- ربيع السعدني
- متميز
- 49 Views
كتب: ربيع السعدني
في عالمٍ تتصارع فيه القوى العظمى والدول الإقليمية على النفوذ والسيطرة، ألقت إيران قنبلة استخباراتية مدوية، معلنة عن عملية معقدة نفذتها قواتها السرية، أطلق عليها اسم “جنود الإمام المهدي”، هذه العملية، التي وُصفت بأنها إنجاز تاريخي.
مكّنت طهران من اقتناص ثروة من الوثائق الاستراتيجية من قلب إسرائيل، كاشفةً أسرار برامجها النووية ومشاريعها العسكرية ووضعتها تحت المجهر، وسط تصاعد التوترات الإقليمية ومفاوضات نووية متعثرة، يأتي بيان المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني ليُبرز قدرات طهران الهجومية، ويُلقي بظلال من القلق على خصومها.
عملية “جنود الإمام المهدي”
في خطوة أذهلت الأوساط الدولية، أعلنت أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني عن نجاح عملية استخباراتية معقدة نفذتها وحدة “جنود الإمام المهدي“، وهي قوة سرية تابعة للنظام الإيراني، هذه العملية، التي وُصفت بأنها “صامتة ومتواضعة”، أسفرت عن الاستيلاء على آلاف الوثائق الحساسة من إسرائيل، تتضمن تفاصيل دقيقة عن برامجها النووية السرية، منشآتها العسكرية، وخططها الاستراتيجية، البيان الإيراني أكد أن هذه الوثائق تشكل “غنيمة عظيمة”، تمثل ثمرة تخطيط ذكي وجهود متواصلة لمواجهة ما وصفه بـ”مؤامرات الأعداء”.
لم تكتفِ إيران بالإعلان عن الإنجاز، بل كشفت أن هذه المعلومات عززت قدراتها العملياتية، مما يتيح لها الرد الفوري على أي هجوم محتمل من إسرائيل، وفي رسالة تحمل طابع التحدي، وبحسب موقع “همشهري أونلاين”، جاء في البيان أن طهران اليوم قادرة على استهداف المنشآت النووية الإسرائيلية السرية، والبنية التحتية الاقتصادية والعسكرية بدقة متناهية، وفق طبيعة أي عدوان محتمل.
كنز الوثائق.. أسرار إسرائيل تحت مجهر طهران

وزارة الاستخبارات الإيرانية قدمت تفاصيل مذهلة عن طبيعة الوثائق التي حصلت عليها، هذه الوثائق، التي وُصفت بأنها ذات “قيمة استراتيجية وعلمية وعملية”، تشمل معلومات عن برامج نووية غير قانونية تديرها إسرائيل، وضمن ذلك تفاصيل عن المنشآت، والأبحاث، والاتصالات مع مؤسسات أمريكية وأوروبية.
كما تضمنت ملفات عن البرامج العسكرية والصاروخية، ووثائق فنية تتعلق بمشاريع ذات استخدام مزدوج، إلى جانب قوائم بأسماء وعناوين علماء ومسؤولين إسرائيليين متورطين في هذه المشاريع، ومن أبرز الاكتشافات، كشف البيان عن توظيف إسرائيل لباحثين يحملون جنسيات دول أخرى، مع حصول إيران على بياناتهم الشخصية الكاملة.
وبحسب هيئة البث الإسرائيلية، كما نقلت وكالة أنباء “خبر أونلاين” أن جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) والشرطة الإسرائيلية كشفت في بيان قبل 17 يوما، عن اعتقال كلا من روي مزراحي وإلموغ أتياس، وكلاهما يبلغان من العمر 24 عاما، من بلدة النصر في الأراضي المحتلة شمالي حيفا، بتهمة التعاون مع إيران.
وقد تم إلقاء القبض على هؤلاء الأفراد، إذا كان لهم علاقة بالقضية الأخيرة، بعد خروج شحنة الوثائق من الأراضي المحتلة.
وذكرت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا” أن جهاز الاستخبارات الإيراني حصل على ثروة من المعلومات والوثائق الاستراتيجية والحساسة من النظام الإسرائيلي وضمن ذلك آلاف الوثائق المتعلقة بالخطط والمنشآت النووية لهذا النظام، هذه المعلومات تضع إسرائيل في موقف حرج، إذ تكشف عن شبكة تعاون دولي مع الولايات المتحدة ودول أوروبية تدعم برامجها التسليحية.

الأكثر إثارة للجدل هو اكتشاف تقارير كاذبة أرسلتها إسرائيل إلى مؤسسات دولية، تتهم فيها إيران بانتهاكات نووية، في حين تبنت هذه المؤسسات تلك الادعاءات دون تدقيق.
دوافع البيان.. رسالة قوة في زمن التوتر
لم يأتِ إصدار هذا البيان في فراغ، بل يعكس سياقا إقليميا ودوليا مشحونا، يتزامن الإعلان مع تهديدات أمريكية متكررة برد عسكري في حال استمرت إيران في تخصيب اليورانيوم، ومع تقارير إسرائيلية عن خطط لاستهداف منشآت نووية إيرانية إذا فشلت المفاوضات الجارية منذ أبريل/نيسان 2025، وانطلاق جولات التفاوض النووي مع واشنطن، وعلى الجانب الآخر أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، ردا على التهديدات الإسرائيلية، أن إيران لم تسعَ قط إلى امتلاك أسلحة نووية، وتؤكد باستمرارٍ سلمية برنامجها النووي، وأشار تحديدا إلى وجود عشرات الرؤوس النووية في ترسانة النظام الإسرائيلي.
كما صرّح عراقجي بأن البرنامج النووي الإيراني متوافق تماما مع القانون الدولي، ويستند إلى فتاوى دينية تحرم امتلاك الأسلحة النووية. وفي هذا السياق، يبدو البيان الأخير بمثابة رسالة تحذير ووعيد، تهدف إلى ردع الخصوم وإبراز قوة إيران الاستخباراتية، كما يعكس البيان ثقة طهران المتزايدة في قدراتها، خاصة بعد نجاح العملية التي استلزمت نقل كميات هائلة من الوثائق بأمان إلى إيران، وفقًا لمصادر إيرانية، فإن الحجم الضخم للوثائق تطلب تعتيمًا إعلاميا حتى اكتمال النقل إلى مواقع محمية، وهو ما أكده التلفزيون الرسمي الإيراني يوم 7 يونيو/حزيران 2025.
تداعيات محتملة.. تصعيد أم فرصة للحوار؟

إعلان إيران عن هذا الإنجاز المعلوماتي يضع إسرائيل وداعميها في موقف دفاعي، إذ يكشف عن ثغرات أمنية خطيرة في النظام الإسرائيلي، كما يزيد من الضغوط على واشنطن، التي تواجه اتهامات بالتواطؤ في برامج نووية غير قانونية.
وفي هذا الصدد، ذكرت وكالة أنباء الطلبة “إيسنا” عن مراسل الميادين في طهران: “إن ما كشفته هذه المصادر من حيث كمية ونوعية الوثائق التي تم الحصول عليها، يعتبر خرقاً أمنياً كبيراً للنظام المحتل، ومن المتوقع أن يتم نشر مزيد من المعلومات حول هذه الوثائق إلى جانب صور فيديو”، وأكد: “إن الكشف عن هذه الوثائق في هذا الوقت يحمل رسائل مهمة للغاية في أبعاد عديدة”.
في الوقت ذاته، قد يُفاقم هذا الكشف التوترات في المفاوضات النووية الجارية، خاصة مع تهديدات إسرائيل بشن هجمات على منشآت إيرانية ومع ذلك، قد يُستغل هذا الإنجاز كورقة ضغط في المفاوضات، حيث تسعى إيران لتعزيز موقفها التفاوضي من خلال إبراز قدراتها الاستخباراتية والهجومية.
الكنز الدفين
تصريح وزير الاستخبارات الإيراني، إسماعيل خطيب، في مقابلة تلفزيونية حول تفاصيل الضربة الاستخباراتية التي وجهتها طهران للنظام الإسرائيلي بأن هذه الوثائق السرية تمثل “كنزا دفينا”، يعكس هذا التوجه، مشيرا إلى أنها ستعزز قدرات إيران الهجومية بشكل غير مسبوق، وأضاف: “لقد خُطط لعملية شاملة ومعقدة في هذا الاتجاه، بدأت ببدء التسلل والامتصاص وزيادة الوصول إلى الموارد وأصبح من الممكن لنا اليوم امتلاك هذا الكنز”.
من جهته هنأ اللواء عبد الرحيم موسوي، القائد العام للجيش الإيراني، وزير المخابرات إسماعيل الخطيب، بالانتصار الاستخباراتي لـ”جنود الإمام المهدي” على الكيان الإسرائيلي.
وأكد أن هذا الإنجاز يعزز قوة الردع الإيرانية، ويمثل صفعة قوية للنظام الصهيوني، ومؤشرا على زواله المبكر. وأشاد بالعملية الاستخباراتية المعقدة التي أدت إلى انهيار هيمنة الكيان الإسرائيلي مهنئا الشعب الإيراني وجهاز الاستخبارات على هذا النجاح الباهر تحت قيادة خامنئي.
في مشهد دولي معقد، حيث تتداخل الدبلوماسية مع الاستخبارات، والحوار مع القوة والردع، يُبرز بيان مجلس إيران القومي قوتها في مواجهة خصومها، لكنه يثير أيضا تساؤلات حول تداعيات هذا الكشف، هل سيكون هذا الإنجاز الاستخباراتي بوابة لتصعيد عسكري، أم أنه سيُعيد خلط الأوراق في المفاوضات النووية؟