- زاد إيران - المحرر
- متميز
- 55 Views
كتب: محمد بركات
يعتبر ملف المياه واحداً من الملفات المختلف عليها بين حكومتي طهران وكابل، فلعدة سنوات، استمر الخلاف بين إيران وأفغانستان حول الموارد المائية المشتركة، حيث يؤثر الوضع الحالي لنهر هيرمند وهريرود بشكل كبير على النظام البيئي في منطقة سيستان وبلوشستان وشرق إيران. إضافة إلى ذلك، فإن زيادة عدد السكان ونمو البرامج التنموية في هذه المنطقة قد زادا من استهلاك المياه، ومن ثم أصبحت قضية حق إيران في الحصول على حصتها المائية أكثر أهمية من أي وقت مضى، كذلك فإن السدود التي شرعت أفغانستان في بنائها منذ عدة سنوات قد زادت الأزمة بعداً جديداً.
فحسب تقرير نشرته جريدة شبكة شرق الإخبارية الإيرانية بتاريخ 11 سبتمبر/أيلول 2024، فقد صرح أبو الفضل ظهره وند، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، بأن بناء السدود من قبل الأفغان يؤدي إلى اختلال النظام البيئي في المنطقة ويعكر الأوضاع الأمنية، وقال: “إن هذه الإجراءات تتسبب في تغيير مواقع السكان وتحدث أموراً تتعارض مع مصالح إيران”.
وأوضح أبو الفضل مناقشاً برنامج طالبان لبناء سد في ولاية زابل بأفغانستان وتأثيره على تدفق المياه إلى إيران، قائلاً: “إن خطوة طالبان تُظهر أن برنامج أفغانستان للسيطرة على الموارد المائية لا نهاية له، وقد أوقفوا حتى الكميات البسيطة من المياه التي يمكن أن تدخل إيران على شكل سيول. هذا البرنامج يُظهر الدور التهديدي لطالبان”.
وأشار إلى أن خطط بناء السدود التي تتبعها طالبان ستؤثر سلباً على النظام البيئي، وكذلك على الموارد المائية المشتركة في المنطقة، قائلاً: “لم نولِ هذه المسائل الاهتمام الكافي حتى الآن، والآن بدأت تظهر علامات هذه الحقيقة المرة.”
وأضاف عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان أنه “على الرغم من الخطط الواسعة التي تنفذها طالبان للحد من الموارد المائية إلى حدود أفغانستان، فإنه لا توجد أي إشارات أو آثار على التنمية والإعمار في هذا البلد، ويمكن القول إن هذه الخطط في الواقع ورقة سياسية تُستخدم ضد إيران”.
وأكد أبو الفضل أن “بناء السد في ولاية زابل بأفغانستان سيوقف تدفق المياه السنوي الذي كان يصل إلى إيران على شكل سيول. كما أن بناء سد كمال خان يوجه المياه الفائضة إلى منطقة غور دزره، وبهذا الشكل سيتم قطع حتى الكميات البسيطة من المياه التي كانت تتدفق نحو إيران على شكل سيول”.
وأشار إلى أن حكومة بزشكيان يجب أن تضع قضية حقوق المياه لإيران من الأنهار المشتركة مع أفغانستان على رأس أولوياتها بشكل أكثر جدية، مضيفاً: “الإجراءات التي اتخذت حتى الآن لم تكن فعالة، وهذا يعني أننا لا يجب أن نتبع النهج السابق نفسه. يجب أن نعيد النظر بشكل جوهري في سياستنا تجاه أفغانستان”.
وبحسب تقرير وكالة إيلنا الإخبارية الإيرانية، فقد أعلنت طالبان مؤخراً عن بناء سد كبير في ولاية زابل بأفغانستان، كما أعلنت أن العمل على بناء سد باشدان في ولاية هرات جارٍ على قدم وساق. وذكر محمد عبد الكبير، نائب رئيس الوزراء للشؤون السياسية في طالبان، أن “بناء السدود المائية أولوية لدى طالبان، وهذه الخطوة ليست ضد أي دولة”.
