“تخصيب اليورانيوم بين الفتوى والقنبلة”.. رحلة إيران نحو السيادة النووية (تحقيق خاص)

تحقيق: ربيع السعدني 

إنفوجراف: عاصم مسعد

في خضم التوترات الدولية والحرب العسكرية الدائرة بين تل أبيب وطهران بضوء أخضر من الولايات المتحدة، يظل البرنامج النووي الإيراني لغزا يشغل العالم، حيث تتقاطع فيه طموحات السيادة الوطنية مع مخاوف الانتشار النووي بعد أن شهدت المنطقة سلسلة من التوترات المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني والضربات العسكرية المتبادلة بين تل أبيب وطهران، ومنذ عقود تقاوم إيران الضغوط الغربية وتتمسك بحقها في تخصيب اليورانيوم، معلنةً أنها تسعى للطاقة النووية السلمية من أجل التنمية المستدامة والتقدم العلمي.

بينما تثير قدراتها المتقدمة شكوكا حول نواياها الحقيقية، هل هي خطوة نحو الاستقلال النووي الإيراني أم تهديد بقنبلة نووية قد تعيد تشكيل موازين القوى في العالم؟ 

منذ إطلاق إسرائيل غاراتها الجوية وضرباتها العسكرية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية لتعطيل برامجها النووية والعسكرية، إبان ساعات من قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا واتهام إيران بانتهاك خطة العمل الشاملة المشتركة، والضمانات الدولية، خاصةً في قضية تخصيب اليورانيوم بمعدلات أعلى من الحد القانوني المقرر (3.67%).

ويظل التخصيب نقطة خلاف جوهرية في المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، دون تقدم يُذكر بعد خمس جولات من الحوار غير المباشر، وردا على ذلك أعلنت إيران إنشاء مركز جديد للتخصيب فائق الأمان – يُشار إليه بـ”الموقع الثالث”- واستبدال أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول من طراز IR-1 في منشأة فوردو للتخصيب بأجهزة IR-6 من الجيل السادس الأكثر تطورا، مؤكدة تمسكها بالحق في التخصيب على أراضيها.. فما هو تخصيب اليورانيوم، ولماذا يُعد مثيرًا للجدل؟ 

وما دلالة نسبة الـ 3.67%؟ ولماذا أثار تخصيب إيران لليورانيوم بنسبة 60% قلق الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية والغرب؟

هذا ما يحاول “زاد إيران” الكشف عنه في هذا التحقيق الخاص.

ما هو اليورانيوم ومن أين يأتي؟

اليورانيوم معدن ثقيل طبيعي موجود في الصخور والتربة، وحتى في مياه البحر. ورغم انتشاره الواسع في قشرة الأرض، إلا أنه لا يُستخرج إلا بتركيزات عالية في بعض الأماكن، وتُعدّ دول مثل كازاخستان وكندا وأستراليا وأجزاء من أفريقيا من أهم منتجيه كما تمتلك إيران احتياطيات يورانيوم خاصة بها، تستخرجها من مناجم محلية،  مثل ساغاند في محافظة يزد وغاتشين في محافظة هرمزغان.

لكن اليورانيوم في حالته الطبيعية لا يُستخدم إلا قليلاً في إنتاج الطاقة أو الأسلحة، لأن أكثر من 99% منه هو يورانيوم-238، وهو غير قادر على الانشطار النووي المستقر أما النظير الأكثر قيمة فهو اليورانيوم-235، وهو نظير أندر، لا يُشكل سوى حوالي 0.7% من اليورانيوم الطبيعي.

وعندما تنشطر ذرات اليورانيوم-235، تُطلق طاقة في محطات الطاقة النووية، تُستخدم هذه الطاقة، لإنتاج الحرارة والكهرباء، أما في القنبلة النووية، فيحدث هذا التفاعل بسرعة ودون سيطرة، مما يؤدي إلى انفجار هائل، لكلا الاستخدامين، يجب معالجة اليورانيوم لزيادة محتواه من اليورانيوم-235. 

ما اليورانيوم المخصب وما هي مستوياته الشائعة؟

تُسمى هذه العملية “التخصيب”، ويُحدد مستوى التخصيب وكميته الاستخدام النهائي لليورانيوم المخصب، سواءً لأغراض سلمية أو عسكرية، ويتم ذلك عادة باستخدام أجهزة الطرد المركزي الغازية، والتي تدور غاز اليورانيوم بسرعات عالية لفصل نظير اليورانيوم الأخف وزناً -235 عن نظير اليورانيوم الأثقل -238.

وتخضع هذه العملية لرقابة دولية صارمة من قبل منظمات مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لأن اليورانيوم المخصب بدرجة عالية يمكن أن يُستخدم في تصنيع الأسلحة النووية، مما يثير مخاوف أمنية عالمية خوفا من تجاوزها للأغراض السلمية.

يمكن استخدام زيادة تركيز ذرات اليورانيوم 235 عن طريق فصل اليورانيوم 238 كوقود أو أسلحة نووية.. حدد الاتفاق النووي الإيراني مع القوى الغربية الكبرى عام 2015 تخصيب اليورانيوم بما يصل إلى 3.67% بين إيران والقوى العالمية (خطة العمل الشاملة المشتركة)، وجاء هذا الرقم نتيجةً لاتفاق سياسي وتقني يهدف إلى تحقيق التوازن بين حق إيران في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وضمانات المجتمع الدولي بعدم امتلاكها سلاحًا نوويًا.

ولكن بمجرد أن يصل تخصيب اليورانيوم إلى 20%، فإن الوصول إلى مرحلة إنتاج اليورانيوم للسلاح النووي يصبح أقل تعقيدا من الناحية التقنية وكلما زاد التخصيب، اقترب اليورانيوم من خط الخطر.

من الناحية الفنية، يُعد اليورانيوم المخصب بنسبة 3.67% مناسبًا تمامًا للاستخدام في مفاعلات الطاقة النووية هذا المستوى من التخصيب كافٍ لإحداث تفاعل متسلسل مُتحكم به في المفاعلات، ولكنه ليس كافيًا بأي حال من الأحوال لصنع سلاح نووي.

كان من المقرر أن يزيد هذا الرقم مدةَ الانطلاقة النووية الإيرانية (وهي المدة التي تستغرقها إيران لإنتاج المواد اللازمة لصنع قنبلة نووية) إلى حوالي عام، وهذا من شأنه أن يمنح المجتمع الدولي وقتًا للرد دبلوماسيًا أو تقنيًا في حال انتهاك الاتفاق.

لماذا يراهن الإيرانيون على اليورانيوم؟

تخصيب اليورانيوم بالنسبة لإيران ليس مجرد تقنية أو مشروع علمي، بل ركيزة لاستقلال إيران وتقدمها، مما يجعله جزءًا لا يتجزأ من هويتها النووية، وبحسب مصادر دبلوماسية تحدثت لـ”الجزيرة” في 2024، يرى القادة الإيرانيون في البرنامج النووي “ضمانة ضد التدخلات الخارجية”، خاصة من الولايات المتحدة وإسرائيل. 

وتجعل القدرة على تخصيب اليورانيوم إلى مستويات عالية (60% أو أكثر) إيران على بُعد خطوة من إنتاج سلاح نووي، مما يمنحها نفوذا في المنطقة، خاصة في مواجهة خصوم مثل إسرائيل التي تمتلك ترسانة نووية غير معلنة ووفقا لتقرير معهد واشنطن (2023)، فإن طهران تستخدم هذا البرنامج النووي كورقة ضغط في المفاوضات الدولية، مما يعزز موقعها الاستراتيجي.

وبحسب أحدث تقييم أجراه معهد العلوم والأمن الدولي، ونُشر في التاسع من يونيو/حزيران، فإن إيران قادرة على إنتاج أول 25 كيلوجراما من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة “في غضون يومين إلى ثلاثة أيام فقط” في منشأة فوردو، وبحسب هذا التحليل، فإن إيران قادرة على تحويل مخزونها الحالي من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% في فوردو إلى 233 كيلوجراما من اليورانيوم الصالح للاستخدام في صنع الأسلحة خلال ثلاثة أسابيع، وهو ما يكفي لصنع تسعة أسلحة نووية.

يُقدّر المعهد في تقريره أنه إذا خصّبت إيران اليورانيوم في آنٍ واحد في منشأتي فوردو ونطنز، التي تستهدفهما إسرائيل في غاراتها الجوية، لشل البرنامج النووي الإيراني، فإنّ المجمعين قادران على إنتاج ما يكفي من اليورانيوم الصالح للاستخدام في صنع الأسلحة النووية وصناعة 11 سلاحًا نوويًا في الشهر الأول، و15 سلاحًا بنهاية الشهر الثاني ووفقًا للتقرير، قد يصل هذا العدد إلى أكثر من 20 قنبلة نووية في غضون خمسة أشهر.

مفاعل بوشهر، الذي يعمل بالوقود النووي، يُنتج حوالي 1000 ميغاواط من الكهرباء، وهو جزء من خطة لتوسيع الاعتماد على الطاقة النووية السلمية، وفقا لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، أنتجت طهران في 2022 حوالي 450 كجم من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% لتشغيل مفاعلات الأبحاث، كما يجري بناء وحدتين جديدتين بقدرة 1057 ميغاواط، وبعد التشغيل، ستصل القدرة الإجمالية لإنتاج الكهرباء في هذه المحطة إلى حوالي 3100 ميغاواط.

وهذا من شأنه أن يُسهم في استقرار وتيرة الكهرباء في جنوب البلاد وتوفير طاقة موثوقة لهذه المنطقة، مما يعكس طموحا لتطوير صناعة نووية مستدامة، ووفقًا للاتفاقيات الدولية، من المتوقع أن يصل عدد محطات الطاقة النووية إلى 1500 محطة بحلول عام 2050.

مراحل التخصيب.. رحلة التقنية المعقدة

تخصيب اليورانيوم عملية تتطلب دقة عالية وتقنيات متقدمة، وتمر بعدة مراحل:

لدى إيران حاليًا أكثر من 10,000 جهاز طرد مركزي عامل في منشأتيها النوويتين “نطنز وفوردو” ويشير التقرير إلى أن إيران تخطط لتركيب 32 سلسلة (مجموعات) جديدة تضم أكثر من 160 جهاز طرد مركزي.

بالإضافة إلى إطلاق سلسلة كبيرة تضم 1,152 جهاز طرد مركزي متطور من طراز IR-6، لكن تقرير سري للوكالة الدولية للطاقة الذرية (تسرّب في مايو/ آيار 2025) كشف أن إيران اختبرت أجهزة طرد مركزي جديدة تحت الأرض في فوردو، قادرة على إنتاج 1 كجم من اليورانيوم بنسبة 90% يومياً، مما يعني أن إيران يمكن أن تصل إلى كمية كافية لسلاح نووي خلال أسبوع واحد إذا قررت ذلك.

من موسكو إلى بكين..

إيران وحلفاؤها في مواجهة الحصار

بدأ البرنامج النووي الإيراني في الخمسينات بدعم أمريكي، وبموجب اتفاق بين نظام بهلوي والرئيس الأميركي آنذاك أيزنهاور، تقرر أن تقوم الولايات المتحدة بإنشاء مفاعل بحثي ومحطة للطاقة النووية في إيران في إطار البرنامج المعروف باسم “الطاقة الذرية من أجل السلام”، لكن بعد الثورة عام 1979، توقف التعاون الغربي، هذا دفع إيران إلى البحث عن شركاء جدد، حيث برزت روسيا والصين كداعمين رئيسيين.

روسيا قدمت دعما حاسما منذ التسعينات ووفقاً لتقرير استخباراتي غربي عام (2024)، وزودت إيران بتقنيات سرية لتحسين أجهزة الطرد المركزي مقابل دعم إيراني عسكري في أوكرانيا، وهو ما نفته طهران وموسكو.

الاتفاق النووي.. حلم السلام المجهض

خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، التي وقّعتها إيران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، فرنسا، روسيا، الصين، وألمانيا) في 14 يوليو/ تموز 2015، تهدف إلى ضمان طابع البرنامج النووي الإيراني السلمي مقابل رفع العقوبات. 

كما قالت كبير مفاوضي إدارة باراك أوباما في المحادثات النووية عام 2015، ويندي شيرمان عقب المطالبات المبالغ فيها من جانب المسؤولين الأمريكيين بوقف تخصيب اليورانيوم في إيران، إنه من المستحيل إقناع إيران بذلك، ونشرت وكالة رويترز أن شيرمان قالت: “هذا يعني أنهم سيصلون إلى طريق مسدود وسنواجه احتمال الحرب، وهو ما لا أعتقد بصراحة أن الرئيس ترامب يبحث عنه لأنه روّج لنفسه كرئيس للسلام في حملاته الانتخابية”.

في إدارته الأولى انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018، وأعادت فرض عقوبات “الضغط القصوى”. 

وثائق مسربة من مفاوضات فيينا عام (2022) تكشف أن إيران عرضت العودة إلى الاتفاق مقابل ضمانات بعدم فرض عقوبات جديدة، لكن المفاوضات فشلت بسبب شروط أمريكية صارمة.

العقوبات.. شبح يخنق طموح إيران النووي

عقوبات الأمم المتحدة (2006-2010) فرض مجلس الأمن 6 قرارات أممية، منها القرار 1929 الذي وسّع العقوبات على البنوك والشركات المرتبطة بالبرنامج النووي، وأبلغت طهران الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها تخطط لتركيب أكثر من 6 آلاف جهاز طرد مركزي جديد لتخصيب اليورانيوم في منشآتها مع تفعيل عدد أكبر من الأجهزة الموجودة، بحسب تقرير سري حصلت عليه وكالة رويترز، وبحسب التقرير، ستسمح زيادة قدرة التخصيب لإيران بتخصيب اليورانيوم بسرعة أكبر، مما قد يزيد من خطر الانتشار النووي. 

بينما تُصرّ إيران على أنها لا تسعى إلى صنع أسلحة نووية، لكن الدول الغربية تُصرّ على أنه لا يوجد مبرر مدني لتخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء 60%، هذه النسبة قريبة من درجة نقاء 90% اللازمة لصنع الأسلحة، ولم تُحقق أي دولة ذلك قط دون بناء قنبلة نووية.

تقرير حديث لـ”بلومبرغ” في (2025) يكشف أن إيران طورت شبكات تهريب نفط معقدة عبر الصين وفنزويلا، مما ساعدها على تجاوز العقوبات الغربية جزئيا.

فتوى خامنئي وتغيير العقيدة النووية

في أكتوبر/ كانون الأول 2003، أصدر المرشد الإيراني علي خامنئي فتوى دينية تحرم إنتاج واستخدام الأسلحة النووية، معتبراً إياها “خلافا للشريعة الإسلامية”.

وتعود هذه الفتوى إلى منتصف التسعينات، ثم أُكدت رسميًا في بيان للحكومة الإيرانية خلال اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا في أغسطس/ آب 2005 ونُشرت الفتوى على الموقع الرسمي لـ خامنئي، وأشار إليها مسؤولون إيرانيون بارزون في تصريحاتهم، هذه الفتوى، التي أُعيد التأكيد عليها في 2019، تُستخدم كأداة دبلوماسية لتأكيد السلمية، لكن تقارير غربية (مثل تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية 2023) تشير إلى أن إيران قد تكون طورت قدرات “مزدوجة الاستخدام”، مما يثير الشكوك حول الالتزام بالفتوى.

أخطر تهديد لإيران

صدرت الفتوى في ظل ضغوط دولية على إيران بشأن برنامجها النووي، خاصة بعد تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2003 التي أشارت إلى أنشطة نووية غير معلنة. 

كما تأثرت إيران بتجربة الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)، حيث تعرضت للهجمات الكيميائية العراقية دون أن ترد بالمثل، مما عزز موقفها ضد أسلحة الدمار الشامل.

تواجه إيران أخطر تهديد لها منذ تلك الحرب، بحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، حيث تتعرض للقصف من إسرائيل، التي تفتخر بأحد أقوى الجيوش في العالم، المزود بمعدات أمريكية، ووكالات استخباراتها التي تسللت بعمق داخل الجمهورية.

مرة أخرى، التحديات التي تواجه النظام الإيراني وجودية مرة أخرى، حيث يواجه خليفة الخميني، علي خامنئي البالغ من العمر 86 عامًا، أصعب اختبار خلال حكمه الذي دام أربعة عقود.

مصادر إيرانية داخلية (غير رسمية) ألمحت في 2024 إلى نقاشات داخلية حول “إعادة تفسير” الفتوى في حال تصاعد التهديدات الخارجية، مما يضيف طبقة من الغموض.

هل يتم تغيير

العقيدة النووية في إيران؟

ظهرت مؤخرًا أيضًا مؤشرات من إيران على أنها قد تُعيد النظر في استراتيجيتها وعقيدتها النووية، ففي التاسع من مايو/أيار 2025 صرّح مستشار المرشد الإيراني، رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية كمال خرازي: “إذا تجرأ النظام الإسرائيلي على إلحاق الضرر بالمنشآت النووية الإيرانية، فسيتغير مستوى ردعنا، لا ننوي إنتاج قنبلة نووية، ولكن إذا تعرّض وجود إيران للتهديد، فسنضطر إلى تغيير عقيدتنا النووية”.

كما أعلن أحد أعضاء البرلمان الإيراني أن البلاد قد تمتلك قنبلة نووية، قائلا: “في رأيي، لقد حصلنا على أسلحة نووية، ولكننا لن نعلن عن ذلك”، وبحسب وكالة أنباء “خبر أونلاين“، قال الأستاذ الجامعي صادق حقيقت لصحيفة إيران: تشمل مسألة الأسلحة النووية عمومًا ثلاثة أبعاد: الإنتاج، والتخزين، واستخدام أو نشر هذه الأسلحة لذلك، ينبغي في الخطوة الأولى دراسة هذه القضايا الثلاث بشكل منفصل من حيث التحليل الموضوعي. 

أما المسألة الثانية فتتعلق بطبيعة هذه الفتوى، التي تميزها عن الفتوى العادية أو الموقف السياسي المحض، وتُعتبر أحد المكونات الرئيسية في تحديد استراتيجية الأمن القومي للبلاد. بمعنى آخر، لهذه الفتوى أبعاد استراتيجية تُحدد التوجه الرئيسي للنظام، وسيؤدي استمرارها أو تغييرها إلى تطورات إيجابية وسلبية مختلفة للبلاد.

معاهدة حظر الانتشار.. درع إيران القانوني أم سيف الغرب؟

بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، تتمتع الدول غير النووية بحق مشروع في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية، استندت إيران إلى هذا الحق لتطوير برنامجها النووي تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، محققة تقدمًا تكنولوجيًا يعزز مكانتها الدولية، يُعد هذا رمزا للدول النامية الساعية للاستقلال التكنولوجي، مما يمنح إيران نفوذا استراتيجيًا في عالم متعدد الأقطاب.

تطورات مخزون اليورانيوم الإيراني

وفقًا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتاريخ 7 يونيو/ حزيران 2025، زادت إيران مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% إلى 408.6 كيلوغرام بحلول 17 مايو/ أيار 2025، بزيادة 133.8 كيلوغرام عن فبراير/ شباط 2025، هذه النسبة، التي تبعد خطوة عن مستوى إنتاج الأسلحة (90%)، أثارت قلق الغرب.

وتؤكد إيران أن أنشطتها سلمية وتخضع لإشراف الوكالة، مشددةً على عدم وجود أدلة تثبت تحويل البرنامج لأغراض عسكرية كما جاء في مذكرتها التوضيحية لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إيسنا) بعنوان “اتفاقية ضمانات معاهدة عدم الانتشار مع طهران”، حيث أكدت إيران أن تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% ليس محظوراً بموجب معاهدة عدم الانتشار.

لقراءة النص الكامل لهذه المذكرة التوضيحية من هنــــــــــا.

4 أبعاد لتخصيب اليورانيوم 

إيران تنتج اليورانيوم المخصب بنسبة 20% منذ أكثر من عشر سنوات، ويستخدم كوقود لمفاعل طهران الذي ينتج مواد صيدلانية مشعة لعلاج مليون مريض بأمراض خطيرة وتشخيص أمراض مستعصية، هذا الوقود، الذي رفضت دول مثل الأرجنتين توفيره سابقًا بضغط أمريكي، يبرز أهمية الاعتماد الذاتي الإيراني.

يعد تخصيب اليورانيوم حق قانوني لإيران بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، ولا يحتاج موافقة دولية رغم ذلك، واجهت إيران ضغوطا منذ عام 2003 للتخلي عن هذا الحق، لكنها حافظت عليه حتى في اتفاقية 2015 مع القوى الغربية الكبرى والتي سمحت بتخصيب بنسبة 3.67%، هذا الحق عزز مكانة إيران دبلوماسيا، حيث يشكل أداة ردع وتفاوض فعالة.

بدلاً من المطالبة بوقف التخصيب، يمكن تعزيز المعاهدة عبر تحسين آليات الإشراف، إيران أبدت انفتاحًا على زيادة الرقابة، لكنها ترفض التخلي عن حقها، تصعيد الضغوط الأمريكية قد يؤدي إلى طريق مسدود، بينما الحوار المرن قد يحقق توازنًا بين حقوق إيران والمخاوف الدولية.

دعوة إلى دبلوماسية بنّاءة

وأكد إسماعيل بقائي، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، أن التخصيب حق سيادي، مشددًا على سلمية البرنامج، فيما حذر الخبير في الشؤون الأمريكية علي بيجدالي من أن الانسحاب من المعاهدة قد يؤدي إلى تصعيد عسكري، داعيًا إلى مرونة دبلوماسية، إيران تثبت صمودها، لكن الحل يتطلب حوارًا يحترم الحقوق ويجنب المنطقة صراعًا.

لم تُطوّر إيران وفقا لتقرير صحيفة “واشنطن بوست” سلاحا قادرا على حمل رأس نووي، لكن مخزونها يكفي لإنتاج 10 أسلحة نووية، وفقًا لديفيد أولبرايت، خبير الأسلحة النووية ورئيس معهد العلوم والأمن الدولي، وهي منظمة غير ربحية في واشنطن، وأشار أولبرايت إلى أن تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية وجد أن مخزونات إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% قد استُنفدت بشكل كبير، مما يُشير إلى محاولة “الحصول على أكبر قدر ممكن من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%”.

أسرار تحت الأرض.. تجارب إيران النووية المخفية

في يونيو/ حزيران 2025، أفاد تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أمام مجلس المحافظين في فيينا أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب وصل إلى 9247.6 كجم، بما في ذلك 408 كجم بنسبة 60%، هذه الكمية تكفي لصنع 3-4 قنابل نووية إذا تم تخصيبها إلى 90%، إيران قلّصت تعاونها مع الوكالة، وأوقفت تطبيق البروتوكول الإضافي، مما يحد من الرقابة، لكن مصادر استخباراتية غربية (غير مؤكدة) أفادت في أبريل/ نيسان 2025 أن طهران بدأت تجارب سرية في منشأة جديدة غير معلنة قرب قم، مع التركيز على تطوير تقنيات لإنتاج البلوتونيوم، وهو بديل لليورانيوم في صناعة الأسلحة النووية.

أعلن متحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي أنه “على الرغم من الصعوبات المالية التي تواجهها البلاد، فإننا نمضي قدمًا في العمل، حاجتنا في السنوات القادمة هي توفير 20 ألف ميغاواط من الطاقة النووية، وفي البرنامج الخامس، توقعوا تشغيل مفاعلين قيد الإنشاء، ورغم كل الضغوط، فإننا نحقق ذلك بالاعتماد على الطاقة المحلية، لدينا أيضًا مفاعل قيد الإنشاء في أصفهان حاليًا، وبالطبع، إذا لم تكن هناك عقوبات، فسنتحرك بسرعة أكبر”.

فيما يتعلق بالإطار الزمني لإنتاج 20 ألف ميغاواط من الطاقة النووية السلمية، قال المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية: “في الخطة الاستراتيجية التي قدمتها منظمة الطاقة الذرية عام 1400، ينبغي أن نصل إلى 20 ألف ميغاواط خلال 20 عامًا.

