هل تذهب أمريكا لمواجهة إيران؟ تفاصيل اللحظات المتوترة في العلاقة بين البلدين

ترجمة: يارا حلمي 

نشرت وكالة أنباء “خبر أونلاين” الإيرانية المحافظة، المحسوبة على مكتب علي لاريجاني مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، الخميس 1 مايو/أيار 2025، تقريرا تناولت فيه تصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة منذ انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من الاتفاق النووي عام ،2018 مع استعراض سيناريوهات الحرب وتبعاتها المعقدة.

ذكرت الوكالة أن إدارة ترامب الثانية هدّدت إيران مرارا بشنّ هجوم عسكري منذ بدء عملها الرسمي، كما أقدمت على خطوات تصعيدية مثل إرسال حاملات طائرات وقاذفات استراتيجية إلى المنطقة، في محاولة لزيادة الضغط على طهران.

وأضافت أن هذه التحركات تجري في وقت بدأت فيه مفاوضات غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة في العاصمة العمانية مسقط، حيث باتت الحقائق التي يفرضها واقع طاولة التفاوض والقضايا الفنية الدقيقة تهيمن على مسار المحادثات، الأمر الذي يدفع البيت الأبيض إلى مزيد من التكيّف مع الوقائع القائمة.

وأشارت إلى أن طهران وواشنطن تسعيان في هذه الأيام إلى إيجاد مسار من أجل التوصل إلى تفاهم مشترك، بينما يبدو البيت الأبيض في هذه المرحلة أكثر تسرّعا من أي وقت مضى في سعيه نحو اتفاق.

وتابعت أن المسؤولين في إدارة ترامب لا يزالون يطلقون تهديدات عسكرية متكررة ضد إيران بين الفينة والأخرى، وهي تهديدات تبتعد كثيرا عن تعقيدات الواقع التفاوضي في مسقط، حيث تفرض القضايا الفنية الدقيقة والمركبة مسارا مختلفا، فيما لا تزال طهران تتعامل مع واشنطن بريبة وتشكيك حيال أي التزام محتمل قد يصدر عنها في حال التوصل إلى اتفاق.

وأوضحت أنه في ظل هذه التطورات، وبعد مرور عام وستة أشهر على حادثة السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 تسعى بعض التيارات إلى إشعال فتيل صراع جديد، مستندة إلى فرضية، مفادها أن إيران باتت في أضعف حالاتها، وأن الوقت الحالي يُعدّ الأنسب لتوجيه ضربة عسكرية تهدف إلى القضاء على برنامجها النووي.

وأشارت إلى أن السؤال المحوري الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل يمكن أن تقدم الولايات المتحدة على مثل هذه الخطوة الطائشة من دون أن تتحمّل تكاليف باهظة؟ من المؤكد أن الجواب بالنفي، والحقائق التالية ليست غائبة عن أذهان صانعي القرار في البيت الأبيض.

وبينت أن الحرب مع إيران قد تخلّف تداعيات خطيرة على الولايات المتحدة، سواء من الزاوية الاستراتيجية أو الاقتصادية، إذ إن الموقع الجغرافي لإيران في منطقة الشرق الأوسط يمنحها دورا محوريا في معادلات الإقليم.

وأضافت أن البيت الأبيض فرض عقوبات صارمة وثقيلة على إيران، وضمن ذلك صادراتها النفطية، غير أن اندلاع أي مواجهة عسكرية من شأنه أن يعطل تدفق النفط عالميا، ويفجّر موجة ارتفاع حاد في الأسعار، إلى جانب اضطرابات اقتصادية واسعة النطاق على مستوى العالم.

وأوضحت أن التكلفة البشرية المحتملة لهذا السيناريو ستكون مرتفعة جدا، سواء لناحية وقوع ضحايا بشرية من الجانبين، أو من ناحية التسبب في مزيد من زعزعة استقرار المنطقة.

وتابعت أن مثل هذه الحرب قد تؤدي إلى توتر العلاقات بين واشنطن وحلفائها، فضلا عن تعقيد السياسات الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. وتشير المعطيات التاريخية إلى أن النزاعات الطويلة عادةً ما تؤدي إلى استياء شعبي داخلي وتحديات سياسية متنامية تواجه الإدارة الأمريكية.

