- زاد إيران - المحرر
- 75 Views
تشهد العلاقات الاقتصادية بين إيران وسلطنة عمان تحولات نوعية تعكس رغبة الطرفين في تعزيز التعاون الثنائي، وسط تحديات إقليمية ودولية تحاصر الاقتصاد الإيراني. يأتي ذلك في ظل سعي طهران إلى تنويع شركائها التجاريين والماليين، وفتح منافذ جديدة لتجاوز العقوبات الاقتصادية، فيما تُعد عمان بوابة استراتيجية مهمة على الخليج، تمتاز بقدرتها على التوازن السياسي والاقتصادي بين مختلف القوى الإقليمية.
في هذا السياق، حملت زيارة رئيس الجمهورية الإيراني، مسعود بزشكيان، لمسقط مؤشرات قوية على تطور التعاون الاقتصادي، لا سيما مع طرح فكرة إنشاء بنك مشترك بين البلدين، مما يعكس رؤية مشتركة لخلق شراكة اقتصادية متينة تحقق منافع متبادلة في ظل الظروف الراهنة.
زيارة بزشكيان لمسقط.. دلالات ورسائل
فقد شهدت زيارة الرئيس الإيراني بزشكيان لسلطنة عمان، والتي استغرقت يومين من الاثنين 26 مايو/أيار إلى الأربعاء 28/ مايو/يار 2025، توقيع 18 وثيقة تعاون تهدف إلى تعميق وتوسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، وأوضح بزشكيان أن حجم التبادل التجاري الحالي بين إيران وعمان يبلغ نحو 2.3 مليار دولار، مشيرا إلى أن هناك توجها واضحا ومتصاعدا لزيادة هذا الرقم خلال السنوات المقبلة عبر تطوير العلاقات الاقتصادية الثنائية.

كما أكد بزشكيان خلال زيارته، أن تحسين البنية التحتية للربط بين البلدين عبر الطرق البرية، والنقل البحري، والمواصلات الجوية يمثل ركيزة أساسية لتعزيز التجارة وتيسير تبادل البضائع والخدمات، وشدد على أهمية تسهيل إجراءات التجارة والمالية، مع تأكيد ضرورة وجود قنوات مالية مناسبة لدعم التجار وتمكينهم من تنفيذ معاملات تجارية سلسة بدون تعقيدات أو عراقيل.

كما أشار إلى إمكانية زيادة حجم التجارة مع عمان ليصل إلى ما بين 20 و30 مليار دولار في المستقبل القريب، وذلك من خلال استثمار الفرص المتاحة وتعزيز التعاون الصناعي والتكنولوجي والمالي، وأن النفط والغاز، رغم أهميتهما كموارد طبيعية، لا تشكل سوى جزءا من منظومة اقتصادية متكاملة يجب تطويرها عبر الاستثمار في قطاعات أخرى مثل الصناعة، التكنولوجيا، التعليم، والطب.
وخلال لقائه مع رجال الأعمال العمانيين، أكد بزشكيان أهمية توسيع آفاق التعاون بين القطاعين الخاصين في البلدين، من خلال تعزيز التبادل التجاري وتطوير المشروعات المشتركة التي تخدم التنمية الاقتصادية في كلا الدولتين. وقد اتفق الجانبان على ضرورة دعم الاستثمارات المتبادلة وخلق بيئة ملائمة تسهل على المستثمرين إطلاق مشروعاتهم وتوسيع نشاطاتهم.