جذور الأزمة بين إيران وأفغانستان
يعتبر نهر هلمند هو المورد المائي المشترك بين إيران وأفغانستان، كذلك فهو أطول أنهار أفغانستان، حيث يبلغ طوله 1150 كيلومتراً، وينبع من جبال هندوكوش إلى الغرب من كابول، وينتهي باتجاه الجنوب الغربي، ويفرغ مياهه في بحيرة هامون بمحافظة سيستان-بلوشستان الإيرانية، ويُغذي الأراضي الرطبة على طول الحدود الأفغانية الإيرانية. ولطالما كان هذا النهر موضوعاً للتعاون تارة والتوتر تارة أخرى بين أفغانستان وإيران، إذ سعت الأخيرة لضمان تدفقات المياه إلى أراضيها؛ تخوفاً من أن يؤدي نقص المياه إلى خلق حالة من عدم الاستقرار داخل محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية التي يهيمن عليها السُّنة والبلوش.
ومن الجدير بالذكر، أن أهمية نهر هلمند بالنسبة للبلدين تنبع من كونه شرياناً رئيسياً تعتمد عليه حياة السكان في دلتا النهر على جانبي الحدود الأفغانية الإيرانية، كما تعد الموارد المائية للنهر مصدراً رئيسياً لممارسة أنشطة كسب العيش لهؤلاء الأشخاص، ومورداً مهماً أيضاً لمياه الشرب والزراعة وصيد الأسماك في تلك المنطقة.
ويعود تاريخ الخلافات حول المياه بين إيران وأفغانستان إلى سبعينيات القرن التاسع عشر عندما كانت أفغانستان تحت السيطرة البريطانية، حيث تم ترسيم الحدود الإيرانية الأفغانية على طول الفرع الرئيسي لنهر هلمند. وفي العام 1939، وقعت الحكومة الإيرانية وحكومة أفغانستان معاهدة بشأن تقاسم مياه النهر، إلا أن الأفغان قد فشلوا في التصديق عليها. وفي عام 1948، بدأت محاولة أخرى لحل النزاع في واشنطن، واختارت إيران وأفغانستان لجنة ثلاثية لتسوية الأزمة. وفي فبراير/شباط 1951، أوصت اللجنة بأن تبلغ حصة إيران من مياه هلمند 22 م3/ث، ولكن إيران رفضت التقرير وطالبت بنصيب أكبر من النهر، وبالتالي دخل البلدان في مرحلة تفاوض طويلة.
وفي عام 1973، وقّع رئيسا وزراء البلدين اتفاقاً يخصص 22 م3/ث لإيران في السنة العادية (يكون فيها تدفق النهر عند 5.6 مليار متر مكعب أو أكثر) مع إضافة 4 م3/ث كحسن نية وكدلالة على العلاقات الأخوية بين البلدين، على أن تنخفض الحصة بشكل متناسب في حال انخفاض تدفق النهر، مقابل موافقة إيران على إتاحة ميناءي بندر عباس وتشابهار لأفغانستان دون شروط مسبقة، ومع ذلك، لم يتم التصديق على الاتفاقية أو تنفيذها بالكامل بسبب التطورات السياسية في كلا البلدين وضمن ذلك انقلاب 1973 في أفغانستان، والثورة الإيرانية عام 1979، والاحتلال السوفيتي لأفغانستان في العام نفسه، وصعود حركة طالبان عام 1995.
وعلى الرغم من أن معاهدة 1973 تضمن لإيران الوصول إلى حصتها في مياه نهر هلمند، فإنها تمنح أيضاً لأفغانستان حقوقاً- أحادية الجانب- في استخدام إمدادات المياه المتبقية أو التخلص منها بالشكل الذي تختاره، وهو ما يُمكنها من تنفيذ المشاريع الزراعية ومشاريع الطاقة المائية وإقامة الخزانات والسدود على النحو الذي تراه مناسباً.
لذلك حرصت الحكومات الأفغانية المتعاقبة، على بناء عدد من السدود على نهر هلمند بهدف تخزين المياه وزيادة توليد الطاقة الكهرومائية، ومن ذلك سد كجكي وسد كمال خان الذي بدأ بناؤه في عام 1996، وتم تعليقه بسبب القتال في أفغانستان، واستؤنفت عملية البناء مرة أخرى عام 2014 في عهد الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني، وتم افتتاحه في مارس/آذار 2021.
وقد فاقمت مثل هذه المشروعات حدة التوترات بين أفغانستان وإيران حول مياه هلمند خلال العقود الماضية، وحاولت الأخيرة وقف بناء هذه السدود وممارسة الضغط على حكومة أشرف غني، واتهمت الجانب الأفغاني مراراً وتكراراً بانتهاك اتفاقية 1973، وعدم توصيل المياه التي تم توزيعها بشكل مناسب، ومحاولة تقييد تدفق مياه النهر من خلال بناء السدود، وفي المقابل استمرت كابول في تأكيد أن هذه الادعاءات غير صحيحة.