صراع البيت الأبيض في عيون الصحافة الإيرانية

في خضم صراعات الأجنحة داخل السلطة التنفيذية الأمريكية وتحت وطأة الضغوط المتصاعدة على مستويات الأمن القومي، تتزايد التكهنات حول إعادة هيكلة فريق المستشارين حول الرئيس، فالأجواء الملبدة بالتوترات على خلفية الملفات الحساسة، من التعامل مع روسيا إلى الخيارات الدبلوماسية والعسكرية حيال طهران، تفرض نفسها على المشهد، مشهد تراه الصحف في إيران فرصة لاستكمال المفاوضات وبادرة إيجابية لإتمام اتفاق.

ففي خطوة مفاجئة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء الخميس الأول من مايو/أيار 2025، عزل مستشاره للأمن القومي، مايك والتز، وتعيينه سفيرا للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، حيث كتب على منصة سوشيال ويلث: “بكل فخر أعلن أنني سأُعيّن مايك والتز سفيرا مقبلا للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مايك والتز عمل بجد منذ خدمته في الجيش، وفي الكونغرس، وكمستشاري للأمن القومي، من أجل إعطاء الأولوية لمصالح أمتنا”.

وأضاف ترامب: “أنا واثق بأنه سيواصل هذا العمل في دوره الجديد أيضا، وفي هذا السياق، سيشغل ماركو روبيو، وزير الخارجية، منصب مستشار الأمن القومي، بينما يواصل في الوقت نفسه قيادته القوية في وزارة الخارجية”.

جدير بالذكر أن إعلان ترامب عن إقالة مايك والتز وتعيين خلف له جاء بعد أيام من تصاعد التقارير الصحفية والتسريبات التي لمحت إلى تغييرات وشيكة في الفريق الأمني للرئيس الأمريكي. فقد سبق هذا القرار موجة من الشائعات والتكهنات التي أيدتها مؤشرات متزايدة على وجود توتر داخلي في البيت الأبيض، كما كشفت التسريبات عن خلافات حادة بين والتز وشخصيات نافذة مثل لورا لوومر وسوزي وايلز، ما جعل قرار الإقالة مسألة وقت ليس إلا.

والتز… بين التشدد ضد إيران وفضيحة “سيجنال جيت”

وقد كان والتز، الضابط السابق في الجيش الأمريكي والنائب الجمهوري المعروف، أحد أبرز رموز التيار المتشدد داخل إدارة ترامب، خاصة في ما يتعلق بالسياسة تجاه إيران، فمنذ تعيينه مستشارا للأمن القومي في ولاية ترامب الثانية في 20 يناير/كانون الثاني 2025، لعب والتز دورا محوريا في الدفع نحو سياسات أكثر عدوانية ضد طهران، وكان من أبرز المؤيدين لعودة استراتيجية الضغط الأقصى التي كان قد بدأها ترامب في ولايته الأولى.

فقد رأى والتز أن إيران تمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي الأمريكي، ولم يتردد في الترويج لفكرة أن المواجهة العسكرية مع النظام الإيراني قد تكون ضرورية لوقف تهديداته الإقليمية.

لكن الدور الذي لعبه والتز لم يكن محل توافق داخل فريق ترامب، بل أصبح مصدرا لتوترات متزايدة، فقد ذكر موقع دنياي اقتصاد الإيراني، في تقرير نشره السبت 3 مايو/أيار 2025، أن الخلافات بين أعضاء الإدارة الأمريكية قد تصاعدت في الآونة الأخيرة، خصوصا حول مطلب التخصيب الصفري الذي كان والتز وماركو روبيو يضغطان لفرضه كشرط أساسي في أي مفاوضات مع إيران، هذه الضغوط والانقسامات أدت في نهاية المطاف إلى إقالة والتز، رغم أن فضيحة “سيغنال‌ غيت” الإعلامية يُشتبه في أنها كانت السبب الظاهري لهذه الخطوة.

وتجدر الإشارة إلى أنه في مارس/آذار 2025، انتشرت على وسائل الإعلام ما عرف بفضيحة سيغنال غيت، وذلك بعد أن أضاف مايك والتز، الذي كان يشغل مستشار الأمن القومي حينها، عن طريق الخطأ الصحفي جيفري غولدبرغ، رئيس تحرير مجلة ذا أتلانتيك الأمريكية، إلى مجموعة دردشة عبر تطبيق سيغنال كانت مخصصة لمناقشة خطط سرية لضربات جوية ضد الحوثيين في اليمن.