وفي اجتماعات أخرى، بحث بزشكيان مع المسؤولين العمانيين طرق تطوير التعاون في مجالات الطاقة، التعدين، والاتصالات، مؤكدا أن تعزيز التعاون في هذه القطاعات سيسهم في تقوية العلاقات الاقتصادية والاستفادة من الإمكانات المشتركة. كما تم التطرق إلى أهمية التنسيق المشترك في مواجهة التحديات الاقتصادية الإقليمية ودعم الاستقرار الاقتصادي في المنطقة.
واختتمت الزيارة بإصدار بيان مشترك بين إيران وعمان يؤكد التزام الطرفين بتعزيز التعاون الاقتصادي، ودعم القطاع الخاص، وزيادة حجم المبادلات التجارية، وتوسيع الاستثمارات الثنائية. كما تم تأكيد دور عمان كجسر مهم للتواصل التجاري بين إيران وباقي دول الخليج والدول الأخرى في آسيا وأفريقيا، مما يفتح آفاقًا جديدة لتعميق التكامل الاقتصادي الإقليمي.
وكان أبرز ما حملته الزيارة من رسائل، إصرار الجانب الإيراني على تحويل العلاقات بين البلدين إلى شراكة اقتصادية متينة، حيث تم خلال الزيارة طرح مشروع إنشاء بنك مشترك بين إيران وعُمان، وهو ما يمثل خطوة متقدمة في مجال التعاون المصرفي والمالي، خصوصًا في ظل تعقيدات العقوبات التي تقيد المعاملات المالية لطهران.
البنك المشترك.. محاور التعاون المالي
لم يكن اقتراح إنشاء بنك مشترك بين إيران وعمان مجرد فكرة عابرة خلال الزيارة، بل جاء من قبل محمد رضا فرزين، محافظ البنك المركزي الإيراني، الذي رافق بزشكيان في هذه الجولة، حيث أكد فرزين أن إنشاء هذا البنك سيكون حجر الزاوية في استراتيجية طهران لتجاوز العقوبات الاقتصادية.

وأوضح فرزين أن البنك المشترك سيكون له دور محوري في تسهيل العمليات المالية بين الجانبين، عبر استخدام العملات المحلية وتخفيض الاعتماد على الدولار والعملات الأجنبية، الأمر الذي يمكن أن يخفف من الأعباء المالية التي تواجهها إيران في تعاملاتها الدولية.
كما تم الاتفاق على دراسة آليات فتح حسابات مصرفية مشتركة تسمح بتدفق الأموال بشكل سلس وآمن، إضافة إلى التعاون في مجال المراسلات المالية وتسهيل تحويلات التجار والمستثمرين.
يذكر أن مثل هذه الخطوة ليست جديدة كليا، بل تم طرحها في السابق بين الطرفين، لكنها تكتسب هذه المرة أهمية متزايدة بسبب زيادة العقوبات على إيران ورغبتها في تعميق تعاونها مع عمان، التي تعتبر بالنسبة لطهران مركزا ماليا وإقليميا موثوقا به.
العلاقات الاقتصادية بين إيران وعمان.. واقع وتحديات
تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن حجم التبادل التجاري بين إيران وسلطنة عمان تجاوز 1.8 مليار دولار في العام الأخير، مع استمرار نمو حجم التبادل التجاري بنسبة 15% مقارنة بالعام السابق. ويتركز هذا التبادل في قطاعات متنوعة تشمل الغذاء والمنتجات الزراعية ومواد البناء والمشتقات البتروكيماوية.

تعكس هذه الأرقام درجة من التعاون الاقتصادي الإيجابي بين البلدين، رغم القيود الخارجية التي تعاني منها إيران. فمسقط حافظت على علاقة مستقرة وودية مع طهران، مكنت الطرفين من الاستمرار في تطوير علاقاتهما الاقتصادية، والبحث عن حلول إبداعية لتجاوز العقبات التي تفرضها العقوبات الدولية.
وعلى المستوى المؤسسي، شهدت السنوات الماضية تأسيس لجان اقتصادية مشتركة بين إيران وعمان، والتي نظمت اجتماعات دورية لمناقشة آليات تسهيل التبادل التجاري، وتذليل العقبات اللوجستية، إلى جانب اتفاقيات لدعم الاستثمار المشترك في مجالات الطاقة، النقل، والصناعات الخفيفة.
كما أبرم البلدان اتفاقيات خاصة بتسهيل إصدار التأشيرات للتجار ورجال الأعمال، إضافة إلى اتفاقيات الشحن البحري التي تربط موانئهما مباشرة، مما ساهم في تسريع تدفق البضائع وخفض تكاليف النقل.
عمان.. البوابة الاقتصادية للخليج الإيراني
وتعتبر عمان بالنسبة لإيران أكثر من مجرد جارة، فهي بمثابة نافذة استراتيجية مهمة تمكن طهران من النفاذ إلى أسواق الخليج الأخرى، بعيدا عن أجواء التوتر التي تعاني منها إيران مع بعض دول المنطقة.

كما يُنظر إلى عُمان كبوابة مفتوحة يمكن استخدامها كمنفذ لتصدير السلع والخدمات الإيرانية إلى الخليج والعالم، مما يتيح لطهران التخفيف من تأثير العقوبات المفروضة عليها. وتتميز عمان بمرونتها السياسية وقدرتها على المناورة ضمن التوازنات الإقليمية، الأمر الذي يجعلها شريكا اقتصاديا مفضلا لدى إيران.
وفي هذا الإطار، تستفيد إيران من وجود مناطق حرة مثل صحار والدقم في عمان، والتي يمكن من خلالها إعادة تصدير السلع الإيرانية إلى الأسواق الخليجية تحت أسماء أخرى، وهو ما يوفر فرصة لتقليل الأثر المباشر للعقوبات على الصادرات الإيرانية.
آفاق التعاون.. من الأفكار إلى التنفيذ
ولا يقتصر التعاون بين البلدين على المجالات المالية فقط، بل يمتد إلى عدة قطاعات اقتصادية أخرى. فهناك مقترحات إيرانية رامية إلى إنشاء صندوق استثماري مشترك، يُمكّن الطرفين من تمويل مشاريع في الطاقة والنقل والتكنولوجيا، كما تم طرح فكرة تفعيل الخطوط البحرية بين موانئ بندر عباس وشاه بحر في إيران، مع موانئ صحار وصلالة العمانية، لتعزيز الربط البحري وتقليل التكاليف اللوجستية.

ومن المقترحات التي تلقى قبولا مبدئيا أيضا هي إقامة مراكز تجارية إيرانية دائمة في المدن الكبرى في عمان، لتعزيز تسويق المنتجات الإيرانية والتصدير المباشر، وهو ما يعزز العلاقات التجارية ويسهل دخول السلع الإيرانية إلى الأسواق الخليجية.
كما تتجه الأطراف نحو تقليل الاعتماد على الدولار في التبادلات التجارية، عبر استخدام العملات المحلية، خاصة الريال الإيراني والريال العماني، ما يساعد في حماية الاقتصادين من تقلبات أسعار الصرف.
وفي قطاع الطاقة، تدرس إيران وعمان إمكانية التعاون في مشاريع مشتركة، منها مقترح خط أنابيب غاز بحري يربط بين البلدين، وهو مشروع يهدف إلى تعزيز الأمن الطاقي للمنطقة وفتح آفاق جديدة لتصدير الغاز.
ورغم هذه الخطط والطموحات، تظل هناك تحديات كبيرة أمام تعميق العلاقات الاقتصادية بين إيران وعمان، فتوازنات السياسة الإقليمية تفرض على مسقط الحذر في علاقاتها مع طهران، خاصةً أن عمان ترتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة ودول الخليج الأخرى.
ويحاول الجانب العماني أن يمارس دور الوسيط بذكاء، محافظة على علاقاته مع واشنطن دون قطع جسور التعاون مع إيران، مما يجعل تنفيذ الاتفاقات الاقتصادية مع طهران يتم بصورة تدريجية ومدروسة.
أما من جانب إيران، فتواجه تحديا داخليا يتعلق بضرورة إصلاح بيئة الأعمال، وتوفير ضمانات قانونية للمستثمرين العمانيين، الأمر الذي من شأنه زيادة الثقة وتحفيز ضخ مزيد من الاستثمارات المشتركة.
عمان في قلب الاستراتيجية الاقتصادية الإيرانية
يمكن القول إن سلطنة عمان تمثل اليوم أداة اقتصادية وإقليمية محورية لإيران في ظل العقوبات والعزلة الدولية، حيث تمنحها نافذة فعالة على الخليج، وتمكنها من التخفيف من الضغوط الاقتصادية.
ومع تعزيز التعاون المالي عبر إنشاء بنك مشترك، وتفعيل التبادلات التجارية، وفتح أبواب الاستثمار المشترك، تصبح عمان شريكا لا غنى عنه في رؤية إيران لتجاوز التحديات الاقتصادية.
ويبقى النجاح في هذه الشراكة مرهونا بقدرة الجانبين على التعامل بمرونة مع متغيرات السياسة الدولية، والالتزام بتحقيق مشاريع مشتركة تساهم في نمو اقتصادي مستدام للطرفين.