- زاد إيران - المحرر
- متميز
- 34 Views
في الوقت الذي تستعد فيه إيران لدخول فصل الصيف، تعود أزمة الكهرباء إلى الواجهة بقوة، مثيرة موجة من التساؤلات والقلق الشعبي، فبين انقطاعات مفاجئة، وتصريحات متضاربة، ومحاولات حكومية لتدارك الموقف، تتكشّف ملامح خلل عميق في إدارة ملف الطاقة، لا يُعزى إلى ظرف طارئ بقدر ما يعكس تراكمات إدارية وتقنية ممتدة لسنوات.
ومع تزايد الطلب على الكهرباء، تبرز تحديات الاستهلاك والإنتاج، في ظل بنية تحتية متهالكة، وخطط إصلاحية متأخرة، بينما تتعالى الأصوات المطالبة بالشفافية، وتكثُر الوعود الرسمية في وقت ضاق فيه هامش الانتظار.
فقد شهدت إيران منذ سنوات أزمة متصاعدة في قطاع الكهرباء، تتمثل في عدم قدرة منظومة الإنتاج الحالية على تلبية الطلب المتزايد، خاصة خلال فصلي الصيف والشتاء، حيث يتضاعف استهلاك الطاقة.
هذه الأزمة، وإن كانت تظهر بشكل موسمي، إلا أنها نتيجة تراكمات طويلة تعود لعقود من غياب التخطيط المستدام، وضعف الاستثمار في البنية التحتية، وتزايد عدد السكان والطلب الصناعي، دون نمو موازٍ في الإنتاج.
وفي تطور غير مسبوق لتلك الأزمة، سجلت شبكة الكهرباء الإيرانية في 4 مايو/ آيار 2025 استهلاكا بلغ 59 ألف ميغاواط، بزيادة تقارب 50% مقارنة باليوم ذاته من العام الماضي، ما دق ناقوس الخطر مبكرا بشأن احتمالات الانقطاعات الواسعة خلال أشهر الصيف.

وتشير البيانات أنه ورغم أن استهلاك الكهرباء في ربيع العام الماضي لم يتجاوز 50 ألف ميغاواط، فإن النمو المفاجئ الذي بلغ 20 ألف ميغاواط هذا العام لا يمكن تفسيره بعامل واحد فقط، بل يُعزى إلى مجموعة من العوامل المتراكبة.
الحرارة المبكرة تدفع الطلب
التحليل الأولي أرجع جانبا من الزيادة إلى ارتفاع درجات الحرارة في عدة مدن، منها طهران التي سجلت 33 درجة مئوية في بداية مايو من العام الحالي، مقارنة بـ 26 درجة في نفس التوقيت من العام الماضي، هذا الفارق أدى إلى تشغيل مبكر ومكثف لأنظمة التبريد، خصوصا في القطاع المنزلي، الذي بات يشكل نصف إجمالي استهلاك الكهرباء.
البنية التحتية تواجه الانهيار
أحد العوامل الأخرى تمثل في الضغط على شبكة الكهرباء، فلم تكن الأزمة بسبب زيادة الطلب فقط، بل لأن القدرة الفعلية للإنتاج لا تتجاوز 60 ألف ميغاواط، في حين تشير التوقعات إلى أن الطلب في ذروة الصيف قد يتجاوز 75 ألفا، فضعف شبكة التوزيع وفقدان آلاف الميغاواطات في النقل، إلى جانب التأخر في تطوير المحطات، كلها عوامل تجعل مواجهة هذه الزيادة أمرا عسيرا.
الدولار والصناعات.. تحفيز غير محسوب
عامل آخر ساهم في الارتفاع هو ما يسمى بصدمة الدولار، فمع بدء العام الإيراني الجديد في مارس/ آذار 2025، وانخفاض أسعار الصرف، ارتفعت حوافز الصناعات للإنتاج والتخزين، ما دفع بعض القطاعات إلى العمل بثلاث ورديات في محاولة للاستفادة من انخفاض تكاليف المواد الخام قبل أي تقلبات جديدة. ومع أن بعض الصناعات مثل الصلب والأغذية أكدت هذا النمط، إلا أن الخبراء يشككون في كونه سببًا رئيسيًا، خاصة في ظل محدودية الموارد البشرية والطاقة الإنتاجية.
الخوف من المستقبل يدفع الاستهلاك
كذلك، فقد أظهرت المؤشرات أن الصناعات تحركت مبكرا تحسبا لبلوغ درجات الحرارة ذروتها في أشهر الصيف، وهو ما عزز من استهلاك الكهرباء منذ نهاية إبريل/ نيسان 2025. هذا القلق من الانقطاعات المحتملة دفع العديد من المصانع إلى تكثيف الإنتاج وتخزين المنتجات، ما رفع الضغط على الشبكة.
العملات الرقمية.. المستهلك الخفي
ومن بين العوامل غير التقليدية الأخرى التي ربما تؤثر في استهلاك الكهرباء هو تعدين العملات الرقمية، فالتعدين ظل عاملا مزمنا في أزمة الكهرباء، إذ تشير تقديرات رسمية سابقة إلى استهلاك يصل إلى 2500 ميغاواط بسبب هذا النشاط، ما يزيد من تعقيد مشهد التوازن في الطاقة، خاصة في فترات الذروة.
عودة انقطاع التيار الكهربائي
وفي ظل تلك الأزمة المبكرة، ورغم الوعود التي أطلقها مسؤولو وزارة الطاقة في العام الماضي بعد موجة شديدة من الانقطاعات، فإن عام 2025 شهد عودة مبكرة لانقطاع الكهرباء، بل وبصورة أكثر فوضوية، فبدلا من جدول منظم، جاءت الانقطاعات دون أي إعلان مسبق، وضربت العديد من المناطق السكنية والصناعية منذ بداية فصل الربيع.
حيث تشير التقارير الواردة من المواطنين إلى أن التيار الكهربائي يُقطع يوميا في بعض المناطق لفترتين كل منهما ساعتان، ما يعني غياب الكهرباء لأربع ساعات في اليوم، دون إخطار، ودون جدول واضح، الأمر الذي أثر بشكل مباشر على الحياة اليومية، من تعطل المصاعد، إلى توقف أجهزة تبريد الأدوية لدى المرضى، وتعطيل الطلاب عن دراستهم، وأصحاب الأعمال الصغيرة عن إنتاجهم.

ولم تكن المناطق الصناعية بمنأى عن ذلك، حيث أعلنت بعض المصانع أنها تتلقى ثلاثة أيام من الانقطاع أسبوعيًا، رغم الوعود السابقة بأن هذا القطاع سيكون محميًا من تأثير الانقطاعات عبر خطط بديلة.
التوجه إلى الطاقة الشمسية وتهديد بزشكيان
في ظل تصاعد الأزمة، بدأت السلطات تتحدث علنا عن ضرورة التوجه نحو بدائل مستدامة، وعلى رأسها الطاقة الشمسية. فإيران، التي تتمتع بمتوسط سطوع شمسي يتجاوز 300 يوم في العام في معظم المناطق، تمتلك من حيث الطبيعة الجغرافية مقومات ممتازة لاعتماد هذا النوع من الطاقة. لكن الواقع يقول إن الطاقة الشمسية لا تشكل حاليا سوى أقل من 1% من مزيج الطاقة في البلاد، وهي نسبة متواضعة جدًا مقارنة بإمكاناتها.

في هذا السياق، أعلن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال حديث له الإثنين 5 مايو/ آيار 2025 موقفا حازما تجاه الإدارات الحكومية التي لم تتخذ خطوات فعلية نحو الاعتماد على الطاقة النظيفة، كما هدد صراحة بقطع الكهرباء عن كل دائرة حكومية أو مؤسسة لا تعتمد على الطاقة الشمسية في جزء من استهلاكها اليومي، فقد صرح قائلا “لن نوفر الكهرباء للإدارات التي لا تلتزم بتعليمات استخدام الطاقة الشمسية، ولن نطلب من المواطنين التضحية بينما الدولة لا تقوم بواجبها.”

تأتي هذه التصريحات في ظل سعي الحكومة لتقليل الحمل عن الشبكة الوطنية، وتحفيز القطاع العام كمثال يُحتذى به. كما تتجه الحكومة إلى تقديم حوافز للقطاع الخاص والمواطنين، تشمل تخفيضات ضريبية وتسهيلات تمويلية لتركيب الألواح الشمسية على الأسطح.
ورغم أن هذه الخطوة تبدو إيجابية عند المناقشة، إلا أن التحدي يكمن في التنفيذ. فعدد كبير من المباني الإدارية قديم وغير مهيأ لتركيب أنظمة شمسية، كما أن معظم الإدارات تفتقر إلى الميزانيات المستقلة التي تسمح لها بتركيب هذه الأنظمة دون دعم حكومي مباشر. يضاف إلى ذلك البيروقراطية، التي تمثل عقبة مزمنة في تنفيذ أي مشروع مستدام.
دعوات للشفافية وسط تضارب الأرقام الرسمية
مع تصاعد انقطاعات الكهرباء تتزايد المطالب الشعبية بضرورة اعتماد الشفافية كحد أدنى من المسؤولية الحكومية، حيث يرى مراقبون أن غياب جداول واضحة لانقطاع التيار يعمّق أزمة الثقة بين الناس والسلطات، في وقت تتكرر فيه الوعود الرسمية دون أن تترجم إلى خطوات ملموسة على الأرض.
وفي هذا السياق، أثار تقرير نشرته وكالة تسنيم الإيرانية في إبريل/ نيسان 2025 جدلا واسعا بعدما زعمت فيه أن استهلاك الكهرباء ارتفع بنسبة 50٪ في بداية مايو، أي ما يعادل زيادة يومية بنحو 19,773 ميغاواط مقارنة بالعام الماضي، غير أن هذه الأرقام وُضعت سريعا موضع تساؤل من قبل خبراء في قطاع الطاقة، مؤكدين أنها لا تعكس الواقع الفعلي لشبكة الكهرباء في البلاد.

فمن جانبه، نفى مصطفى رجبي مشهدي، المدير التنفيذي لشركة توانير، الشركة القابضة للكهرباء في إيران، دقة هذه الإحصاءات، موضحا أن الزيادة الحقيقية في الاستهلاك لم تتجاوز 9,000 ميغاواط، أي بنسبة 13.6٪ فقط، مرجعا الأمر إلى موجة حر مبكرة ضربت عددًا من المناطق. وأضاف أن أقصى حمل مسجل بلغ 58,700 ميغاواط، وهو رقم أدنى بكثير من التقديرات المثيرة للجدل.

وفي ظل هذا التضارب في البيانات، يرى الخبراء أن المبالغة في الأرقام لا تُسهم في معالجة الأزمة، بل تؤدي إلى تعميق مخاوف المواطنين، خاصة مع اقتراب فصل الصيف الذي قد يشهد ذروة في الطلب على الكهرباء. ويرى البعض أن الوقت قد حان للتوقف عن إطلاق الوعود العامة، والبدء بتطبيق حلول واقعية مثل تحديث البنية التحتية، خفض الاستهلاك، دعم الطاقة النظيفة، وتطوير محطات الكهرباء المتهالكة.