كما تضمنت هذه المجموعة عددا من كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، من ضمنهم وزير الدفاع بيت هيغسيث ونائب الرئيس جاي دي فانس، وفي 15 مارس/آذار، تم تبادل معلومات حساسة داخل المجموعة، وضمن ذلك تفاصيل عن أنواع الطائرات والصواريخ المستخدمة وتوقيت الهجمات، إضافة إلى ذكر اسم عميل سري في وكالة الاستخبارات المركزية.

عاصفة في البيت الأبيض ورحيل الرجل المتشدد

هذا ولم تكن الصحف الإيرانية بمعزل عن خبر كهذا، خصوصا أنها كانت ترى في والتز أحد الشخصيات المتشددة في حكومة ترامب، الأمر الذي عبرت عنه صحيفة سازندجي في عددها الصادر يوم السبت 3 مايو/أيار 2025، حيث ذكرت أنه “منذ إعلان ترامب تشكيلته الحكومية لولايته الثانية، برزت ثلاثة أسماء كممثلين عن الخط المتشدد في إدارته، وهم مايك والتز، وماركو روبيو، وزير الخارجية، وبيت هيغست، وزير الدفاع”.

وتكمل: “فروبيو، ورغم تشدده في قضايا مثل إيران وروسيا، استفاد من خبرته الطويلة في مجلس الشيوخ ليظهر مرونة وفهما لتعقيدات السياسة خلال المفاوضات غير المباشرة مع طهران، أما والتز فكان متشددا أكثر، يتبع التيار النيو قوني بعنف ضد إيران وروسيا، مما أثار خلافات داخل فريق ترامب”.

كذلك، فقد اعتبرت الصحيفة أن فضيحة سيغنال غيت لم تكن السبب الرئيس في العزل، حيث ذكرت أنه “رغم مسؤولية والتز المباشرة عن تلك الفضيحة، فإن وزير الدفاع هيغست كان من سرب معلومات أكثر خلال المحادثات، ورغم ذلك فإنه قد بقي في منصبه”.

وتخلص الصحيفة إلى أن السبب وراء عزل والتز يتمثل في أمرين، فكتبت: “في الحقيقة، شكلت خلافات جوهرية بين دونالد ترامب ومايك والتز العامل الأساسي الذي مهد لإقالة الأخير. فقد حذر والتز ترامب مرارا من المضي قدما في العلاقات مع روسيا، في وقت كان ترامب يسعى لإنهاء ملف أوكرانيا بما يخدم مصالح واشنطن ويجعل موسكو أقل ارتباطا ببكين قبل مواجهة محتملة مع الصين”.

وتكمل: “كذلك، تبنى والتز موقفا متشددا للغاية تجاه إيران، وهو ما بدا لوهلة متوافقا مع سياسة ترامب، إلا أنه في الأخير لاقى استياء من ترامب الذي يفضل، على حد قوله، إنهاء الصفقة مع إيران دون استخدام القوة العسكرية”.

ولم يذهب موقع خبر أونلاين الإخباري بعيدا عن تلك الرؤية، حيث وصف تلك الإقالة خلال تقرير نشره في اليوم نفسه بالزلزال الكبير، كما ربط بين الإقالة وانعقاد المفاوضات بين الجانبين، فكتب: “أخيرا، وقع الزلزال السياسي في البيت الأبيض، حيث تم عزل والتز من منصب مستشار الأمن القومي، ليتولى ماركو روبيو مكانه. على الرغم من إعلان موعد الجولة المقبلة من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، فإن هناك حديثا مستمرا في الأوساط السياسية عن علاقة مباشرة بين هذه المفاوضات وإقالة والتز”.

فقد أكد تقرير الموقع أن هناك اختلافات جوهرية وقعت بين الرجلين في ما يتعلق بعدد من الملفات الخارجية، الأمر الذي أثار توترات في البيت الأبيض، كما ذكر أنه “كانت هناك توترات واختلافات كبيرة في الرؤى، الأمر الذي أصبح جليا بعد تغريدة دونالد ترامب جونيور، أن بعض التيارات النيوقونية كانت تسعى لإضعاف سياسة والده الخارجية”.

وقد خلص الموقع إلى أنه “تُظهر التغييرات التي طرأت على الحكومة الأمريكية في ولاية ترامب الثانية رغبة في إعادة ترتيب الفريق الرئاسي، فعلى الرغم من أن فترته الأولى شهدت العديد من التغييرات داخل الحكومة، فإن ترامب يبدو أنه يسعى الآن لتحقيق انسجام أكبر في فريقه، خاصة في الملفات الحساسة مثل أوكرانيا وإيران”.

كلمات مفتاحية: