل الموضوع يصبح ثانويا في اهتمام الشارع الإيراني مقارنة مع السابق.
يوضح مهاجري لصحيفة “اعتماد” أن موضوع الحجاب أصبح أقل سخونة في الشارع الإيراني بعد أن سمحت السلطة بمساحة أوسع للنساء في ارتداء الحجاب، لكن دون أن تعلن عن ذلك صراحة، فالنساء اليوم في إيران أصبحن يرتدين حجابا خفيفا، لكنها لم تصل إلى درجة يجعلها تثير حساسية السلطة، ما يعني أن القضية قد عولجت وأن السلطة والنساء كلاهما ربحا دون خسائر أو تبعات، حسب قراءة الكاتب الإيراني.

الصراع مع إسرائيل
الصراع مع إسرائيل هو ملف قديم جديد في المشهد السياسي الإيراني، ومعروف أن الحكومات ليس لها دور كبير في إدارة هذا الموضوع واتخاذ القرارات بشأنه، لكن تزامن بعض الأحداث مثل اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران مع بداية حكومة بزشكيان جعل عبء الحكومة في هذه القضية مضاعفا، وخلق توترات متصاعدة وتوقعات برد إيراني على إسرائيل.
وقد زعمت بعض وسائل الإعلام الغربية أن خلافا حصل بين الرئيس الجديد مسعود بزشكيان والحرس الثوري حول طبيعة الرد على إسرائيل، حيث طالب بزشكيان بعدم الرد المباشر على إسرائيل لتجنب صراع شامل في المنطقة، لكن المراقب للشأن الإيراني يدرك بسهولة استبعاد مثل هذه الفرضية، إذ إن الملف برمته خارج عن صلاحية رؤساء الجمهورية، لا سيما وأن بزشكيان لم يكن قد بدأ بعد عمليا رئاسته للجمهورية، وأن وزراءه لم يحصلوا على ثقة البرلمان آنذاك.
الساحة الداخلية الإيرانية مهيأة إلى حد كبير لقيام الحكومة الجديدة بالسياسات التي وعد بها رئيسها مسعود بزشكيان، ويبدو أن نسبة مريحة من التوافق والانسجام حاصلة بين الرئيس الإصلاحي وبين مؤسسات الدولة، لكن ما يكدر هذا الهدوء الداخلي هو استمرار الأزمة أو الأزمات الخارجية وجمود ملفات كبرى مثل الاتفاق النووي، وقضية انضمام طهران لمجموعة العمل المالي (FATF)، والحرب الإسرائيلية على غزة ودور إيران العسكري في المنطقة، مضافا عليه احتمال عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهي كلها قضايا تجعل من هدوء الساحة الداخلية الإيرانية هشًّا وربما مؤقتا.