- زاد إيران - المحرر
- متميز
- 60 Views
كتب: محمد بركات
تعدّ العلاقات الإيرانية البحرينية من أكثر العلاقات تعقيداً وتشابكاً في منطقة الخليج العربي، حيث تتداخل فيها المصالح السياسية والاقتصادية والجيوسياسية مع البعد الديني والمذهبي. فتاريخياً، شهدت العلاقات بين البلدين توترات متكررة، زادت حدتها في العقود الأخيرة بسبب عوامل متعددة، كان من أبرزها قيام الثورة في إيران أواخر السبعينيات وقطع العلاقات بين إيران والسعودية عام 2016 وما تبعه من قطع علاقات البحرين، وفي الأخير دعم إيران لأحزاب المعارضة في الداخل البحريني.
ولكن وفي الفترة الأخيرة شهدنا انفراجة في تلك الأزمات بإعلان المملكة عودة العلاقات مع إيران، وما تلا ذلك من تأكيد إيران سعيها لعودة العلاقات مع دول الخليج بشكل كامل. لتقوم البحرين من جانبها بالترحيب بعودة العلاقات وفقاً لتصريحات الملك حمد بن عيسى، عاهل البحرين، خلال لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وما تبعها من لقاء وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني، مع القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني علي باقري كني، بطهران في يونيو/حزيران الماضي؛ لبحث آليات عودة العلاقات.
بداية العلاقات وجذور الأزمة
تاريخياً، تعود العلاقات البحرينية الإيرانية إلى بداية القرن السابع عشر، عندما حكمت الدولة الصفوية، إحدى السلالات الحاكمة في إيران والتي ينسب إليها ترسيخ وجود المذهب الشيعي بإيران، البحرين لفترات متقطعة من العام 1601 وحتى العام 1783.
وحتى العام 1969 كانت إيران- ما زالت- تنظر إلى البحرين على أنها جزء من إمبراطوريتها، ولكن تلك النظرة قد تغيرت بعد إجراء الأمم المتحدة استفتاء للشعب البحريني في العام نفسه، وصوت الشعب البحريني لصالح استقلاله عن إيران، وأنهت بريطانيا استعمار البحرين وأعلن استقلالها الكامل في أغسطس/آب 1971، الأمر الذي لم يتقبله محمد رضا بهلوي، شاه إيران، في البداية، ولكن بعد ذلك اضطر إلى قبوله تحت ضغط أمريكي خليجي.
وبعد الاستقلال تطورت العلاقات بين البلدين في مجالات عدة، من ضمنها الاقتصاد والثقافة. ومع ذلك، تأثرت هذه العلاقات بالتوترات السياسية والدينية والأمنية على مر السنين، خاصة بين 2011 و2017، حيث شهدت العلاقات تصاعداً للتوترات وانقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
ومع قيام الثورة في إيران عام 1979، أيدت البحرين انتصارها وأرسلت وفداً رسمياً لتهنئة أقطاب الثورة، إلا أن هذه العلاقة لم تدم طويلاً، فالثورة الإيرانية كان لها تأثير كبير على شعوب المنطقة وكانت محل إعجاب كثيرين، خاصة مع رفعها شعار تصدير الثورة، أي نقل الثورة إلى شعوب المنطقة، وهي سياسة أراد بها الخميني نشر سلطته في المنطقة من جهة ونشر المذهب الشيعي من جهة أخرى، خلال العقد الأول منها، واعتبرت البحرين أن هذا الشعار تحديدًا تهديد كبير لها؛ نظراً إلى طبيعة تكوينها المذهبي، حيث يمثل المذهب الشيعي أكثرية في البحرين، وهو أيضاً المذهب السائد والحاكم في إيران.
وخلال فترة الحرب العراقية الإيرانية، أيدت البحرين العراق في حربه، وكان لذلك تأثير كبير على العلاقات بين البلدين، وعلى أثر هذا الخلاف اتهمت البحرين إيران بدعم وتمويل جماعات شيعية في البحرين بهدف قلب نظام الحكم وإثارة القلاقل، واعتقلت السلطات البحرينية من قالت إنهم مشاركون في المؤامرة، وقامت بترحيل آخرين من ذوي الأصول الإيرانية، ومنعت مواطنيها من السفر إلى طهران.
في ديسمبر/كانون الأول عام 1991، شهدنا تطوراً في العلاقات، حيث تم رفع مستوى التبادل الدبلوماسي بين البحرين وإيران إلى مستوى السفير، وذلك بعد لقاء جمع أمير البحرين الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة بالرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني، على هامش قمة عدم الانحياز في دكار بالسنغال، ومن الجدير بالذكر أن سياسة رفسنجاني كانت تميل إلى عقد الاتفاقيات مع دول العالم، الخليجية والإقليمية منها على الخصوص، ودول العالم الأخرى.
لكن هذا لم يستمر كثيراً، ففي عام 1996، وصلت العلاقات بين البلدين إلى أقصى درجات التوتر، عندما أعلنت البحرين رصد تنظيم سري باسم “حزب الله-البحرين”، يهدف إلى قلب نظام الحكم، وأنهم تلقوا تدريبات في طهران. وبعد هذا الإعلان الرسمي، اتخذت البحرين قراراً بتخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع إيران إلى درجة قائم بالأعمال.
لكن وعلى الرغم من التوتر الذي شهدته العلاقات، فإنها أخذت في التحسن مع وصول محمد خاتمي الإصلاحي إلى سدة الحكم عام 1997، والذي تزامن مع تولى حمد بن عيسى آل خليفة، الحكم في البحرين بعد وفاة والده، حيث تم تبادل السفراء بين الرئيس الجديد والملك الجديد في عام 1999، مما ساعد على تحسن العلاقات بين البلدين بشكل كبير، وتوجت هذه التطورات بزيارات متبادلة بين وزراء خارجية البلدين واستئناف العلاقات، ولكن الأهم من ذلك كانت زيارة الملك حمد بن عيسى آل خليفة لطهران وزيارة الرئيس خاتمي للمنامة، والتي تعتبر تحولاً مهماً في تاريخ العلاقات بين البلدين. ويرجع الخبراء هذا التحسن إلى التقارب السعودي الإيراني في هذه الفترة.
ويأتي المنحنى الأصعب في تاريخ العلاقات بين البلدين عندما أعدمت السعودية رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر في عام 2016، حينها خرجت مظاهرات في العاصمة طهران؛ احتجاجاً على الإعدام، واقتحم محتجون السفارة السعودية في طهران، وعليه أعلنت المملكة قطع علاقتها مع إيران، وفي اليوم التالي أعلنت البحرين هي الأخرى قطع علاقتها مع إيران.
أسباب عودة العلاقات مرة أخرى:
أرجع تقرير نشرته وكالة أنباء مهر الإخبارية الإيرانية بتاريخ 27 مايو/أيار 2024، أسباب عودة العلاقات بين البلدين إلى عدة عوامل:
1. عودة العلاقات بين إيران والسعودية:
بعد إعلان عودة العلاقات بين السعودية وإيران بواسطة صينية في مارس/آذار 2023، طُرح موضوع استعادة العلاقات بين البحرين وإيران أيضاً. ففي مارس/آذار 2023، وبعد أيام قليلة من استعادة العلاقات، أعلن أحمد بن سلمان المسلم، رئيس مجلس النواب البحريني، خلال لقائه مع وفد برلماني إيراني على هامش الاجتماع الـ146 للاتحاد البرلماني الدولي (IPU) في المنامة، عن بدء المفاوضات بين طهران والمنامة بهدف استئناف رحلات الطيران بين البلدين. كما أشارت باربارا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، يوم 23 يونيو/حزيران، في لقاء مع أعضاء الكونغرس الأمريكي، إلى احتمال استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البحرين وإيران.
ومع استمرار تحسُّن العلاقات بين إيران والسعودية وزيادة التقارب بين البلدين، ازداد إصرار البحرين على استعادة العلاقات مع إيران. وفي هذا السياق، ورغم عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بين البحرين وإيران، فقد أرسلت البحرين وزير خارجيتها لحضور مراسم تكريم رئيس الجمهورية ووزير الخارجية بعد تحطم طائرتهما إلى إيران، وأكد الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البحرين، خلال لقائه مع فلاديمير بوتين، ضرورة استعادة العلاقات بين المنامة وطهران.
2. الجهود الدبلوماسية لإبراهيم رئيسي ووزير خارجيته:
كانت أهم استراتيجية السياسة الخارجية لحكومة إبراهيم رئيسي، الرئيس الإيراني الراحل، هي تطوير العلاقات مع الدول المجاورة، ومع مرور الوقت، تم قبول هذه السياسة من قبل الدول الأخرى؛ لأنها لم تقتصر على الكلام فقط، بل تضمنت أيضاً تنفيذها على أرض الواقع. فقد قام إبراهيم رئيسي بـ28 زيارة لـ23 دولة خلال 34 شهراً من رئاسته، وكانت هذه الزيارات موجهة لتنفيذ سياسة تطوير العلاقات، مما يعكس هذا الهدف. في الواقع، توصلت الدول، وضمن ذلك السعودية والبحرين، إلى أن الحكومة الإيرانية تسعى بصدق لتحسين العلاقات وتتجنب اتخاذ مواقف متسرعة. ولهذا السبب، شهدت التوترات في العلاقات الثنائية مع الدول المجاورة، وضمن ذلك البحرين، تراجعاً، وأكد الآن ملك البحرين أنه لا يوجد سبب لتأخير تطبيع العلاقات مع إيران.
3. تراجع النفوذ الأمريكي في غرب آسيا:
العامل الثالث والمؤثر في هذا السياق هو تراجع النفوذ الأمريكي في غرب آسيا. فمع وصول جو بايدن إلى السلطة في الولايات المتحدة، توترت من جهة، علاقات هذا البلد مع المملكة العربية السعودية، ومن جهة أخرى ركزت واشنطن اهتمامها بشكل أكبر على شرق آسيا. وفي الوقت نفسه، يبدو أن الولايات المتحدة لا ترغب في حدوث فوضى وانعدام للأمن أكبر في غرب آسيا، ولا تعارض تحسين العلاقات بين دول المنطقة، وضمن ذلك مع إيران. ويكمن أحد الأسباب وراء هذا الأمر هو أن الولايات المتحدة لم تعد تتمتع بالمكانة والموقع الذي كانت تحتله في العقود الماضية، وقدرتها على فرض الضغوط على الدول الأخرى، وضمن ذلك دول غرب آسيا، قد تراجعت، ومن شواهد ذلك رفض المملكة العربية السعودية اتباع سياسة الولايات المتحدة تجاه الحرب في أوكرانيا ومعارضتها زيادة إنتاجها من النفط.