- زاد إيران - المحرر
- 34 Views
كتب: ربيع السعدني
في حين انتهت الجولة الأولى من المحادثات الإيرانية الأمريكية في عُمان تواصل وسائل الإعلام الغربية، خاصة الأمريكية، تقديم روايات مختلفة حول الطريقة التي عقدت بها الجولة الأولى من المحادثات، فضلا عن التوقعات التي أثارتها الولايات المتحدة خلال هذه المفاوضات.
ومن بين هذه الحالات مزاعم استضافة روما للجولة الثانية من المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن وفي هذا الصدد، أعلن موقع “أكسيوس” الإخباري الأمريكي، نقلا عن مصدرين مطلعين، أن الجولة الثانية من المقرر أن تُعقد يوم السبت (19 أبريل/نيسان 2025) في روما، عاصمة إيطاليا.

وبحسب “فرارو” فإن طهران وبروكسل وباريس وجنيف وبون ولندن ومدريد ولشبونة واسطنبول وبغداد وموسكو وألماتي ومسقط ولوزان وفيينا والدوحة هي 16 مدينة استضافت المحادثات النووية الإيرانية مرة واحدة أو أكثر، وبطبيعة الحال، شهدت نيويورك أيضا حدثا مماثلا بسبب استضافتها مقر الأمم المتحدة.
لكن إيران حسمت هذا الجدل من خلال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي الذي أعلن بشكل قاطع أن مسقط ستستضيف مجددا الجولة الثانية من المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن.
ورفض بقائي، التكهنات بشأن مكان انعقاد الجولة الثانية من المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، وبحسب وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إيسنا)، قال: بعد المشاورات تقرر أن تستمر مسقط في استضافة الجولة الثانية من هذه المفاوضات والتي ستعقد يوم السبت 19 أبريل/ نيسان 2025.

لماذا قرب المكان مهم للمفاوضين؟
لكن المكان الذي تجري فيه المفاوضات مهم لأسباب عدة، وتعتبر علاقة أطراف التفاوض بالدولة المضيفة إحدى القضايا، ولذلك عقدت أهم المفاوضات في دول تعتبر عادة محايدة في الشؤون الدولية، مثل عُمان وكازاخستان وسويسرا والنمسا.
وتعتبر المسافة الجغرافية عاملاً آخر يمكن أن يكون مهماً بالنسبة للمفاوضين، إن السفر المستمر بين واشنطن ومسقط، اللتين تفصل بينهما مسافة 11600 كيلومتر وتتطلب رحلة تستغرق 14 ساعة، سيكون مرهقاً للوفد الأمريكي، ومن هذا المنظور فإن أوروبا تشكل خيارا أكثر ملاءمة للجانبين.
ولكن الأهم من كل ذلك هو قضية الأمن والحفاظ على سرية المحادثات، وهو ما يكتسب أهمية مضاعفة في قضية مهمة مثل المفاوضات النووية الإيرانية وهي قضية يهتم العديد من الفاعلين الإقليميين والعابرين للإقليمية بتفاصيلها ويستخدمون كل أداة للتأثير على مسارها.
مخاوف من تجسس إسرائيل
في 11 يونيو/حزيران 2015، قبل أيام قليلة من بدء الجولة النهائية من المحادثات النووية في فيينا، أعلنت شركة كاسبرسكي للأمن السيبراني عن اكتشاف برنامج تجسس متطور (دودة Duqu اشتُقت من فيروس Stuxnet) أصاب شبكات ثلاثة فنادق تستضيف المحادثات.

استخدم هذا الإصدار الجديد، الذي أطلق عليه اسم “دوكو 2.0″، في الهجوم على ثلاثة فنادق أوروبية كانت تعقد فيها المحادثات بين إيران ومجموعة 5+1، ولم تكشف شركة كاسبرسكي عن أسماء الفنادق أو منفذي الهجوم، لكن أصابع الاتهام وجهت إلى إسرائيل من جميع الجهات بالتجسس على المفاوضات النووية الإيرانية ومحاولة إقناع الكونجرس بتقويض المحادثات.
وجهاً لوجه أم عن طريق وسيط؟
لكن هناك جدل آخر لا يزال محتدما في وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، وهو ما إذا كانت الجولة الثانية من المحادثات ستعقد بشكل مباشر أو غير مباشر، مع وجود وسطاء.
وذكرت وكالة أكسيوس للأنباء نقلا عن مصدر مطلع أن كبير المفاوضين الأمريكيين ستيف ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي تحدثا وجها لوجه (محادثات مباشرة) لمدة 45 دقيقة تقريبا يوم السبت في الجولة الأولى من المفاوضات وهي فترة زمنية أطول مما تم الإعلان عنه علنا، وأضاف المصدر أن إدارة ترامب تتوقع استمرار نفس صيغة المفاوضات المباشرة في الجولة الثانية.
إيران: لا توجد خطة لتغيير شكل المفاوضات

وردا على سؤال بشأن إمكانية تغيير أسلوب المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي خلال مؤتمر صحفي: أؤكد أنه لم يطرأ أي تغيير على شكل وطريقة إجراء المفاوضات، وليس هناك أي خطة من هذا القبيل، وستعقد المحادثات بشكل غير مباشر، بوساطة واستضافة وزير الخارجية العماني.
وأعلن بقائي حسبما نشرت وكالة أنباء “إرنا” إن المفاوضات المباشرة لن تتم لأنها ليست فعالة ومفيدة، ولذلك فإن المفاوضات ستكون غير مباشرة، إن هذه الطريقة الدبلوماسية ليست غير تقليدية، بل حدثت من قبل ويتم تطبيقها حالياً في أماكن أخرى.
وتابع بقائي: إن المفاوضات المباشرة في ظل إصرار أحد الأطراف على النهج الاستبدادي واستخدام لغة التهديد واللجوء إلى القوة ليست مفيدة ولا مقبولة بشكل عام بالنسبة لطرف مثل إيران ولا يمكن أن تؤدي إلى نتائج، ولذلك سنستمر بنفس الشكل والطريقة التي اخترناها.
وفي وقت سابق أعلن موقع أكسيوس أيضًا: “في حين أن الجولة الثانية من المحادثات لن تُعقد في عُمان، فمن المقرر أن يكون الوسطاء العُمانيون حاضرين (في الجولة الثانية من المحادثات)؛ “لكن هذه المرة يمكن أن تُعقد المفاوضات بين مسؤولين إيرانيين وأمريكيين في نفس الغرفة”.

وجاء هذا الخبر متناقضا إلى حد ما مع ما سبق أن صرح به إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة خارجية طهران، والذي قال: “أينما تجري المفاوضات، ستكون عُمان مسؤولة عن ترتيبات مقاعد الوفود وكيفية تبادل الرسائل بين الوفود، ومن المهم أن يستمر شكل وصيغة المفاوضات بهذا الشكل غير المباشر بوساطة عمانية”.
وأضاف؛ إن مكان المفاوضات ليس مسألة مهمة؛ المهم هو أن يبقى شكل وإطار التعامل بين إيران والولايات المتحدة دون تغيير، وأن تجري مفاوضات غير مباشرة بوساطة سلطنة عمان.
توقعات واشنطن ومخاوف إسرائيل
وعلى الجانب الآخر ذكر تقرير لصحيفة نيويورك تايمز غداة مباحثات السبت 12 أبريل/ نيسان 2025 أن الجانب الأمريكي تراجع عن موقفه الأولي، الذي كان يدعو إلى تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل، وكتبت: “في المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في عُمان، لم يطالب ستيف ويتكوف الممثل الأمريكي الخاص لشؤون الشرق الأوسط، بوقف إيران الكامل لتخصيب اليورانيوم، وكان التركيز على عدم استخدام المواد الموجودة لأغراض عسكرية”.

في حين نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” في تقرير مماثل عن مصادر مطلعة قولها: “إن إيران سعت إلى تخفيف العقوبات الأمريكية مقابل فرض قيود على برنامجها النووي خلال المحادثات غير المباشرة التي جرت يوم السبت، وهو ما فتح الطريق أمام محادثات أكثر جدية الأسبوع المقبل”.
ماذا يريد ترامب من طهران؟
من ناحية أخرى، نشرت صحيفة “تايمز أوف إنديا” تقريرا بعنوان “لماذا يتواصل ترامب مع إيران بشأن الاتفاق النووي بعد سبع سنوات من الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة وماذا تريد إسرائيل؟”
وجاء في تقرير الصحيفة الهندية: “بعد 7 سنوات من انسحابها من خطة العمل الشاملة المشتركة، يسعى ترامب مجددا إلى التفاوض مع إيران بشأن برنامجها النووي، بدأت هذه المحادثات بشكل غير رسمي في عُمان، واعتبرها الطرفان بنّاءة، تُريد إيران رفع العقوبات وضمان مصالحها الاقتصادية”.
بينما حذّر ترامب من أنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق، قد يُنظر في الخيار العسكري وتُتابع إسرائيل هذه العملية بقلق، وهدّدت باتخاذ إجراءات مستقلة في حال فشل المفاوضات”.
وأكد الرئيس الأمريكي مرارا وبشكل صريح أنه إذا تم التوصل إلى اتفاق، فسيكون ذلك في مصلحة إيران أيضا، وإلا فإن السيناريوهات السيئة ستتبع.

ويشير ترامب إلى إمكانية مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، وأكد أن إيران لا يمكن أن تمتلك أسلحة نووية وبطبيعة الحال، أكدت مصادر سياسية وإعلامية مختلفة أيضا أن ترامب، في رسائله الأخيرة إلى طهران ركز فقط على الملف النووي الإيراني، وامتنع عن الحديث عن مجالات أخرى للقوة الإيرانية، مثل شبكة نفوذ طهران الإقليمية أو قدرات الصواريخ والطائرات بدون طيار.
وفي خضم كل هذه التكهنات التي تتداولها وسائل الإعلام الأجنبية والأمريكية بشأن توقعات الجانبين الإيراني والأمريكي، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مقابلة: “المفاوضات مع إيران تسير بشكل جيد”
لماذا أُبعدت أوروبا عن مفاوضات مسقط؟
قال ثلاثة دبلوماسيين أوروبيين لوكالة “رويترز” إن قرار واشنطن إجراء محادثات مع إيران في عُمان اتخذ دون تنسيق مع الحلفاء الأوروبيين، و”هذا قلص نفوذ أمريكا”
وأعرب مسؤولون أوروبيون عن استيائهم من استبعادهم من المحادثات النووية الأخيرة بين الولايات المتحدة وإيران، ويقولون إن هذا النهج يذكرنا بالسياسات الأحادية الجانب التي انتهجها ترامب خلال فترة ولايته الأولى كرئيس، ويقولون إنه حتى على هامش اجتماع وزراء خارجية حلف شمال الأطلسي الأخير، كان من الصعب للغاية بالنسبة لهم ترتيب لقاء مع وزير الخارجية الأمريكي بشأن إيران.

وبحسب موقع صحيفة “همشهري أونلاين“، تزعم الدول الغربية أن إيران تسعى إلى تصنيع أسلحة نووية، وهو الادعاء الذي نفته طهران مرارا ويهدف التهديد بإعادة فرض العقوبات إلى الضغط على إيران لتقديم تنازلات، لكن دبلوماسيين قالوا إنه لم تتم حتى الآن أي مناقشات مفصلة مع الجانب الأميركي بشأن الاستراتيجية الشاملة.
وبسبب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015، لا تستطيع واشنطن استخدام آلية “الزناد” لإعادة فرض العقوبات في مجلس الأمن.
ولذلك فإن الأطراف الوحيدة التي يمكنها تفعيل هذه الآلية هي الدول الأوروبية الثلاث: “بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا”، وقال دبلوماسي أوروبي كبير لـ رويترز: “إن الترويكا الأوروبية لم تعد تثق بالولايات المتحدة لأنها اتخذت المبادرة دون استشارتها”.