- شروق حسن
- 17 Views
بعد ستة أشهر من تشكيل حكومة بزشكيان، قدّمت الحكومة الإيرانية رسميا مرشّحها الجديد لتولي حقيبة الاقتصاد، وهو علي مدني زاده، رئيس كلية الاقتصاد في جامعة شريف، ونقلت وكالة “خبر أونلاين” الإيرانية المعتدلة، في تقرير لها يوم الثلاثاء 3 يونيو/حزيران 2025، أن مسار هذا الأكاديمي الشاب نحو نيل ثقة البرلمان لا يبدو سهلا، إذ يواجه منذ اللحظة الأولى اعتراضات سياسية وشخصية، وسط تصاعد التوترات بين الحكومة والبرلمان، واحتدام حملات الاستجواب بحق عدد من الوزراء.
كتبت الصحيفة الإيرانية “خبر أونلاين” أن الحكومة قدّمت أخيرا وزير الاقتصاد المقترح من قبلها، ومن المقرّر أن يتوجّه سيد علي مدني زاده، رئيس كلية الاقتصاد بجامعة شريف، قريبا إلى البرلمان ليعرض برامجه.

وتابعت أن علاقته بالنواب تأتي في وقت أعلن فيه البرلمان، بعد مرور ستة أشهر على تسلم حكومة بزشكيان زمام الأمور، عن مواجهته العلنية مع الحكومة، بداية من استجواب همتي، الذي من المقرّر أن يحلّ مدني زاده محلّه، ثم إعداد البرلمان لاستجواب وزيري الطاقة والطرق والإعمار.
وأضافت أن مدني زاده كان قد واجه منذ البداية اعتراضات شخصية، فمنذ اللحظة التي طُرِح فيها اسمه كاحتمال، بادر نواب من تيار سياسي معين إلى مهاجمته مستخدمين أدبيات من قبيل التغريب، والليبرالية، وما إلى ذلك.
علي مدني زاده
وذكرت أن علي مدني زاده شخصية شابة في مجال الاقتصاد، يرى أنصاره فيه نخبة وعالما بارزا في هذا المجال، ويتولى، وهو في سن الثالثة والأربعين،منصب عميد لكلية الاقتصاد بجامعة شريف.
وأشارت إلى أن مدني زاده حصل على شهادة البكالوريوس والماجستير في هندسة الكهرباء من جامعة شريف، ثم نال درجة ماجستير أخرى في الرياضيات التطبيقية من جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة، وحصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة شيكاغو، وبعد تخرّجه في عام 2013، عاد إلى إيران وبدأ التدريس في جامعة شريف.
وأوضحت أن مدني زاده شغل حتى عام 2021 منصب معاون التعليم والدراسات العليا، ومعاون البحث والشؤون الدولية بكلية الإدارة والاقتصاد، ومنذ عام 2020 يشغل منصب رئيس كلية الاقتصاد بهذه الجامعة.
كما أفادت الصحيفة بأن مدني زاده يُعدّ من النخب في مجال الرياضيات، وقد نال جوائز دولية مرموقة عديدة، منها جائزة الباحث الشاب في مجال الاقتصاد 2018، والمركز الثالث في الدورة التاسعة من المسابقة الدولية للرياضيات لطلبة الجامعات (2002، بولندا)، والميدالية البرونزية في الدورة الحادية والأربعين للأولمبياد الدولي للرياضيات (2000، كوريا الجنوبية)، والميدالية الذهبية في الأولمبياد الوطني للرياضيات (1999، طهران)، والميدالية البرونزية في الأولمبياد الوطني للرياضيات (1998).
وتابعت بالقول إن له أيضا سجلا من النشاط بصفته مستشارا لمعاون الشؤون الاقتصادية في منظمة التخطيط والموازنة عام 2018، ورئيس مجموعة النمذجة في معهد البحوث النقدية والمصرفية بالبنك المركزي من عام (2013–2018 )، وعضو الهيئة التنفيذية لمنظمة تكنولوجيا المعلومات في عامي (2020–2021).
البرلمان في مواجهة الحكومة
وكتبت الصحيفة الإيرانية “خبر أونلاين”، أن البرلمان في مواجهة مع الحكومة، إذ تواجه حكومة بزشكيان تحديات في سبيل حصول سيد علي مدني زاده على ثقة البرلمان لتولي وزارة الاقتصاد، فقد قدّمت الحكومة مدني زاده كخيار مقترح لتولي هذه الحقيبة، في وقت لم تعد فيه علاقات الحكومة مع البرلمان كما كانت في الأيام الأولى.
وأضافت أن البرلمان كان قد صادق، في 21 أغسطس/آب 2024، على جميع أعضاء حكومة بزشكيان، في خطوة بدت كأنها إشارة إلى أنه لا يعارض حكومة من تيار سياسي مختلف، إلا أن استجواب عبدالناصر همتي لاحقا أظهر أن الخلافات قد بدأت في الظهور، والآن، يبدو أن البرلمان يستعد لجولات أخرى من الاستجوابات.
وتابعت أن عبد الناصر همتي، وزير الاقتصاد السابق، قد جرى استجوابه في فترة شهدت فيها سوق الصرف ارتفاعا في سعر الدولار من 60 ألف تومان إلى 95 ألف تومان. ومع أن همتي كان يحمّل العقوبات والحرب الاقتصادية مسؤولية هذا الارتفاع، فقد طُرحت في المقابل شبهة تصفية حسابات سياسية مع الحكومة.
وذكرت أن همتي كشف أيضا أن خطة استجوابه كانت منسوخة من خطة استجواب لم تُنفّذ بحق إحسان خاندوزي، وزير الاقتصاد في حكومة رئيسي. وكانت تلك الخطة تشير إلى قضايا متعلقة بسوق البورصة، في حين كانت حكومة بزشكيان تولي سوق البورصة اهتماما خاصا.
وأشارت إلى أنه حتى دعم الرئيس بزشكيان، الذي كان قد أكد أن البلاد تمر بحالة حرب اقتصادية وأن وزارة الاقتصاد لا ينبغي أن تبقى بلا وزير، لم يفلح في منع استجواب همتي.
وأوضحت أن جبهة بایداري، التي لعبت دورا رئيسيا في عملية الاستجواب تلك، كانت لها اليد العليا، وأعطت صوتها لإقالة همتي، ومع ذلك، فقد انخفض سعر الدولار من 100 ألف تومان إلى 80 ألف تومان بعد إقالته، وهي خطوة جاءت عقب إعلان طهران وواشنطن عن موافقتهما على الدخول في مفاوضات، وذلك في وقت لم يكن للبلاد وزير اقتصاد.
التيارات المتشددة في البرلمان
وذكرت الصحيفة الإيرانية “خبر أونلاين”، أن نواب البرلمان أطلقوا أيضا مساعي استجواب ضد كل من فرزانه صادق، وزيرة الطرق والإعمار، وعباس عليآبادي، وزير الطاقة في حكومة بزشكيان، وفي حال نجاح أحد هذين الاستجوابين، سيكون البرلمان قد استجوب وزيرين على الأقل خلال أقل من عام واحد.
وأضافت أن بعض التيارات المتشددة في البرلمان بدأت، منذ طرح اسم سيد علي مدني زاده، بشنّ حملات ضده، ومدني زاده، رئيس كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة شريف، يُعرف بدعمه لاقتصاد السوق الحر، والقطاع الخاص الحقيقي، وتقليص تدخل الدولة في الاقتصاد.
وتابعت أن النائب أمير حسين ثابت، ممثل طهران، صرّح دون أن يسمي مدني زاده، بأن الحكومة تعتزم – بحسب بعض الأنباء – ترشيح شخص له آراء اقتصادية مشابهة لهمتي، لكنه أكثر خطأ منه، ولا يمتلك أي خبرة في إدارة جهاز أو مؤسسة.
وأوضحت أن النائبة سارا فلاحی، في إشارة إلى قانون حظر توظيف الأشخاص في المناصب الحساسة، قالت إن وزارة الاقتصاد موقع حساس للغاية، وعلى رئيس الجمهورية أن يقدّم مرشحا بأسرع ما يمكن، وأضافت أنها سمعت أن أحد الأسماء المطروحة لهذا المنصب لديه ابن مولود في أمريكا ويحمل شهادة ميلاد أمريكية، وهو ما اعتبرته أمرا غير قانوني.
وأشارت إلى أن النائب حسين صمصامي كتب على شبكة التواصل الاجتماعي “إكس” منشورا غير مألوف، جاء فيه أن نوشين هاشمي، من مؤسسة Hand المرتبطة بمؤسسة روكفلر الأمريكية-الصهيونية، تحدّثت عن اختيار طلاب رياضيات نُخبة لتعليمهم علم الاقتصاد، وأضاف أن مدني زاده، باعتباره من نخب الرياضيات في جامعة شريف، حصل على الدكتوراه في الاقتصاد من مدرسة شيكاغو عبر تلك المؤسسة، دون أن تكون لديه خلفية أكاديمية في الاقتصاد.
وأضاف في منشور آخر: “هل نعتبر مدني زاده عنصرا مخترقا؟ لا، نحن نراه شابا متدينا وموهوبا، لكنني قلت مرارا في قاعات الدراسة إن الاقتصاد ليس مجرد رياضيات ومحاسبة، بل علم إنساني وتحليلي، ويجب تعلم أسسه استنادا إلى المعرفة الوجودية والأنثروبولوجية والابستمولوجية.
وللأسف، فإن شبكة النفوذ الغربي تقوم بابتعاث نخبنا إلى الجامعات المرموقة، وهناك يتم تلقينهم مبادئ موجّهة في العلوم الإنسانية، وبعد عودتهم، يوضعون في مناصب رئيسية، ويحاولون تطبيق تلك المبادئ دون أن يدركوا أنهم تلقوا تدريبا موجّها لهدف معين”.

وكتبت الصحيفة أن الأجواء لا تزال غير محسومة، ففي تعليقه على التصريحات الأخيرة، كتب محمد فاضلي، عالم الاجتماع والوجه الإصلاحي المقرب من حكومة بزشكيان، أن المشكلة لا تتعلق بشخص مدني زاده بحد ذاته، بل بالنهج المتكرر لبعض الجماعات في استبعاد الأشخاص المتعلمين، النزهاء، الفاعلين والكفوئين عبر اتهامات من قبيل “عنصر نفوذ”، “مفتون بالغرب”، أو “من مدرسة شيكاغو”. واعتبر أن هذا النهج سياسة مدروسة لتفريغ إيران من الكفاءات وتخريب بنية الدولة.
وأضافت أن عليرضا نوين، عضو لجنة الإعمار في البرلمان، أعرب عن استيائه من الحملة المبكرة على مدني زاده، وقال: للأسف، قبل أن تتاح الفرصة لعرض مؤهلات وبرامج الوزير المقترح، بدأت بعض التيارات في الهجوم والتشويه.
وهذا السلوك لا يخالف الأخلاق السياسية فحسب، بل يُعدّ عائقا أمام خلق أجواء منطقية ومهنية في مناقشة كفاءة المرشحين.
وأردف نوين قائلا: “لدى مدني زاده سجل علمي وإداري مقبول، ويُعدّ صاحب رأي في مجال الاقتصاد، ويجب منحه الفرصة لعرض خططه لإصلاح الاقتصاد الوطني في أجواء هادئة”.
وتابعت أن بعض النواب رسموا صورة مغايرة عن أجواء البرلمان، إذ قال عبدالكريم هاشمي، عضو لجنة البرنامج والموازنة: لا تزال الأجواء العامة في البرلمان تجاه الوزير المقترح للاقتصاد غير واضحة، ونأمل أنه بعد تسلم البرلمان لرسالة ترشيح مدني زاده رسميا، يبدأ هو مشاوراته خلال الأسبوع المتاح، ليُعرف موقف البرلمان تجاهه بوضوح.
وأشارت إلى أن زهرا خدادادي، عضو هيئة رئاسة لجنة الشؤون الاقتصادية في البرلمان، قالت في معرض تعليقها على ترشيح وزير الاقتصاد: عقدت اجتماعا مع السيد مدني زاده، وهو من الناحية العلمية شخص بارز ومتخصص، ومع ذلك، فإن ما سيطرحه من رؤى في البرلمان سيكون له تأثير كبير في تشكيل المواقف تجاهه.
وكتبت الصحيفة الإيرانية “خبر أونلاين”، أن طريق مدني زاده نحو وزارة الاقتصاد مليء بالتعرجات والصعوبات، إذ إن جزءا من النواب الذين ينبغي عليه إقناعهم، هم أشخاص يركّزون على شعارات تياراتهم السياسية بدلا من المصالح الوطنية أو الآراء المتخصصة.
بعض هؤلاء، يعتبرون إنجازهم الأكبر أنهم لم يغادروا محافظاتهم أو مدنهم قط، وينظرون إلى “الآخر” بريبة وانعدام ثقة، سواء أكان هذا الآخر ينتمي إلى تيار سياسي مختلف أو من خريجي أرقى الجامعات العالمية.
وأضافت أن الدراسة أو التدريس في مؤسسات أكاديمية مرموقة كجامعة شريف أو جامعات دولية بارزة، تُعدّ مصدر فخر لكثير من الإيرانيين، إلا أن هؤلاء النواب أصحاب الخطاب الشعاراتي لا يتوانون عن مهاجمة مثل هذه الشخصيات، ولهذا السبب بالتحديد، أُطلقت على هذه الفئة السياسية تسمية “نواب الثلاثة إلى أربعة بالمئة”.
وتابعت أن هؤلاء النواب يبدون منفصلين عن الرأي العام والشعب إلى درجة يبدو أنهم يعيشون في “إيران أخرى”، ورغم أنهم يشكّلون أقلية داخل البرلمان، فإنهم قادرون على توجيه المسار العام للبرلمان، حتى وإن لم يكن هذا التوجه منسجما مع مصالح ملايين المواطنين الإيرانيين.
وذكرت أن علي مدني زاده، الذي لا يملك سوابق في الصدام أو الجدال مع هذا النوع من النواب، سيواجه في الأيام المقبلة طريقا وعرا في سبيل الوصول إلى منصب وزير الاقتصاد.