الكونسورتيوم النووي

ويبقى التخصيب محور الخلاف في المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، تُصر طهران على حقها القانوني في التخصيب، بينما تطالب واشنطن بوقفه تمامًا، معتبرةً أن الإشراف الحالي غير كافٍ، ففي مايو/ أيار 2025، أعلن المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف أن “عدم التخصيب” هو الخط الأحمر لأمريكا، وهو موقف وصفه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأنه “غير واقعي”، مؤكدًا أن التخصيب سيستمر “بوجود اتفاق أو بدونه”. 

في يونيو/ حزيران 2025، قدمت الإدارة الأمريكية اقتراحًا يسمح لإيران بتخصيب محدود عند مستويات منخفضة (3%) مؤقتًا، مع إنشاء اتحاد إقليمي لإنتاج الوقود النووي “الكونسورتيوم” تشارك فيه دول خليجية مثل المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة، لكن إيران رفضت هذا الاقتراح، وأعلن المرشد علي خامنئي أن التخصيب حق لا يمكن التخلي عنه، مشيرًا إلى أن أمريكا “لا تستطيع منع” البرنامج النووي الإيراني.

إيران قد توقف التخصيب بشرط

قال مصدران إيرانيان رسميان إن إيران قد توقف تخصيب اليورانيوم إذا أفرجت الولايات المتحدة عن أموال إيرانية مجمدة واعترفت بحق طهران في تكرير اليورانيوم للاستخدام المدني بموجب “اتفاق سياسي” قد يؤدي إلى اتفاق نووي أوسع.

وقالت المصادر لرويترز إنه بموجب هذا الترتيب، ستوقف طهران تخصيب اليورانيوم لمدة عام، وتنقل جزءا من مخزونها عالي التخصيب إلى الخارج أو تحوله إلى صفائح وقود للأغراض النووية المدنية.

وسيكون التوقف المؤقت عن تخصيب اليورانيوم وسيلة للتغلب على الجمود بشأن الخطوط الحمراء المتضاربة بعد ست جولات من المحادثات بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ومبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف لحل النزاع المستمر منذ عقود بشأن البرنامج النووي لطهران.

إيران تتحدى.. تصعيد نووي جديد

في 13 يونيو/ حزيران 2025، نفذت إسرائيل ضربات جوية استهدفت منشآت نووية إيرانية، رداً على اتهامات مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإيران بانتهاك اتفاق 2015، بتخصيب اليورانيوم بنسبة أعلى من 3.67%، طهران ردت بإنشاء مركز تخصيب جديد “الموقع الثالث” واستبدال أجهزة الطرد المركزي في منشأة فوردو بأجهزة IR-6 المتطورة، مؤكدة حقها في التخصيب، هذا التصعيد أثار مخاوف الغرب، خاصة مع زيادة مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 60% إلى 408.6 كجم بحلول مايو/ آيار 2025، وهي نسبة قريبة من مستوى إنتاج القنبلة النووية (90%)، تقارير تشير إلى قدرة إيران على إنتاج كميات كافية لسلاح نووي خلال أيام، مما يعزز نفوذها الاستراتيجي. 

اليوم.. الدبلوماسية مع الولايات المتحدة متعثرة، حيث تطالب واشنطن بوقف التخصيب كليا، وفقا لما كشفت صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية، الثلاثاء 17 يونيو/ حزيران 2025 عن تفاصيل العرض الأمريكي، المنتظر لإيران والذي سيلتزم بفكرة منع تخصيب اليورانيوم نهائيًا كما قدم في العرض السابق الذي سبق الحرب الإسرائيلية الجارية.

بينما تتمسك طهران بحقها القانوني ومع اقتراب انتهاء القرار الأممي 2231 في أكتوبر/ تشرين الأول 2025، تواجه إيران خيارين: إما العودة إلى الدبلوماسية أو التصعيد النووي، الفتوى الدينية، الدعم الروسي-الصيني، والعقوبات الغربية تشكل معادلة دقيقة، هل ستختار إيران أن تكون قوة نووية علنية، مع تصاعد القصف الإسرائيلي لها، أم ستظل في المنطقة الرمادية؟ العالم يترقب، والجواب قد يُغير موازين القوى في الشرق الأوسط.

كلمات مفتاحية: