بين هجوم ودفاع عن المفاوضين.. خلاف كبير في البرلمان الإيراني بعد يوم من محادثات مسقط

كتب: ربيع السعدني

غداة الجولة الأولى من المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران في سلطة عُمان، شهد البرلمان الإيراني ذو الأغلبية المحافظة تراشقا بين المؤيدين والمعارضين لنهج الحوار مع واشنطن.

إذ أبدى مشرعون شكوكهم في نجاح المسار الجديد، في حين دعا آخرون إلى التريث والتزام توصيات المرشد علي خامنئي.

وبدأ البرلمان جلساته الأسبوعية صباح الأحد 13 أبريل/ نيسان 2025 بعد يوم واحد من المفاوضات النووية على وقع الردود العاصفة حيال المناقشات التي جرت في العاصمة العمانية مسقط بين وزير الخارجية عباس عراقجي، وستيف ويتكوف المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط.

اتهامات للوفد الإيراني 

وفي هذا الصدد، انتقد النائب المتشدد مهدي كوجك زاده، ممثل طهران بالمجلس إخفاء تفاصيل المحادثات عن البرلمان، مخالفا بذلك اللائحة الداخلية، ووجه اتهامات حادة للوفد الإيراني في مفاوضات عُمان مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي.

وأعلن كوجك زاده: “سأتنازل عن معارضتي وأُشير إلى نقطةٍ واحدة، إن البرلمان ليس لديه أي معلومات عن مسار المفاوضات مع أمريكا”، وأضاف: “يا أيها الشعب، كونوا على حذر، فكل لحظة حساسة للغاية”.

وأضاف: “يا شعب إيران، أثبتت التجارب أن من يدّعون الخير ودفع شبح الحرب وإعمار الدنيا، لم يفعلوا إلا نهب أموالكم، وإسناد المناصب لأبنائهم، وشقّ طرق خاصة لفيلاتهم، ومحاولة الاستيلاء على فنادق مؤسسة الدولة”.

رسالة قاسية

كما وجه النائب كوجك زاده رسالة قاسية ردا على المفاوضات الجارية، متهما بعض المسؤولين بـ”التضحية بالشرف من أجل مصالحهم الخاصة”.

وكتب ممثل طهران بالمجلس عبر حسابه على موقع تليجرام: “كان يوم السبت يوما سيئا، اليوم سوف يضحي غير الشرفاء بالشرف والأمة أيضا، وسيكون الأسبوع كله رماديا”.

واستشهد بالنائب الإصلاحي حسن قشقاوي، ممثل رباط كريم ورئيس اللجنة النووية بالأمن القومي في البرلمان وزعم أنه لا يملك أي معلومات عن المفاوضات، ولكنه سرعان ما تراجع بعد لحظات، قائلا: “إذا اتُخذ هذا الإجراء بمرارة شديدة، فلن نعارضه”.

وكانت لهذه التصريحات المثيرة للجدل تداعيات واسعة النطاق في وسائل الإعلام والساحة السياسية، وأشار قاليباف إلى أن كوجك زاده لا يحق له التحدث باسم البرلمان، وأن جميع الإجراءات تمت وفق القنوات القانونية. 

قاليباف: لم تلتزم باللوائح

في هذه الأثناء، رد محمد باقر قاليباف رئيس البرلمان الثاني عشر، على تحذير النائب عن طهران مهدي كوجك زاده في الجلسة العلنية للمجلس، وخاطبه قاليباف، قائلاً: “أولاً، لقد تحدثتَ بصفتك معارضا، ولم تلتزم باللوائح، وكان هذا مخالفا للنظام الداخلي للمجلس، ثانيا: بصفتك نائبا، لا يمكنك القول إن البرلمان لم يكن على علم بهذه المحادثات”.

في هذه الأثناء، دخل النائب الإصلاحي حسن قشقاوي، وهو دبلوماسي إيراني سابق، على خط السجال، مطالبا النواب بعدم التسرع في إصدار الأحكام على نتائج المحادثات، ثم احتج بصوت عالٍ على تصريحات مهدي كوجك زاده وطالب بتوبيخه، ولكن بسبب لائحة المجلس، تم تأجيل التوبيخ إلى نهاية الجلسة.

وقال قشقاوي الذي يترأس اللجنة النووية في البرلمان، التي تضم ثلاثة نواب “تؤيد مسار المفاوضات” وهم (محمود نابويان وعلي خزريان، وحسن قشقاوي)، وأوصى رئيس اللجنة الجميع بقوله: “على النواب الانتباه للحرب النفسية الإعلامية الدائرة منذ الجولة الأولى من مفاوضات مسقط”.

وتابع: “انظروا إلى خصومنا في إسرائيل الذين يحاولون بشتى الطرق، الادعاء بوجود خلاف إيراني في الرأي بينما نحن تابعون للقيادة، وقراراتهم هي الوحيدة التي تُناقش”.

وأضاف: “قرارات القيادة العليا فيما يتعلق بالمفاوضات هي الكلمة الفصل، ونحن في اللجنة ندعم هذا المسار، ونعتقد أن إخواننا في فريق التفاوض قد أدّوا عملهم بشكل جيد، والعالم اليوم يقرّ بأن الفريق محترف”.

أما النائب البرلماني فضل الله رنجبر، ممثل مدينة كرمانشاه، فقد دعا بحسب صحيفة “هم ميهن”، إلى التضامن والتكاتف تحت راية المرشد، في ظل الظروف الحالية، لدعم السياسة الخارجية للدولة، وأكد على ثقته بفريق التفاوض، و”سنواصل دعمهم بما يتماشى مع توجيهات القيادة”.

البرلمان على علم 

ومن جهته أعلن رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، بحسب وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا”، ردا حاسما على اتهامات كوجك زاده بأن البرلمان لم يكن على علم بالمفاوضات غير المباشرة في سلطنة عُمان: “لا يمكنك أن تتحدث نيابة عن البرلمان بأن المجلس لم يكن على علم (بالمفاوضات)، لا بد أن البرلمان كان في جلسة ولا يتم أي عمل أو إجراء خارج الإجراءات القانونية”.

وأكد قاليباف لـ مهدي كوجك زاده: “بيانك لم يكن صحيحا أو دقيقا”، وبعد خطاب مهدي كوجك زاده، دخل قاعة البرلمان في حالة من الاضطراب لبضع لحظات، وانتقد بعض النواب خطاب زاده.

على الجانب الآخر، ذكرت مصادر برلمانية لصحيفة “هم ميهن” أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي سيُطلع لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي على نتائج محادثات الجولة الأولى، قبل أن يعود إلى مسقط في مطلع الأسبوع المقبل، وقال رئيس اللجنة النووية حسن قشقاوي: “من المستبعد أن يرفض الفريق المفاوض النووي طلبا من لجنة الأمن القومي أو البرلمان لتقديم تفسيرات”.

لا للانقسام 

وفي الوقت نفسه، أدانت صحيفة “إطلاعات” الإيرانية اتهامات النائب الإيراني مهدي كوجك زاده، وذكرت: “ليس مفهوما تماما أن تستمر مجموعة، حتى مع علمها بأن قرار التفاوض هو قرار نظام صنع القرار بأكمله في البلاد، في المعارضة والمماطلة وضبط أدواتها”.

ولذلك، لا ينبغي أن يُسمح لهم بإحداث خلل في عمل فريق التفاوض، مما قد يؤدي إلى إضعافهم وإحباطهم، وتقليل قدرتهم على التفاوض وتقديم التنازلات، وعندما تكون المصالح الوطنية على المحك، لا يوجد مجال لتسوية الحسابات السياسية، ولا للانقسام، أو الإساءة اللفظية، أو رمي الحجارة، أو الاستقطاب”.

طريق مسدود

فيما طالب النائب المتشدد أمير حسين ثابتي الحكومة أن تمضي في المفاوضات إذا كانت تؤدي فعليا إلى رفع العقوبات، لكن التجربة على حد قوله أظهرت أن هذا الطريق لا يؤدي إلى نتيجة، والولايات المتحدة لا تلتزم بتعهداتها، واقترح على الحكومة أيضا أنه “بدلا من التعويل على رفع العقوبات بيد المستكبرين، عليها أن تواجه الاستكبار الداخلي بدل انتظار رفع العقوبات من الاستكبار الخارجي”، داعيا إلى تعويض مستثمرين فقدوا ودائعهم في بنوك داخلية.

خلاف يعكس التوترات

هذا الخلاف يعكس توترات داخلية حول الشفافية في المفاوضات الإيرانية الأمريكية غير المباشرة التي جرت في عُمان بشأن البرنامج النووي وقد بدأت جولتها الأولى في 12 أبريل/ نيسان 2025، وسط توترات إقليمية. 

كانت المحادثات غير مباشرة، بوساطة عُمانية، حيث أكدت إيران أنها تمنح الفرصة للحوار بجدية لكنها ترفض أي تهديدات من قبل الولايات المتحدة أو التخلي عن برنامجها لتخصيب اليورانيوم، واعتبرته “خطا أحمر”. 

رفع العقوبات مقابل كبح البرنامج النووي 

الولايات المتحدة، بقيادة المبعوث الأمريكي بالشرق الأوسط ستيف ويتكوف، شددت على منع طهران  من امتلاك سلاح نووي، مع استعداد لتقديم تنازلات محدودة لتخفيف العقوبات مقابل كبح البرنامج النووي.

الطرفان وصفا المحادثات بـ”الإيجابية والبناءة“، على حد وصف وزير الخارجية ورئيس الوفد الإيراني عباس عراقجي واتفقا على استئنافها بعد أسبوع، وتشمل الأهداف تهدئة التوترات، مناقشة تبادل السجناء، وإمكانية اتفاق مؤقت لتجنب التصعيد، رغم تباين وجهات النظر حول طبيعة الاتفاق. 

إيران تشكك بنوايا واشنطن، بينما الولايات المتحدة أبقت الخيار العسكري مطروحا في حال فشل الدبلوماسية، لا تزال الفجوة كبيرة، لكن الحوار يعكس محاولة لتجنب المواجهة.

كلمات مفتاحية: