لماذا ينبغي تغيير المسار الإعلامي والإخباري بشأن مفاوضات إيران والولايات المتحدة؟

ترجمة: يارا حلمي 

نشرت وكالة أنباء “خبر أونلاين” الإيرانية المحافظة، المحسوبة على مكتب علي لاريجاني مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، السبت 26 أبريل/نيسان 2025، تقريرا تناولت فيه تأثير ضعف الأداء الإعلامي الإيراني على مسار المفاوضات النووية غير المباشرة مع الولايات المتحدة، وكيف استغلته الأطراف المعارضة داخليا وخارجيا لنشر الشائعات والتأثير على الرأي العام. 

ذكرت الوكالة أنّ المسار الإعلامي المرتبط بالمفاوضات يعاني من التبعية للنماذج التقليدية وغياب الشفافية، ما جعله عاجزا عن إدارة الرأي العام، والفريق الإيراني المفاوض في الملف النووي لا يكاد يمر عليه يوم دون أن يواجه مفاجآت تخريبية تضعه في مآزق غير محسوبة.

وتابعت أنّ المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، والتي بدأت في مسقط يوم 13 أبريل/نيسان 2025، واستؤنفت في روما يوم 20 أبريل/نيسان 2025، تقف الآن على أعتاب الدخول في مرحلة تقنية جديدة من العاصمة العمانية، وهذه المحادثات تُجرى بوساطة سلطنة عمان، وفي ظلّ العودة السياسية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المشهد الأمريكي، ما أضفى عليها طابعا بالغ الحساسية لم يسبق له مثيل.

وأوضحت أنّ إدارة هذا الدور من المفاوضات على الصعيد الإعلامي تعاني من ضعف شديد، وأنّ العجز في إدارة الرأي العام ومجابهة الحملات النفسية التي يشنها المعارضون باتت تهدد الدبلوماسية الإيرانية وتعرضها للأذى.

وأضافت أن هذه المحادثات تجرى وسط أجواء من التوتر المتصاعد، في وقت فرضت فيه وزارة الخزانة الأمريكية في 10 أبريل/نيسان 2025، حزمة جديدة من العقوبات على الشبكة النفطية الإيرانية، فيما عاد ترامب لإطلاق تهديدات باستخدام القوة العسكرية، ما زاد من تعقيد المشهد الدبلوماسي.

وأشارت إلى أن وكالة “رويترز” ذكرت في تقرير لها صدر يوم 13 أبريل/نيسان 2025، أنّ البيت الأبيض وصف الجولة الأولى من مفاوضات مسقط بـ”الإيجابية جدا”، بينما عبّر عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، في مقابلة مع هيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية “صداوسيما”، عن أجواء اللقاء قائلا إنها تمت في “جو من الاحترام المتبادل”.

وأكدت أنّ التغطية الإعلامية للمفاوضات، نتيجة ارتهانها للقوالب الإعلامية القديمة وغياب الوضوح، فشلت في احتواء الرأي العام، وباتت تغفل عن حماية الفريق النووي الإيراني الذي يُفاجأ بشكل يومي بتحركات تخريبية. 

ولفتت إلى أنّ بعض البرامج التلفزيونية الرسمية، من خلال استضافة محللين متشائمين، لا تدعم الجهود الدبلوماسية بل تُسهم في تسميم الأجواء العامة. 

كما حذرت من أنّ هذا الخلل، إلى جانب الحرب النفسية التي يشنها معارضو التفاوض، بمن فيهم الإحتلال الإسرائيلي، والتيار المحافظ الأمريكي، وبعض الفصائل الداخلية الرافضة للمحادثات، يزيد من خطر تراجع ثقة الجمهور وإجهاض مسار التفاوض برمته.

التغطية الإعلامية من المفاوضات

ذكرت الوكالة أنّ مفاوضات القبول بقرار مجلس الأمن رقم ٥٩٨، والذي أنهى الحرب بين إيران والعراق، شكّلت مثالا على نمط التغطية الإعلامية المحدودة والمركزة. 

وأوضحت أنّ هيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية “صداوسيما”، بوصفها الوسيلة الإعلامية الوحيدة آنذاك، كانت تقوم بدور مكبّر صوت للوفد المفاوض الإيراني، ورأي بعض الخبراء أنّ هذا النموذج، نظرا لغياب وسائل إعلام منافسة، كان فعالا في ذلك الوقت. 

وتابعت أنّ خصوم المفاوضات، بمن فيهم بعض الجماعات الداخلية ووسائل الإعلام الغربية، حاولوا نشر شائعات مثل “استسلام إيران”، بهدف إحباط الرأي العام، لكن المرجعية العالية التي كانت تتمتع بها صداوسيما آنذاك حالت دون تفشي تلك الشائعات.

فترة مفاوضات سعيد جليلي، الذي كان كبير المفاوضين النوويين (2007: 2013)

وأوضحت أنهت تميزت بتركيز إعلامي صارم، والمفاوضات السرية التي جرت في سلطنة عمان، تمّت دون أي اطلاع للرأي العام، واكتفت وزارة الخارجية بإصدار بيانات عامة، وهذا النهج، رغم فاعليته في منع تسريب المعلومات الحساسة، أبقى المجتمع في الظلام، ومنح الفرصة لخصوم مثل الإحتلال الإسرائيلي وبعض الأطراف الداخلية لشنّ عمليات نفسية ضد العملية التفاوضية. 

وذكرت أنّ صحيفة “جيروزالم بوست” الإسرائيلية زعمت في عام 2012، أنّ إيران قدمت تنازلات كبيرة خلال مفاوضات ألماتي، وهو ما ردّت عليه طهران بعد فوات الأوان، ما أضعف الثقة العامة وجعل المفاوضات عرضة للشائعات.

مفاوضات “الاتفاق النووي” ( 2013: 2015)

وتابعت أن مفاوضات “الاتفاق النووي” كانت ذروة النشاط الإعلامي، والتغطية الصحفية الواسعة، والمقابلات المتكررة نائب الرئيس الإيراني للشؤون الدبلوماسية السابق محمد جواد ظريف، واستخدامه لمنصة “تويتر”، مكنت الفريق الإيراني من السيطرة على السرد الإعلامي. 

وأضافت صحيفة “ذا غارديان” البريطانية في تقرير نشر عام 2015، أنّ تغريدات ظريف الدقيقة ساهمت في ترسيخ الرواية الإيرانية، وهذه الدبلوماسية العامة ساعدت على كسب ثقة الرأي العام، لكن خصوما مثل الإحتلال الإسرائيلي والمحافظين الأمريكيين حاولوا تقويض المفاوضات بنشر معلومات مضللة، من قبيل الادعاء بـ”التنازل عن منشأة فُردو النووية”، غير أنّ فريق إيران الإعلامي تمكّن إلى حد كبير من التصدي لها عبر التغطية النشطة.

مفاوضات إحياء الاتفاق النووي (2021: 2024)

 ذكرت الوكالة أن هذه المفاوضات بقيادة علي باقري كني، نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية آنذاك، اتسمت بتغطية إعلامية محدودة، وشهدت مفاوضات فيينا تغطية متواضعة، واعتمدت فقط على بيانات عامة صادرة عن وزارة الخارجية بوصفها المصدر الرسمي الوحيد. 

وتابعت أنّ هذا الأسلوب، رغم فعاليته في كبح التسريبات، منح خصوم التفاوض فرصة لفرض روايتهم الخاصة، كما ادعت  قناة “فوكس نيوز” الأمريكية عام 2021، أنّ المفاوضات تهدف فقط لتبادل السجناء، وأنّ هذا الادعاء تم نفيه بعد تأخر كبير. 

وأضافت أنّ بعض وسائل الإعلام المحلية روجت لفكرة أنّ الحكومة الإيرانية برئاسة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي قدمت تنازلات مفرطة، ما أضعف الثقة العامة، وجعل التفاوض عرضة لحملات دعائية.

الضعف الإعلامي في المفاوضات الحالية

ذكرت الوكالة أنّ النمط التفاوضي الراهن يعتمد بشكل مفرط على القوالب الإعلامية القديمة، وإجابات الفريق المفاوض على أسئلة معدة مسبقا من صداوسيما تذكّر بتجربة تغطية مفاوضات قرار 598، وتفتقر إلى تفاعل حقيقي مع الجمهور. 

وتابعت أنّ هيئة الإذاعة والتلفزيون، التي تواجه تراجعا في مرجعيتها، ما تزال تشكل المصدر الأساسي للأخبار، رغم أنّ شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الدولية أصبحت تلعب دورا محوريا في تشكيل الرأي العام. 

وأضافت أنّ بعض برامج صداوسيما، من خلال استضافة محللين “متشددين”، كما في حالة برنامج وصف المفاوضات بأنها “استسلام”، ساهمت في نشر التشاؤم بدلا من دعم المسار الدبلوماسي، وهذا النهج غير فعّال في العصر الرقمي حيث تنتشر المعلومات بسرعة مذهلة.

وأفادت بأنّ غياب الشفافية وسرعة الإبلاغ أسهم في تعزيز الشائعات، وحادثة “قلم الحبر” في مفاوضات مسقط تعد مثالا على هذا القصور، كما نشرت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية تقريرا في 12 أبريل/نيسان 2025، زعمت فيه أنّ عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، التقى بشكل مباشر مع ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط، ما أثار موجة من التكهنات. 

وأوضحت أنّ عراقجي اضطر إلى توضيح الأمر عبر منصة “إكس”، مبينا أنّ اللقاء اقتصر على بضع دقائق عفوية خارج قاعة المفاوضات، ما استدعى أيضا ردّا من سفير إيران في سلطنة عمان، وهذه الواقعة كشفت عن ضعف الفريق الإعلامي الإيراني في التعامل مع الأزمات الإخبارية، ونقل موقع المفاوضات من مسقط إلى روما حظي بتغطية أكبر من جوهر المفاوضات ذاتها. 

وأشارت إلى أن وكالة “رويترز” ذكرت في 19 أبريل/نيسان 2025، إنّ هذا التغيير ساهم في تعميق الغموض بشأن طبيعة المحادثات، ما يؤكد وجود خلل في توجيه السرد الإعلامي.

وبينت أنّ تجاهل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في هذه الجولة التفاوضية، رغم دورها المحوري في مفاوضات “الاتفاق النووي”، شكل نقطة ضعف واضحة، كما أن عددا من الخبراء حذروا من أنّ أخبار المفاوضات الحالية “مصطنعة وموجهة”، والفريق المفاوض لم يستغل منصة “إكس” لطرح روايته أولا. 

وأكدت أنّ فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، صرحت بأنّ وسائل الإعلام الإيرانية كانت المرجع الأساسي في تغطية المفاوضات، غير أنّ مواقع مثل “أكسيوس”، و”نيويورك تايمز”، و”أسوشيتد برس”، تصدرت المشهد بتقاريرها التي تحدثت عن “تقدم محدود” في المحادثات، مما مكّنها من فرض سرديتها على الرأي العام.

العمليات النفسية للمعارضة

ذكرت الوكالة نقلا عن صحيفة “كيهان” الإيرانية، أنه في تقرير نُشر بتاريخ 16 أبريل/نيسان 2025، كتبت أنّ معارضي المفاوضات شنوا عمليات نفسية تستهدف المسار الدبلوماسي، وادّعت أنّ المقترحات التي تقدم بها ستيف ويتكوف، كبير المفاوضين الأمريكيين، تختلف عن الرواية الإعلامية الأمريكية، مشيرة إلى أنّ تلك المقترحات تنطوي على “ضمانات غير واقعية”.

وأضافت أن تحليلات لخبراء سياسيين أشارت إلى أنّ الأداء الإعلامي الباهت في طهران أضاع على الفريق الإيراني فرصة فرض السردية الأولى، في حين اعتمدت الولايات المتحدة على “علاقات دافئة” مع وسائل الإعلام لإدارة الرأي العام الدولي، بينما اكتفت طهران بنشر بيانات عمومية مقتضبة.

ضرورة مراجعة الاستراتيجية الإعلامية الإيرانية

ذكرت الوكالة أن حساسية المفاوضات الراهنة، التي تُجرى بشكل غير مباشر مع الولايات المتحدة فقط، تستدعي اهتماما خاصا بالجانب الإعلامي، خصوصا مع دخولها المرحلة الفنية، وأوضحت تقارير سياسية أنّ وتيرة المفاوضات باتت سريعة بعد انتقالها إلى مستوى الخبراء، ما يجعلها أكثر عرضة للتأثر بالشائعات.

وتابعت أن تحليلات ميدانية ذكرت أنّ التغطية الشفافة والفاعلة يمكن أن تردع الأخبار الزائفة وتعزز الثقة العامة، فمثلا، لو تم التعامل سريعا مع قضية “القلم”، لكان بالإمكان تقليص مساحة التهويل، وتشكيل فريق إعلامي محترف يضم خبراء في الدبلوماسية العامة قادر على التعامل مع وسائل الإعلام المحلية والدولية، قد يحقق نتائج إيجابية.

وأضافت أن الشفافية المدروسة، عبر تقديم معلومات غير حساسة عن هيكلية المحادثات، قادرة على استعادة ثقة الجمهور، وضرورة التصدي للعمليات النفسية من خلال تفنيد سريع للشائعات وكسر السرديات المعادية، مع التأكيد على أنّه رغم تراجع مكانة (هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية الرسمية)، فإنّ التعاون مع وسائل الإعلام المستقلة قد يعزز موقف إيران الإعلامي.

كلمات مفتاحية: