- زاد إيران - المحرر
- 42 Views
وسط مناخ دولي متوتر وتداخلات إقليمية معقدة، تبرز مؤشرات محتملة على حدوث انفراجه في واحد من أكثر الملفات حساسية في العلاقات الدولية والإقليمية للشرق الأوسط، ففي ظل تحركات دبلوماسية مكثفة وتصريحات لافتة من عدة أطراف معنية، يبدو أن الباب قد يُفتح أمام تحولات جديدة في المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، قد تعيد رسم المشهد بعد سنوات من الجمود والتصعيد.
بوادر انفراجة.. إيران يمكن أن تقبل مفتشين أمريكيين
فقد صرح محمد إسلامي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، في تصريحات له الخميس 29 مايو/أيار 2025، حول احتمال قبول مفتشين أمريكيين للإشراف على البرنامج النووي الإيراني: “لقد سعينا دائما خلال هذه السنوات إلى عدم قبول مفتشين البلدان التي كانت معادية لنا وتصرفت بطريقة غير مبدئية، كما أنهم بدورهم يتصرفون بالمثل ولا يقبلون مفتشا إيرانيا، لكن في ظل الظروف الحالية للمفاوضات، إذا طُرحت بعض المواضيع وتم التوصل إلى اتفاق وأُخذت مطالب إيران بعين الاعتبار، حينها سنعيد النظر في قبول مفتشين أمريكيين عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

وبشأن احتمال وقف تخصيب اليورانيوم في إيران، أوضح إسلامي أن “هذا الموضوع لم يطرح إطلاقا، كما لا ينبغي طرح نسبة التخصيب بطريقة سياسية، فالنسبة تعتمد على نوع الاستخدام، فإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب لا يعني بالضرورة أنه مخصص لأغراض عسكرية، فجميع الحساسات والكواشف التي تُستخدم في العمليات النووية يجب أن تكون ذات تخصيب مناسب، وهذه مسألة لا ينبغي تضخيمها بالأساليب السياسية أو العمليات النفسية”.
كما أشار رئيس منظمة الطاقة الذرية إلى أن الوكالة تجري أضخم عمليات التفتيش على إيران، قائلا: “في عام 2024، بلغ حجم تفتيش الوكالة لإيران رقما قياسيا غير مسبوق في العالم. فطاقة صناعتنا النووية أقل من 3% من الطاقة النووية العالمية، لكن حجم التفتيشات التي تُجرى علينا يمثل 25% من إجمالي تفتيشات الوكالة، أي أننا نخضع للتفتيش أكثر من 12 ضعف المتوسط العالمي”.
في الوقت ذاته، صرح رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأربعاء 28 مايو/أيار 2025، أن تقريرا شاملا عن إيران سينشر قريبا، وأنه على تواصل مستمر مع كلا الطرفين، مضيفا: “يجب أن تكون عمليات التفتيش الصارمة التي تجريها الوكالة جزءا من أي اتفاق محتمل بين إيران والولايات المتحدة”.

وتابع غروسي في معرض حديثه حول إمكانية فرض بروتكولات إضافية على طهران: “لا أعتقد أنهم يناقشون حاليا مسألة البروتوكول الإضافي، ولا أرى المباحثات الجارية على أنها جدل قانوني حول ما إذا كان ينبغي تطبيق المعايير القانونية أم لا، بل أفضل النظر إليها كنهج عملي قائم على الحالة”.
ترامب: نحظى بمفاوضات جيدة مع إيران.. وحذّرت إسرائيل
تأتي تلك التصريحات في الوقت الذي صرح فيه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الأربعاء 28 مايو/أيار 2025، بأن بلاده تحرز تقدما في المفاوضات مع إيران، حيث قال: “نحن نحرز تقدما جيدا مع إيران، وأعتقد أننا سنشهد قريبا شيئا منطقيا ومعقول، فهناك نتيجتان فقط إما نتيجة ذكية، أو عنيفة، ولا أظن أن أحدا يريد الثانية”.

وأضاف ترامب: “أحرزنا تقدما كبيرا، وسنرى ما سيحدث، فلا يزال الإيرانيون بحاجة إلى الموافقة على المراحل النهائية من الاتفاق، لكن ما سيحدث سيذهلكم، وسيكون رائعا بالنسبة لهم، إذ يمكنهم أن يكون لديهم مستقبل مزدهر”.
وردا على سؤال حول ما إذا كان قد حذر بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، من اتخاذ خطوات قد تعرقل المفاوضات، قال: “نعم، فعلت ذلك، لم يكن تحذيرا صريحا، بل قلت له إنني لا أعتقد أن هذا التحرك مناسب الآن”، وتابع: “نحن نجري محادثات جيدة جدا معهم، وقلت إن هذه الخطوات غير مناسبة حاليا، وقد نتمكن من التوصل إلى حل باتفاق قوي”.

وتابع: “أنا لا أطمح إلى اتفاقا قائما على الثقة، بل اتفاقا صارما يتيح لنا إرسال مفتشين، وأخذ أو تدمير ما نريده، دون أن يُقتل أحد”، وحول سؤاله عن موعد للوصول لاتفاق مع الجانب الإيراني، قال: “إن حدث، فسيكون خلال الأسابيع القليلة المقبلة”.
وكان عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، قد أعلن خلال مقابلة الأربعاء 28 مايو/أيار 2025، على هامش زيارة رئيس الجمهورية الإيراني، مسعود بزشكيان، لسلطنة عمان، ردا على سؤال حول ما إذا كانت هناك محادثات مع المسؤولين العمانيين بشأن المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة خلال هذه الزيارة، إنه من الطبيعي أن تُجرى بعض المشاورات وتبادل وجهات النظر، لكن جوهر هذه الزيارة ليس من أجل المفاوضات، مضيفا “من المحتمل أن يُحدد موعد الجولة الجديدة من المفاوضات بين إيران وأمريكا في الأيام القليلة القادمة”.

المفاوضات الأمريكية الإيرانية في وجود التهديد الأوروبي.. هل ستنجح؟
تشير المعطيات الحالية إلى بوادر جدية ومهمة في ملف المفاوضات الإيرانية، تتمحور حول رغبة مشتركة من جانب إيران والولايات المتحدة للوصول إلى اتفاق جديد يُعيد ضبط العلاقة بين الطرفين ويخفف التوترات القائمة بعد سنوات من الجمود والتوترات.
وبهذا الشأن، يؤكد سينا عضدي، خبير العلاقات الدولية، خلال تصريحات له الخميس 29 مايو/أيار 2025، أن الولايات المتحدة وإيران اتخذتا هذه المفاوضات بجدية غير مسبوقة، مرجحا أن يكون كلا الجانبين راغبا في إبرام اتفاق يحقق مكاسب لكل منهما.

كما أشار عضدي إلى أن البيت الأبيض يتعامل مع الملف الإيراني كإحدى ثلاث أولويات كبرى في السياسة الخارجية، إلى جانب الصراعات في أوكرانيا وغزة، وهو ما يفسر التركيز الكبير على محادثات الملف النووي، ويضيف أن كلا الطرفين يدركان أن التوصل إلى اتفاق نووي سيكون نجاحا دبلوماسيا مهما، خصوصا في ظل الأزمات العالمية المتعددة التي تواجه الإدارة الأمريكية.
وفي سياق البحث عن حلول مبتكرة، يطرح بهروز بيات، الفيزيائي والمستشار السابق في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فكرة تشكيل كونسورتيوم إقليمي يضم إيران ودول الخليج العربية مثل السعودية والإمارات، يعمل على إدارة أنشطة تخصيب اليورانيوم بشكل مشترك. وتقوم هذه الفكرة على أساس التعاون الإقليمي لضمان الشفافية وتقليل المخاوف الدولية من تطوير البرنامج النووي الإيراني لأغراض عسكرية. ويؤكد بيّات أن تطبيق هذه الفكرة قد يواجه تحديات عملية كبيرة، لكنه يرى فيها فرصة لإيران للحفاظ على وجهها واستمرار أنشطتها النووية بشكل رسمي، كما أنها ستمنح دول المنطقة درجة من الاطمئنان.

رغم ذلك، فلا تزال التحديات كبيرة ومعقدة، خصوصا على صعيد التداخل الإقليمي والدولي، ففي الوقت الذي تحاول فيه واشنطن وطهران التوصل إلى اتفاق، تلعب أوروبا دورا مركزيا، ليس بالضرورة إيجابيا، إذ يميل الاتحاد الأوروبي إلى ممارسة الضغوط من خلال التهديد بالعقوبات والضغط الاقتصادي، الأمر الذي يرى فيه البعض تهديدا للمسار التفاوضي بدلا من دعمه.
حيث يرى بعض المحللين أن الاتحاد الأوروبي تم تهميشه من قبل واشنطن في المفاوضات النووية مع إيران، ما دفع أوروبا، خاصةً ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، إلى محاولة استعادة دورها عبر التصعيد، حتى بتفعيل آلية الزناد كأداة ضغط، الأمر الذي حذر منه عراقجي عدد من المرات، في موقف يعكس قلق الدول الأوروبية من اعتبارها هامشية في الملف النووي، لا سيما بعد تصنيف إيران تهديدا أمنيًا بسبب دعمها المزعوم لروسيا في حرب أوكرانيا.
وبهذا الشأن، قال هادي نادري، الخبير في الشأن الأوروبي، إن أوروبا تحاول عبر تفعيل آلية الزناد الضغط على إيران لتغيير برنامجها النووي وسياساتها الإقليمية، معتمدة على الدعم الأمريكي أو بدونه، بينما تعتقد إيران أن أوروبا لم تعد أولوية في سياستها الخارجية، رغم استمرارها في الحوار مع الأوروبيين الذين يظهرون عجزا عن حل الملفات العالقة، ويضيف أن أوروبا لن تفعل آلية الزناد بشكل فعلي إذا تم التوصل لاتفاق مع أمريكا، لأن العقوبات الأكبر أمريكية.

إضافة إلى ذلك، تلعب دول الخليج دور الوسيط الفعال في هذا الملف، حيث كانت سلطنة عمان من بين الدول التي طرحت مقترحات لاتفاقات مؤقتة كحل لكسر الجمود التفاوضي، كما تشير التقارير التي نقلت عن وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي عرضه لمقترح اتفاق مؤقت يجري العمل على صياغته حاليا، في المبادرات تعكس حرص دول المنطقة على استقرار الوضع الإقليمي ووقف التصعيد الذي قد يؤدي إلى أزمات أشد تعقيدا.
من هنا، يظهر أن نجاح المفاوضات النووية الإيرانية مرهون بعدة عوامل أساسية، أولها الجدية والإرادة السياسية للطرفين الرئيسيين، إيران والولايات المتحدة، والثاني هو الدور الإقليمي للدول الخليجية التي تعمل كوسيط وتقريب بين الأطراف، والثالث هو موقف أوروبا التي يجب أن تحول سياسة العقوبات إلى سياسة تفاوضية أكثر إيجابية، أما التحدي الأكبر فيبقى كيفية إدارة كل هذه الملفات المتشابكة في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية المتقلبة.