وذكرت أن عددا كبيرا من حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا والشرق الأوسط يفضلون المسار الدبلوماسي لحل أزمة البرنامج النووي الإيراني على خيار الحرب، حيث إن أي صراع عسكري ستكون له انعكاسات سلبية على دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا، وحتى على بلدان الخليج.

وأشارت إلى أن علاقات إيران الدبلوماسية والاقتصادية المتشابكة مع الصين وروسيا تضيف مزيدا من التعقيد إلى السياسة الخارجية الأمريكية، وتضع واشنطن في مواجهة محاور متعددة المصالح.

وأكدت أنه من المرجح أن الدخول في حرب طويلة جديدة من شأنه أن يشعل حالة من السخط الشعبي داخل الولايات المتحدة، ويؤدي إلى موجة احتجاجات واضطرابات سياسية داخلية، في وقت لا تزال فيه ذاكرة الأمريكيين تحتفظ بتجارب الحرب في العراق وأفغانستان.

وأوضحت أن قطاعا واسعا من الرأي العام الأمريكي سيعارض خوض نزاع طويل الأمد جديد، لا سيما إذا كان مآله غير واضح أو محفوفا بالمخاطر السياسية والاقتصادية والأمنية.

لحظات حرجة أدت إلى حافة الحرب

ذكرت الوكالة أنه في محطات سابقة من تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، شهد الطرفان لحظات حرجة كادت تنزلق نحو مواجهة عسكرية مباشرة، وبرزت هذه التوترات بشكل خاص في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن، الذي تميزت إدارته بتوجهات متشددة وحربية، وكان من بين أركانها ديك تشيني نائب الرئيس، وكولين باول وزير الخارجية، ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع.

وأضافت أن جورج بوش كتب في مذكراته التي حملت عنوان “لحظات اتخاذ القرار”، أنه أوعز إلى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بإجراء دراسات لازمة حول مستلزمات تنفيذ هجوم عسكري على إيران، موضحا أن مثل هذا التحرك كان يمكن أن يوقف “القنبلة الموقوتة” مؤقتا على الأقل، ولفت بوش في مذكراته، إلى وجود خلافات داخل فريقه للأمن القومي بشأن المقترح المتعلق بضرب إيران.

وتابعت أن بوش رفض في عام 2008، طلبا إسرائيليا بتنفيذ ضربة جوية باستخدام قنابل ذكية ومتطورة ضد المنشآت النووية الإيرانية، وكشفت صحيفة “نيويورك تايمز” تفاصيل هذا المقترح، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت، توجه إلى الولايات المتحدة، وطلب من بوش تزويد إسرائيل بقنابل خارقة للتحصينات ذات قدرة تدميرية عالية قادرة على تدمير المخابئ المحصنة بالكامل.

وأوضحت أنه طلب كذلك أن تسمح واشنطن لتل أبيب باستخدام الأجواء العراقية لشنّ هجوم يستهدف منشأة نطنز الإيرانية، حيث تجري عمليات تخصيب اليورانيوم.

وبينت أنه بعد هذه المطالب، تدخل كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، وفي مقدمتهم وزير الدفاع آنذاك روبرت غيتس، لإقناع جورج بوش بأن أي ضربة عسكرية لإيران لن تدفع طهران نحو مزيد من التعاون مع المؤسسات الدولية، ولن تحقق أي نتائج عملية.

وأشارت إلى أن غيتس أكد أن مثل هذا الهجوم قد يدفع إيران إلى طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويؤدي إلى اتخاذ إجراءات جديدة من جانب طهران لإخفاء برنامجها النووي عن أنظار المجتمع الدولي.

وأكدت أن هذا المسار الذي سلكته إدارة جورج بوش في التعامل مع الملف الإيراني مهّد الطريق أمام الإدارة الأمريكية التالية، برئاسة باراك أوباما، لاعتماد الخيار الدبلوماسي من خلال التوصل إلى اتفاق نووي مع طهران، وهو الاتفاق الذي تحول لاحقا إلى محطة بارزة في العلاقات الدولية.

وأضافت أن أوباما صرّح قبل نحو 12 عاما، خلال ندوة حوارية في “مركز سابان” التابع لـ”مؤسسة بروكينغز”، بأن وقف البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل ليس خيارا واقعيا، وأوضح بقوله: “أريد أن يفهم الجميع أن مثل هذا الخيار غير ممكن التحقيق”.

وذكرت أن أوباما شدد في تصريحاته، على أنه لو كان يمتلك خيارا يؤدي إلى قيام إيران بتفكيك كامل لكل أجزاء ومكونات برنامجها النووي، ويمنعها نهائيا من امتلاك هذا البرنامج مستقبلا، ويقود بالتبعية إلى إنهاء جميع قدراتها العسكرية، لما تردد في اختياره، لكنه أكد أن مثل هذا الخيار ببساطة غير موجود.

وتابعت أن أوباما قال بوضوح: “أود أن يفهم الجميع أن هذا الخيار بعينه غير متاح، وبالتالي ما يجب علينا فعله هو اتخاذ قرار استنادا إلى الخيارات المتاحة، بما يضمن عدم تمكّن إيران من الحصول على سلاح نووي”.

وأضافت أن الرئيس الأمريكي الأسبق خلص في كلمته، إلى أن الخيار الدبلوماسي يظل السبيل الأمثل لتحقيق هذا الهدف، ومنع طهران من الوصول إلى مرحلة التسليح النووي، والحلول السياسية، على الرغم من تعقيداتها، تبقى الأكثر فاعلية واستدامة مقارنة بالخيارات العسكرية التي تفتقر إلى نتائج حاسمة وطويلة الأمد.

وأوضحت أن الاتفاق النووي، الذي تم التوصل إليه في عهد باراك أوباما، انهار بعد ثلاث سنوات فقط، حينما أقدم ترامب في عام 2018، على الانسحاب منه، ما أدى إلى تصاعد حاد في التوترات بين طهران وواشنطن.

وبينت أن عملية اغتيال اللواء قاسم سليماني، قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، وردّ طهران عبر قصف قاعدة “عين الأسد” الأمريكية في العراق، إلى جانب إسقاط طائرة التجسس الأمريكية المتطورة “غلوبال هوك”، فضلا عن تهديد ترامب بقصف 52 موقعا داخل الأراضي الإيرانية، كلها أحداث دفعت التوتر بين الطرفين إلى ذروته، واستمر هذا الملف مفتوحا حتى خلال الولاية الأولى للرئيس جو بايدن.

وأكدت أن إدارة ترامب الثانية، ومنذ لحظة تسلمها السلطة، كررت مرارا تهديداتها بشنّ هجوم عسكري على إيران، وسعت إلى ممارسة ضغط عسكري عبر إرسال حاملات طائرات وقاذفات استراتيجية إلى منطقة الخليج، في محاولة لفرض الشروط على طهران.

وتابعت أن هذه التهديدات ترافقت مع بدء مفاوضات غير مباشرة بين الجانبين في سلطنة عمان، حيث فرضت الحقائق السياسية والتقنية نفسها على طاولة التفاوض، وأجبرت البيت الأبيض على مواءمة مواقفه مع الواقع القائم، في ظل تعقيدات الملف النووي الإيراني.

الحرب مع إيران

ذكرت الوكالة أن الخبراء العسكريين يعتقدون أن أي مواجهة محتملة مع طهران سيكون لها عواقب بعيدة المدى، مستندين إلى البنية الجغرافية الخاصة بإيران التي تجعل من أي خيار عسكري معقدا للغاية بالنسبة للولايات المتحدة.

وأشارت إلى أن البنية التحتية النووية الإيرانية موزعة على امتداد البلاد، وهو ما يجعل سيناريوهات “الضربات الخاطفة” غير ذات جدوى، بخلاف ما حدث في الغارات الإسرائيلية على العراق سنة 1981، أو سوريا سنة 2007، وفكرة “تحويل إيران إلى نسخة من ليبيا” باتت أقرب إلى الوهم منها إلى الواقع.

وتابعت أن عبارة “أمّ كلّ المستنقعات” كانت عنوانا لمقالة مثيرة للجدل في صحيفة “واشنطن بوست” عام 2019، وجاء فيها أن الغارات الجوية لا تحقق نتائج حاسمة إلا إذا ترافقت مع عمليات برية، وهو ما تفتقر إليه واشنطن تماما في حالة إيران.

وأضافت أن إيران، من حيث عدد السكان والمساحة الجغرافية، تفوق العراق بأشواط، وتُظهر التقديرات أن السيطرة على الأراضي الإيرانية تتطلب نشر أكثر من مليون وستمائة ألف جندي، وهو رقم يفوق قدرة الولايات المتحدة العسكرية واللوجستية حاليا.

كلمات مفتاحية: