- زاد إيران - المحرر
- متميز
- 58 Views
كتبت: يسرا شمندي
شهدت إيران علاقات قوية ربطتها بالصين، فعلى الرغم من التطورات والتحديات على الساحتين الإقليمية والدولية، لم يعتبر أي من البلدين منافساً للآخر في سياسته الخارجية، ولذلك فإن العلاقات بين البلدين ظلت مستقرة نسبياً.
وطبقاً لما جاء في تقرير نشرته صحيفة دنيا الاقتصاد بتاريخ 3 سبتمبر/أيلول، فقد اتصل وزير الخارجية الصيني وانغ يي، هاتفياً بنظيره الدبلوماسي الإيراني القائم بأعمال وزير الخارجية علي باقري كني، وقال: “إن الصين تدعم إيران في الدفاع عن سيادتها وأمنها وكرامتها الوطنية”، وقد جاء ذلك بعد وقت قصير من تعهد إيران بالانتقام من إسرائيل في أعقاب اغتيال السياسي الفلسطيني، وأحد قادة حركة حماس إسماعيل هنية في طهران، كما ذكر الموقع الإخباري المونيتور:” بينما كان وزير الخارجية الصيني وباقري يتحدثان، أرسلت الولايات المتحدة غواصة صواريخ موجهة، وقوة عمل إضافية لحاملة طائرات ومقاتلات أكثر تقدماً من طراز F-35 وF-22 لتعزيز أسطولها الإقليمي وفي محاولة للتوجه إلى المنطقة للردع ضد طهران ووكلائها”.
وبناءً على ذلك حسبما يذكر التقرير، فقد أشارت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى إلى أنها جزء من المظلة الأمنية الأمريكية منذ ذلك الحين، وغني عن القول أن الصين ليس لديها الرغبة ولا القدرة على تقديم مثل هذه التسهيلات لشريكها الاستراتيجي الشامل في طهران، وقال مسؤولون إيرانيون إن محادثات وقف إطلاق النار التي تقودها أمريكا في غزة قد تمنعهم من الرد، وربما من قبيل الصدفة، أن تتوافق هذه المناورة بسلاسة مع رسائل الصين، مما يؤكد ادعاء بكين القديم أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو “القضية المركزية في الشرق الأوسط”.
والمسألة المهمة هنا أنه بينما أنهى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، رحلته إلى الشرق الأوسط، بات اتفاق وقف إطلاق النار غير واضح، ويلوح في الأفق شبح الانتقام الإيراني، وبينما تصر الصين على الدعم العلني لحق إيران في “الدفاع عن سيادتها”، إلا أن هذه الكلمات لا تعكس مخاوف الصين العميقة بشأن احتمال نشوب صراع إقليمي أوسع نطاقاً، وتقول الصين: “إذا دخل الشرق الأوسط بالفعل في فوضى واسعة النطاق، فستكون الصين هي الضحية الأكبر، باعتبارها الشريك التجاري الأهم في المنطقة والمشتري الرئيسي للنفط في الشرق الأوسط”.
حصة الصين الاقتصادية
وبصدد ما ذكره التقرير فإنه في الواقع، تحصل الصين على ما يقرب من 40 في المائة من وارداتها من ست دول فقط في الشرق الأوسط: السعودية، والعراق، والإمارات، والكويت، وقطر، وعمان، وعلى الرغم من العقوبات الأمريكية، تستورد الصين ما بين 1.1 مليون و1.4 مليون برميل يومياً من النفط الخام من إيران، وهو ما يمثل نحو 10 في المائة من واردات الصين من النفط.
ووفقاً لمكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة الصيني: “بلغت التجارة الثنائية للصين مع الشرق الأوسط 507.2 مليار دولار في عام 2022، وتُظهر البيانات الصادرة عن متتبع الاستثمار العالمي الصيني التابع لمعهد المشاريع الأمريكي إنتربرايز، أن استثمارات الصين في الشرق الأوسط قد تجاوزت 284.24 مليار دولار منذ عام 2005؛ وإذا أضفت شمال أفريقيا وباكستان إلى المعادلة، فإن هذا الرقم يرتفع إلى 388.9 مليار دولار، وقد أدى نمو التفاعل الاقتصادي إلى تدفق المواطنين الصينيين إلى الشرق الأوسط، وتشير التقديرات إلى أن نحو مليون مواطن صيني يعيشون في المنطقة. أضف إلى ذلك حقيقة أن نحو 20 في المائة (280 مليار دولار) من إجمالي صادرات الصين تمر عبر قناة السويس، وتواجه بكين مأزقاً استراتيجياً ذا أبعاد كبيرة، بسبب الاضطرابات البحرية التي يفرضها الحوثيون. وبإلقاء نظرة سريعة على البيانات، لن يكون من الصعب معرفة سبب تأكيد بعض الخبراء نفوذ الصين، وقد صرَّح مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، لمجلة فورين بوليسي جون ألترمان، أن الصين هي الدولة الوحيدة التي لديها القدرة الأكبر في التأثير على إيران. وتمثل الصين ما يقرب من 30% من المحفظة التجارية الإيرانية، وتمثل إيران 1% فقط من المحفظة الاستثمارية الصينية.
و الجدير بالملاحظة أنه على الرغم من المناشدات المتكررة من المسؤولين الأمريكيين للصين لاستخدام تفوقها الاستثنائي على طهران، ظلت بكين حذرة بشكل لا يصدق، ومع أن الصين عرضت على إيران مخرجاً في مواجهة العقوبات الأمريكية، إلا أن علاقاتهما الاقتصادية بعيدة كل البعد عن التفاؤل.
وقد صرح الخبير في المعهد الدولي لدراسات الطاقة التابع لإيران مرتضى بهروزيفار، مؤخراً لوسائل الإعلام المحلية: “إن صفقات النفط مع الصين حققت عوائد مالية ضئيلة لإيران، ويتم تنفيذ هذه المعاملات غير القانونية من قبل مصافٍ صينية مستقلة تسمى تيباتس، والتي تتعاون مع المؤسسات المالية الأصغر مثل بنك كونلون وبما أن هذه المعاملات تتم بشكل رئيسي بعملة اليوان الصيني، فيمكن لإيران استخدامه بشكل أساسي لشراء مزيد من المنتجات الصينية أو تركها في بنك صيني”.
وبخصوص ذلك قال بهروزيفار: “نحن نبيع النفط في ظروف يرثى لها، أي بأسعار منخفضة وبخصومات كبيرة، وفي المقابل، نستورد سلعاً صينية دون المستوى المطلوب”. وفي عام 2021، وقع البلدان عقداً مدته 25 عاماً بقيمة 400 مليار دولار، وقد ظهرت بنود التعاقد بينما لم يتم تنفيذ الاتفاقيات والمشاريع الملزمة. وقال الخبير: “أدى ذلك إلى استنزاف الموارد الطبيعية، وضمن ذلك صندوق التنمية الوطنية، دون عائد كبير على الاستثمار”.
والجدير بالذكر أن تجارة الصين مع المملكة العربية السعودية في عام 2023، تجاوزت 107 مليارات دولار، أي أكثر بسبع مرات من تجارتها مع إيران البالغة 14.6 مليار دولار في ذلك العام. كما أن معظم اهتمام الصين الاقتصادي موجه مباشرة إلى الخليج. وقد برزت الآثار السياسية لهذه الحقائق التجارية في يونيو/حزيران من هذا العام، عندما كررت الصين دعمها للإمارات بشأن نزاعها مع إيران حول الجزر الثلاث في الخليج، مما أثار ذلك استياء طهران.
عواقب غير مرغوب فيها
أكدت الصحيفة في تقريرها، أنه حتى لو كانت بكين على استعداد للانخراط في وضع اقتصادي عقابي، فليس هناك ما يضمن أن إيران ستستجيب لمطالب الصين، ومن المرجح أن يكون الاستراتيجيون الصينيون حذرين؛ لأن القيام بذلك قد يؤدي إلى عواقب سلبية.
والنقطة المهمة هي أن إيران طورت استراتيجيات لمواجهة أي ضغوط اقتصادية وسياسية: كاستخدام النفوذ الإقليمي، وتعزيز برنامجها النووي، وزيادة عملياتها السيبرانية، وتعبئة شبكات وكلائها في غزة، واليمن، ولبنان، وسوريا، والعراق، وأفغانستان، وباكستان.
وفي النهاية أشارت بعض التقارير إلى أن الصين حاولت إجبار إيران على الحد من هجمات الحوثيين على السفن المدنية في البحر الأحمر، وانتشرت أنباء تفيد بأن الحوثيين أبلغوا الصين وروسيا أن سفنهم لن تكون مستهدفة بعد الآن. وبعد يومين، شن الحوثيون هجوماً صاروخياً على ناقلة نفط مملوكة للصين. ولم تعلق الصين علناً على الحادث.